جيل جديد من المضادات الحيوية أقوى بـ 25000 مرة
من الصعب إنكار أن سيناريو انتهاء البشرية بسبب وباء سببته بكتيريا خارقة القوى يعد من أكثر السيناريوهات احتمالا وقابلية للتصديق. مع الاستخدام الكارثي للمضادات الحيوية تمكنت سلالات البكتيريا بمختلف أنواعها من التحول لنسخ أكثر قوة وصبرًا وتحملاً لأسلحتنا المحدودة مساءة الاستخدام.
كانت الاستراتيجية الأحدث لتأخير هذا المصير الأسود حتى الآن تعتمد على اكتشاف مواد جديدة تستطيع التدخل في عملية بناء جدار الخلية البكتيرية أو هدمه أو التسبب في اختلال وظائفه. مع هذا، تظل احتمالية تعلم البكتيريا مقاومة هذه المواد احتمالية ليست ببعيدة على الإطلاق.
لهذا ظهرت دراسة جديدة تقوم بمناورة قد تعطينا الأفضلية في معركتنا مع البكتيريا لسنوات طويلة.
التحديث الأخير
منذ أن تم فصله عام 1956، شكل «الفانكوميسين» سلاحًا خطيرًا ومدمرًا في ترسانتنا ضد البكتيريا التي أبدت مقاومة لكل المضادات الحيوية الأخرى. عندما استطاعت بعض البكتيريا إنماء مقاومة فعالة ضده كان الأمر نذير شؤم لا يمكن التغاضي عنه. هنا قام العلماء بتحضير النسخة الثانية من الفانكوميسين.
لم تلبث البكتيريا حتى استطاعت مقاومة النسخة الجديدة أيضًا. مهما كان الأمر صعبًا فإن البكتيريا بإمكانها التركيز على المشكلة التي يتسبب فيها المضاد الحيوي الجديد والتغلب عليها. أدى ذلك إلى الاستنزاف الدائم لمخزوننا البحثي من المركبات الجديدة التي يتم استخدامها لعلاج العدوى البكتيرية.
هنا قام باحثون بمعهد سكريبس الأمريكي للأبحاث الأحيائية – الطبية بتعقيد الأمور على البكتيريا. تم تحضير نسخة جديدة من الفانكوميسين تقوم بقتل البكتيريا بثلاث طرق مختلفة في آن واحد. الأمر الذي لا تستطيع البكتيريا – حتى الآن – تكوين مقاومة له.
في الورقة البحثية المنشورة في مجلة PNAS الأمريكية قام أوكانو، إيسلي وديل بتصميم طريقة تحضير تنطوي على ما يقرب من 30 خطوة لتحضير النسخة الجديدة من الفانكوميسين. كانت الطريقة التقليدية لعمل الفانكوميسين تهدف لتدمير الجدار الخلوي للبكتيريا بأن تقوم بالارتباط بمادة بنائها –الببتيدات– المنتهية بنسختين من الحمض الأميني D-alanine.
بالطبع سرعان ما التقطت البكتيريا هذه الثغرة وقامت بتغيير هيكلها لتنتهي ببتيداتها بنسخة من D-alanine ونسخة من D-lactic acid. يتبع ذلك نجاح فريق من العلماء بقيادة ديل – المشارك في الورقة الجديدة – في جعل الفانكوميسين قادرًا على تدمير الجدران الخلوية الجديدة. استطاع العلماء أيضًا إيجاد طريقة لإيقاف بناء الجدار الخلوي ذاته كما تمكن آخرون من جعل الجدار الخلوية تقوم بتسريب المحتويات الخلوية مما يتسبب في موت الخلية. كل هذه الطرق كانت تستخدم كبدائل لبعضها البعض عندما تتمكن بكتيريا معينة من مقاومة إحداها، وهو أمر كانت تنجح فيه دائمًا.
تعتمد الورقة البحثية الجديدة منهجًا مختلفًا وجامعًا. بينما كانت كل أبحاث المضادات الحيوية تعتمد على اكتشاف نشاط مادة ما ثم استغلاله، قام فريق معهد كريبس بتصميم مركب يعمل بكل هذه الطرائق المذكورة سابقًا في آن واحد.
ذاك التشتيت الذي لا تستطيع البكتيريا التعامل معه هو بالضبط ما جعل النسخة الجديدة من الفانكوميسين أقوى بـ25000 مرة من سابقيها.
نقلة نوعية
شكلت الخطوة الجديدة انتقالا في النسق الفكري فيما يخص المضادات الحيوية. إن «تصميم» جزئ المضاد الحيوي كعملية معتمدة على معرفتنا المسبقة هو بحد ذاته ثورة وتأكيد عليها. الآن نستطيع استخدام معرفتنا الحالية بالنظرية وراء عمل المضاد الحيوي وفهمنا لتكوين البكتيريا وخواصها في خدمة توسيع هذه المعرفة. لم تعد العملية تبدأ من الصفر كل مرة. الآن نستطيع ولو نظريًا أن نقوم بوضع تصور للجزئ الذي نحن بحاجة إليه ثم وضع خارطة الطريق نحو تحضيره كيميائيًا أو بيو كيميائيًا.
قد مر الكثير من الوقت منذ اكتشفنا وجود وماهية المضاد الحيوي. هو ذاك الجزئ الصغير الحجم والوزن الذي يأتي من الطبيعة أو طبيعي جزئيًا. ربما حان الوقت لنجد تعريف المضاد الحيوي ينقلب كليًا ويصل إلى الضفة المعاكسة تمامًا، ضفة الجزيئات الصناعية.
رغم كون النسخة الجديدة من الفانكوميسين غير مناسبة للطرح في الأسواق أو علاج البشر في المرحلة البحثية الحالية، إلا أن الخطوة الأساسية القادمة لا تتعلق بالأمان بقدر ما تهدف نحو اختصار الطريقة المكلفة – وقتًا وجهدًا – المستخدمة في تحضيره مما سيسهم في جعله متوافرًا للمزيد من المرضى. هكذا يتولى العقار الجديد الدور الذي تولاه من قبل الفانكوميسين الأصلي في قائمة العقارات الأساسية الموضوعة من قبل منظمة الصحة العالمية.
مر مفهوم علاج العدوى البكتيرية بواسطة تسميم البكتيريا بمراحل عديدة قد يبدو أقدمها عتيقًا بالنسبة لنا. أين نحن من استخدام جرعات من المعادن Heavy metals كالزئبق لعلاج الأمراض البكتيرية، وأين بكتيريا ذاك الوقت من النسخ الحديثة التي تعلمت كيفية الصمود خطوة خطوة بمساعدتنا نحن؟ مع هذا، فإن البشرية قادرة على إنقاذ نفسها من الوقوع فريسة في يد هذه الكائنات المجهرية باستخدام ميزتها الأهم في سباق التطور.. القدرة على التفكير بشكل معقد ومتعدد الأوجه. تلك الموهبة التي لا نتمنى أن تحوزها البكتيريا أبدًا.
- Superantibiotic is 25,000 times more potent than its predecessor
- Antibiotics: a multidisciplinary approach- Lancini, Parenti and gallo
- Antibiotics:The perfect storm-David Shlaes