أم القنابل: تدخل جديد إذ لا صوت يعلو فوق صوت جنرالات ترامب
بعد سنوات من الالتزام الأمريكي بنهج الضربات الجراحية المحدودة عن طريق الطائرات المسيرة بدون طيار، أوفى دونالد ترامب بوعده حين قال: «I’am gonna bomb the shit out of isis».
منذ عدة ساعات مضت وبتاريخ الأمس الموافق 13 من أبريل/ نيسان لعام 2017، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية أعتى أسلحتها غير النووية على منطقة نائية في شمال شرق أفغانستان ضمن ولاية نكرهرار.وفقًا للبنتاغون، قامت القوات الأمريكية بأفغانستان بإسقاط القنبلة GBU-43/B وهي أكثر الأسلحة الأمريكية غير النووية فتكًا، ولذلك سميت «بأم القنابل».طُورت أم القنابل عام 2003 بغرض استخدامها في الحرب على العراق وتصل تكلفتها إلى 16 مليون دولار أمريكي للقنبلة الواحدة، ويصل مدى موجتها الانفجارية إلى أكثر من ميل في جميع الاتجاهات، وتخلق انفجارًا بقوة 11 ألف طن من مادة TNT.يصل طولها إلى 30 قدمًا ووزنها إلى 10 آلاف كيلو جرام، ويتم إسقاطها من الطائرة الأمريكية العملاقة C-130، وتحتوى القنبلة على نظام توجيه مدعم بالـ GPS وحساسات للاتزان (الجيروسكوب)، ويتم إسقاطها من منفذ البضائع في الطائرة المعروفة باسم هركليز، وعندما يتم إسقاطها يفتح الباراشوت وتنفجر القنبلة قبل وصولها إلى سطح الأرض، وفي حال استخدامها على الأنفاق فإن الموجات التضاغطية التي تنجم عنها تسبب انهيارًا لكامل نظام الأنفاق أو الكهوف، لذا فهي السلاح المثالي للوصول إلى المناطق التي لا يستطيع لا الجنود ولا القنابل العادية أن تصلها.
وقد اختبرت القنبلة أول مرة في قاعدة إيجلين الجوية في فلوريدا عام 2003 ثم نُقلت إلى العراق لاستخدامها في الغزو، وقد صممت القنبلة أولًا لأغراض الحرب النفسية بهدف نشر الرعب في صفوف قوات صدام حسين ودفعهم للاستسلام، وقد نُشر فيديو لانفجار القنبلة حينها كجزء من إستراتيجية «الصدمة والرعب» والتي نفذتها القوات الأمريكية لضرب معنويات الجيش العراقي حينها، وفي ذلك قال دونالد رامسفيلد: «الهدف هو أن تكون قدرات التحالف الأمريكي ضد العراق واضحة وجلية للغاية لتثبيط عزيمة الجنود العراقيين في قتالهم ضد التحالف».ويقول الخبراء العسكريون بشأنها إنها تطوير للقنبلة الأمريكية المعروفة باسم «daisy cutter» والتي استخدمت أثناء الحرب الأمريكية على فيتنام والمعروفة بقدرتها على تسوية وتمهيد الأراضي الشجرية إلى مدرج طائرات!.تلك إذن أم القنابل، وكجزء من المنافسة العسكرية بين أمريكا والسوفييت فإن لروسيا أيضًا قنبلتها الشهيرة باسم «أبو القنابل» وهي قنبلة فراغية تنفجر على مرحلتين؛ الأولى انفجار صغير يولد سحابة من المواد المتفجرة في محيط الانفجار الأول، وعندها تنفجر السحابة ممتصة الأوكسجين من الجو لتصنع انفجارًا أضخم بكثير.أما فيما يخص الضربة التي صرح بها دونالد ترامب فقد قالت محللة الـ CNN باربرا ستار إن الهدف كان تجمعًا لتنظيم الدولة الإسلامية يشمل معسكرات وأنفاق وتنفجر القنبلة في السماء لتخلق موجات تضاغطية تدمر أي شيء في طريقها. وفي البيان الصحفي لقيادة القوات الأمريكية في أفغانستان قال الجنرال جون نيكلسون إن داعش – خرسان تستخدم التحصينات والأنفاق لزيادة قدراتهم الدفاعية، وأردف قائلًا: «هذه هي الذخيرة المناسبة لإزالة تلك الموانع والمحافظة على إمكاناتنا الهجومية ضد داعش – خرسان».فيما ذكر البيان أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اتخذت كافة الاحتياطات لتجنب الخسائر في المدنيين، ولكن نظرًا لحجم وقوة القنبلة فإن أثرها التدميري على جوارها سوف يكون عاليا للغاية. يأتي هذا الأمر بعد أيام قليلة من مقتل جندي أمريكي متأثرًا بجراحه في نفس الولاية أثناء عملية ضد داعش.أعاد هذا الحدث تسليط الضوء مرة أخرى على الانتفاضة التي تتجدد في أفغانستان، فبنهاية عام 2016 فقدت الدولة الأفغانية 15% من أراضيها لصالح طالبان، وفي الشهور الأخيرة تزايدت الهجمات من داعش وطالبان وأصبح نشاط داعش على الحدود الأفغانية مثار قلق سواء لأمريكا أو لأفغانستان أو للصين والهند. وفي هذا الربيع تدخل الحرب الأمريكية على أفغانستان عامها السادس عشر.وفي تعقيبه على إطلاق «أم القنابل» للمرة الأولى، قال دونالد ترامب إنه فخور للغاية بإطلاقه تلك القنبلة على أفغانستان، وأردف قائلًا: «الجميع يعلم تحديدًا ما حدث وما أفعله هو أني أمنح التصريح لقواتنا المسلحة، لدينا أعظم جيش في العالم وقد قاموا بواجبهم كما العادة، لذا نحن منحناهم الصلاحيات الكاملة».وأشار ترامب مرة أخرى إلى الفرق بين إدراته وإدارة أوباما قائلًا: «هناك فارق كبير بين ما حدث في الأسابيع الثمانية الأخيرة وبين ما حدث في السنوات الثمانية الأخيرة». وكان الأمر التنفيذي لإطلاق القنبلة قد وُقّع من قبل الجنرال الأمريكي جوزيف فوتل قائد القوات المركزية الأمريكية، ومن غير المعروف إذا كان ترامب منح تصريحًا خاصا بتلك القنبلة أم لا!.والمثير حقًا في هذا الحدث هو أنه لم يأت منفردًا وإنما بعد أيام قليلة من ضربة جوية أخرى نفذها ترامب بحق قوات الأسد في سوريا؛ ما يعني أن ترامب يثبت يومًا بعد يوما جرأته على تنفيذ ضربات عسكرية لم يقدم عليها أوباما. فمن ضربة جوية بـ 59 صاروخًا إلى إطلاق أكبر قنبلة غير نووية على الإطلاق، يبدو دونالد ترامب كمن يلهو بترسانته العسكرية. فهل يضع أصابعه يومًا ما على ما هو أخطر من ذلك؟.