شبكة من السجون السرية: دور الإمارات الخبيث في اليمن
سارة وتسن؛ المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال فى أفريقيا فى هيومن رايتس وواتش
تضطلع الإمارات بدور بارز فى اليمن منذ إطلاق عملية عاصفة الحزم وإعلان الحرب على الانقلابيين الحوثيين في 26 مارس/ آذار 2015، قامت العاصفة بادئ الأمر بقيادة السعودية بهدف تحجيم النشاط العسكري الإيراني المتزايد في المنطقة، ومنع إيران من السيطرة على اليمن ومن ثم تمدد نفوذها في شبه الجزيرة العربية وهو ما يمثل تهديدها عسكريا وأيديولوجيا مباشرا للسعودية.
بعد مرور أكثر من عامين منذ انطلاق عاصفة الحزم يمكننا رصد العديد من التغيرات الداخلية التي طرأت على طبيعة الأدوار داخل التحالف العربي، لعل أبرز تلك التحولات هو تراجع دور الرياض التي أنهكت اقتصاديا وعسكريا في مقابل بروز دور أبو ظبي بشكل أوضح.
دور إماراتي أشبه بالاستعمار
تسعي الإمارات إلى تولي زمام المبادرة داخل اليمن، خاصة بعد تسلمها المسئولية الكاملة لتحرير مدينة عدن، التي تمثل مقر الحكومة الشرعية بعد سيطرة الحوثيين على معظم المدن الشمالية، هذا التواجد العسكري في عدن أكسب الإمارات ورقة نفوذ مهمة فيما يتعلق باتخاذ أي قرار مصيري بخصوص الأزمة اليمنية.
برز ذلك جليا عندما حالت الإمارات دون هبوط طائرة الرئيس عبدربه منصور هادي في مطار عدن الدولي، كما رفضت الإمارات تنفيذ عدة قرارات سياسية أصدرها الرئيس هادي، كاعتراضها على تغيير رئيس الحكومة خالد بحاح، كذلك رفضت الإمارات قرارات هادي فيما يتعلق بتغيير محافظ عدن وكذلك تغيير مدير مطار عدن الدولي. وهو ما دفع بعض المحللين السياسيين إلى وصف دور الإمارات في اليمن بأنه استعمار، وبأن سلوكها أشبه بالسلوك الاستعماري.
التحول الرئيسي الثاني يتمثل في انقلاب الإمارات على بنود التحالف العربي الذي قام بالأساس على محاربة الحوثيين وإعادة الشرعية إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي.ظهر ذلك في موقف الإمارات الداعم لتمرد مدير مطار عدن المقدم صالح العميري، وعندما حاولت قوات الحماية الرئاسية التابعة لهادي اقتحام مطار عدن قامت طائرة أباتشي إماراتية بقصف عربة عسكرية تابعة لقوات الرئيس هادي وهو ما أسفر عن وقوع 13 جنديا بين قتيل وجريح.
أثار هذا التضارب بين السياسات المعلنة والأفعال على أرض الواقع العديد من الأسئلة حول طبيعة دور وأهداف الإمارات في البلد المنكوب، خاصة مع ظهور تقارير دولية تكشف من حين لآخر طبيعة الانتهاكات الإنسانية التي تقوم بها الإمارات في اليمن الممزق.
دور الإمارات في اليمن بين المعلن والخفي
في الوقت الذي أعلنت فيه الإمارات مشاركتها في الحرب ضد الحوثيين في اليمن من أجل إعادة الرئيس هادي إلى السطلة، وقيامها بتدريب وتسليح المقاومة الشعبية في اليمن، بالإضافة إلى قيادة عملية الحسم في عدن لتحريرها،قامت الإمارات باستضافة قائد الحرس الجمهوري السابق، أحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس المخلوع وأفراد آخرين من أسرته على الرغم من قيادتهم الميليشيات الحوثية في حربها ضد التحالف العربي!
يبدو أن للإمارات أهدافها الخاصة التي تسعي لتحقيقها في اليمن، هذه الأهداف تتلخص بشكل أساسي في عدن، ذلك الميناء الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب والذي يتحكم في 12% من التجارة العالمية، فقد كشف بعض المحللين عن رغبة الإمارات في تدمير ميناء عدن لصالح موانئ دبي العالمية والتي طورتها على حسب إضعاف مضيق باب المندب وممرات أخرى في الإقليم.
ظهر ذلك جليا عندما تسلمت شركة موانئ دبي العالمية إدارة وتشغيل ميناء المعلا للحاويات ومحطة كالتكس اليمنية عام 2008، إلا أنها لم تف بالاتفاق وأهملت تطوير الميناء إلى أن تهالكت أدواته بالكامل في الوقت الذي حرصت فيه على تطوير موانئ دبي وتحويل السفن إليها.
تطمع الإمارات أيضا في ثروات جنوب اليمن الاقتصادية، والتي تتمثل في النفط بشكل أساسي. ليس أدل على ذلك من أنه في سبتمبر/ أيلول الماضي عزمت حكومة هادي على استئناف استخراج النفط فى ميناء الضبة، إلا أن القوات الإماراتية حالت دون ذلك.
كذلك يشير تحالف الإمارات مع عدد من الجماعات الانفصالية الجنوبية إلى أهداف أخرى تتعلق بالريادة الإقليمية في المنطقة، هذه التحالفات تأتي بشكل أساسي بهدف إرهاق السعودية عسكريا واقتصاديا، وإثبات عجزها عن تحقيق أهدافها المعلنة في اليمن الذي ما زال يسيطر الحوثيون على عاصمته صنعاء إلى يومنا هذا.
شبكة من السجون السرية في اليمن
في تقرير لها،كشفت وكالة أسوشيتد برس عن قيام الإمارات بإدارة شبكة سجون سرية في اليمن، وقد وثقت الوكالة اختفاء مئات الأشخاص في هذه السجون في إطار ملاحقة التنظيمات الإرهابية في اليمن. وقد جرى إنشاء هذه السجون السرية في القواعد العسكرية والموانئ والمطارات والفيلات الخاصة.
كما كشفت منظمة سام للحقوق والحريات عن وجود 8 معتقلات في عدد من المدن اليمنية غير خاصعة للسطلة القضائية، هذه المعتقلات خاضعة للإمارات بشكل أساسي، ويتعرض فيها المعتقلون إلى شتى أنواع الأذى النفسي والجسدي في مخالفة صارخة للقانون اليمني وقوانين حقوق الإنسان الدولية.
كما وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات ارتكبتها بعض القوات المدعومة من قبل الإمارات كقوات الحزام الأمني المرابطة في عدن ولحج وأبين وقوات النخبة الحضرمية المرابطة في حضرموت، وأكد التقرير أن هذه القوات اعتقلت وأخفت قسرا حوالي 38 شخصا.
كما أشار التقرير إلى ضلوع الإمارات في إدارة مركزيّ احتجاز غير رسميين على الأقل، والجدير بالذكر أن الإمارات تدعم هذه القوات في مواجهة القاعدة وداعش، وكذلك دعمها في حملاتها الأمنية التي تشنها في جنوب اليمن وشرقها والتي أسفرت عن احتجاز العديد من اليمنيين بشكل تعسفي رغم صدور أوامر بإطلاق سراحهم.
أفرطت قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية في استخدام القوة خلال الاعتقالات والمداهمات، لم تميز هذه القوات فى حملاتها الاعتقالية بين الشباب والأطفال والمسنين، ويتعرض المعتقلون في هذه السجون إلى أشد أنواع التعذيب والتنكيل الذي قد يصل إلى حد الاعتداء الجنسي والشي على النار.
كما جاء فى التقرير علي لسان أحد الناشطين، أن الإمارات نقلت حوالي 15 متهما بالانتماء للقاعدة وداعش إلى قاعدة عسكرية تعمل الإمارات على تطويرها منذ سنتين في إريتريا.
اعتقالات إماراتية بنكهة أمريكية
في تقريرها الصادر في 22 يونيو الماضي، أكدت الأسوشيتد برس تورط القوات الأمريكية في عمليات استجواب المعتقلين داخل بعض هذه السجون في اليمن، بالإضافة إلى قيامهم بتزويد الإماراتيين بالأسئلة التي يجب طرحها أثناء التحقيقات، وأن قيادات رفيعة المستوى داخل الجيش الأمريكي كانت على علم بالانتهاكات التي تتم داخل تلك السجون إلا أنهم آثروا غض الطرف عنها.
وعلي الرغم من عدم ثبوت تورط أي من المحققين الأمريكان في أعمال التعذيب بشكل مباشر، إلا أن الحصول على معلومات وتحقيقات تم انتزاعها بالتعذيب أمر يجرمه القانون حتى لو تم التعذيب بواسطة شخص آخر.
طالبت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة بإجراء تحقيق للنظر في طبيعة الدور الذي لعبته الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في اليمن خلال الفترة الماضية، وهو ما دفع السيناتور جون ماكين رئيس لجنة القوات المسحلة بمجلس الشويخ أول أمس إلى مطالبة وزير الدفاع الأمريكي جميس ماتيس بسرعة التحقيق في هذه المزاعم ورفع تقريره للجنة خلال 15 يوما لا أكثر.
التورط الأمريكي – في حال ثبوته – يمثل انتهاكا للقانون الدولي، خاصة اتفاقيات جنيف واتفاقيات مناهضة التعذيب التي وقعت عليها الولايات المتحدة.
وبالرغم من قساوة المشهد إلا أن إدارة ترامب لا تنظر إلى الماضي القريب لتتذكر الدرس، ونقصد هنا بالتحديد أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من عمليات تعذيب قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) فى الفترة ما بين 2002-2006، مما أدى إلى تفاقم الظاهرة الإرهابية وتوسعها جغرافيا، فالفتك بأعضاء القاعدة بأفغانستان أدى إلى تمددهم فى بؤر صراع أخرى كالعراق وسوريا واليمن والصومال.
والفتك بالأبرياء الآن في اليمن في إطار ملاحقة تنظيم القاعدة وداعش لن يزيد الظاهرة الإرهابية التي ضربت قلب أوروبا في السنوات الأخيرة أكثر من مرة إلا تمددا.