9 تجارب علمية غيرت مسار العلم والتاريخ
كل التجارب التي تُجرى على مر التاريخ تخبرنا بشيء ما عن طبيعة العلم، لتثبت خطأ أو صحة النظريات والمزاعم العلمية. وكل تجربة من هذه التجارب تفتح الأبواب على مصراعيها لمعلومات جديدة، كما أن التجارب التي تفشل توفر لنا أيضًا بعض المعلومات حول المعرفة والنظريات التي ندرسها.
وبرغم ذلك، هناك بعض التجارب الاستثنائية التي غيرت مسار العلم والتاريخ، والتي كان لها أكبر الأثر على المستقبل، وتغيير طريقة تفكيرنا ووجهة نظرنا حول جميع المفاهيم من حولنا.
لنستعرض معًا بعض التجارب العلمية التي غيرت طريقة التفكير والآراء التي كانت تُعتنق في زمنها.
1. كافنديش يزن العالم (1798)
لم يقم العالم – غريب الأطوار – هنري كافنديش باكتشاف الهيدروجين فحسب، لكنه نجح أيضًا في قياس وزن العالم.
استخدم في تجربته جهازًا خاصًا يُسمى ميزانُ اللَّيِّ، وفي عام 1798 أعلن عن نتائج هذه التجربة. وعن طريق قياس قوى الجاذبية بين كرتين مختلفين في الحجم من الرصاص، تمكن من حساب كثافة الكرة الأرضية.
وتكون جهازه من قضيب خشبي بطول 1.8 متر، وربط به كرتين من الرصاص عن طريق سلك، وزن الواحدة منها 0.73 كجم. كما استخدم كرتين أكبر من الرصاص أيضًا وزنهما 159 كجم، وقام بوضعهما على مقربة من الكرتين الصغيرتين، وتسبب هذا في إنتاج قوة جذب كافية، فعند تحريك الكرتين الكبيرتين قليلًا أدى هذا إلى التواء القضيب الخشبي.
أجرى كافنديش تجربته في مكان مظلم وبعيدًا عن الرياح، ليمنع أي تيارات هواء خارجية أو تغير في درجة الحرارة من التأثير على نتائج التجربة. ولقد تمكن من حساب كثافة الكرة الأرضية باستخدام النسبة بين قوى التجاذب بين الكرات، وبين القوى التي تمارسها الجاذبية الأرضية على الكرات.
وكانت نتائج التجربة دقيقة للغاية بشكل لا يُصدق، واستفاد العلم منها بعد ذلك لحساب كتلة الشمس، والقمر، وحتى الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية.
2. جاليليو جاليلي وتجربة برج بيزا المائل (1589 – 1592)
من أجل معرفة عملية الإعداد لهذه التجربة، نعود بالزمن إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث الفيلسوف اليوناني أرسطو، والذي كان واحدًا من أوائل العلماء العظماء، وساهم بالكثير في مجالات الطب وعلم الفلك. في الواقع لمدة 2000 عام بعد وفاته، كانت كتاباته الوحيدة المعترف بها في العلوم الطبيعية من قبل المعلمين. ولكن في القرن السادس عشر، قام تلميذ شاب في بيزا، عُرف باسم جاليليو، بالتشكيك في بعض أقوال أرسطو.
كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت أن جميع المشاكل العلمية سُويت نهائيًا وبشكل قاطع، لكن جاليليو كان له رأي آخر. وفي وقت لاحق، عندما كان أستاذًا شابًا، كان يتجادل مع بعض من كبار الأساتذة حول صحة نظرية أرسطو بأن الوزن الثقيل سيسقط أسرع من الوزن الخفيف، وعرض أن يثبت وجهة نظره.
ردًا على هذا التحدي، كان من المقرر أن يقوم بعرضه من برج بيزا المائل أمام جمهور كبير من أعضاء الجامعة. وحينها أسقط كرة حديدية تزن 10 أرطال (4.5 كجم) وكرة حديدية أخرى تزن رطلًا واحدًا (0.5 كجم) في نفس الوقت من قمة البرج. ومع الكثير من دهشة الجميع باستثناء جاليليو، ضربت الكرتان الأرض في ذات الوقت.
ولكن لم يفلح ذلك في إقناع الحشد المتفرج؛ لقد قاموا بإسكات جاليليو، واتهموه بأنه ساحر، ومضوا في طريقهم وراء أرسطو.
على الرغم من قضاء جاليليو لآخر سنوات عمره مسجونًا وراء القضبان، لمخالفته معتقدات زمنه، فإن أعماله وتجاربه على السرعة والجاذبية والسقوط الحر وضعت حجر الأساس لفهم كيفية تحرك الكواكب والنظام الشمسي بأكمله.
3. بازلاء جريجور مندل (1856 – 1863)
كيف نرث جيناتنا من والدينا؟ اُكتشفت الإجابة عن هذا السؤال ليس عن طريق دراسة البشر، ولكن عن طريق دراسة حبوب البازلاء. قام جريجور مندل -الراهب الأوغسطيني- بتهجين حبوب البازلاء بصفات متعددة، من أجل معرفة كيفية وراثة المميزات المختلفة بها. وارتكزت تجاربه على نباتات البازلاء وصفاتها السبعة الملحوظة: أشكال غلافها الخارجي، وأشكال البذور، ارتفاع النبتة، مكان الزهرة، ولون كل من الغلاف الخارجي والبذور والزهور.
استغرقت هذه التجارب حوالي ثماني سنوات، والتي درس فيها ما يقارب من 28000 نبتة بازلاء. وعند النظر إلى لون البازلاء الناتجة، لاحظ مندل أن الأجيال المختلفة من النبات أظهرت نسبًا مختلفة من اللونين الأخضر والأصفر، وكان اللون الأصفر هو السائد.
فاكتشف أن الجينات تقترن مع بعضها، والنمط الحسابي الذي لاحظ وجوده خلال هذه الأجيال من النبات تسبب في ظهور الصفات المتنحية والسائدة، ويمكن أن ينطبق هذا النمط أيضًا على علم الوراثة البشري، لنعرف لون العين والشعر.
4. فليمينج واكتشاف البنسلين عن طريق الصدفة (1928)
في عام 1928، وفي مستشفى سانت ماري بمدينة لندن، كان العالم ألكسندر فليمينج مشغولًا في أبحاثه بخصوص نوع من البكتيريا يُسمى المكورات العنقودية الذهبية. وكانت هذه البكتيريا خطيرة للغاية؛ تسبب عدوى قاتلة، ولم يكن لها علاج في ذلك الوقت.
وكان قد وضع مستعمرة من البكتيريا على صفيحة، ونسي أن يضعها في الحاضنة، وبعد بضع ساعات عند فحص تلك الصفيحة تحت المجهر، لاحظ أنها فسدت؛ حيث نمت المستعمرة على نصف الصفيحة فقط، بينما وجد على النصف الآخر عفناً فطرياً لونه أزرق وأخضر.
وبعد التقصي وجد أن هذا الفطر قد منع نمو البكتيريا. عادةً كان سيتخلص العديد من الباحثين من هذه الصفيحة، لكن دكتور فليمينج كان في خضم أبحاثه عن هذه البكتيريا لفترة طويلة؛ لذلك كتب في دفتر ملاحظاته هذه الكلمات غير المفهومة والتي أسهمت في تغيير علم الطب: «كنت مهتمًا بما فيه الكفاية بهذه المادة المضادة للبكتيريا التي ينتجها الفطر لمواصلة البحث في هذا الشأن».
فكانت هناك منطقة خالية لم تستطع أن تنمو بها البكتيريا، وتركت مكانها ما يعرف بعصارة الفطر، والذي سماه فطر المكنسية المعيّنة (Penicillium Notatum).
وبحلول أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، تمكن العالمان هاورد فلوري وإرنست بوريس تشين من عزل وتنقية البنسلين، وتوفر المضاد الحيوي في شكل حقن في عام 1941، وتشير التقديرات إلى أن هذا الاكتشاف قد أنقذ حياة ما يصل إلى 200 مليون إنسان.
5. مفاعل فيرمي النووي (1942)
بعد انقسام الذرة، وصياغة مصطلح «الانشطار النووي»، طبق الفيزيائي إنريكو فيرمي هذا المبدأ ليصنع أول تفاعل تسلسلي نووي ذاتي في مفاعل نووي من صنع الإنسان وهو (Chicago Pile-1).
كان العلماء على يقين أن المفاعلات النووية ستنتج سلاحًا فتاكًا لم يسبق له مثيل. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان لإنتاج هذا السلاح الأولوية القصوى، مما نتج عنه ولادة كل من مشروع مانهاتن ومفاعل فيرمي النووي.
بمجرد أن يُضرب اليورانيوم-235 بالنيوترون، تنقسم نواته لتشكل نواتين أصغر حجمًا والمزيد من النيوترونات، والتي تستمر بدورها في تقسيم المزيد من ذرات اليورانيوم، مما ينتج التفاعل التسلسلي النووي.
بُني المفاعل من كتل الجرافيت، لتبطئ من سرعة النيوترونات، مما يزيد من احتمال حدوث الانشطار النووي. ولكن كان يجب التحكم في هذا التفاعل التسلسلي حتى يكون آمنًا؛ لذا استخدمت قضبان التحكم المصنوعة من الكادميوم لامتصاص النيوترونات الزائدة الناتجة من الانشطار النووي، وعن طريق إضافة أو إزالة هذه القضبان، كان من الممكن التحكم في مدى طول عمر هذا التفاعل التسلسلي. وأنتج هذا التفاعل كميات هائلة من الطاقة، والتي استخدمت بعد ذلك في الحرب كما نعرف جميعًا.
6. رذرفورد يكتشف الذهب (1908-1913)
كان الاعتقاد السائد قديمًا أن بنية الذرة كانت عبارة عن كرة مصمطة من الشحنة الموجبة، تحيط بإلكترونات سالبة الشحنة بداخلها. ومن أجل اختبار دقة هذا النموذج لتصور بنية الذرة، وتحت إشراف وتوجيه العالم إرنست رذرفورد، قام العالمان هانز جيجر وإرنست مارسدن بإجراء سلسلة من التجارب بين عام 1908 وعام 1913، لإثبات نظرية رذرفورد عن النموذج الذري، والذي كان يشبه الكواكب في دورانها حول الشمس.
استخدم العالمان مادة مشعة لقصف قطعة رقيقة من رقائق الذهب بجزيئات ألفا ذات الشحنة الموجبة. مرت معظم الجزيئات عبر رقاقة الذهب دون أن تنعكس، مما أشار إلى أن ذرات الذهب تحتوي على مساحات كبيرة مفتوحة. وبالرغم من ذلك، انعكست بعض الجزيئات ولكن في زوايا مختلفة، مما يعني أنها اصطدمت بشيء يحمل نفس الشحنة الكهربية؛ إذ أشار هذا إلى أن الذرة بدلًا من كونها مجرد شحنة موجبة تحيط بالإلكترونات، فهناك شحنة موجبة صغيرة في المنتصف، وهذا أدى لاكتشاف نواة الذرة.
7. هيجز بوزون: من النظرية إلى الواقع (1964-2012)
في عام 1964، عرض عالم الفيزياء الجزيئية بيتر هيجز نظرية حول كيفية تحرك الجزيئات. فاقترح أن المساحات الفارغة ليست فارغة، ولكنها تمتلئ بحقل يُسمى حقل هيجز، حيث تعبر الجزيئات من خلاله، وإما أنها تمتلك كتلة مثل الإلكترون أو لا تتفاعل معه مطلقًا وتظل بلا كتلة مثل الفوتون.
فلنفترض أنك سوف تعبر خلال حشد من الأشخاص الغرباء، في مقابل أن تعبر خلال حشد من الأصدقاء.
فإذا كنت تعبر في الحشد الأول سوف تمر بسهولة بدون التوقف، أما في حالة الحشد الثاني ربما تتوقف لتتحدث معهم، مما يستغرق منك زمنًا أطول للعبور. في هذه الحالة، سيصبح أصدقاؤك هم بوزونات هيجز.
مصادم الهادرونات الكبير، في جنيف بسويسرا، يطلق شعاعان من البروتونات في اتجاهين معاكسين، ويقوم بتسريعهما لما يقارب سرعة الضوء لكي يتصادما فيطلقا بعض الجزيئات دون الذرية، بالإضافة للهيجز بوزون. ليتحول الأمر من مجرد نظرية إلى واقع في شهر يوليو من عام 2012.
8. تجارب أورستد وفاراداي في الكهرباء والمغناطيسية (1820-1831)
كانت تعتبر كل من الكهرباء والمغناطيسية عمليتان منفصلتان في القرن التاسع عشر. ولكن، كانت الأمور على وشك أن تتغير. فيمكن القول إن هاتين التجربتين من أكثر التجارب أهمية في التاريخ.
فأظهرت تجارب هانز أورستد أن سريان التيار في أحد الأسلاك سينتج مجالًا مغناطيسيًا، والأهم من ذلك أظهرت أنه كلما تغير التيار في السلك، رصدت بوصلة قريبة تغيرًا في المجال المغناطيسي.
وبعد عقد من الزمان، أظهرت تجارب مايكل فراداي أنه ودون وجود أي بطاريات، أنتج تغير التدفق المغناطيسي في قضيب مغناطيسي تيارًا في سلك معدني. كما أظهرت أنه عندما حرك مغناطيس في محيط موصل كهربي، فإن المجال المغناطيسي المتغير يسبب تدفق التيار في السلك.
وهكذا أظهرت التجربتان أن الكهرباء والمغناطيسية هما في الواقع مجالان مترابطان تمامًا؛ فواحد يسبب الآخر. وفتحت هذه التجارب أبوابًا لمجال فيزيائي جديد بالكامل: الكهرومغناطيسية.
9. إسحاق نيوتن وتشتت الضوء (1666)
الضوء هو أحد أكثر الأشياء المذهلة في الكون، والذي كان لغزًا في القرن السابع عشر. وإحدى أهم التجارب في علم البصريات، هي تجربة العالم العظيم إسحاق نيوتن في تشتيت الضوء، والتي قام فيها بتمرير ضوء الشمس خلال منشور من الزجاج، ليرى طيفًا من الألوان، قوس قزح قادم من الجهة الأخرى للزجاج.
لتغير هذه التجربة من المفهوم السائد حينها أن الضوء الأبيض مكون فقط من عنصر واحد، ولكن بدلًا من ذلك يتكون من نطاق واسع من الترددات، والتي تتناثر حسب تردداتها بزوايا مختلفة عند المرور من خلال المنشور، وبالتالي فصّل مكونات الضوء الأبيض.
كما أظهرت أيضًا وجود الألوان كشكل من أشكال الضوء، والتي عند اجتماعها معًا تشكل الضوء الأبيض. وضعت هذه التجربة فيما بعد حجر الأساس لعلم التحليل الطيفي، والذي يتشتت فيه الضوء الصادر من أجسام مختلفة، ويخبرنا الطيف الناتج عن عناصر مختلفة موجودة في هذا الجسم المشع.
هل هناك تجارب أخرى ترى أنها مناسبة لكي نضيفها للقائمة؟