الوصايا التسع ورسائل لم ترسل بين «مورينيو» و«جوارديولا»

انتهيت للتو من مشاهدة الموسم الثالث من مسلسل «DareDevil»، وقد كان هذا الموسم هو المفضل لي. يواجه البطل عدوًا بنفس قدراته تقريبًا: نفس القوة والسرعة، ويرتديان نفس الزي أيضًا، فقط تختلف المبادئ ليمثل كل منهما طرفي الصراع الأزلي بين الخير والشر. السيناريو وُضع مسبقًا، وجميعنا يعرف من يفوز في النهاية.

لكن في كرة القدم لم نكن بحاجة لمؤلف لرسم صراع متطابق -تقريبًا، بل مع مزيد من الإضافات. مدربان ناجحان يمتلكان قدرات تفوق الجميع، فلسفتان مختلفتان تمامًا، لكن تحققان نفس النتائج. يبحث ذاك عن المساحات وهذا يتفنن في غلقها. أحدهما يعامل خصومه بأخلاق الفرسان، ويأخذهم الآخر إلى حرب نفسية قد لا تخلو من الإهانات.

ولمزيد من الحبكة الدرامية، يتشاركان جزءًا صغيرًا من ذكريات الماضي. سيناريو هوليودي خالص، دفع كثيرًا من المؤلفين لتدوينه في مؤلفاتهم. لمن فاته صراع السير «أليكس فيرجسون» ضد «أرسن فينجر»، فإليك حرب «مورينيو» و«جوارديولا» التي انتقلت من كلاسيكو الأرض بإسبانيا إلى ديربي مدينة مانشستر. الحرب التي كانت تليق بأحد أفلام الأبطال الخارقين لكنها خرجت لنا على أرض الواقع بالخطأ.

رسالة لم ترسل

مورينيو في طريقه عائدًا للمنزل بعد تلك المباراة العجيبة بين مانشستر يونايتد ويوفنتوس على أرض الأخير. أحد الأصدقاء يتصل لتهنئته، وإذا به يمازحه ويردد على مسامعه ما قاله «رود خوليت» في ستوديو «beIN Sports» عقب المباراة. كان نجم ميلان السابق ممتعضًا من إشارة مورينيو لجماهير اليوفي وقال:

لا أدري ما الرابط بين النقد الفني ورد شخص على سباب والدته؟ لكن هكذا فكر خوليت. أما مورينيو فلم يرد على صاحبه واكتفى بضحكة خفيفة مرددًا في عقله: «على الأقل ما زال أحدهم يراني سوبر مان». دخل الاستثنائي منزله واتجه مباشرة إلى حاسوبه من أجل التحضير للديربي.

أخذ يطالع أرقام فريقه في الدوري، لم يحرز أي هدف من هجمة مرتدة، وآخر شباك نظيفة كانت منذ شهرين أمام بيرنلي، وخصمه القادم هو جوارديولا. نظر حوله فوجد هدوءًا غير معتاد، كيف سيواجه خصمه اللدود بعد أيام والأمور بهذا الهدوء؟ فخطر في باله أن يلقي حجرًا صغيرًا في هذه المياه لعلها تتحرك. سأبعث لجوارديولا برسالة:

عزيزي بيب..

بعد أن تأخذك الدهشة، أود أن أطمئنك أن هذه مجرد رسالة ودية، الديربي بعد أيام وسأتمنى لك التوفيق في نهايتها. ألا تستغرب مثلي هذا الهدوء؟ أعتقد أنك مرتاح الآن، ففي إسبانيا كانت تُدق طبول الحرب قبل الكلاسيكو بأسابيع. لكن صدقني تلك الحرب لم تكن تستهدفك شخصيًا. أعلم أنك أخبرت أحد المقربين منك أنك لم تستطع تحمل ذلك الضغط الذي عرضتك له، لكنها كانت فقط ردة فعلي تجاه ما فعلوه. لقد عملت في برشلونة لفترة ليست بالقصيرة رفقة السير «بوبي روبسون» و«فان خال»، وكنت أستحق تلك الفرصة لولا تلك الوصايا التسع التافهة.

أخبرني أحدهم أن خوليت يعتبر كلوب وساري تهديدًا لي مثلك. لكن سأخبرك أن لا أحد هددني كما فعلت أنت. يقولون إني لم أعد قويًا مثل الماضي، لكنك تعلم أن هؤلاء يفوزون فقط في الجولات الصغيرة، أما الحروب الطويلة فهي لم تُخلق سوى لنا. أراك في ملعب «الاتحاد» وأتمنى لك التوفيق بعد الديربي.

تحياتي

جوزيه.

أول الضحايا والوصايا التسع

كانت الوصايا التسع هي القشة التي قصمت ظهر البعير، لتنهي آخر ما كان يحمله مورينيو من مشاعر إيجابية تجاه برشلونة. ظل البرتغالي مترجمًا في نظر الإعلام الكتالوني بإيعاز من «خوسيه لويس نونيز» رئيس النادي وقتها. صلاحياته كانت تجاوزت هذا الحد عندما كان مرافقًا للسير روبسون ومن بعده الهولندي فان خال.

حتى ترجمة تعليمات السير لم تكن حرفية، بل كان يضيف لها في بعض الأحيان حسب روايات بعض اللاعبين الذين كانوا يفهمون الإنجليزية. أما فان خال فلاحظ أنه أمام شاب يريد تجاوز صلاحياته، فترك له إدارة الفريق في بعض المباريات الودية. إلا أنهم ظلوا يعتبرونه مترجمًا، وكانت تلك إهانة لشخص بطباع مورينيو.

ثم أتت مواجهته ضد برشلونة عندما كان مدربًا لتشيلسي في دوري الأبطال عام 2006، عندها اتهم مدرب الـ«بلوز» حكم اللقاء، «أندرياس فريسك»، بالاجتماع مع مدرب الـ«بلوجرانا»، «فرانك ريكارد» بين شوطي مباراة الذهاب. أعلن «أندرياس» بعد ذلك اعتزال التحكيم عقب تلقيه تهديدات بالقتل من قبل جماهير تشيلسي.

لم ينسَ أحد في كتالونيا ما حدث حتى اتهام ميسي بالتمثيل في نفس المباراة، إلى أن حان الوقت الذي احتاج فيه برشلونة إلى خدمات مدرب جديد ليخلف ريكارد، وتصدر مورينيو المشهد. وضع النادي تسعة شروط لتقييم المدرب، وكان هذا وفقًا لمبادئ عرّابهم «يوهان كرويف». وكان أهم تلك الشروط: اللعب بأسلوب برشلونة، والاهتمام بناشئي الـ«لا ماسيا»، الالتزام تجاه مبادئ النادي وتجنب الاسخدام السيئ لوسائل الإعلام، إلى جانب معرفته السابقة بالنادي والليجا.

لسنا بحاجة لمعرفة أي النقاط التي لم يحصل جوزيه على تقييم عالٍ بها، لكن مقارنةً بالمرشح الآخر للوظيفة -جوارديولا- وسيرته الذاتية، كانت الأمور شبه محسومة في نظر البرتغالي. لكن النادي الكتالوني تمسك بمبادئه والكل يعلم ما آلت إليه الأمور بعد ذلك. وعندما عاد مدرب «نيراتزوري» إلى الكامب نو رفقة إنتر ميلانو أعلن نفسه رسميًا عدوًا لبرشلونة وطريقة لعبهم، وبالتبعية بدأت العداوة مع جوارديولا.

مورينيو يحتفل في الكامب نو عقب إقصاء برشلونة من دوري أبطال أوروبا 2010

جوارديولا يرد

عزيزي جوزيه..

ما زلت أذكر كلمات السير أليكس فيرجسون لي في مؤتمر المدربين بمدينة نيون في 2010. أخبرني بأنك قادم وعليّ أن أستعد وعندما قلت له إن الأمر ليس بهذا السوء، قال لي: أنا الآن أكثر سعادة. كان يلمح إلى سعادته وأنت بعيد عن إنجلترا.

أدركت فيما بعد سبب ذلك التحذير لكني لا أحب سوى تذكر تلك المعارك التكتيكية على أرض الملعب. أول مواجهة بيننا رفقة إنتر كنت تلعب 4-4-2 ثم لعبت 4-4-2 diamond، بعدها تحولت إلى ال 4-2-3-1. ثم مع ريال مدريد من 4-2-3-1 إلى بيبي كارتكاز ثالث في وسط الميدان، أخذت الندية تقترب شيئًا فشيئًا. التخمين، التحضير، التحولات داخل الملعب، ما زلت أتذكر كأنها حدثت بالأمس. هنا الأمور أهدأ كثيرًا وأظن أن هذا لا يعجبك بالطبع. أشكرك كثيرًا على رسالتك وأتمنى أن يمتد تأثير الكربتونايت حتى الديربي.

تحياتي

بيب.

يوم المباراة: لنلعب الـ«بلاي ستيشن»

تخيل أنك تستطيع تعديل سرعة المباراة في لعبة «FIFA»، لكن كل لاعب على حدة. الأول رفع من سرعته، والآخر نسيها. هكذا أتى ديربي مدينة مانشستر، قدم جوارديولا واحدة من أفضل مبارياته، أما اليونايتد فكان كأنه لم يحضر. معركة جديدة تغلب فيها الإسباني على غريمه، لكن ردود الأفعال اختلفت عن سابقاتها.

ما يقدمه مورينيو أصبح من الماضي، وترددت كلمة «طراز قديم – Old Fashion» عشرات المرات في الإستديوهات التحليلية. ظهر البرتغالي شاحب الوجه بعد المباراة، لا يدري ما أصابه. يبدو أنه لمح وجه السير «أليكس فيرجسون» في المدرجات، وأيقن أنه خذل الجميع، لكن شعورًا ما بداخله دفعه لكتابة رسالة قد تكون الأخيرة:

عزيزي بيب،

أود أن أهنئك على الفوز بالديربي،لقد كان فوزًا مستحقًا. على الرغم من محاولتك تذكيري بما مضى، لكن يبدو أنني لم أتحمس كفاية، أو كما يقولون لم أعد كما كنت، ربما هو تأثير الكربتونايت. منذ وصولك إنجلترا وأنا أشعر منك ببعض التعاطف. كان بإمكانك اليوم زيادة الأهداف، لأنك لست جبانًا وأنت تعلم أن هذه أسوأ نسخ مانشستر يونايتد، وأسوأ نسخي أنا نفسي -لكنك لم تفعل. لن أسألك عن السبب، لكن سأكتفي بتهنئتك على الفوز بالدوري وليس الديربي فقط، لأن في غيابي لن يوقفك أحد.

تحياتي

جوزيه.

قد تكون هذه هي الرسالة الأخيرة، فأيام مورينيو مع الشياطين الحمر أصبحت معدودة. لن يرضى كبير المدينة بأن يصبح صغيرها، ما زالت النهاية غامضة، لكن ما نعلمه هو أن الشرير لم يمت في آخر لقطات مسلسل «DareDevil»، من يدري؟