70 عامًا من المقاومة الفلسطينية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
لقد ذكَرت مسيرة العودة الكبرى بقطاع غزة العالم بمقاومة الفلسطينيين ونضالهم من أجل حقوقهم. ومنذ الـ30 من مارس/آذار الماضي شارك الفلسطينيون بقطاع غزة في احتجاجات شعبية حاشدة وسلمية اعتراضاً على السياج العسكري الإسرائيلي الذي يحاصرهم، كما طالبوا بإنهاء الظروف السيئة التي يتعرضون لها في القطاع كذلك حقهم في العودة إلى أراضيهم التي طُرِدوا منها قبل 70 عاماً، والذي يطلق عليه الفلسطينيون «ذكرى النكبة».
وحرفياً، يضع الفلسطينيون أجسادهم على المحك ويخاطرون بتعرضهم لرصاص القناصة الإسرائيليين. وقبل يوم واحد من خطوة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، قُتِل أكثر من 40 فلسطينياً رمياً برصاص القناصة الإسرائيليين، كما جُرِح آلاف آخرون بجراح خطيرة. كما شهد الـ 14 من مايو/آيار مقتل أكثر من 52 فلسطينياً في تظاهرات فضلاً عن إصابة الآلاف.
إن الثمن البشع الذي يدفعه الفلسطينيون في غزة يأتي بسبب مقاومتهم لإسرائيل، وهي المقاومة التي بدأت منذ أكثر من سبعة عقود.
النكبة و«حركة الأرض»
في عام 1948، شهدت أحداث النكبة تأسيس دولة إسرائيل، وأجُبِر 750 ألف فلسطيني على النفي وتم تدمير أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية. كما تعرض المجتمع الفلسطيني للتمزيق وبات الفلسطينيون مقسمين جغرافياً. ورغم ذلك، فلم ينج الشعب الفلسطيني فحسب، بل أيضاً أظهر مقاومة لافتة للنظر لمحاولة القضاء عليه من خلال الصمود والعمل الجماعي والتحدي. إن مسيرة العودة الكبرى هي أحدث مظاهر ذلك الإرث.
في الأعوام الأولى بعد 1948، حاول آلاف اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى منازلهم، ليتم إطلاق النار عليهم من قبل الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الجديدة. وأطلقت الدولة الإسرائيلية وقتها على هؤلاء لفظة «متسللين»، كما أقرت قانون منع التسلل لتشرع ممارساتها وتمنع عودتهم إلى أراضيهم ومنازلهم. في غضون ذلك، وضعت إسرائيل 150 ألف فلسطيني نجحوا في البقاء داخل حدود الدولة الجديدة أو من يُطلق عليهم «فلسطينيو إسرائيل»، تحت حكم عسكري وقمع سياسي.
وفي تلك الأجواء، استطاع فلسطينيو إسرائيل البقاء بل وأيضاً نجحوا في تطوير مجالاتهم الخاصة سياسياً واجتماعياً وثقافياً. على سبيل المثال، في عام 1958 أنشئت مجموعة عُرفت بـ«حركة الأرض»، والتي كانت منصتها متصلة بنضالات الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، كما استطاعت تطوير نغمة «القومية العربية».
وطالبت تلك الحركة أيضاً بدولة علمانية وديمقراطية في فلسطين فضلاً عن حق العودة للاجئين. وقد دفع ذلك إسرائيل لاعتقال أعضاء الحركة ووضعهم تحت المراقبة وإغلاق دور النشر الخاصة بالحركة. وفي نهاية المطاف، تم حظر الحركة في عام 1964.
«يوم الأرض»
على الرغم من الخبرة الصغيرة التي اكتسبتها حركة الأرض، فإنها قد مهدت الطريق لوجود حركات سياسية فلسطينية أخرى داخل إسرائيل، مثل حركة «أبناء البلد» والتي لا تزال نشطة حتى يومنا هذا. فلقد نشأت من قلب الحركة الطلابية، كما طالبت في بداياتها بتطوير دولة فلسطينية علمانية وديمقراطية. ووصلت الحركة لأوج نشاطها في سبعينيات القرن الماضي، وحظيت بالمزيد من الزخم بعد فعاليات ما يُعرف بـ«يوم الأرض».
ووقعت أحداث «يوم الأرض» في عام 1967 بعد إعلان حكومة إسرائيلية الاستيلاء على مساحات ضخمة من أراضي الفلسطينيين في الجليل شمال إسرائيل. ذلك الأمر دفع المواطنين الفلسطينيين إلى تنظيم عمل جماعي حاشد في إطار المقاومة ليس فقط ضد سرقة الأراضي بل أيضاً ضد السياسات الاستيطانية. وخرجت احتجاجات في مناطق أخرى بإسرائيل والضفة الغربية تضامناً مع ذلك. وقد فرضت السلطات الإسرائيلية حظر التجول على 6 قرى في الجليل وواجهت المحتجين هناك بالعنف الشديد مما أدى لمقتل 6 أشخاص وجرح المئات.
بعد عقدين من الزمن، اجتمع الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل خلال ما عُرِف بـ«الانتفاضة الأولى» والتي استمرت منذ أواخر الثمانينات حتى إبرام اتفاقات أوسلو في عام 1993، وهي الانتفاضة التي جاءت بعد سنوات من التنظيم الشعبي والذي وضع الأساس للتعبئة السياسية. فقد تولت الفصائل الفلسطينية اليسارية زمام القيادة خلال سبعينات القرن الماضي، وتضمن ذلك إنشاء لجان شعبية ونسائية ونقابات عمالية ومنظمات طلابية وجماعات تطوعية.
وقد استلهمت تلك الجماعات أفكارها من نضالات العالم الثالث ضد الإمبريالية وكانت تُدار بطريقة لامركزية وديمقراطية وجماعية. الأمر المهم بالنسبة لذلك النضال هو تأسيس اقتصاد ذاتي، وعلى هذا النحو، استكشفت الحركة نماذج اقتصادية قائمة على التعاونيات لا تخضع للاحتلال وتخدم الأجندة الاجتماعية والوطنية الفلسطينية. وقد وضعت تلك النماذج الأساس للمبادرات الحالية والتي تهدف لتأسيس المقاومة الاقتصادية، مثل مزرعة «أمورو» أول مزرعة فطر (عيش غراب) فلسطينية.
استمرار المقاومة
ولم تبدأ المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة أو داخل إسرائيل بالشكل المناسب. فلقد انخرط الفلسطينيون المقيمون في مخيم اليرموك داخل سوريا، والذي كان يأوي أكثر من 25 ألف فلسطيني في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، في الأفكار اليسارية للتحرر والمقاومة مثل النظريات الثورية الماركسية وذلك خلال فترة الانتفاضة الأولى. وقد نظّم العديد من الفلسطينيين داخل المخيم أنفسهم على الرغم من مخاطر ذلك تحت حكم نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.
وقد كان مخيم اليرموك مأوى للمنظمات الشبابية التي غالباً ما كانت تحتشد رداً على الأحداث داخل فلسطين. ومنذ اندلاع «الحرب الأهلية السورية»، فر العديد من اللاجئين من المخيم حيث تعرض للاقتحام والحصار من قبل تنظيم «داعش»، كما تعرض خلال الأسابيع الأخيرة لحملة قصف عنيفة نفذها نظام بشار الأسد، خلّفت دماراً في غالبية مناطقه.
إن أحداث المقاومة الأخيرة في صيف عام 2017، بعد قيام السلطات الإسرائيلية بتركيب كاميرات أمنية وبوابات دوارة وأجهزة كشف المعادن في مجمع الحرم الشريف بعد هجوم على جنود إسرائيليين من قبل 3 من فلسطينيي إسرائيل. ورداً على الإجراءات الإسرائيلية، طالب الوقف الإسلامي بعصيان مدني شامل.
وتجاوب الآلاف من الفلسطينيين من القدس وشتى مناطق البلاد مع تلك الدعوة وامتنعوا عن دخول المجمع احتجاجاً على محاولة إسرائيل فرض المزيد من السيطرة. وبدلاً من ذلك، فقد قاموا بأداء الصلاة في الشوارع القريبة والحواجز الأمنية. وهو الأمر الذي قابلته إسرائيل بقوة غاشمة مما أدى لمقتل 3 فلسطينيين وجرح المئات. ومع ذلك، فقد أدت مثابرة المحتجين وأهدافهم الواضحة والملموسة إلى استسلام إسرائيل واضطرارها في نهاية المطاف لإزالة أجهزة الكشف عن المعادن.
ولا يمثل شهر مايو/آيار 2018 ذكرى مرور 70 عاماً منذ إنشاء «إسرائيل» والنكبة الفلسطينية فحسب، بل أيضاً 70 عاماً من استمرار المقاومة الفلسطينية، والتي ذكرنا بعض أحداثها سلفاً. وينبغي أن يكون ذلك الحديث عن المقاومة والبقاء هو النقطة المحورية في رواية النكبة. تؤكد النكبة أن المشروع الاستيطاني الاستعماري لم ينجح داخل فلسطين، وأن الفلسطينيين خاضوا قتالاً طويلاً من أجل حقوقهم ووجودهم على الأرض.