7 أنواع من البكتيريا الخارقة التي تتحدى أقسى الظروف
البكتيريا، تلك الكائنات المثيرة للإعجاب حينًا والمثيرة للفزع حينًا آخر، ظهرت لأول مرة على كوكب الأرض من حوالي 3.5 إلى 4 بلايين سنة، لتصبح بذلك أول أشكال الحياة على الكوكب. لذا لا يوجد مكان خالٍ من البكتيريا؛ جسدك وما يحيط به وحتى ما تتنفسه من هواء ممتلئ بها.
قد تظن أن 100 درجة مئوية هي حرارة كافية لتعقيم أغراضك مما يعلق بها من ميكروبات، فماذا لو عرفت أن هناك بكتيريا تعيش عند فوهات البراكين والينابيع الحارة؟ وربما تعتقد أيضًا أنك تتخلص تمامًا من البكتيريا وتمنع وصولها إلى الطعام بتجميده أو بإغراقه في عصير الليمون أو الخل شديد الحموضة، فهل تعلم أن هناك بكتيريا تفضل العيش في الجليد القطبي؟
أولم يسبق لك أن رأيت ليمونة فاسدة بفعل أحد الميكروبات؟ صدقني، تمتلك البكتيريا قدرات خارقة بحيث تجعلك منبهرًا مما يمكن لمخلوق وحيد الخلية فعله، لنتعرف في هذا المقال على بعض منها.
1. بكتيريا حشد الذئب (Myxococcus xanthus)
رغم أنه من المعروف كون البكتيريا كائنات مستقلة تعيش وحيدة بمفردها، لكن السر في القوة الخارقة لهذه البكتيريا أنها لا تعمل منفردة؛ إنما تتجول في أسراب يُشار إليها علميًّا بـ «حشد أو حزمة الذئب» التي لا تُهزم.يلتصق هدب طويل رفيع كالشعرة لأحد أفراد البكتيريا بمقدمة فرد آخر أو بالسطح الذي تزحف عليه، ومن ثم تجر نفسها للأمام بحركة انسيابية.
لمطاردة أحد ضحاياها من الميكروبات تبطئ البكتيريا حركتها، وتبدأ في تكوين سرب على شكل برج من حوالي 100 ألف بكتيريا! إنه جمع لا يمكن لشيء الوقوف في طريقه، حيث يفرز المضادات الحيوية، والإنزيمات الهاضمة لشل حركة الفريسة وتحليلها.
في الظروف البيئية الصعبة من عدم توافر الغذاء والماء تكوِّن بعض هذه البكتيريا جراثيم مستديرة؛ إذ تحيط نفسها بطبقة خارجية قوية، وتصمد لحين تجد ظروفًا ملائمة، فما تلبث أن تنبت وتبدأ السرب من جديد.
2. بكتيريا مقاومة للإشعاع (Deinococcus radiodurans)
إنها أكثر أشكال الحياة مقاومة للإشعاع، حيث يمكن لهذا النوع من البكتيريا تحمل حتى 3000 مرة أكثر من كمية أشعة جاما التي تقتل الإنسان.
أشعة جاما هي أشعة كهرومغناطيسية لها أقصر طول موجي في الطيف الكهرومغناطيسي، والأعلى طاقة؛ حيث تنتج من التصادمات النووية وكذلك العناصر المشعة كاليورانيوم، لذا فهي تُستخدم في تعقيم الأدوت الطبية والمعلبات. لكن حينما قام فريق بحثي في ولاية أوريغون باختبار فعالية استخدامها لتعقيم الأطعمة المعلبة عام 1956م، بتعريضها لكميات كافية لقتل جميع أشكال الحياة المعروفة؛ لوحظ فساد إحدى تلك العلب بسبب بكتيريا حمراء غير متحركة، غالبًا ما تكون في ثنائيات أو رباعيات كروية. إنها Deinococcus radiodurans.
ففي حين تكمن المشكلة الحقيقية للإشعاع في أنه يدمر الحمض النووي، تتغلب البكتيريا على هذا من خلال الاحتفاظ بأربع نسخ احتياطية أو أكثر من الجينوم الخاص بها، كل منها في مقصورة منفصلة. بحيث حتى لو أدى الإشعاع إلى تحطيم إحدى النسخ يمكن للبكتيريا أن تعيد لحام الأجزاء ببعضها، أو نسخ تسلسلات من النسخ الاحتياطية خلال ساعات قليلة، لتنتج نسخة جديدة من الجينوم جيدة كالأولى تمامًا.
ولامتلائها بمضادات الأكسدة – التي تقيها أيضًا من الإشعاع – كالكاروتينيات تكتسب هذه البكتيريا لونها القرمزي، وقد تم العثور عليها في جميع أنحاء العالم بالعديد من البيئات بمرونة مدهشة! مما أدى إلى الإيحاء لبعض العلماء بأنها جاءت من الفضاء الخارجي، حيث الإشعاع الكوني المرتفع. ومع ذلك، ربما ما حدث أنها طوَّرت دفاعاتها لتهديدات أرضية أخرى، كالجفاف الذي يشطر الحمض النووي تمامًا كما يفعل الإشعاع.
3. بكتيريا فوهات البراكين والينابيع الحارة (121 Strain)
قد لا تصدق أن هناك في الفوهات الحرارية بالمحيط الهادئ – حيث تندفع من القشرة الصخرية مياه حارقة تصل درجة حراراتها إلى 121 درجة سليزية وتزيد – أي مظهر من مظاهر الحياة.
إلا أن بكتيريا «سلالة 121» أظهرت قوة خارقة في البقاء على قيد الحياة في مثل هذه الظروف شديدة التطرف، بل تكون في أحسن حالاتها؛ ذلك أنها تتغذى بشكل أساسي على الحديد، غير أنها قادرة على حماية نفسها من خلال مضاعفة كامل غلافها الخلوي في غضون 24 ساعة بفضل إفرازها لإنزيمات خاصة.
4. بكتيريا الجليد (psychrophiles)
حتى فترة قريبة كان يُعتقد أنه بالرغم من أن بعض البكتيريا متطرفة وتفضل الظروف القاسية، فإن لقدراتها على التأقلم حدودًا، ومن بين تلك الحدود الثلوج – خاصة الجليد القطبي – ومياه المحيطات العميقة التي يمكن أن تنخفض في المناطق الباردة بسبب محتواها الملحي إلى -12 درجة مئوية دون تجمد.
إلى أن عُثر على بكتيريا psychrophiles تنمو بشكل مثالي في مثل هذه البيئات، وحتى على عمق 800 متر من بحيرة تحت جليد القطب الجنوبي، حيث درجة الحرارة تحت الصفر، وأسطحه الصخرية الأكثر برودة وجفافًا؛ ذلك بعد أن ابتكرت طرقًا مختلفة للنجاة والبقاء على قيد الحياة في درجات الحرارة المنخفضة؛ حيث طور بعضها مواد مثل الجليسرين أو البروتينات المضادة للتجمد التي تخفض نقطة تجمد المياه بعدة درجات، مما يمنع تشكيل بلورات ثلجية كبيرة بما يكفي لإحداث أي ضرر بالجينوم الخاص بها، بينما تكيف البعض الآخر عن طريق تكوين علاقات تكافلية مع الكائنات الحية الأخرى.
5. بكتيريا الكهوف الحمضية (Acidithiobacillus)
هناك في عمق الكهوف المظلمة والمناجم القديمة شديدة الحمضية تتدلى هذه البكتيريا اللزجة من الجدران. تتغذى على الصخور اللذيذة التي تحتوي على الحديد والكبريت، كمعدن البيريت، وتفرز حمض الكبريتيك؛ الذي يذيب الحجر الجيري للجدران، مما يشكل بلورات جبسية صغيرة.
تستطيع البكتيريا البقاء على قيد الحياة حتى عندما تكون محاطة بالسموم كالزرنيخ والزئبق.
6. بكتيريا الكهرباء (Geobacter metallireducens)
في الوحل (وداخل جسم الإنسان) حيث يندر الأكسجين،تستخدم هذه البكتيريا الكهرباء للتنفس بدلًا من الأكسجين، إذ تتمثل فكرتها عن «الهواء النقي» في مكان يحتوي على الكثير من المعادن المذابة مثل الحديد أو المنجنيز، أو حتى اليورانيوم والبلوتونيوم، أما في حالة نفاد المعادن المذابة، فتلجأ لخطتها البديلة، حيث ينمو سوطها وتبحث بالجوار عن أي معادن مذابة كانت أو صلبة.
من المعروف أنه في رحلتها للحصول على الطاقة تنتج الخلايا الحية الإلكترونات كمنتج ثانوي، والتي يجب التخلص منها بطريقة ما. كبشر نستخدم ما نستنشقه من الأكسجين للتخلص منها، ولكن Geobacter وبعض البكتيريا الأخرى تحت الأرض تقوم بتفريغ إلكتروناتها على المعادن بدلًا من ذلك. وبالتالي فهي لا تتغذى على الكهرباء فقط، بل تفرزها أيضًا.
7. البكتيريا المغناطيسية (Magnetospirillum magneticum)
أولًا: تقوم بتجميع الحديد من البيئة المحيطة وتصنع منه بلورات نانوية ممغنطة في حويصلات صغيرة تصطف في سلسلة داخلها؛ الحقل المغناطيسي للأرض يسحب هذه البلورات، فإذا بها تعمل كإبرة بوصلة توجه البكتيريا إلى الاتجاه الذي تريده.
ثانيًا: الكشف عن التغييرات في مستوى الأكسجين، إذ ترتحل البكتيريا عن طريق تحريك سوطها ذهابًا وإيابًا على طول الخط المغناطيسي، بحثًا عن البيئة المناسبة ذات نسبة الأكسجين المنخفضة، والملوحة المعتدلة، وهي التي غالبًا ما تتوافر في المستنقعات ورواسب القاع.
وأخيرًا، لعل ما ورد هنا ما هو إلا أقل القليل مما تمتلكه البكتيريا من قدرات مذهلة، وما كانت مثل هذه الكائنات وحيدة الخلية لتنجح في البقاء ومواجهة ما يهدد بقاءها من تحديات بيئية لولا تطوير دفاعاتها على هذا النحو.