يجد صانع الأفلام نفسه دائمًا أمام مجموعة من الأسئلة، بل مجموعة من المشاكل، فأحيانًا لا يعرف كيف يبدأ، وأحيانًا أخرى لا يعرف هل هناك حدود يجب أن يضعها لنفسه ليضمن أن فيلمه سيخرج جيدًا، وهل يجب أن ينتظر حتى يأتيه الإلهام واضحًا جليًا، وهل يجب عليه وحده أن يعرف كل شيء عن هذه الصناعة؟ 

في هذا المقال سنتحدث عن هذه التفاصيل وغيرها من خلال بعض النصائح التي تحدث عنها أهم صُناع الأفلام في عالمنا، هذه النصائح ستمنحك حرية أكبر والمزيد من الشجاعة حينما تصنع فيلمك المقبل، وبالتأكيد ستسهم في خروج الفيلم بشكلٍ جيد.

اكتب الفيلم الذي تريد أن تراه – كوينتن تارانتينو

تعتبر هذه النصيحة من أهم النصائح التي قد توجه لصانع الأفلام، لأنها تعتمد في المقام الأول على أن هذا الشخص سيسهم بشيء جديد في عالم الأفلام، ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن هناك آلاف الأفلام قد تم إنتاجُها، وهذا يعني أنه من الصعب أن يقدموا جديدًا أمام هذا العدد الهائل، يرى البعض الآخر أن الصفحة دائمًا بيضاء، أي أن أعمال كل صناع الأفلام السابقين لا تعني أن المُهمة قد تمت، على العكس تمامًا، فمع التطور الهائل الذي نعيش فيه، ومع المشاكل والظروف المختلفة التي نتعرض لها نجد أن الصفحة دائمًا بيضاء، دائمًا هناك فكرة جديدة مُبتكرة في حاجة لمن يكتُب عنها.

تعتبر فكرة الصفحة البيضاء، هي المحور الأساسي الذي تدور حوله فكرة تارانتينو، فنحن لا نتحدث عن أن هناك صُناع أفلام كبار بالفعل مما يعني أن أي مُساهمة جديدة ستكون صغيرة بالنسبة لهم، بل نتحدث عن أن الفكرة هي جديدة ومبتكرة بالشكل الذي يجعلها منافسًا قويًا لكل الأفلام الموجودة. فبمشاهدة الأفلام يجب أن تخرج بالفكرة التي ترى أنها لم تقدم بعد، أو بمعنى آخر يجب أن تقدم الفكرة التي تريد رؤيتها، حتى وإن كانت هذه الفكرة لا تشبه أي شيء، الشجاعة هنا مهمة. في هذه النقطة يقول كوينتن تارانتينو أن فيلمه «Reservoir Dogs» لم يشبه أي فيلم قد رآه من قبل، على الرغم من كثرة أفلام السرقة والعصابات، فإنه قرر أن يأخذ قفزة جديدة في هذا النوع من الأفلام، ويمكننا هنا الاستعانة بكلام كريستوفر نولان حينما قال، إن صانع الأفلام يرى نوع الأفلام التي يحبها ثم يأخذ خطوة جديدة فيها، بصناعة ما يريد أن يراه، وما يريد أن يراه الناس، مثلما فعل هو مع أفلام الخيال العلمي.

شاهد الكثير من الأفلام حتى تكتب أكثر – مارتن سكورسيزي

هذه النصيحة هي الأهم في عالم الفن عمومًا لا في عالم الأفلام فقط، فالمجال الذي تريد أن تقدم فيه عملًا مميزًا يجب أن تعرف عنه أكثر وأكثر، يخبرنا مارتن سكورسيزي أنه كان مريضًا في طفولته مما منعه من اللعب مع الأطفال، في هذه الأوقات كان يختار مُشاهدة الأفلام، كما كان يذهب للكنيسة ليشاهد الأفلام، وهكذا الأمر في منزله أمام التلفاز، في كل فرصة ممكنة من الطفولة وحتى الكبر كان يشاهد الأفلام على الرغم من أنه لم يكن يعرف حينها أنه سيدخل إلا هذا العالم.

هذه المشاهدات العديدة للأفلام، كانت تجعله كل مرة يلاحظ شيئًا لم يلاحظه من قبل، كل مرة كان ينفُذ إلى طبقة أعمق في هذا العالم، فكان يرى بعض القصص تُحكى بانسيابية مُريحة تتوالى فيها عناصر القصة أمام المشاهد من دون أي مشاكل، وأحيانًا كان يرى التقدم السلس للفيلم ولحركة الأبطال، ومع الوقت بدأ يعرف أن هذه الانسيابية بسبب استعمال عدسة واسعة الزاوية، وهذا التعاطف مع هذا البطل يأتي بسبب زاوية مُختلفة للكاميرا، وهكذا ومع الوقت بدأ سكورسيزي يعرف العناصر والأدوات التي تشكل الفيلم بشكلٍ جيد، ويقول إن مشاهدة الأفلام تعتبر مثل القاموس لصانع الأفلام، حيث سيتعلم من خلالها مُفردات جديدة، وطرقًا مُختلفة للتعبير، ولاستعمال أدوات مُختلفة، ومن خلال هذا سينطلق ليصنع فيلمه الخاص الذي يعبر عنه هو بشكلٍ جديد.

نظرية القنبلة – ألفريد هتشكوك

لنتخيل مجموعة من خمسة أشخاص يجتمعون حول مائدة طعام في أحدِ المطاعم، هؤلاء الأشخاص يتحدثون عن البيسبول أو عن كُرة القدم، فجأةً تصفرُ قُنبلة أسفل هذه المائدة وتنفجر، مشهد الانفجار المُفاجئ هُنا سيعطي المشاهد عدة ثوان من الدهشة والإثارة، سيتفاعل مع الفيلم بسرعة، لكن سرعان ما سيعود كُل شيء كما كان. لنتخيل سيناريو مُختلفًا قليلًا عن السيناريو السابق، هذه المرة لدينا الخمسة أشخاص أنفسهم، في نفس المطعم، يجلسون حول الطعام، لكن المختلف هو معرفة المُشاهد أن هناك قُنبلة أسفل المائدة، لنجعل هذه القنبلة تنفجر خلال خمس دقائق، هكذا سيكون الحديث العادي الذي قد يكون مُملًا عن البيسبول أو الكُرة حديثًا شيقًا للغاية، وسيتابعه المشاهدون بنفس الإثارة التي حدثت وقت انفجار القنبلة، لكن هذه المرة ستستمر الإثارة لخمس دقائق، ماذا إذا جعلنا هذه القنبلة تنفجر بعد ربع ساعة، أو ساعة؟

ربما تتساءل الآن عن الطريقة التي سنحل بها مشكلة القنبلة، هل سنتركها تنفجر من أجل جعل الحوار شيقًا؟ وهنا يخبرنا هتشكوك أنه يمكننا التخلص من القنبلة بأبسط الطرق مثل أن يحرك أحد الجالسين قدمه في الثواني الأخيرة، فيجد القنبلة فيقذفها من نافذة المطعم، وهنا تنفجر من دون أن يتأذى أحد. تعتبر هذه القصة هي التجسيد البسيط والمباشر لنظرية القنبلة التي تحدث عنها هتشكوك مراتٍ عديدة، وتكمن أهمية هذه النصيحة في أنها توضح أهمية عنصر الإثارة في الأفلام، وكيف يمكننا استغلاله إلى أقصى حد، كما توضح لنا أنه لا يجب أن يكون هناك مشهد عادي وممل، حتى المشاهد البسيطة والعادية يجب أن تكون في ذروتها. ونرى الاستعمال الأمثل لهذه النظرية في افتتاحية فيلم «Inglourious Basterds» لكوينتين تارانتينو، حينما كان كريستوف فالتز -هانز لاندا- يتحدث مع صاحب المزرعة عن عائلة “دريفوس” اليهودية التي هربت من العقاب، وهذه العائلة كانت تحت قدمه تمامًا أثناء الحوار.

احصل على الإلهام من أي شيء واسرق من الآخرين – فرانسيس فورد كوبولا

يعد الإلهام هو العنصر الجوهري الذي يخلق الفيلم من الأساس، وللسبب نفسه قد يكون الإلهام سببًا في عدم تقدمك في مجال صناعة الأفلام، بعض صُناع الأفلام ينتظرون أن ينزل عليهم الإلهام بشكلٍ ميتافيزيقي، كعملية روحية مُفارقة لعالمنا، وهذا الانتظار يُعيقهم ويؤخرهم كثيرًا، وهنا ينصحنا فرانسيس فورد بنصيحة تبدو غريبة للوهلة الأولى، وهي أنه من حقك أن تحصل على الإلهام من أي شيء، حتى وإن كان هذا المصدر هو من صُناع أفلام آخرين. يرى فرانسيس أنه من الطبيعي أن يتأثر الإنسان بكل ما حوله، وأن يتأثر بالأفلام التي شاهدها، بل إن الإنسان يتأثر بالأفلام الجيدة على وجه الأخص، وهذا التأثر يعتبر هو الدفعة الأولى في مسيرة الفنان، حيث ينطلق بالاستعانة من العظماء ممن سبقوه حتى يصل للونه وأسلوبه وطريقته الخاصة.

هذه الطريقة تعتبر شائعة أكثر في عالم الكتابة، فالكاتب الجيد يدرس بالفعل الكُتاب الكبار ممن سبقوه ويتأثر بهم، ويحاكيهم حتى يصل لأسلوبه الخاص، وكلما أصبح الفنان صاحب فن جيد وأقوى، وأكثر قدرة على التعبير والتأثير، تأثر به عدد أكبر من الأشخاص، فمثلًا نرى إيفان تورغينيف يقول بشكلٍ صريح، إن الأدب الروسي خرج من معطف نيقولاي، ويقصد هنا أنهم جميعًا تأثروا برواية المعطف للكاتب نيقولاي غوغول بالشكل الذي جعل الأدب الروسي يُكتب تحت مظلة هذا العمل الفني، لم يبتعد فورد كوبولا كثيرًا عن هذه الفكرة حينما كان  ينصح الجيل الجديد، فكان يرى أن هذه العملية طبيعية وستستمر باستمرار الإنسان؛ هو نفسه تأثر بأفلام كثيرة وأخذ منها، والآن يرى كثيرًا من الصناع يتأثرون به وبأجزائه الثلاثة من فيلم العراب.

ويجب هنا أن نُأكد أن هذه النصيحة لا تؤدي إلى السرقة الفنية بالشكل الذي نعرفه، فكوينتين تارانتينو أثيرت حوله الشكوك عدة مرات، وقال كثير من الأشخاص إنه يسرق من السينما الآسيوية، لكنه رد ردًا مشابهًا لنصيحة فورد، وهو أنه يحصل على الإلهام من أي شيء، مشهد في فيلم، أغنية في خلفية مشهد هامشي، طريقة سير ممثل، كلمة واحدة يقولها أحد، صفة في أحد الشخصيات، وهكذا، بل يمكننا أن نقول إن المشاهدات السابقة تشكل القاموس الذي نتحرك من خلاله مثلما قلنا في نصيحة مارتن سكورسيزي.

أن يكون الإخراج شُغلك الشاغل – جيمس كاميرون

يقول جيمس كاميرون إن أهم نصيحة يمكن أن يوجهها للجيل الجديد الذي يهتم بمجال الإخراج هي أن يكون الإخراج شغله الشاغل، فيرى كاميرون أن الإخراج هو حالة عقلية يجب أن تتمتع بها «State of mind»، وأن تتعامل دائمًا من منطلق أنك مُخرج بالفعل، لذلك يقول جيمس إذا أردت أن تصبح مخرجًا فالتقط كاميرتك وقم بتصوير أي شيء حولك، ثم ضع اسمك عليه؛ الآن أنت مُخرج؛ فالتفكر في الخطوات التالية إذًا، وفي مشاريعك المقبلة. 

على الرغم من بساطة هذه النصيحة فإنها تعتبر من أهم الأشياء التي تجعل من يتبعها يتفوق في مجاله، فلاعب الكرة الجيد يتصرف كلاعب كرة طوال الوقت، والرياضي الجيد يتصرف كرياضي طوال الوقت، لا نجد محمد صلاح أو بيج رامي، وغيرهما يتصرفون بشكلٍ معين أثناء الذهاب للتمارين أو المباريات ثم يتناسون هذا عند عودتهم لحياتهم العادية، لأن هذه بالفعل هي حياتهم العادية، وهذ ما يريد جيمس كاميرون أن يوصله، أن تكون متفانيًا فيما تفعله حتى تتمحور حياتك بأكملها وتتشكل حوله، ومن هنا ستستغل كل لحظة في حياتك لصالح هذا الهدف، وستبذل ما في وسعك لتصبح مُخرجًا جيد.

تعلم القليل عن كل شيء في عالم صناعة الأفلام – كريستوفر نولان

ينصح كريستوفر نولان صانع الأفلام أن يكون لديه معلومات في كل التفاصيل الخاصة بعملية صناعة الأفلام، ويقدم هذه النصيحة على الرغم من كل هذه التطورات التي وصلت إليها هذه الصناعة، فنحن الآن نتحدث عن أن هناك مخرجًا وكاتبًا ومهندس صوت ومصمم أزياء وغيرهم الكثير والكثير من الأشخاص الذين يخرجون في النهاية فيلمًا واحدًا.

تعتبر هذه النصيحة موجهة أكثر إلى صانع الأفلام الذي يبدأ مسيرته، ففي الغالب سيكون من الصعب عليه أن يحصل على إنتاج ضخم لفيلم، بل في كثير من الأحيان سيجد أنه مُضطر إلى أن يصنع فيلمه بالكامل بنفسه، وهنا سيجد أنه لا  توجد حلول أخرى إلا أن يتعلم الإخراج والتصوير وضبط الإضاءة ومعرفة مُعدات الصوت وغير ذلك من التفاصيل. ويرى نولان أن هذه المعرفة ستظل مهمة بالقدر نفسه حينما تبدأ بصناعة فيلمك بإنتاجية ضخمة، فحينما تعمل مع فريق كبير سيكون من الأفضل أن تكون على علم كاف بوظيفة كل شخص من الفريق بالشكل الذي يُسهل التواصل بينكم، وبالشكل الذي يجعلك تُخرج فيلمك بالشكل الذي تريده في تفاصيله الصغيرة أيضًا، وليس التفاصيل الكبيرة فقط.

إذا أردت أن تصنع فيلمًا، فأصنع واحدًا – ستيفين سبيلبرج

يقول سبيلبرج، إن أفضل طريقة لصناعة فيلمك الخاص، هي أن تبدأ بصناعته، وعلى الرغم من أن هذه النصيحة كانت تُقال منذ زمنٍ بعيد، فإنه يوجهها إلى الأجيال الجديدة بشكل خاص، وذلك حيث يرى سبيلبرج أنه من السهل أن نستعمل هواتفنا المحمولة ونبدأ بتصوير فيلم بالكامل، كما يمكن أن نستعمل برامج الكمبيوتر المختلفة لمعالجة الألوان، وعمل المونتاج وغير ذلك من الأشياء التي أصبحت الآن أسهل بكثير مُقارنة بالإمكانيات التي كانت مُتاحة منذ زمن للجيل القديم من صناع الأفلام، ولجيل سبيلبرج نفسه، ولا تتوقف نصيحة سبيليرج على عملية صناعة الفيلم فقط، بل يرى أننا الآن يمكن أن نعمل بالشكل نفسه في عملية الإنتاج، ففيلمك الجيد يمكنه أن ينتشر وينجح على اليوتيوب.

ختامًا عملية صناعة الأفلام ليست بالعملية السهلة، لكنها أيضًا ليست بالعملية المستحيلة، وكما نرى فإن الأمر يصبح مُمكنًا كل يوم أكثر وأكثر، ومع توافر الإمكانيات تزداد الفرص أمام المواهب الحقيقية، والفنان الذي لديه شيئًا مُميزًا وجديدًا ليقدمه. بالطبع لا يشترط أن تسير على هذه النصائح بحذافيرها، فكل فنان يجد طريقه الخاص مع الوقت، وأرى أن الطريقة الأفضل التي يمكنك أن تتعلم من خلالها أين تذهب وماذا تفعل في هذا المجال هي ما قاله ستانلي كوبريك «إذا أردت أن تتعلم كيف تصنع فيلمًا؟ فأصنع فيلمًا»، والفكرة هنا أن كل الطرق ستتضح أمامك، وستعرف الأشياء التي تعرفها والتي تجهلها بشكلٍ ملموس ودقيق حينما تبدأ بالفعل في التصوير. وفي النهاية إننا نأخذ هذا الطريق ونتحمل صعابه لأنه كما يقول كوينتين تارانتينو «لأننا نحب صناعة الأفلام».