تشير الإحصاءات إلى فشل 9 من 10 شركات ناشئة. لا أعلم كيف كان وقع هذه الإحصائية عليك، ربما فكرت هل قد تكون شركتك إحدى تلك الشركات التي تتعرض للفشل، أم ربما تفكر في كيف تكون الشركة الناجية من هذا البحر العميق للفشل.

في الحالتين، لا يمكن لأحد أبدًا تجاهل هذه النسبة المرتفعة، التي تشير إلى إحاطة الفشل بجميع الشركات، ولا بد من فهم الأسباب التي تؤدي إلى ذلك للاستفادة منها وتعلّم الدرس. لهذا سنخبرك عن 7 أسباب تتسبب في فشل الشركات الناشئة.

السبب الأول: عدم وجود احتياج في السوق للمنتج

تفشل الشركات الناشئة عندما لا تحل مشكلة في السوق. لقد كان لدينا تكنولوجيا مميزة، وبيانات كثيرة عن سلوك التسوق، وسمعة رائعة كروّاد في هذا المجال، مع امتلاكنا مجموعة رائعة من الخبراء. ولكن ما لم يكن لدينا هو التكنولوجيا أو نموذج العمل الذي يحل نقطة ألم لدى الجمهور، بطريقة قابلة للتوسع والتطوير.
مؤسسو Treehouse Logic عن فشلهم

يعد السبب الأول لفشل العديد من الشركات الناشئة هو تقديمها منتجًا لا احتياج له في الوقت الحالي في السوق، نتيجة لعدم تركيزها على العملاء والاستماع لهم، أو لأنّها قدمت منتجها في توقيت غير مناسب، ولم تقدر على تحقيق توافق بين منتجها وتطلعات المستخدمين في السوق.

لهذا وصف مؤسسو الشركة فشلهم بالحديث عن هذه النقطة. اعتمدت الشركة في عملها على تقديم حلول من أجل مساعدة الأفراد على التعاون المشترك في التسوق عبر الإنترنت. وهو ما كان يحل مشكلة لا يعاني منها الأفراد الآن.

يعد السبب الأساسي لحدوث هذا هو تجاهل عملية بحث السوق، أو خطأ النتائج الواردة بها. تحدث هذه المشكلة أيضًا بسبب عدم الاهتمام بتطوير MVP Minimum Viable Product أي «منتج بالحد الأدنى من الخصائص» لاختبار الفكرة قبل إطلاقها الكامل في السوق.

السبب الثاني: نفاد السيولة

لا يمكن الحديث عن أسباب فشل الشركات الناشئة دون التطرق إلى المشكلات المالية. تختلف أشكال المشكلات المالية التي تتعرض لها الشركات، لكنها تتفق في النتيجة النهائية هو نفاد السيولة الموجودة لدى الشركة، بالتالي عدم قدرتها على متابعة عمليتها من جديد. يحدث هذا نتيجة للأسباب التالية:

1. عدم النجاح في تأمين جولة تمويلية جديدة

تعتمد بعض الشركات على الجولات التمويلية المستمرة لإدارة عملها، وعندما لا تقدر على تأمين جولة جديدة، فإنّ ذلك يسبب لها مشكلات مادية. يعد السبب الرئيسي في اعتماد الشركات على الجولات التمويلية أنّها تضاعف من إنفاقها، بالتالي لا تقدر على التحكم في الماليات سوى عبر هذه الجولات. وعندما لا تنجح في تأمين واحدة جديدة يؤدي ذلك إلى الفشل.

هذا ما حدث مع شركة Anki التي بدأت عملها في عام 2010 في مجال الذكاء الاصطناعي لإنتاج الروبوتات. خلال قرابة عقد من الزمن، نجحت الشركة في تأمين 5 جولات استثمارية بقيمة 182 مليون دولار. في عام 2019 أعلن المدير التنفيذي للشركة بوريس سوفمان عن عدم تمكن الشركة من تأمين جولة جديدة، بعد تعطل الصفقة في اللحظة الأخيرة حسب وصفه، لتكون النتيجة النهائية هي إغلاق الشركة.

إنفوغراف يوضح ما حدث مع 1119 شركة ناشئة من الجولة الأولى للتمويل حتى الجولة السادسة، التي شهدت بقاء 3% من إجمالي الشركات فقط.

2. خطأ في إدارة الماليات

من الأمور التي تؤدي إلى حدوث مشكلة مالية، هي الخطأ في إدارتها، سواءً بسبب التخطيط السيئ لها، أو وجود مشكلة في المبيعات نتيجة خلل في التوقع، أو بسبب وجود أموال مستحقة للشركة لكنّها لم تحصلها بعد من الجهات الخارجية.

تأسست شركة Zirtual في عام 2011، ونجحت في تقديم خدماتها للعديد من الشركات، إذ قدمت لهم مساعدين افتراضيين يتولون أداء مهام إدارية معينة، مثل جدولة الاجتماعات. قررت الشركة التوسع في عملياتها، لكنّها فعلت ذلك في وقتٍ مبكر.

أدى ذلك إلى حرق الكثير من الأموال في سبيل تنفيذ خطة النمو، لكن لم يتبع هذا تخطيط جيد للأمور. لتجد الشركة نفسها مطالبة بدفع الرواتب لقرابة 500 موظف في الشركة، نتيجة تقديرها للحسابات بطريقة خاطئة، وكانت النتيجة هي الإفلاس، ثم لاحقًا تم بيع الشركة.

3. خطأ في التسعير

من أهم الأشياء التي تؤدي إلى حدوث مشكلة مالية، هي الخطأ في تسعير المنتجات بالشكل الصحيح. لا سيّما عندما تقرر الشركة الاعتماد على حرق الأسعار كإستراتيجية لدخول السوق، بالتالي قد يكون من الصعب عليها تغطية التكاليف، مع عدم وجود أرباح كافية لتعويض ذلك.

قد تكون مشكلة التسعير هي أنّ العميل يرى سعر المنتج أكبر مما يقدر على تحمله، أو لديه منتجات أخرى لشرائها، أو لأنّه لا يرى القيمة التي سيحصل عليها تناسب المبلغ المطلوب. تعرضت شركة Delight IO –التي قدمت خدمة اختبار قابلية الاستخدام لتطبيقات الأجهزة المحمولة- لهذا الأمر، فلم يقبل العملاء على شراء خدماتها لأنّهم لم يجدوا ما يقنعهم بذلك.

السبب الثالث: فريق غير مناسب للفكرة

إذا كان مجلس الإدارة متناغمًا بالفعل، لكنّا اكتشفنا ذلك قبل 6 أشهر. ألوم ذاتي على الكثير مما حدث، في عدم توظيف المزيد من الأشخاص ذوي الخبرة. لم يكن هناك حقد لكن سذاجة في التصرف، فإذا كان لدينا مدير مالي لاختلفت القصة تمامًا.
ماريت كيت دونوفان، المدير التنفيذي لشركة Zirtual عن أزمة شركته التي نتج عنها إفلاس الشركة

مهما تكن عظمة الأفكار، فإنّ وجود الفريق المناسب القادر على تنفيذها هو احتياج لا بد منه. يتجاهل البعض هذه الحقيقة نتيجة لرغبته في توفير التكاليف؛ فيعمل بمفرده أو رفقة عدد محدود من الشركاء، دون التفكير في تعيين مديرين أو الحصول على المزيد من الشركاء في المناصب المؤثرة، أو يختار موظفين غير مناسبين فقط من أجل توفير التكلفة.

قد تتسبب هذه المشكلة في نهاية الشركة كما حدث مع Zirtual. بالطبع تعد الرغبة في توفير التكلفة مفهومة تمامًا ولا بد من السعي إليها، لكن بما يحافظ على الجودة. لهذا تلجأ الشركات حاليًا إلى توظيف المستقلين، فهذا يمنحها الجودة المناسبة، مع تحملها لتكلفة أقل. يمكن للشركات العثور على أفضل المحترفين في مختلف المجالات، من خلال توظيفهم عبر موقع مستقل.

ربما تحدث مشكلة الفريق غير المناسب للفكرة نتيجة لعدم إدراك المؤسسين لهذا الأمر. وهذا ما حدث مع شركة Lumos التي اضطرت إلى الإغلاق في أقل من عام، إذ أدرك المؤسسون أنّهم “لم يكونوا الفريق المناسب لبناء شركة “. مع اعترافهم بوجود سبع مشاكل رئيسية على الأقل، أدت إلى انهيار الشركة.

السبب الرابع: المنافسة

حتى مع قوة الشركة واكتمال جميع العناصر بالمنتج أو الخدمة المقدمة، إلّا أنّ المنافسة القوية يمكنها الإطاحة ببعض الشركات والتسبب في فشلها. في النهاية يبحث العميل عمّن يمنحه الاختيار الذي يناسبه، فهو ليس ضروريًا أن يشعر بالانتماء لعلامة تجارية بعينها، إلّا إذا منحته هذه العلامة سببًا لذلك.

يؤكد مبدأ المنافسة على أنّه لا يمكن لأحد ضمان استمرارية نجاحه، سوى بالعمل والجهد المستمر. فلا يمكن الاكتفاء بالإنجازات السابقة، والاعتقاد أنّها مفتاح الأمان للبقاء ضمن الشركات الناجحة، وكثيرًا ما نجد أنّ الفشل يحدث للشركات بعد سنوات من بدء عملها، وهو ما يؤكد أهمية العمل الدائم.

ظهرت شركة Rdio ضمن مقدمي خدمات بث الموسيقى الأوائل في أمريكا. رغب مطورو التطبيق في تقديم منتج له ميزة تنافسية مختلفة، إذ يعرض لمستخدمه تفضيلات لما يستمع إليه أصدقاؤه، ويقدم له اقتراحات للاستماع وفقًا لقوائم التشغيل الخاصة بهم.

حصدت الشركة 125 مليون دولار أمريكي في مختلف جولات التمويل التي خاضتها، التي بلغ عددها 6 جولات. لكن مع ذلك، عندما ظهر تطبيق Spotify على الساحة، تمكن من التفوق على Rdio، لأنّه قدّم ميزة تنافسية أفضل للعملاء. وفي النهاية توقفت شركة Rdio عن العمل في 2015.

السبب الخامس: منتج ضعيف

من أهم أسباب فشل الشركات الناشئة هي تقديمها لمنتج ضعيف في عين العملاء. ربما لأنّه لا يهتم بتجربة المستخدم بالقدر الكافي، ولا يلبي احتياجات العملاء جيدًا. على الرغم من كون هذا الأمر بديهيًا، إلّا أنّ بعض الشركات تتناساه، وتظن الحملات التسويقية كافية لإقناع العميل بالمنتج.

لكن تظل الحقيقة الثابتة هي أنّ العميل لا يشتري الإعلانات، بل المنتجات أو الخدمات المعروضة. هذا الأمر الذي حدث مع شركة جوجل العملاقة في أحد مشروعاتها؛ جوجل بلس. إذ ركّزت الشركة على رغبتها في منافسة فيسبوك، لكنّها لم تسخّر مجهوداتها بالشكل المناسب للخروج بالمنتج الذي يلقى اهتمام الجمهور، وكانت النتيجة هي إعلان جوجل توقف الخدمة في 2018.

السبب السادس: منتج بدون نموذج عمل قوي

ما فائدة المنتج للشركة إذا لم تكن قادرة على تحقيق الربح من خلاله؟ في الواقع هذه واحدة من التحديات التي تقابل أغلب الشركات الناشئة، إذ عندما يبدأ التفكير في الشركة، فإنّ التركيز يكون على خلق ميزة مقترحة مفيدة للعملاء بالفعل.

لكن هدف الشركة هو حصولها على الربح في نهاية الأمر، فهي لا تعمل سوى من أجل ذلك، ولا ترغب في الحصول على تكاليف أعلى من الإيرادات مما يعني الخسارة. لذا، توجّه تفكيرها نحو تصميم نموذج العمل التجاري (Business Model) الخاص بها. كما لم يعد كافيًا هذه الأيام الاعتماد على مصدر واحد لتحقيق الربح، بل مع الوقت يصبح اختيار أكثر من قناة للربح ضرورة لا بد منها للنجاح.

يقول ستيف بلانك -أحد أشهر المعلمين في مجال ريادة الأعمال في وادي السيليكون (Silicon Valley)- في تعريف للشركة الناشئة، إنّها: “مؤسسة مؤقتة مصممة للبحث عن نموذج عمل قابل للتكرار والتطوير”. فيمكن من خلال النموذج تحقيق الأرباح والتوسع بشكل صحيح. أمّا غيابه فيؤدي إلى الفشل.

بدأت شركة Maple عملها في إعداد وتوصيل وجبات الطعام في عام 2014 داخل نيويورك. كما اعتادت على تقديم بسكويت بالسكر مجاني مع كل طلب. تميزت الشركة عن بقية الشركات في تقديمها لتجربة مطعم كاملة، لها تطبيقات خاصة بها، ومطابخ لإعداد الطعام، وعمّال التوصيل، دون الاضطرار إلى فتح مطعم فعلي لما في ذلك من تكلفة عالية.

كان المنتج متكاملًا بالنسبة للعملاء، لكن كشفت تقارير لاحقة أنّ الشركة خسرت أموالًا في الوجبات التي قامت بتوصيلها، وبدأت تحقق هامش ربح بسيط جدًا في عام 2016 وهو 30 سنتًا فقط في الوجبة. كانت الشركة قد حصدت 29 مليونًا عبر الجولات الاستثمارية، إذ ساعدها هذا في تغطية التكاليف. لكن لم يكن هذا كافيًا للاستمرار مع الخسائر الكبيرة المحتملة.

لذا، قامت الشركة بمحاولة تعديل في نموذج العمل الخاص بها، بزيادة السعر عبر إضافة رسوم أخرى كالتوصيل وضريبة المبيعات. ترتب على ذلك اتّجاه العملاء إلى مقدمين آخرين للخدمة، وتوقفت الشركة عن العمل في 2017. يؤكد هذا على قيمة نموذج العمل القوي من البداية، وأنّه إذا لم يكن يساعد الشركة الناشئة على الربح، فإنّ فرصتها في الاستمرار تكاد تكون معدومة.

السبب السابع: التسويق الضعيف للفكرة

لم يعد من الممكن إنكار أهمية التسويق كعامل مؤثر في نجاح الشركات. إذ كل المجهود المبذول في تصميم المنتجات وتجهيزها، يتوجه التسويق بالوصول إلى العملاء، من خلال معرفة كيفية جذب انتباههم وتحويلهم إلى عملاء محتملين، ثم عملاء فعليين في نهاية الأمر. لذا لا عجب في كون التسويق الضعيف قد يترتب عليه فشل للشركات.

يقول باول برودزينسكي عن شركة Overto:

الخط الرفيع بين حياة خدمة الإنترنت وموتها هو عدد المستخدمين. في الفترة الأولية من الزمن كانت الأرقام تتزايد بشكل منهجي. ثم وصلنا إلى سقف ما يمكن أن نحققه دون عناء. لقد حان الوقت للقيام ببعض التسويق. لسوء الحظ، لم يكن أحدنا ماهرًا في هذا المجال.

ختامًا، لا يمكن الحكم أنّ الفشل يحدث نتيجة لسببٍ واحد فقط، لكن هي محصلة لمجموعة أسباب تحدث معًا، ربما يؤثر سبب أكثر من غيره، لكن في النهاية لا يعني ذلك إهمال بقية الأسباب. تخبرنا التجارب السيئة للشركات الفاشلة عن ضرورة الاهتمام بجميع عناصر العمل الناجح معًا، وأنّ هذا هو الطريق الوحيد لأن تصبح شركتنا هي الواحدة التي تنجح من بين بقية الشركات العشرة.