إن التناقض الأساسي في عملية تعليم ريادة الأعمال، أنه بالضرورة لا يمكن أن توجد وصفة لريادة الأعمال، فكل إبداع هو جديد ومتفرد، ولا يوجد أي سلطة تستطيع أن تصف بمفردات حاسمة كيف يمكن أن تكون مبدعًا.
بيتر ثيل، من الصفر إلى الواحد

في كتابه، من الصفر إلى الواحد، يقدم بيتر ثيل، مؤسس PayPal، العديد من الملاحظات والنقاشات الثرية حول عالم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، فهو ينطلق من خبرة طويلة وقصة نجاح مشهودة جعلت «مافيا PayPal» حديث عالم ريادة الأعمال لسنوات وسنوات.

في الفصل الثالث عشر من الكتاب يدعونا بيتر ثيل لمناقشة 7 أسئلة أساسية يرى أنها تمثل خريطة طريق لاختبار مدى قابلية فكرة أي مشروع للوصول لنجاح غير مسبوق.

سؤال الهندسة: هل يمكنك اختراع تكنولوجيا غير مسبوقة أم مجرد تطويرات على الموجود؟

إن كنت ترغب في الوصول للنجاح غير المسبوق، فإن حلك التكنولوجي الذي تقدمه يجب ألا يكون مجرد تحسينات على البدائل الحالية في السوق الذي تعمل به، فالجمهور لا يقوم بالتغيير بسهولة، ومن ثم يجب أن يكون هناك دافع قوي يجعله يترك البديل القائم والمألوف بالنسبة له.

هذا السبب لن يكون بحال أن منتجًا أفضل بشكل بسيط من البديل الحالي، بل يجب أن يكون 10 أضعاف أفضل من البديل.

انظر على سبيل المثال لصناعة محركات البحث، على مدى سنوات ظهر العديد من محركات البحث، قد لا يتذكر العديد منا محركات بحث مثل ألتافيستا وياهو، ولكن صناعة محركات البحث بدأت منذ 1982 بمحرك ما قبل شبكة الإنترنت WHOis، واستمرت في التطور وصولًا لجوجل وما بعدها، ولكن ما يجعل جوجل تستحوذ على 88% من سوق محركات البحث لم يكن مجرد تطوير على المحركات الموجودة، بل في نتائج بحث أكثر دقة وأكثر سرعة بعشرات المرات عن محركات البحث التي كانت قائمة في ذلك الوقت، وما زال جوجل يقوم بتطوير أدواته لنفس الغرض.

لذا فإن كنت ترغب في النجاح غير المسبوق، فإن التكنولوجيا غير المسبوقة هي عنوانك وليس التطويرات البسيطة على بدائلك.

سؤال الوقت: هل الآن الوقت المناسب لبدء مشروعك؟

في مسلسل Silicon Valley الشهير، يكتشف بطل المسلسل أن فكرته الرائعة لإتاحة الإنترنت للجميع، ليست جديدة، وأن هناك من قام بعمل براءة اختراع بخصوصها، منذ سنوات طويلة، وبعد مزيد بحث يجد أن صاحب الفكرة لم يستطع تنفيذها في ذلك الوقت لأنه لم يكن هناك هواتف محمولة ذات معالجات بقوة رهيبة في أيدي كل الناس، بالإضافة لصعوبة ضغط الملفات حتى حد معين، ولكن مع تغيير هذين العاملين – بحسب أحداث المسلسل – فإن الفكرة يمكن تطبيقها بالفعل.

https://www.youtube.com/watch?v=ygUw0DgAVqg

عندما تبدأ حلمك بالوصول للنجاح غير المسبوق بفكرتك الجديدة، يجب أن تجيب عن سؤال الوقت، هل الوقت الحالي هو المناسب لتطرح فكرتك، الأمر يتعلق بالعديد من العوامل، مثل التكنولوجي، فعلى سبيل المثال لم تظن شركة كوداك عملاق صناعة أفلام الكاميرات أن العالم سوف يتجه نحو الكاميرات الديجيتال، لذا رفضت الاختراع عندما عُرض عليها من أحد مهندسيها بالفعل، في منتصف السبعينيات، واستمرت في هذا الإنكار حتى التسعينيات، ولكن كان قطار الكاميرات الديجيتال قد مر سريعًا بالفعل، مما أدى بكوداك من كونها تستحوذ على 90% من سوق أفلام الكاميرات و85% من سوق الكاميرات في السبعينيات، إلى أن تقدم على طلب الإفلاس في 2012 بعد أن أفلتت اللحظة الخاصة بهذه الصناعة.  

سؤال الاحتكار: هل ستبدأ بأخذ حصة كبيرة في سوق صغير؟

يحدثنا بيتر ثيل عن أهمية فكرة الاحتكار، وكيف يمكن أن يكون أول خطوة نحو التوسعات غير المحدودة هي أن تبدأ باحتكار سوق صغير يمكنك أن تقدم فيه حلك غير المسبوق، ومن ثم تستطيع أن تنفرد بالعمل فيه واحتكاره، بدلًا من الدخول في سوق كبير للغاية ولكنه مليء بالمنافسين الأقوياء، الذين لن تستطيع هزيمتهم بسهولة ومن ثم احتكار السوق.

تذكر هنا درس أمازون، التي بدأت فعليًّا كموقع لبيع الكتب، هذا المجال المحدود من سوق المبيعات الأونلاين، كان هو اختيار جيف بيزوس في البداية، لكي يصل لدرجة الاحتكار فيه بمعدلات نمو عالية، جعلت أمازون خلال شهرين فقط من انطلاقها تبيع في كل الولايات الأمريكية و45 دولة، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى طرحت نفسها في البورصة بعد أقل من عامين، ومنذ ذلك الحين فإن أمازون أصبحت تبيع كل شيء، لتصبح عملاق التجارة الإلكترونية عالميًّا، ولكن كل ذلك قد بدأ فقط باحتكار سوق صغير هو بيع الكتب أونلاين.

سؤال البشر: هل لديك الفريق المناسب؟

حين تبدأ شركتك الناشئة، ربما سيكون العنصر الأهم هو فريقك، فأنت لحظتها لا تملك شيئًا غيره، لا أحد يعلم علامتك التجارية ولا توجد هناك مبيعات، وبالتأكيد ما زال منتجك قيد التطوير، لهذا فإن اختيار الفريق المناسب هو أحد أهم الأسئلة التي يجب عليك الإجابة عليها، هل هذا الفريق قادر على أن يقود شركة ناشئة من بدايتها حتى تصل لكل أحلامك؟

انظر على سبيل المثال لشركة أبل، أبل لا تصنع بالضرورة أفضل تليفون محمول، قد تجد بعض الشركات الأخرى التي تقدم خصائص قد تكون أفضل أو أحدث أو أقوى، ولكن ما تقدمه شركة أبل على الحقيقة هو العلامة التجارية، وما تعنيه بالنسبة للمستخدم، وهو ما جعل علامة أبل التجارية ضمن الأغلى في العالم، هذا الأمر استدعى أن يكون المؤسس قادرًا على بيع هذه العلامة التجارية، لأنه بغير ذلك فإنها ستكون مثل أي شركة تليفون محمول أخرى، وهذا هو أثر ستيف جوبز، فهو الذي انتشل الشركة مرة أخرى بعد عودته لقيادتها في نهاية التسعينيات، وهو الذي قاد عملية تقديم الإبداعات التي قدمتها الشركة طيلة السنوات الماضية وحتى وفاته، حيث كان الجمهور ينتظر ستيف جوبز وإعلانه عن كل منتج جديد في المؤتمرات التي تعقدها أبل، كان جوبز علامة تجارية بحد ذاته.

سؤال التوزيع: هل لديك القدرة على توصيل منتجك للجمهور أم فقط صناعته؟

يمكنك أن تجتهد كثيرًا في صناعة منتجك، قد تبذل فيه مجهودًا ضخمًا، وتقوم بابتكار العديد من الأشياء بداخله، لكنك في النهاية تفتقد القدرة على توصيله للجمهور، بالقدر الذي يجعل من شركتك عملاقًا في مجالك، لذا فإنه في الأغلب لن تستطع أن تنمو بالشكل الذي تحلم به.

انظر بشكل عكسي إلى شركة مثل أمازون، أمازون تمتلك الآن قدرة غير مسبوقة في الوصول لجمهورها، من خلال عشرات من نقاط القوة التي تملكها، سواء موقعها الإلكتروني، شركتها الخاصة بالشحن، علامتها التجارية وغير ذلك، هذا يجعل أمازون قادرة على إنجاح أي منتج، وهو ما تقوم به بالفعل، فهي تقوم بصناعة منتجات تعلم تمامًا من خلال البيانات التي تحللها من استخدام عملائها للموقع، وهي نقطة قوة أخرى، تعلم أن المستخدمين يقبلون عليها ولكنهم لا يدققون كثيرًا في العلامة التجارية، ومن ثم تستغل أمازون قدرتها الهائلة في التوزيع والوصول للجمهور في أن تنجح هذه المنتجات بشكل بسيط للغاية، وهذه هي قوة التوزيع، وهو سؤال يجب عليك أن تجيب عليه.

سؤال التحمل: هل تستطيع الدفاع عن مكانك في مدى العشر-العشرين سنة القادمة؟

يضرب بيتر ثيل مثالًا لتوضيح هذا السؤال من صناعة الطاقة الشمسية، حيث كانت الغالبية العظمى من شركات الطاقة النظيفة العاملة في مجال الطاقة الشمسية، يتحدثون عن الطاقة الشمسية كبديل نظيف للوقود الأحفوري وخاصة البترول، مشيدين بنظرتهم على أن هذا النوع من الطاقة سيظل غاليًا وغير نظيف.

هذا الأمر لم ينتبه لتنامي ظاهرة الغاز الصخري، وهو الذي مثل 1% فقط من إنتاج الغاز في الولايات المتحدة في عام 2000 ولكنه وصل إلى 20% في عام 2010، وفي نفس الوقت فإن أسعار الغاز قد انخفضت بما يصل لحوالي 70% منذ 2008 وحتى 2013، لذا فإنه رغم أن الغاز ليس هو الحل المثالي لمشكلة الطاقة والبيئة، ولكن هذا التحول في السعر ومقدار التأثير في البيئة للغاز (الأقل من البترول) كان كافيًا لكي يضرب صناعة الطاقة الشمسية، بالإضافة لعوامل أخرى.

لذا فإن سؤال التحمل وقدرة شركتك على الصمود في وجه التغييرات لسنوات قادمة، سيكون أمرًا هامًّا، فهو لا يتعلق فقط بمنتجك ولكن أيضًا بقدرتك على رؤية التغيرات الكبرى المؤثرة في الصناعة التي تعمل بها.

سؤال السر: هل استطعت تحديد الفرصة التي لا يراها غيرك؟

تتعلق معظم النجاحات الكبرى، في إيمان مؤسسيها بفرصة لم يرها غيرهم، هكذا يحدثنا بيتر، حينما قام بيزوس بتقديم أمازون أو حينما ظهرت أوبر للوجود أو مع تقديم شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر للجمهور، حين قدم ستيف جوبز الأيفون لأول مرة، وغيرها من عشرات النجاحات الأسطورية، كل هؤلاء كان لديهم سر، تلخص في فرصة رأوا وجودها في السوق بينما لم يرها غيرهم، هكذا استطاعوا الولوج لهذا السوق بسرهم، والسيطرة عليه، وعندما اكتشف الآخرون السر كان القطار قد فات.

وهذا هو السؤال الأخير الذي عليك الإجابة عليه، ما هي الفرصة التي لا يراها غيرك، ومن ثَم يمكنك العمل عليها لكي تنجح ذلك النجاح غير المسبوق.

في هذا الفصل قام بيتر ثيل بتقديم الأسئلة التي يجب على المؤسسين الإجابة عليها، للوصول لذلك النجاح المنتظر، قد تختلف إجابات كل مؤسس، ولكن بالتأكيد فإن هذه الجوانب السبعة، من المهم لكل مؤسس النظر لها بعين الاعتبار حين يقدح ذهنه للبحث في فكرة شركته الناشئة.