في 6 قصص: من يُهين مصر؟
خرج والحماس يُشعل عينيه محمّلََا بالحثّ على الدفاع عن الوطن، على رأسه خوذة لتحميه من الأعداء، وفي يده سلاح عُهدة تسلمه للتوّ. خرج ولا يتذكر سوى ما حمله من تعليمات لإخماد مظاهرات الفلاحين في إسنا، وعندما وجد والده وسط الثائرين، صوّب البندقيه تجاهه مخلصًا للتعليمات، وسقط الفلاح بيديْ ولده. هكذا فعل مجند جديد، حسبما أشارت وثيقة متعلقة ببدايات تأسيس جيش محمد علي.
1- موقعة الكندوم
بمشاهدة تعدت الاثنين مليون، أنهى شادي أبو زيد حالة الصمت التي شهدتها مصر لأول مرة يوم 25 يناير، وتُوّج أسبوع كامل بضجيج جميع الأطراف، مؤيد ومعارض ومحايد.
قدم أبو زيد، مراسل برنامج أبلة فاهيتا، هو والممثل الشاب، أحمد مالك، فيديو ساخر وهما يهديان ضباط وعساكر الشرطة، بميدان التحرير في 25 يناير الماضي، بالونات مصنوعة من واقٍ ذكري. وتم نشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى ليُقابل بموجة شديدة، في بحر لم يعهد الاستكانة، محملة بالتصفيق والسباب، التمجيد والتجريح، الثناء والتبرؤ.
رفض كثيرون هذا الفيديو الذي قدمه أبو زيد و مالك، واعتبروه إهانة غير مقبولة في حق الشرطة المصرية وخاصة العساكر «الغلابة» كما تم وصفهم من قطاع كبير، وفي المقابل تم توجيه الكثير من الإهانات الشخصية لأبو زيد ومالك ولعائلتهم حتى امتد هذا النهج إلى أن وصل إلى مقدمي البرامج التلفزيونية، التي سبّت (أبو زيد) علنًا وحرّضت ضده.فوصف محمد الغيطي، في برنامجه «صح النوم»، أبو زيد بالمختل نفسيًّا وعقليًّا وقال: «ده لازم يتعلق من حتة طرية (..)، يتعلق ويتشمط»، وعلق الإعلامي سيد علي، في برنامجه على قناة التحرير، قائلًا: «لولا الداخلية كان هيلاقي واقي ذكري قد كده عند والدته». كما وصفهم المحامي، سمير صبري، بكونهما أحقر أنواع البشر، مضيفًا «هذان الشابان ارتكبا جريمتهما بالتعاون مع أمريكا والمخابرات الإسرائيلية».هذا بالإضافة إلى التهديد والوعيد الذي شنته صفحات الشرطة المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي لأبوزيد ومالك، كما تم تحويل مالك إلى التحقيق من قبل نقابة المهن التمثيلية ووقفه عن العمل -بالرغم من اعتذاره-، هذا بالإضافة إلى تبرؤ برنامج أبلة فاهيتا -والذي عُهد بتناوله لإيحاءات جنسية في سخريته-، وقنوات «سي بي سي» من أبو زيد مع التأكيد على عدم التعاون معه في أي أعمال قادمة.
إهانة أم غضب حبيس؟
تضامن الكثيرون مع أبو زيد ومالك، وشنوا الهجوم على كل من يُحارب السخرية بهذا الشكل العدائي، وطُرحت على الساحة أسئلة تخص الحق في حرية التعبير، وأن ما فعلاه الشابان مجرد فيديو ساخر للتعبير عن غضبهم الحبيس بداخلهم بسبب ما يتعرض له المجتمع من تضييقات على المجال العام، فقد تم إصدار قانون يجرم التظاهر، وإغلاق للمسارح ومداهمة للمكتبات، بالإضافة إلى حملات الاعتقلات التعسفية التي يتعرض لها الشباب خاصة بعد إعلان السيسي 2016 عامًا للشباب.وفي السياق ذاته عبر أبو زيد كاتبًا على صفحته بفيسبوك: «في ذكرى 25 يناير 2016 بقى في تواجد أمني رهيب في الشوارع مع تهديدات ووعيد لمن ينزل يتظاهر، محدش فعلا نزل وكله مقهور وكله استوعب إننا مش عارفين ننسى، طيب خلاص، إنتو فعلا معاكم سلاح ومعاكم السلطة والقانون، بس كل أسلحتكم ديه إحنا هنعمل منها نكت، كوميكس أو فيديو صغير وكده كده إنتو تقدروا تخطفونا من بيوتنا وتقتلونا في عز الظهر، بس مش هتقدروا تنكروا وجودنا ولا هتقدروا تنكروا إنكم نكتة، بس نكتة سخيفة».
وفي محاولة أخرى للتضامن معهم قام شباب، يعيشون بأمريكا، بتوزيع واقٍ ذكري منفوخ كبالونات على الشرطة الأمريكية أثناء تأدية عملهم، حتى تبادل الضباط الضحك مع الشباب أثناء تصويرهم.واهتم المتضامنون مع أبو زيد بنشر انتهاكات الداخلية على مدار الخمسة أعوامٍ الماضية، من سحل وقتل للمتظاهرين، فض الاعتصامات بالقوة والقبض العشوائي على الشباب، بالإضافة إلى قضايا الفساد المالي وتبرئة نظام مبارك من أغلب التهم الموجهة إليهم بعد ثورة يناير، متسائلين عما إذا كانت تلك القضايا تعدّ، هي الأخرى، إهانة لا تغتفر في حق الشعب أم أن البالونات من الواقي الذكري هي فقط التي تعد إهانة؟، هذا بالإضافة إلى ما أثاره الفيديو من جدل موسع حول «العسكري الغلبان» ومدى جدوى التعبير من عدمه، حيث اعتبر كثيرون أن هذا العسكري هو أداة الدولة في تنفيذ القمع، وأنها المسئول الوحيد عن كونه «غلبان».2- قوات لفض الشغب
خرجت مظاهرات الطلبة في فبراير 1968 وفي نوفمبر من نفس العام، اعتراضًا على ما ناله قادات الطيران من أحكام مخففة وغير مرضية بعد تسببهم في نكسة 1967. انتبه النظام وقتذاك لضرورة تشكيل قطاع الأمن المركزي لفض الشغب والتظاهرات، وتم إنشاؤه في 1969، ونجح بالفعل في التصدي لعدد من التظاهرات كان أولها في يناير 1973، كما تم فض اعتصام طلبة جامعة القاهرة والقبض عليهم. نص قانون 1927 لسنة 1980 على أن تشمل الخدمة العسكرية الشرطة، ليُصبح من ليس لديه شهادة عُليا مجندًا بالشرطة لمدة ثلاث سنوات. فيتم تجنيد حاملي الشهادات العليا في معسكرات القوات المسلحة لمواجهة العدو الخارجي، بينما يتم تدريب حاملي الشهادات المتوسطة، بمعسكرات الأمن المركزي لمواجهة التحديات الداخلية للأنظمة وأشهرها فض المظاهرات والاعتصامات.وفى سياق مُتصل تم إدانة كل من حبيب العادلي، وزير الداخلية قبل يناير 2011، واللواء حسن عبد الحميد مساعده، وعميد آخر في قضية «سخرة المجندين» بسبب استغلالهم لنفوذهم في تشغيل الجنود بمنازلهم وأراضيهم الخاصة. كما لا يتعدى مرتب عسكري الأمن المركزي 400 جنيه وهو ما يخالف الحد الأدنى للأجور، فطبيعة تعامل الدولة مع عساكر هذا القطاع هي ما ساعدت في جعله «غلبان» ولم تسعَ لتغيير تلك المعادلة.3- مليار جنيه حوافز
أستُبعد 90 متهمًا، من بينهم 73 من قيادات الداخلية، في قضية الفساد المعروفة بـ «فساد وزارة الداخلية» والتي اتُهم فيها مسئولون بمؤسسات الدولة المختلفة لاستيلائهم على مليار جنيه من ميزانية الداخلية، وعلل محمد عبد الرحمن، قاضي التحقيق، أنه ثبت عدم أخذ هؤلاء المسئولين للأموال بطريقة غير مشروعة، حيث أقر المتهمون بحصولهم على هذه المبالغ كـ «حافز احتياطي لمواجهة الأهداف الأمنية»، بقرار من الوزير.وقد رد المتهمون ما حصلوا عليه من أموال، بلغت 173 مليون، وتم إحالة العادلي و12 آخرين من قيادات الداخلية إلى محكمة الجنايات بتهمة الفساد المالي، ومسئوليتهم عن صرف تلك المبالغ للمتهمين المستبعدين من القضية.مما أثار سخرية العديد من عدم اهتمام الإعلام بتلك القضية أو نشرها، باعتبارها إهانة للشعب المصري مثلما اهتموا بنشر فيديو أبو زيد ومالك والتحريض ضدهم بسبب السخرية.4- الطبيب المسحول
منى مينا، وكيل نقابة الأطباء.
في صباح يوم 28 يناير، اعتدى أمناء شرطة على أطباء مستشفى المطرية التعليمي، حيث رفض طبيب تزوير تقرير طبي لأمين شرطة، مما أدى إلى اقتحام مجموعة من أمناء الشرطة للمستشفى وإشهار أسلحتهم، والاعتداء على طبيبيْن مع توجيه التهديدات لأمن المستشفى. كما تم احتجاز الطبيبين بنقطة الشرطة المتواجدة بالمستشفى.قدم الطبيبان محضرًا في أمناء الشرطة، وقوبل بمحضر آخر من الأمناء ضد الأطباء. وفي يوم 29 يناير تنازل الأطباء عن حقهم بعد أن أخبرهم محقق النيابة، أنه سيتم حبسهم لمدة 4 أيام في قسم المطرية مع الأطباء أصحاب الخصومة، مما أثار التخوف في نفوسهم.وسارعت نقابة الأطباء بالمطالبة بمعاقبة المعتدين من أمناء الشرطة، معلنةً تضامنها الكامل مع الأطباء، وقام وفد من النقابة بإجراء مقابلة مع النائب العام وطالب بسرعة تقديم الأمناء للمحاكمة.كما عبر عضو النقابة هاني مهنى عبر حسابه على فيسبوك عن انتظاره للتضامن الإعلامي معه، معتبرًا أن ما حدث مع الأطباء يُعد هو الآخر إهانة، في إشارة واضحة لاعتبار فيديو أبو زيد ومالك إهانة.
5- مُنع من الوطن
نص المادة 62 من الدستور المصريعاطف بطرس، أكاديمي ومحاضر بجامعة ماربورج الألمانية، وصل إلى مطار القاهرة يوم 29 يناير ليُفاجأ بالأمن الوطني فى انتظاره للتحقيق معه، لمدة قاربت السبع ساعات، حول انتماءاته السياسية ومؤسسته في ألمانيا، والتي تقدم عروضًا فنية وثقافية عن الثورة، وصدر قرار بترحيله ومنعه من دخول مصر مرة أخرى.أبى بطرس أن يهينه الأمن «الوطني» إلى حد منعه من ملامسة أرض الوطن مجددًا، فاعتصم بالمطار رافضًا العودة إلى ألمانيا ومنتظرًا لأي من أشكال التضامن معه، ولكن قضيته لم تشغل نفس المساحة التي خُصصت لفيديو أبو زيد وشادي، فى جداول البرامج التلفزيونية.6- الورقة محبوسة
ألقت مباحث المصنفات في 31 يناير القبض على الفنان إسلام جاويش، مؤسس صفحة الورقة، وهو فنان يقدم رسومًا كاريكاتيرية امتازت بطابعها الاجتماعي الساخر، وتطرقها للسخرية من كل ما له طابع سياسي. وُجّه لجاويش تُهم من بينها إدارة موقع بدون ترخيص، فظن كثيرون أن المقصود هو إدارة صفحة {الورقة} مما أثار سخرية مواقع التواصل الاجتماعي حيث لم يسبق وأن أخذ أي من مديري الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تصريحًا من جهة ما.بالإضافة إلى توجيه الداخلية تهمًا أخرى لجاويش، من بينها حيازة برامج مُقلدة و راوتر، كما نشر أصدقاء جاويش على صفحة «الورقة» أنه متهم برسم كاريكاتير به إسقاطات سياسية، إلا أنه في اليوم التالي تم إخلاء سبيله وترددت الأقاويل أن ما حدث معه كان خطأ غير مقصود.أوضح جاويش في منشور على صفحة الورقة، أن المصنفات قامت بتفتيش مكان عمله وسألته عن رسومه الحاملة لإسقاطات سياسية وألقت القبض عليه بسببها، وطُلب من جاويش الإمضاء على محضر تم إعداده من قِبل الضباط، واحتوى المحضر على إدارة جاويش لموقع غير مرخص ورسمه كاريكاتيرًا به إسقاط على رموز الدولة، إلا أن جاويش رفض الإمضاء. وبعد أن حدثت ضجة على مواقع السوشيال ميديا مستنكرة القبض على جاويش، تم عرضه على النيابة في 31 يناير وإخلاء سبيله. والجدير بالذكر أنه لم يتم التحقيق معه فيما نُسب إليه من رسوم كاريكاتير مسيء للنظام.وأضاف جاويش عبر صفحته: «تغيير التهم هو اللي خلانا نمسح بعد كده البيان الأول من صفحة الورقة بعد ما كتبنا إني اتسألت عن الرسوم المسيئة (..)، عمومًا هفضل أرسم أفكاري، مش هأبطّل رسم، وهكمل اللي أنا حابه وهفضل شغال فيه، وأنا لا بطبّل لحد ولا بشتم حد، ولا منحاز فكريًا لحد وليا آرائي سواء الفكرية أو السياسية الخاصة، ولا متطرف في الحوار ولا بدعي البطولة والمثالية».لم تكن تلك هي الوقائع الوحيدة التي شهدها المجتمع مؤخرًا من تضييقات على مساحات حرية الرأي والتعبير، ولن تكون الأخيرة إذا ظل المجتمع غير قادر على تحديد من المُهان حقًا ومن المُهين.- خالد فهمى
- سمير صبري: «مالك وشادي» ارتكبا جريمتهما بالتعاون مع أمريكا والمخابرات الإسرائيلية
- الأمن المركزى
- هيبة الشرطة والعسكري الغلبان.. وكده
- طبيب المطرية المسحول: تحرر ضدنا محضرًا بتهمة ضرب أمناء الشرطة.. وحصلوا على تقرير بإصابتهم بـ«كسور مضاعفة»
- «عاطف بطرس» يعتصم بمطار القاهرة ويرفض مغادرة مصر حتى لا يختم على جوازه «ممنوع من الدخول»
- نظام أضعف من ورقة.. بالصور: البداية ترصد 43 كاريكاتيرًا معارضًا تسببوا في القبض على إسلام جاويش
- عاجل| الداخلية تصدر بيانا بشأن القبض على إسلام جاويش
- محامي إسلام جاويش: موكلي متهم برسم كاريكاتير مسيئ للنظام
- الفيديو المسئ للشرطة