أهم القرارات التي تتخذينها أثناء الحمل.

واحدة من أهم المراحل التي تمر بها الأسر بشكل عام هي مرحلة الحمل والولادة، وتستعد لها بالكثير من التجهيزات وقوائم الشراء، والقليل من التعلم والاستعداد النفسي، رغم أن التصميم الإلهي المحكم منح هذه المرحلة مساحة زمنية كافية للإعداد والتأهيل.

لذا إن كنت تقرئين هذا المقال فأنت ممن يسعون إلى للتعلم حول تلك المرحلة المليئة بالقرارات، في هذا المقال سنساعدك في التعرف على بعض المفاهيم وبعض التصويبات التي من شأنها مساعدتك في اتخاذ قرارتك الهامة في الحمل والولادة. يمكنك النظر إلى أشهر الحمل على أنها مرحلة للتدريب على اتخاذ القرارات وترتيب الأولويات في حياتك بشكل عام، سواء القرارات التي تتخذينها لنفسك أو نيابة عن طفلك

وأود دومًا أن أرتكن إلى أن «أول وأهم قرار» تتخذينه إزاء حياة طفلك هو قرار قد اتخذتِه بالفعل؛ ألا وهو اختيار والده، لنأمل أن يكون هذا هو أفضل قراراتك على الإطلاق!

القرار الثاني

في اختيار الأشخاص أيضًا، لكن هذه المرة في اختيار طبيبك المتابع. اختيارك لطبيب النساء والولادة المتابع لحملك وإيكاله بمهمة يوم الولادة هو أحد أهم القرارات التي ستتخذينها في حياتك وحياة طفلك، لذلك فهذا القرار لا ينبغي أن يقوم فقط على مدى أناقة عيادته أو قربها من منزلك أو حتى التجارب الشخصية وتوصيات المقربين، رغم أهمية عنصر المكان وتجارب الآخرين بالطبع إلا أنها ليست العامل الأكبر في اختيارك، وهنا يأتي أحد التمارين الهامة على ترتيب الأولوليات:

1. ابحثي عن طبيب ينصت لرغباتك في أحد أهم أيام حياتك ويهتم بخياراتك، ويساعدك ويتعاون معك في تهيئة وتعديل خططك، ويمنحك من وقته ما يكفي لبناء الثقة الكافية بينكما حتى تتمكني من إيكاله باتخاذ قرارت طارئة في حال آلت الأمور إلى غير المخطط له، ثقة تكفي ألا تشعري لحظة بالندم إذا تغيرت الخطة بناء على توصياته في مشهد قد يأتي وتصبح حياتكِ وحياة طفلك مسئولية حكمته وخبرته وعلمه.

2. الشخص الآخر الذي ينبغي عليك التفكير فيه، هو مرافق الولادة، والتي عادة ما تكون إحدى مقدمات الخدمة الصحية المعنية بصحة الأم والطفل، والتي تخوض معك غمار الرحلة منذ بدايتها لتعينك في التفاصيل المتعلقة بحياتك اليومية مع الحمل، تعلّمك عن التغيرات التي تحدث في جسدك ونفسيتك مع مراحل الحمل المختلفة، تعطيكِ توصيات عن التغذية الصحية والرياضة المناسبة، ثم تنتقل إلى تثقيفك عن يوم الولادة وإعدادك له بالتعاون مع طبيبك، وبإمكانك أن توكلي إليها حضور الولادة معك.

في أفضل السيناريوهات يكون مرافق الولادة هو زوجك شخصيًا، بعد تثقيفه وتدريبه معك خلال فترة الحمل يكون هو أفضل شخص للمشاركة والاضطلاع بهذا المهمة، ألم أخبركِ أن حسن اختياره كان أول وأهم قرار في حياة طفلك؟

القرار الثالث: إخبار أطفالك الآخرين

مرة أخرى مع الأشخاص، هم الأهم دومًا. إذا كان لديك أطفال أكبر، فعليك أن تستثمري وقتًا لتأهيلهم نفسيًا لتقبل التغييرات التي ستحدث في حياتهم باستقبال فرد جديد في الأسرة. بعض الأمهات تركن إلى إخفاء الأمر تمامًا عن الأطفال لو كانوا صغارًا، وبعض الأمهات تختفي فجأة من حياة أطفالها بدون سابق إنذار أو بعذر كاذب ثم تعود بعد بضعة أيام وهي تحمل طفلاً جديدًا تقدمه لإخوته على أنه شريك العمر والغرفة والألعاب، بل وشريكه في الأم والأب.

رجاءً، لا تفعلي ذلك. أنت أهم ركن في حياة طفلك، والنقلات السريعة أو التغيرات المفاجئة الكبيرة في حياتكما تحتاج منه وقتًا حتى يهضمها جيدًا، فلا تبخلي عليه بهذا الوقت.

بعض الأمهات يخترن طريقة خاطئة لتقديم الضيف الجديد لإخوته عن طريق إرجاع كل إرهاق وتعب وانشغال الأم إلى تكون طفل جديد في داخلها، فأمي لا تلعب معي لأنها مرهقة بسبب الطفل، ولم تعد تحملني لأنها تحمل الجنين، وصارت تذهب للطبيب بسبب أخي الجديد.

كل هذه المقدمات لو أن من شأنها أن تحدث أثرًا فلن يكون سوى أن أخي الجديد يجعل أمي الحبيبة مريضة ومرهقة وتذهب للطبيب، لا أظن أن هذه توطئة مناسبة لعلاقة ستكون أهم علاقة في حياة طفلك فيما بعد؛ الأخوّة.

القرار الرابع: ماذا نأكل؟

أحد الاعتقادات الخاطئة الشائعة في مجتمعاتنا هو أن الأم الحامل تأكل لشخصين، وهو أمر صحيح نسبيًا لكن مع مراعاة الفارق بين هذين الشخصين، فجنينك حتمًا لا يحتاج نفس كمية الطعام التي يأكلها شخص بالغ

والحقيقة أن كل ما تحتاجين إلى إضافته من سعرات حرارية؛ يتراوح بين 300:500 سعر حراري يوميًا، وهذا رقم تراجعينه مع طبيبك وفقًا لوزنك قبل الحمل وحالتك الصحية أثناءه، فلا تفرطي في كمية الطعام، وكذلك لا تبالغي في تحجيمها ظنًا من البعض أنه كلما كان وزنك أقل كانت ولادتك أسهل، هذا اعتقاد خاطئ.

فلا يوجد رقم ثابت من الكيلوجرامات يجب أن تكتسبيه أثناء الحمل، والأمر يعتمد بشكل كبير على وزنك قبل الحمل، فلو كان وزنك أقل من المتوسط لا تتوقعي أن تكتسبي نفس عدد الكيلوجرامات التي قد تكتسبها سيدة أخرى بدأت حملها وهي تعاني من السمنة مثلاً.

لذا استمعي لتعليمات طبيبك بهذ الشأن، وتذكري أن تنشغلي بجودة الطعام أكثر من كميته، فوجباتك اليومية يجب أن تحتوي على بروتينات حيوانية أو نباتية، بجانب قدر كافٍ من النشويات لأنها عملة جسدك في إنتاج الطاقة، وتذكري دومًا أن يذهب أكبر اهتمامك إلى الخضروات والفاكهة الطازجة والمتنوعة، ليس فقط لأنها تمد جسدك وجسد طفلك بكل ما تحتاجانه من معادن وفيتامينات قد تغنيكِ في بعض الأحيان عن الجرعات العالية من المكملات الغذائية، لكن لأنها أيضًا صديقتك في أيام الغثيان أو الحموضة أو كليهما.

وبالمناسبة، لا علاقة لشعر جنينك بما تشعرين به من حموضة، الأمر كله يرجع إلى هرمونات الحمل التي تسبب ارتخاء بعض عضلات جهازك الهضمي فينتج هذا الشعور الحارق المزعج، أما شعر طفلك فهو سبب وارد فقط في حالة أنك عثرتِ عليه بشكل ما وتناولتِه مع إحدى وجباتك ملتفًا بقطعة من الخبز الطازج.

القرار الخامس: الحركة

بمجرد أن يُظهر اختبار الحمل المنزلي خطين أحمرين، سيوصيكِ الجميع بالتزام الراحة التامة والاستلقاء تمامًا في الفراش حتى يستقر الحمل ويثبت الجنين. في الواقع هذه واحدة من أسوأ النصائح تطبيقًا، فالالتزام التام بالفراش وعدم الحركة إطلاقًا أثناء الحمل هو الوصفة السريعة للحصول على جلطات بأوردة الساقين! لأن واحدة من أهم التغيرات التي تحدث في جسدك أثناء الحمل هو زيادة كثافة الدم، وبالتالي زيادة قابليته للتخثر، ولا شيء أفضل من عدم الحركة ليعجل بهذه العملية.

استعيني بطبيبك ومثقفة الحمل لتتعلمي أكثر عن الرياضة المناسبة لحملك. نعم، الرياضة مسموحة بل ومحبذة تمامًا أثناء الحمل، فقط مع بعض التوجيهات من طبيبك لاختيار ما يلائم جسدك وحالتك الصحية.

القرار السادس: الرضاعة الطبيعية

نعم، الاستعداد للرضاعة الطبيعة يبدأ أثناء الحمل، شأنه في ذلك مثل شأن الولادة، بل إن الرضاعة تفوقها في كونها عملية مستمرة لفترة تستغرق منك شهورًا. الخطأ الشائع هنا هو حصر الاستعداد للرضاعة في ترطيب وتدليك الحلمات في نهاية الحمل، وهذا الإجراء إن لم يكن ضارًا فهو على أقل تقدير لا يفيد، وأنا شخصيًا أذهب إلى أنه ضار بل وشديد الضرر من جانبين:

الأول: هو أن بعض الأمهات تبالغ في هذا التدليك إلى الحد الذي قد يصيب حلماتها بالالتهاب قبل الولادة.

الثاني: وهو الأهم هو أن الأم تظن أنها لو فعلته فهي قامت بكل ما عليها تجاه الرضاعة واستعدت، وإن لم تفعله فستلوم نفسها بشدة على أي صعوبة تمر بها أثناء الرضاعة.

أفضل استعداد للرضاعة يبدأ باتخاذ قرار الإرضاع عن رضا واقتناع، ثم بالتعلم والقراءة عنه، ويكلل الأمر بزيارة استشاري رضاعة طبيعية أثناء الحمل لتلقي المشورة المناسبة والتثقيف اللازم عن الرضاعة الطبيعية، ولا ننتظر حدوث صعوبات إرضاع حتى نتوجه لاستشاري الرضاعة من أجل حلها، لأن جلسات التثقيف أثناء الحمل تمكن الزوجين من إدراك أهم الساعات الذهبية الفارقة في مسار الرضاعة الطبيعية؛ ألا وهي الساعات الأولى من عمر الطفل.

أخيرًا، نصيحتي لك –عزيزتي الأم- هي أن تنظري لفترة الحمل نظرة مختلفة، فهي ليست أيامًا تحصينها لتقربك من لقاء طفلك فحسب، بل هي تهيئة ربانية لك ولأسرتك لاستقبال إنسان جديد ينضم إلى دنيانا، فاستغلي الوقت في القراءة والتعلم عن صحتكما وتغذيتكما، وفي الاستعداد لرحلة التربية التي ستبدأ ولن تنتهي، وأيضًا.. إحم.. في النوم والاستجمام، ستفتقدينهما مؤقتًا، ثم يعودان في حُلّتهما الجديدة.