«كورونا».. فيروس فتاك ضرب العالم فجأة، ليجعل الجميع في حيرة من أمرهم، منهم من يريد أن يعرف تأثيره على حياته، منهم من ينتظر موته أو فراق أحبته بالوباء القاتل، إلا أن أجدادنا أخبرونا عن أمراض أشد فتكاً بالإنسان، محت مجتمعات وشعوباً ودولاً بأكملها.

كان وسيلتنا للإطلاع على هذه المصائب كتابات أوضحت لنا لمحة مما عاناه أسلافنا ونخشى أن يعاد معنا مجدداً، في هذا التقرير نضع بين يديك عزيزي القارئ بضعة كتب تكشف لك عن صفحات بسيطة من رحلة المعاناة التي عاشها المصريون بشكل خاص والعالم بشكل عام مع قتلة متخفين لا يراهم أحد لكن أدركهم الجميع بما ألقوه عليهم من بلاء ومحن.

1- الأوبئة والأمراض في المجتمع المصري

كتاب «الأوبئة والأمراض في المجتمع المصري»

إذا كنت ممن يعاني حالة خوف وترقب بشأن ما ستؤول إليه الأوضاع في مصر في مواجهة فيروس كورونا، فهذا الكتاب سيفيدك كثيراً. يقدم الكتاب لمحة تاريخية عن الأوبئة السابقة التي عانتها مصر وكيف تعامت معها، وكيف انتهى الأمر، مما سيساعدك في رسم صورة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع.

رسمت الكاتبة نسمة سيف الإسلام سعد من خلال كتابها صورة تفصيلية وشاملة لأهم الأوبئة والأمراض التي اجتاحت مصر في القرن الـ19. وضحت بداية العوامل التي أدت إلى اتساع انتشار الأوبئة، ثم تطرقت إلى جانب مهم جداً وهو العوامل الاقتصادية وضعف أجور الطبقات الفقيرة من المصريين، وما ترتب على ذلك من انتشار سوء التغذية وعدم القدرة على مقاومة الأوبئة عند حدوثها. ثم انطلقت لتتناول الإدارة والمشكلات الصحية في مصر، ثم موقف البرلمان من هذه المشكلات، وأخيراً المشاركة المجتمعية في مكافحة الأوبئة والأمراض.

ما يميز الكتاب -كما هو واضح من فصوله الـخمسة – هو تناوله مشكلة الأوبئة في مصر من مختلف جوانبها. فلم تكتف الكاتبة بسرد تفاصيل تلك الأوبئة وظروف نشأتها بل عملت على تحليل أسبابها والمشكلات التي واجهتها الدولة في حربها وخاصة في مجال الصحة والاقتصاد، واللذان بالاطلاع عليهما في الكتاب يمكننا مقارنتهما بالأوضاع حالياً والتعرف عما إذا كان الوضع تحسن أم لا، وبالتالي رسم صورة ولو بسيطة لقدرات الدولة في مواجهة كورونا وما يمكن أن يؤول إليه الأمر.

2- الأمراض والأوبئة وآثارها على المجتمع المصري

كتاب «الأمراض والأوبئة وآثارها على المجتمع المصري»

صدر الكتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقدمت فيه الكاتبة ليلى السيد عبدالعزيز، تحليلًا للأوضاع الصحية والأوبئة التي تفشت في مصر خلال الحكم العثماني وبالتحديد في الفترة من 1798 حتى 1813.

خلال 6 فصول يتكون منها الكتب، بينت الكاتبة معاناة مصر خلال الحكم العثماني وعدم إعطائهم الاهتمام الكافي خاصة في مجال الصحة مما تسبب في انتشار أمراض عدة من قبيل الرمد والجدري والاستسقاء، فضلاً عن العديد من الأوبئة الفتاكة التي حصدت أرواح الآلاف.

من بين هذه الأوبئة، تناولت الكاتبة تفصيلاً وباء الطاعون، الذي ضرب القاهرة عام 1791، وبلغ عدد ضحاياه في اليوم الواحد ما بين 1500 و2000 حالة وفاة، حيث استطاع أن يفتك بثلث سكان القاهرة، وتسبب بازدحام الناس على الحوانيت في طلب المغسلين والحمالين، حتى أنهم كانوا يقفون طابورًا في انتظار المغسل أو المغسلة، ولم يعد لديهم شاغل إلا الموت وأسبابه. فالفرد في تلك الفترة إما مريض أو ميت أو معز أو راجع من العزاء ومراسم الدفن أو مشغول بتجهيز ميت.

في مقابل هذه الأوضاع المزرية، تناول الكتاب الطرق التي لجأ لها المصريون لمواجهة الأوبئة المختلفة والتي اعتمدت بشكل أساسي على الأدوية المستخلصة من الأعشاب.

3- الأزمات الاقتصادية والأوبئة في مصر الإسلامية

تناول الكتاب الأوبئة التي عانتها مصر في عصر الدولة الفاطمية، حيث لم يمضِ على بدء دخول الفاطميين مصر إلا عام وبدأت الأوبئة تنتشر في القاهرة. وبين الكتاب كيفية ارتباط هذه الأوبئة بالأزمات الاقتصادية بشكل كبير فكانت سبباً لها في أحيان ونتيجة في أحيان أخرى.

وضح الكتاب أن هذه الأزمات الاقتصادية لم تقتصر على فترة معينة في تاريخ مصر الإسلاميّة دون أخرى، وإنما امتدت لمختلف عصور مصر الإسلامية وفي مقدمتها: عصر الولاة، العصر الطولوني، العصر الإخشيدي، ثم العصر الفاطمي.

وإلى جانب توضيحه أسباب حدوث مثل هذه الأزمات، استفاض الكاتب محمد بركات البيلي في توضيح علاقاتها بالأوبئة وتداعياتها على الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي كذلك، مشيراً إلى تأثيرها السلبي على الزراعة والاقتصاد، وتسببها في هلاك الكثير من السكان وتدهور أخلاقهم حيث كثرت حوادث السرقة والنهب والاعتداء على النساء في الشوارع.

لعل أهم ما ميز هذا الكتاب أسلوبه السلس وترتيبه المنطقي الذي يجعلك تتنقل بين صفحاته دون الشعور بالملل أو الرغبة في تخطي نقاط معينة.

4- الأوبئة والتاريخ.. المرض والقوة والإمبريالية

كتاب «الأوبئة والتاريخ.. المرض والقوة والإمبريالية»

إذا كنت مهتمًا بالتاريخ، فهذا الكتاب لك. فيه يأخذك شالدون واتس- مؤلف الكتاب – عبر 646 صفحة في رحلة إلى الماضي، إلى العصور الوسطى في أوروبا حيث انتشر الجذام والجدري، لتنتقل بعدها إلى آسيا حيث كان الطاعون، ومنها إلى الهند وبريطانيا حيث توطنت الكوليرا، ثم تعود إلى أفريقيا حيث الحمى الصفراء والملاريا.

ليس هذا فقط، فالكتاب الصادر عن المركز القومي للترجمة، لم يقتصر على شرح تاريخ تلك الأوبئة أو استجابة البشر لها، بل سلط الضوء على أحد النقاط المهمة وهي علاقة الإمبريالية والحركة الاستعمارية بانتشار الأمراض الوبائية في مناطق جديدة لم تكن موجودة فيها من قبل.

في فصل تلو الآخر، يوضح الكاتب كيفية توظيف الغرب لمفهوم مقاومة الأمراض الوبائية كأداة لاختراق الدول في كل من أفريقيا وآسيا والأمريكتين. كان الطب آلية لنقل الأفكار الإمبريالية، وكانت المؤسسات الطبية التي أنشأها الغرب بغرض مقاومة الأوبئة وسيلة من وسائل الاستعمار، وعبرت عن علاقات القوة بين الحاكمين والمحكومين.

تطرق الكتاب إلى طرق انتشار الأوبئة قديماً من خلال التجار والعمال والمهاجرين والحجاج والجنود الذين أصيبوا بالأمراض ونقلوها من مكان لآخر، كما هو الحال في الطاعون الذي انتقل من خلال التجار إلى الموانئ الإيطالية ومنها إلى إنجلترا ثم إلى جنوب البحر المتوسط، حيث هاجم مصر مرات عديدة حتى القرن الـ19 ففتك بعدد كبير من السكان. وكذلك الكوليرا، التي انتقلت من الهند إلى إنجلترا من خلال الجنود البريطانيين العاملين في شركة الهند الشرقية، وفي الطريق بين البلدين انتقل إلى مصر حيث كانت ممراً ومحطة على طول الطريق بين البلدين.

إن كانت هذه الأوبئة انتقلت بين أرجاء العالم دون قصد أو عمد، فهناك عدد آخر تم نشره عمداً من خلال الاستعمار. إذ كان الاستعمار سبباً في نقل أوبئة إلى الأمريكتين لم تكن تعرفهم من قبل. بعد وصول كولومبس إلى الأمريكتين، تدفق الآلاف من شعوب شبه جزيرة إيبيريا الحاملين لفيروس الجدري إلى حيث أمريكا الوسطى والمكسيك ولم تكن لدى سكان هذه المنطقة مناعة ضد الوباء الجديد، فبادت شعوب هذه الأراضي بأكملها، حيث توفي نحو 90% من سكان الأمريكتين، وهاجر البعض الآخر، ولم يتبق سوى 7% من السكان الأصليين.

ولعل ما ميز الكتاب، أسلوبه السردي السهل الذي يجعلك تخوض في تفاصيله وتنتقل بين صفحاته الطويلة دون أن تشعر بالملل، بل على العكس تشعر وكأنك معاصر لتلك الفترة. هذا فضلا عن إلمامه بمختلف جوانب القصة بدءاً من كيفية انتشار الأوبئة، إلى طرق تعامل البشر معها، إلى آليات مقاومتها واستغلالها أيضاً.

5- الموت الأسود

كتاب «الموت الأسود»

بلغة سلسة ممتعة، يقدم جوزيف بيرن صورة للحياة اليومية أثناء اجتياح الطاعون أو كما يطلق عليه «الموت الأسود» للعالم حيث استمر لما يزيد على ثلاثة قرون في العالم الإسلامي والمسيحي، ولم ينحسر عن أوروبا إلا في القرن 17، بينما استمر في شمال أفريقيا والشرق الأدنى حتى منتصف القرن 19.

كانت الحياة في ذلك الوقت مشابهة لما عليه الوضع اليوم، لكن أكثر قسوة. كانت حياة جامدة، تخلى فيها الأفراد عن كل شيء، عزلوا أنفسهم في بيوتهم بانتظار الوباء، حلت الأنظمة الغذائية الخاصة والعقاقير محل موائد الطعام المعتادة. أما خارج البيوت ففُرضت القيود على السفر، أُغلقت المدارس والكنائس، هُجرت الدكاكين، توقف البناء، وخلت الشوارع من الحشود والمسارح من الجمهور.

أصبح الوضع أشبه بالعطلة المرعبة، إذ استبدلت أصوات الباعة المتجولين في الشوارع بالأصوات التي تنادي «أخرجوا الموتى»، وكما ترى اليوم مشاهد العربات المحملة بالموتى وضحايا كورونا، كان ذلك هو الحال خلال تلك الفترة، فعلى طول الشوارع، انتشرت العربات المحملة بالموتى بدلاً من العربات المحملة بالسلع والمواد الغذائية الطازجة. ولم تعد النيران توقد للطهي أو التدفئة وإنما لإحراق أمتعة الضحايا.

في المقابل من هذه الأهوال، عمد الأفراد إلى التكيف مع الوضع، حيث كان الوباء يتكرر مرة كل عقد من الزمن تقريباً، ويظهر في الربيع ثم يشتد في الصيف ليبدأ في الانحسار مع قدوم الخريف والشتاء، وفي كل مرة يفرض على السكان حصاراً يصل لعدة سنوات، ومن ثم لم يكن هناك مفر من التكيف مع الأوضاع الاستثنائية. من هنا عدل الناس اهتماماتهم وعاداتهم، وحافظت الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات بالطبع على قدر من حيويتها.

على هذا النحو، قدم الكتاب -المكون من 460 صفحة والذي ترجمته إلى العربية هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة- صورة للحياة اليومية بتلك الفترة، متطرقاً إلى كافة جوانبها وحتى إلى موقف الناس من الأطباء ورجال الدين وآرائهم حول الوباء الذي اعتبره البعض عذاباً إلهياً جراء سلوك الأفراد كما هو الحال في بعض التفسيرات المنتشرة اليوم.

6- الفيض.. أمراض الحيوانات المعدية وجائحة الوباء التالية بين البشر

لو كان بمقدورك إعادة تسمية هذا الكتاب، لربما أطلقت عليه «الإنذار المبكر». فالكتاب بالفعل إنذار أطلقه ديفيد كوامن مبكراً مما نعانيه اليوم. وبأسلوب رشيق يبدو وكأنك تقرأ رواية مثيرة، يتحدث كوامن عن الجراثيم التي تنقل عدواها من الحيوانات إلى الإنسان وتصيبه بالأمراض المعدية.

وضح الكتاب عبر 5 فصول أن هذه الأمراض قد تنبثق كوباء أو جائحة تجتاح مناطق واسعة من العالم مثل طاعون العصور الوسطى والإنفلونزا الأسبانية والإيدز وغيرها. وفي السياق ذاته تناول مشكلة الإيدز بالتفصيل، فوضح أن العلماء والمختصين سبق أن توقعوا أنه إذا استمرت الأحوال الصحية والبيئية كما هي عليها من تخلف ومضار في الكثير من أنحاء العالم، فهناك احتمال لوقوع جائحة جديدة، وأن الفيروسات المسببة لهذه الجائحة ستصل إلى البشر عن طريق الحيوانات. قد تكون هذه الحيوانات: القرود في أفريقيا أو الجرذان والقوارض في الصين أو الخفافيش، وما سيسهل انتشاره سرعة الانتقال والسفر خاصة الطيران.

المثير في الكتاب الذي ترجمه المجلس الوطني للثقافة والفنون بالكويت (سلسلة عالم المعرفة)، تحذيره من أن الوباء الجديد قد ينبثق عن فيروس معروف -مثل كورونا- ينشط حين يجد الظروف مناسبة لانتشاره من جديد. ليس هذا فقط، فقد استفاض الكتاب في شرح الآليات والإجراءات التي يمكن اتباعها في مواجهة الفيروس حال تكرار ظهوره، وهو ما حدث وما نعانيه اليوم بالفعل.

كما تناول الكاتب بالتفصيل الأوبئة المختلفة وظروف نشأتها وتداعياتها، ولعل أهم ما أكد عليه أن هذه الأوبئة ليست مجرد أمراض تصيبنا مصادفة، لكنها عوامل معينة تسببها من بينها أفعال البشر أنفسهم. وبخلاف أسلوبه الدرامي المميز وقصصه المثيرة، كان أهم ما ميز الكتاب اعتماد ما فيه من معلومات وتحليل على تجارب الكاتب ورحلاته في مختلف أنحاء العالم، والتي أجرى خلالها العديد من الأبحاث الميدانية على الحيوانات، مثل القرود في الكونغو، والخفافيش في ماليزيا، والماشية في هولندا، والجرذان في الصين.