5 سنوات من الصراع، هل تنجح «نقابة الأطباء» هذه المرة؟
تعالوا .. احنا محتاجين حضور الأطباء ومحتاجين نركز على موضوع محدد رغم تعدد حقوقنا المسلوبة لكننا نحتاج إلى التركيز على موضوع واحد نظهر من خلاله كم نحن متضامنين وغير منقسمين حول النقطة الأساسية التي تجمعنا حولها
د. منى مينا
عقدت نقابة الأطباء اليوم 12 فبراير جمعية عمومية طارئة، على خلفية الأحداث التي تعرض أطباء على يد أفراد من وزارة الداخلية. متى بدأت فكرة تكوين النقابات؟ وما هو دور نقابة الأطباء تجاه أطباءها وحماية حقوقهم؟ وهل حققت إضرابات الأطباء ونقابتهم مطالبهم؟
النقابات
بدأ تكوين النقابات عالميًا تزامنًا مع نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، حيث أخذت الثورة الصناعية في الانتشار وتزايد في تلك الفترة استغلال طبقة العمال وإهدار حقوقهم. فتم تأسيس النقابات العمالية وبدأ الاعتراف بها رسيمًا عام 1848 في فرنسا وعام 1871 في بريطانيا.
يبدو أن الدول السلطوية لا تحبذ كثيرًا وجود أي من النقابات، لذلك تسعى إلى السيطرة عليها من قبل مؤيديها أو المنتمين للأحزاب الحاكمة
وفي مصر كانت أولى النقابات التي تم إنشاؤها هي نقابة «محاموا المحاكم المختلطة» التي تم تأسيسها عام 1876، وصدر أمر عالٍ رسميا بها عام 1887. ثم تلاها عدد من نقابات المحامين في مصر حتى تم توحيد جميع النقابات في نقابة واحدة عام 1956، إلا أن أول قانون مصري يصدر ليعترف بالنقابات في مصر كان عام 1942 وهو القانون رقم 85 لسنة 1942.
ويبدو أن الدول السلطوية لا تحبذ كثيرًا وجود أي من النقابات، لذلك تسعى إلى السيطرة عليها من قبل مؤيديها أو المنتمين للأحزاب الحاكمة، حيث أن دور النقابات هو الدفاع عن حقوق المنتمين إليها والعمل على انتزاع تلك الحقوق.
من أين بدأت؟
تأسست نقابة الأطباء البشريين بمصر في 28 ينونيو 1940، وهي رابع نقابة مهنية تأسست بعد نقابات المحامين، الصحفيين و المهندسون. للنقابة مجلس منتخب يمثلها يتكون من النقيب واثني عشر عضوًا يتم انتخابهم على مستوى الجمهورية واثني عشر عضوًا ممثلين لستِّ مناطق رئيسية في الجمهورية.
منذ عام 1993 لم تستطع نقابة الأطباء إجراء أية انتخابات خاصة بها، بسبب قانون النقابات المهنية رقم 100 لسنة 1993 والذي شل عددا كبيرا من النقابات من إمكانية عقد الانتخابات بداخلها، بينما أجريت أول انتخابات لنقابة الأطباء بعد الثورة في شهر أكتوبر 2011، حيث تم الحكم بعدم دستورية القانون السابق ذكره.
وفي أول انتخابات تم عقدها للنقابة اكتسحت جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات، وفي انتخابات التجديد النصفي للنقابة والتي تم إجراؤها عام 2013 تراجع نفوذ جماعة الإخوان في الجمعية العمومية للنقابة والذي دام قرابة الثلاثين عامًا «على الرغم من سيطرة الحزب الوطني على مقعد النقيب» حيث حصد تيار الاستقلال وأطباء بلا حقوق أغلبية مقاعد مجلس النقابة.
كما كان هناك العديد من الجمعيات والجماعات التي شكّلها الأطباء، للدفاع عن حقوقهم قبل الثورة في ظل غياب أي دور حقيقي للنقابة في الدفاع عن حقوق الأطباء ومصالحهم مثل لجنة الدفاع عن الحق في الصحة التي تشكلت عام 2007 للتصدي لخصخصة الصحة والتأمين الصحي، كما تشكلت أطباء بلا حقوق للمطالبة بكادر عادل للأطباء.
لا تعد أهيمة نقابة الأطباء في دفاعها عن حقوق أعضائها من الأطباء فقط، بل في دورها المهم في الدفاع عن حالة الصحة في مصر
فاز الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء الحاليين، بالمنصب في يوم 12 أكتوبر 2015، وفازت الدكتورة منى مينا كوكيل للنقابة. وتواجه النقابة حاليًا، بزعامة خيري ومينا، صراعا من أجل كرامة الأطباء في مصر، بعدما قام أمني شرطة بالاعتداء على أطباء بمستشفي المطرية، واستغلا نفوذهما في إجبار الأطباء على التنازل والتصالح.
لا تعد أهيمة نقابة الأطباء في دفاعها عن حقوق أعضائها من الأطباء فقط، بل في دورها المهم في الدفاع عن حالة الصحة في مصر، حيث وضعت النقابة حق المواطن في العلاج من أولويتها، بالإضافة إلى مساندة وتدعيم الحق في التأمين الصحي.
صراعات مستمرة
أحد احتجاجات الأطباء
دخلت نقابة الأطباء في العديد من الصراعات مع الدولة من أجل مختلف القضايا، أبرزها «معركة الكدار»، «معركة التأمين الصحي»، و«معركة تأمين المستشفيات»، وكان أبرز تلك الاحتجاجات والصراعات:
إضراب مايو 2011
أضرب الأطباء بشكل جزئي حيث لم يشمل إضرابهم العناية المركزة والطوارئ، في مايو 2011. لم تكن الدعوة إلى ذلك الإضراب من أجل حقوق الأطباء فقط، بل شمل عدة مطالب أخرى تتعلق بحقوق المرضى، فرفع مطالب زيادة ميزانية الصحة إلى 15% من أجل ضمان تحسين الرعاية الصحية وتطوير المستفيات، إلى جانب إقرار مشروع الكادر ليستوعب جميع العاملين بالقطاع الطبي –من الفنيين وحتى الأطباء- وتأمين المستشفيات.
لم يستمر الإضراب طويلًا، فعلى الرغم من أن القرار الأول بالإضراب صدر من الجمعية العمومية للنقابة، إلا أن أعضاء مجلس النقابة من الإخوان قد عقدوا جمعية عمومية أخرى اتخذت قرارًا بتعليق الإضراب.
إضراب أكتوبر 2012
في 10 اكتوبر 2011 كان أول أيام إضراب الأطباء من أجل الثلاثة مطالب السابقة، وقد كان إضرابًا مفتوحًا وغير محددٍ بمدة من أجل زيادة الضغط على الدولة لتنفيذ تلك المطالب. وقد استمر ذلك الإضراب 82 يومًا على الرغم من وقوف مجلس النقابة «ذي الأغلبية الإخوانية» ضده، لتعارضه مع مصالحهم السياسية في ذلك الوقت.
إضراب مارس 2014
إضراب الأطباء في هذه المرة لرفض قانون تنظيم المهن الطبية، والذي أرادت الحكومة تمريره بديلًا من مشروع قانون الكادر الذي تدعمه نقابة الأطباء. وبالفعل قد استجابت الحكومة وتراجعت عن تطبيق ذلك القانون، وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون رقم 118 لسنة 2015 والذي بدأ تنفيذه بالفعل.
يبدو أن هذا هو المطلب الوحيد للنقابة الذي تحقق والذي بدأ العمل به بعد العديد من الصراعات والجدالات بين النقابة والدولة، إلا أن باقي المطالب مازالت عالقة. كما ظهر جليا مسلسل طويل من الاعتداءات على المستشفيات، سواء من المواطنين أو من رجال الأمن، مثلما حدث في مستشفى المطرية ومستشفى كوم حمادة، وأعلنت مستشفى المطرية على أثره الإضراب الكلي عن العمل.
جمعية طارئة
دعت نقابة الأطباء إلى جمعية عمومية طارئة اليوم الجمعة، الموافق 12 فبراير 2016، على خلفية أحداث المطرية. لم تكن تلك أولى الجمعيات العمومية الطارئة لنقابة الأطباء، فقد دعت النقابة إلى جمعية عمومية طارئة، يوم 9 مايو2011، لبحث مطالب الأطباء الذي أدى في النهاية إلى إضرابهم الجزئي عن العمل، كما كان إضراب أكتوبر 2012، هو الآخر نتيجة لانعقاد الجمعية العمومية الطارئة للنقابة.
وحضر الجمعية العمومية بتاريخ 12 فبراير 2016، أكثر من 10 آلاف طبيب وهو ما يمثل عشرة أضعاف العدد المطلوب لاكتمال النصاب القانوني لعقد الجمعية، وقد قدمت الكثير من النقابات المهنية والعمالية دعمها لنقابة الأطباء في موقفها الحالي مثل نقابة المعلمين ونقابة أطباء الأسنان إلى جانب العديد من الأحزاب السياسية كحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب مصر القوية، مما يقوي من موقف النقابة ويدعمه.
وقد قررت الجمعية العمومية للأطباء الامتناع عن تقديم الخدمة الصحية للمواطنين بأي مقابل وتقديمها بالمجان حتى يكون توجيه الإضراب ضد الدولة ولصالح المواطن وذلك حتى يتم:
- تأمين المستشفيات ومنع دخول أي فرد مسلح إلى حرم المستشفيات سواء كان طالبا للخدمة أو منتفعا بها.
- توقيع عقوبات إدارية وجنائية على أمناء شرطة المطرية.
كما تقرر تحويل الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة للجنة التأديب بالنقابة بسبب عدم دفاعه عن الأطباء، كما أعلنت الجمعية العمومية دخول الأطباء في إضراب جزئي عمومي بعد أسبوعين من الآن إذا لم يتم تنفيذ مطالبهم، إلى جانب الإغلاق الاضطراري لأي مستشفى تتعرض لاعتداء من أي بلطجية وإغلاقها تماما وتفويض مجلس النقابة بذلك، بالإضافة إلى تقديم محضر لصالح أي طبيب يتعرض للاعتداء ضد المعتدي باسم وزارة الصحة ويتكفل به وزارة الصحة بكل ما فيه من تكاليف وليس الطبيب وتحويل أي مدير مستشفى أو مدير قطاع يرفض ذلك للتحقيق الفوري داخل النقابة.
هكذا نشأت النقابة في مصر، وتلك بعض من مواقفها تجاه قضايا تهم الأطباء والمرضى، فليس كل ما يطلبه الأطباء من أجل مصالحهم فقط في ظل بيئة عمل غير آدمية، ولا تراعي أي شخص سواء كان مريضا أو طبيبا. يبدو أن الوضع سوف يظل معلقًا لأمد طويل، إلى أن تقرر الدولة أن تقف بجانب النقابة وتجعل سلامة المواطنين أولويتها. ويبدو أن إضرابات الأطباء تأتي بثمارها ولكن بتنفيذ سياسة المدى الطويل، فقد استمرت إضرابات الأطباء على مدى ثلاث سنوات حتى تحقق مطلبهم بتطبيق الكادر المالي لهم، ولكن مازالت ميزانية الصحة منخفضة ومازالت المستشفيات بلا تأمين ويتم الاعتداء عليها من قبل البلطجية وأفراد وزارة الداخلية.