5 كتب عربية تؤنس العزلة وتبث روح الدفء في البيوت
ليس مثل القراءة مؤنسًا لحالة العزلة التي فرضت نفسها على الناس منذ شهور بسبب فيروس كورونا، حيث لم يعد البقاء في البيت خيارًا عابرًا، وإنما ضرورة صحية واجتماعية. من هنا يأتي دور الكتب المؤنسة والروايات التي تسعى لبث روح البهجة والتفاؤل، وهو لو تعلمون أمر عزيز صعب المنال. لذا سعينا هنا إلى التقاط بعض الروايات والكتب والأعمال الأدبية التي استطاعت أن تكسر حالة اليأس والتشاؤم التي يبثها الكثير من الكتب، إلى كتب وروايات أخرى تضع القارئ في حالةٍ نادرة من السلام النفسي والشعور بالراحة والانسجام، أو تأخذه إلى عالمٍ خيالي بعيد عبر الكلمات والأفكار، وتقيم له عالمًا خاصًّا شديد الجمال والرحابة والسحر … كل ذلك من خلال الكلمات.
1. ترانيم في ظل تمارا – محمد عفيفي
ربما تكون هذه الرواية أحد تمائم الحظ النادرة في الكتابة العربية عمومًا، لا سيما في الحالة الوجدانية الشاعرية التي تبثها عند قارئها منذ السطور الأولى، بل منذ سماع اسم الرواية فهي فعلًا ترانيم وتأملات هادئة يرويها البطل/ السارد الذي يحكي يومياته البسيطة في بيته متنقلًا بين ظل شجرته التي سماها تمارا ويتحدث إليها وكأنها تسمعه، وبين الفراشات التي تحوم في الحديقة والقطط التي تلاعبه ويلاعبها، وحكاياته مع حيوانات منزله الأليفة البطة والهدهد والسحلية والضفدعة، كيف يتلقى رسائل ابنه المسافر، وكيف يفكِّر في جاره الغريب، جولة بسيطة وهادئة بين الطبيعة تجعل المرء يشتاق للعودة إلى الحياة في أصولها القديمة، إلى الريف وما فيه من جمال وهدوء وراحة بال، إلى تلك المشاعر الدافئة بين الرجل وزوجته، وكيف يمضيان لياليهما معًا بين خوفه عليها حينما تمرض ومشاكستها له أثناء صحتها، وبين حديثهما عن سفر الأولاد وكيف يشعران بالحنين إليهم، وغيرها من مشاعر ومواقف وأحاسيس ينقلنا إلينا محمد عفيفي بأسلوبه البسيط السهل الممتنع في رواية لا تتجاوز مائة وستين صفحة، لكنها تترك في القارئ أثرًا كبيرًا.
2. حجرتان وصالة – إبراهيم أصلان
هذه المجموعة التي سماها إبراهيم أصلان متتالية منزلية، يحكي فيها بأسلوبه الهادئ، وبتفاصيل بسيطة وآسرة عددًا من المواقف والحكايات التي تدور بين عم خليل وزوجته إحسان، 28 لوحة قصصية شاعرية يأخذنا فيها إلى تفاصيل البيوت العادية بين الحركة في الصالة ببيجامة النوم البسيطة، والخروج إلى الشارع وتفقد أحوال الناس فيه ومراقبته عن كثبٍ أحيانًا من الشرفة المطلة عليه، ذلك العجوز الذي يكسر الطبق الموضوع على المنضدة فيخفيه عن زوجته، أو يستعيد الاتصال بأصدقاء الزمن القديم محاولًا استرجاع ما فات من ذكريات، يضعنا في حيرة بطل القصة حينما يفقد بعد طول العمر والعشرة شريكة حياته فجأة، وكيف ستكون حياته بدونها، وهكذا تدور المجموعة بين لقطات قصيرة من حياةٍ مضت ولقطات من حياةٍ تكاد تنقضي. سيجد كل قارئٍ نفسه ولا شك في تفصيلة أو أكثر من تفاصيل تلك المجموعة التي يسردها إبراهيم أصلان ويعرضها بشاعرية وحميمية شديدة تبعث الدفء وتذكر المرء بزمنٍ مضى ولكنه لا يموت.
3. الأيك في المباهج والأحزان – عزت القمحاوي
تجربة خاصة في الكتابة الأدبية العربية يقودنا فيها عزت القمحاوي بأسلوبه الأدبي المميز في الأيك في المباهج والأحزان، حيث يتأمل حواس الإنسان الخمس: اللمس، والسماع، والشم، والرؤية، والتذوق؛ ليرصد مع كل واحدةٍ منها عددًا من التأملات المعرفية والثقافية والأدبية، من بطون الكتب والروايات مرورًا بحكايات الأمم والشعوب وصولًا إلى تجاربه وخبراته الذاتية، فيتحدث عن اللمس وحركة الأصابع في فصلٍ بعنوان «وقع الأصابع»، وعن العطور وأثرها واختلافها وتمييز العديد من الأشياء من خلالها في فصل «رائحة المعرفة»، وعن أثر السماع الصوت والأدوار المختلفة التي يلعبها في حياة الناس يتحدث في «أصوات الرغبة»، وغير هذه الفصول التي تعد بحق بحثًا أدبيًّا فريدًا من نوعه وطريقته، ينقل القارئ إلى عالم الحواس والمعارف المختلفة الذي ربما لم يفكِّر فيه من قبل بهذه الطريقة، بالإضافة إلى استقصاء عدد من أثر تلك الحواس وكيف تم التعبير عنها في الروايات والأعمال الأدبية المختلفة عربيًّا وعالميًّا.
4. البستان – محمد المخزنجي
إلى عوالم مختلفة يأخذنا محمد المخزنجي في مجموعته القصصية الجميلة البستان، التي يقسمها إلى ثلاثة أقسام: الأول عوالم محسوسة «فيزيقيات»، والثاني عوالم المشاعر والأحاسيس الداخلية «سيكولوجيات»، والثالث عوالم الغيب أو ما وراء النفس في «باراسيكولوجيات». وبعيدًا عن الأقسام الثلاثة فالمجموعة تحوي خمس عشرة قصة تأخذ القارئ للتفكير في العالم من حوله بشكلٍ مختلف، من بث الأمل الهادئ في النفوس في قصة «ومع ذلك ورغم ذلك» إلى عرض الحالة الخاص بين زوجين في «على أطراف الأصابع» إلى الحالة العاطفية الرقيقة التي يعرضها في «شيء جميل جدًّا يحدث لك»، ومن التأمل الطفولي الهادئ الذي يرصد كل الموجودات في «خمس دقائق للبحر » إلى الشعور القاسي الذي يسعى الجميع إلى التغلب عليه في «ملاكمة الليل»، ننتقل مع كل قصة إلى حالة شديدة الخصوصية والتكثيف، نتماهى معها تمامًا ونسقط عليها ما نشاء من مشاعرنا وأحاسيسنا بالعالم وبالآخرين، وكيف يمكننا أن نتغلب على ما نواجهه، حتى يستقر المطاف بنا إلى ذلك «البستان» الساحر الذي يصفه في آخر المجموعة ويجعلك تحلم بالجنة التي لم ترها.
5. تنميل الدماغ – محمد مستجاب
بعيدًا عن الحظر وأجواء العزلة وغيرها، فالذين لم يقرؤوا لمحمد مستحاب فاتهم كثير، ذلك أن أسلوب وطريقة محمد مستجاب في الكتابة بشكلٍ عام سواء في رواياته أو قصصه تحمل طابعًا مميزًا جدًّا، فهو الوحيد القادر على أن ينقلك بين موضوعات شتى في حكايته دون أن تشعر بأي قدرٍ من التشتت، بل ستكون مستمتعًا جدًّا، راغبًا في إعاد قراءة بعض الفقرات والجمل التي يصوغها بطريقةٍ تجمع بين السخرية والذكاء. في «تنميل الدماغ» نحن إزاء قصص وحكايات ومقالات متشعبة، ينتقل بنا فيها مستجاب من أودري معشوقته إلى حكاياته مع جميلات السينما المصرية، إلى حكايات أخرى مع عدد من الشخصيات المؤثرة في حياته، كما يأخذنا إلى تأملات غريبة حول واقعنا الذي نعيشه ولا ندرك الكثير من تفاصيله. يحدثنا عن تنميل الدماغ تلك الحالة التي يستسلم لها الكثيرون ولا يدركون أثرها على تغيير مصيرهم، يتحدث في مقالات موجزة وذكية عن الليالي الجميلة في حياتنا، وعن موسوعة جينز وكيف كان من الممكن أن تكون مصرية ومدهشة، عن حلمه بكتابة رواية طويلة عن السد العالي، وغيرها من الحكايات والقصص والأفكار.
هكذا تؤنس هذه الكتابات المتميزة عالمنا، وتنقلنا ببراعة بين دنيا الأدب في القصص والروايات، وبين المقالات والحكايات الشخصية المؤثرة وبين الأبحاث الأدبية الشيقة في العلوم والمعارف، وتجعلنا نستعيد ما قرأناه فيها مراتٍ ومرات، ونحكي لأصدقاءنا وأحبابنا ما وجدناه فيها من متعة خاصة، وكيف يمكن للكتب أن تجعلنا أكثر تصالحًا مع الحياة وأكثر تأملاً لما حولنا وأقدر على مواجهة ما فيها من صعاب وتحديات ومشاكل.