5 سدم ممتعة يمكن أن تراها في تلسكوب صغير
يظن البعض أن علم الفلك يتكون فقط من مجموعة معقدة ومملة من المعادلات التي يمكن أن نفرد لها مئات الصفحات من القطع الكبير، ويفترضون بجانب ذلك أنه لممارسة هذا العلم يجب أن تدفع الكثير من جيبك لكي تشتري الأدوات المناسبة، لكن تلك الأفكار – في الواقع – خاطئة جدًا.
أول شيء، على سبيل المثال، هو أنه يمكن لك أن تبدأ بممارسة علم الفلك فقط بالخروج ليلًا إلى سطح المنزل وتأمل النجوم، ومع معرفة بسيطة بإحداثيات سماء الليل وحركات أجرامها يمكن أن تحقق متعة جمّة. أضف لذلك أن تلسكوبًا بسيطًا، سيمكنك من رؤية مجموعة من الروائع السماوية دون جهد يذكر.
دعنا، هذه المرة، نبدأ من مجموعة من ألمع السدم التي رصدها كاتب التقرير نفسه بتلسكوب صغير لا يتخطّى قطره 5 إنشات (12.7 سنتيمتر). تلسكوبات بهذا الحجم، مع حامل من النوع العادي (Alt-Azimuth)، لا يتخطى سعرها حاجز الـ200 دولار. هذا هو ببساطة سعر هاتف ذكي متوسط، لكن فارق المتعة الممكن يستحق التأمل.
نصائح أساسية
في كل أنواع السدم يمكن لك أن تلتزم بخمس نصائح أساسية سوف تساعدك كثيرًا على بساطتها:
1. انتظر حتّى يكتسب ارتفاعًا بحيث يقترب من دائرة الزوال Meridian، وليس عند الأفق.
2. يفضل دائمًا أن تذهب لمكان مظلم، فرغم أن الرؤية من المنزل ستكون جيدة، فإن المشهد سيكون رائعًا في الصحراء.
3. در بعينيك على الحواف في مجال الرؤية بالتلسكوب، يمكنك أن ترى السديم أكثر وضوحًا.
4. السدم الكوكبية Planetary Nebulae أفضل من غيرها، فقط لأنها كذلك.
5. ضع خطة قبل الصعود للرصد، لا تتحرك بشكل عشوائي لأنك ستتوه في السماء.
الجبّار: الهدف رقم 1
حينما تحصل على تلسكوبك الأول، فإن أول أجرام السماء العميقة DSO’s التي يجب عليك تأملها، بعد الشمس والقمر والكواكب الأساسية، هو لا شك سديم الجبّار من كوكبة الجبار، لعدة أسباب: أولها، هو أن كوكبة الجبار نفسها Orion Constellation سهلة، قد تكون مبتدئًا في التعرف إلى سماء الليل ولا تعرف بعد مواضع النجوم الأساسية، لكن الجبّار هو أسهل الكوكبات، فقط اخرج لسماء الليل الشتوية وابحث عن ثلاثة نجوم متراصة فوق بعضها البعض. (استخدم الخريطة المرفقة ويمكن لك كذلك استخدام تطبيق Sky Map من شركة Google للهواتف الذكية)
أضف لذلك أن سديم الجبار هو ألمع هذا النوع من الأجرام، فبقدر ظاهري مقداره 4 يمكن لك، في سماء صحراوية حالكة، أن تراه بعينيك كغيمة خفيفة بين مجموعة نجوم الغمد التي تتدلى من الحزام. في التلسكوب الصغير، وبعدسة 17 ملليمترًا فقط، يمكن أن يملأ السديم كامل مجال رؤيتك، ويظهر كسحابة كثيفة (تقل كثافتها بحسب التلوث الضوئي)، تتخذ شكل طائر يفرد جناحيه على الجانبين، لكن الصورة بالطبع تظهر باللونين الأبيض والأسود، فتلك الصور التي تراها على الإنترنت التقطت بتعريض طويل لساعات.
الآن تأمل الصورة المرفقة، التقطتها لسديم الجبار قبل عدة أعوام بتلسكوب Celestron CPC 800 ثمانية إنشات مع تعريض لمدة دقيقة واحدة فقط. حينما تتأمل سديمًا أو مجرة في التلسكوب لا تركز عينيك في مركز مجال الرؤية، بل در بها على الحواف، هنا سترى السديم بشكل أكثر وضوحًا، ستظهر لك سحابة الجبار بهذا الشكل لكن من دون ألوان، ذلك الجزء المظلم في الأسفل سيبدو وكأنه قطعة مظلمة من سماء عادية، لكنه في الحقيقة جزء معتم من السديم يغطي على الآخر اللامع، هذا الجزء هو ما يعطي السديم شكل الطائر.
قيثارة الصيف
سديم الخاتم Ring Nebula هو أحد أشهر أهداف هواة الفلك، بل ربما هو ثاني أشهر سديم في السماء بعد سديم الجبّار ملك الشتاء. أول مزايا الخاتم هو أنه سهل التحديد، ليس فقط لأنه يقع بين نجمي السلباق والسلحفاة في كوكبة القيثارة، وهي أحد أشهر معالم سماء الصيف، حيث تقع كجزء رئيس من المثلث الصيفي، بل لأن المسافة بين السلباق والسلحفاة، المسافة القوسية أقصد، ستقع بالكامل ومباشرة في مجال تلسكوبك الصغير، مما يعني أنه يمكن لك بسهولة أن تبحث عن النجمين أولًا، وبينهما سيتواجد السديم دون بذل أي جهد إضافي.
أضف لذلك أن السديم يلمع عند قدر ظاهري 8.8، يعني ذلك أنه سيكون تحديًا صعبًا بعض الشيء، لكنه ما زال واقعًا ضمن نطاق تلسكوب صغير لا شك، سيظهر لك كغيمة دخان خفيفة باهتة تحتاج لبعض التركيز. يتضح هيكل السديم بشكل أفضل مع تلسكوب متوسط، فيظهر كخاتم دائري مكون من سحب داكنة يحيط بمنطقة باهتة بعض الشيء، في الصورة المرفقة ستجد نسخة ملونة من السديم التقطها أحد الهواة بتلسكوب متوسط.
الإسكيمو الرائع حقًا
الجبار في الشتاء، والخاتم في الصيف، دعنا الآن نعود إلى الشتاء مجددًا، وأوائل الربيع كذلك، حيث يمكن لك الإمساك بواحدة من روائع كوكبة التوأم Gemini، يمكن بسهولة أن ترى كوكبة التوأم ضمن الشكل الشهير المسمى بسداسي الشتاء. السديم يقع مباشرة إلى جوار أحد ألمع نجوم الكوكبة وهو نجم الوسَط Wasat، النجم يلمع بالقدر 3.5، مما يعني أنه سيكون واضحًا لعينين مجردتين بسهولة، كذلك فإنه سيقع ضمن مجال رؤيتك أثناء رصد السديم، مما يعني أن تحديد السديم نفسه سيكون سهلًا بالتبعية.
سمي سديم الإسكيمو Eskimo Nebula (NGC 2392) لأنه يبدو وكأنه وجه شخص من الإسكيمو يرتدي معطفًا كثيفًا، في تلسكوبك الصغير سترى السديم كغيمة صغيرة خافتة بعض الشيء، لكن رغم ذلك يمكن لك تأمل المعطف المحيط بوجه الإسكيمو بدرجة من السهولة، يقع السديم في الحد الأقصى لقدرات تلسكوب صغير، وهو القدر 9.68، ولكنه ممكن جدًا، وستفرح حقًا حينما تمسك به، في الصورة المرفقة يظهر السديم بتلسكوب الكاتب متوسط القطر (8 إنشات فقط) مع تعريض دام دقيقة واحدة فقط.
الإسكيمو، كرفيقه «الخاتم»، هو سديم كوكبي، هذا النوع من السدم نتج في نهاية عمر نجم كالشمس، حيث ينفض النجم عن نفسه أغلفته الخارجية في صورة رياح نجمية عاتية تحيط به في شكل سحب ملونة، هذه الأغلفة الزرقاء الممتعة التي تراها في الصورة تنطل الآن في الفضاء بسرعة 6 ملايين كيلومتر في الساعة، تاركة في المركز قزمًا أبيض إنه بقايا النجم الميت.
السرطان المتفجر
دعنا الآن ندع السدم الكوكبية جانبًا لنتأمل واحدًا من أهم أهداف هواة السماء ليلًا، ورغم أن القدر الظاهري له منخفض مقارنة بسابقيه، فقط 8.45، إلا أن سديم السرطان Crab Nebula، هو أحد أصعب الأهداف على مبتدئ، يظهر في الصور فقط كغيمة خافتة صغيرة الحجم لا تكاد تميزها عن نجم قريب، لكن على الرغم من ذلك، فإنه هدف ممكن، والوصول له هو شيء ممتع دائمًا، خاصة وأن السرطان يقع قريبًا من النجم «ايتا» في برج الثور Taurus، وهو يقع في القدر 2.95، أي أنه يمكن لك بسهولة أن تراه بعينيك، كما أن النجم يقع في مجال البحث عن السديم، مما يعني أنك ستحدد موضع السديم بسهولة.
يبدو إذن أن سماء الشتاء مسكونة بألمع وأمتع السدم، لكن السرطان ليس كرفيقيه السابقين، بل هو بقايا مستعر أعظم افجر قبل أكثر من ألف سنة، يحدث ذلك حينما يكون النجم عملاقًا من بداية حياته، أكبر من الشمس بثمانية أضعاف أو أكثر، ثم يصبح عملاقًا أكثر ضخامة في نهاية عمره، وينفجر في كسر صغير من الثانية، هذا الانفجار من الضخامة بحيث يمكن أن نراه على مسافة ملايين السنين الضوئية، ما تراه في تلسكوبك، تلك الغيمة الخفيفة، هي بقايا أحد تلك الانفجارات المهولة.
سديم السرطان يظهر كغيمة خفيفة
رائعتا القوس
دعنا الآن نختم رحلتنا السديمية مع رائعتين صيفيتين غاية في الأهمية، لم يمكن بسهولة أن نختار أحدهما ونترك الآخر، لعدة أسباب أولها، أنهما متجاورتان، بالنسبة لتلسكوب صغير يمكن لك أن تراهما تقريبًا في نفس الموضع، فقط حركة خفيفة إلى الأعلى والأسفل تنقلك بينهما، وهما سديم البحيرة Lagoon Nebula أو «مسية 8» وسديم تريفيد Trifed Nebula أو «مسيية 20»، وكلاهما تجده بجوار برّاد الشاي Teapot، وهي مجمة Asterism تميز الهيكل الرئيسي لبرج القوس Sagittarius، أحد أهم ملامح الصيف.
كلا السديمين يمتلك قدرًا ظاهريًا مناسبًا (6 تقريبًا لكليهما)، ويمكن، خاصة في سماء صحراوية نائية، أن ترصدهما بسهولة كبيرة، أما في سماء المدينة فسوف تبدوان كغيمتين خافتتين، لكن «تريفيد» تحديد ستُظهر فجوات واضحة داخل الغيمة الخاصة بها. بالنسبة لمبتدئ، فإن الغوص في حزام المجرة بحثًا عنهما، مع بقية روائع مسيية، لهو حقًا رحلة ممتعة لا تمل منها مهما تكررت.
كلا السديمين كذلك هما نفس النوع من السدم، سديم انبعاثي (Emission Nebula)، حيث تتوهج ذرات الهيدروجين في السحابة المحيطة بنجوم كل منهما مما يجعلها تشع ضوءًا باتجاهنا، أما السدم المظلمة (Dark nebulae) فهي سدم تحجب عنّا الضوء الواقع في الخلفية، مثل منطقة النهر المظلم في حزام المجرة، أما السدم العاكسة (Reflection Nebulae) فهي تلك التي تعكس ضوء نجم قريب، وكلا الأنواع الثلاثة من السدم هي حضّانات للنجوم، حيث تحوي مئات إلى آلاف النجوم الوليدة التي تتغذى على الهيدروجين الخاص بها.
حسنًا، انتهت رحلتنا معًا، لكن بقي أن تمسك بتلسكوبك وتخرج لترى تلك الروائع معًا. يمكن لليلة واحدة مع السماء ليلًا أن تؤثر كثيرًا، يمكنها أن تعطيك قدرًا واسعًا من البراح في روحك فتهدأ كثيرًا، ليلة واحدة فقط مع تلسكوب صغير وأطلس مناسب، تنسى خلالها كل العالم المزدحم بالأسفل، كل ذلك الغبار والصراخ والغضب من الواقع السياسي المؤلم، ثم عد من جديد للعالم، ليلة واحدة فقط.