5 كتب تجول بك في خبايا النفس
ذاك المنطوي الذي يخشى الغرباء، ويُفضِّل العمل من المنزل، بينما يُفضِّل زميله العمل في المكتب بين الزملاء، وإن كان يتجنب الصدامات مع الآخرين بشكل يكون أحيانًا مُبالغًا فيه، بعكس ذلك الثالث هناك سريع الغضب، الذي لم يفلت من إهاناته أي شخص في الفريق. من فضلك لا تسئ الظن به، فما يُخفِي وجهه الغاضب غير حساسية مفرطة، وما تحمي جنود الإهانة المحيطة به غير نفس واهنة تخشى أن تُجرَح.
في زمن الضغوط المتزايدة، والعقول المنهكة، فاضت حياة كل منا بالنفوس المضطربة والسوية، التي قد لا نراها إلا كما نرى أغلفة الكتب. ذاك أحمر وهذا أبيض! علم النفس سيساعدك في قراءة تلك النفوس، حتى تراها كما لم ترَها من قبل، وفي ذلك نفسك أنت أيضًا.
إليك خمسة كتب تسبر معها أغوار النفوس والعقول الإنسانية.
1. «مبادئ التحليل النفسي» – محمد فؤاد جلال
فرويد هو بداية شائقة ومحورية لنمذجة النفس البشرية، بهدف فهمها وتوقع سلوكها، وعلاجها. النموذج الفرويدي بإيجاز يقوم على وجود غرائز تَدفع، ومجتمع يَقمع.
تختبئ الغرائز في اللاشعور، وتنتظر الفرصة المناسبة كي تتحرر من حبسها. بينما يقوم العقل الواعي بدور القامع لهذه الغرائز لحساب المجتمع، الذي تتكون له داخل النفس ممثل هو: «الأنا العليا»، ضمير الإنسان الذي ينادي بما يجب وما لا يجب.
وهكذا بين القيم العليا الآتية من الـ «أنا العليا»، والقيود التي يفرضها المجتمع من جهة، وبين الغرائز التي تنوء بها الـ «هي» من جهة أخرى، تقضي الـ «أنا» بما يجب فعله وما يجب عدم فعله.
يحدد فرويد محركات الإنسان الأساسية، وهي حفظ النوع وتحقيق القيم العليا. أما حفظ النوع فتتساوى فيه الحشرات مع الحيوان والإنسان، وأما تحقيق القيم العليا فيتفرد بها الإنسان. ويكون الجنس هو مُنبِّه الإنسان لما يقوده لحفظ نوعه. وليس المقصود بالجنس هنا فقط الممارسة بين الرجل والمرأة وما يتعلق بها، بل يشمل الجنس – كما يرمي فرويد – كل ما يفعله الإنسان مدفوعًا بتحصيل اللذة، ولكن ينتج عنه حفظ النوع. فمثلًا، لذة الرضيع باللبن هي إحدى تجليات الجنس بالنسبة لفرويد.
وتتشكل عُقَد الإنسان النفسية تبعًا لنموذج فرويد في سنين عمره الأولى، حتى إن لم يعِها أو يتذكرها. وتكون مهمة المعالج، تبعًا لـ «مدرسة التحليل النفسي» التي أسَّسها فرويد، هي أن يبحث في سنين المريض الأولى عن أسباب عقدته. يستخدم لذلك أسلوب «التداعي الحر» الذي يمكن المريض من الحفر في ماضيه وطفولته، واستخراج عقده من بئر ذكرياته، ويقوم المعالج أيضًا أثناء العلاج بتحليل الرموز المبهمة التي يراها المريض في الأحلام.
وهكذا تشكل مصطلحات مثل الشعور واللاشعور والأحلام والتداعي الحر والجنس، أهم أحجار الأساس في نموذج فرويد لفهم النفس.
2. «الإنسان يبحث عن المعنى» – فيكتور فرانكل
«فيكتور فرانكل» هو رائد ما يُعرف بالمدرسة الثالثة في التحليل النفسي. مر هذا الرجل بتجربة فريدة وقاسية، ولكن في نفس الوقت مثيرة في معسكرات الاعتقال النازية. رأى خلالها كيف أن اعتقاد المرء أن لحياته معنًى يعيش من أجله، يكون في كثير من الأحيان أفضل علاج لأمراض النفس، بصرف النظر عن أسباب المرض وأعراضه.
يعرض الكتاب في نصفه الأول تجربة الاعتقال الرهيبة، وفي نصفه الثاني فكرة العلاج بالمعنى.
3. «مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي» – رولو ماي وإرفين يالوم
تشترك المدرسة الوجودية مع العلاج بالمعنى في الاتفاق على أهمية وجود معنى في حياة الإنسان يعيش من أجله. ويمكن اعتبار العلاج بالمعنى هو أحد تجليات العلاج الوجودي. وتُحَمِّل المدرسة الوجودية الشخص مسئولية نفسه، وتُزَكي القلق الإيجابي الذي يدفعه للأمام، لا القلق الذي يشل حركته.
في هذا الكتاب ستفهم الكثير عن نفس الإنسان من منظور يعتقد في الإنسان كفاعل ومسئول عن مصيره ومآلات أموره، لا ضحية سلبية بلا حول ولا قوة.
4. «العلاج المعرفي: الأسس والأبعاد» – جوديث بيك
العلاج المعرفي هو طريقة العلاج الأوسع انتشارًا في الوقت الحالي. ويقوم بالأساس على النموذج المعرفي لفهم سلوك الإنسان ومشاعره ومعتقداته.
يعرض الكتاب النموذج المعرفي مستعينًا بحالة مريضة كمثال. يدخل القارئ مع المُعالِج والمريضة غرفة العلاج، ويعيش محاكاة حقيقية ومُفصَّلة لتجربة العلاج، يفهم خلالها النموذج المعرفي فهمًا عميقًا، يُمكِّنه من فهم نفسه والآخرين من حوله بشكل أعمق.
يبدأ النموذج المعرفي بمراقبة «المواقف» التي تحدث للشخص، وما تولِّده داخله من «مشاعر»، وما تدفعه لممارسته من «سلوك». المواقف والمشاعر والسلوك إذن هي بداية النموذج المعرفي.
ولكن نفس «الموقف» يُولِّد «مشاعر» مختلفة لدى أشخاص مختلفين، وينتج عنه أيضًا «سلوك» مختلف عند كل شخص. فما السبب وراء ذلك؟
السبب أن كل شخص له معتقداته الوسيطة المختلفة عن الآخرين، والتي تَنْتُج بدورها عن معتقداته العميقة عن نفسه وعن العالم من حوله. فهناك منَّا منْ لديه عقيدة عميقة بأنه فاشل، أو بأن الآخرين أشرار، أو غير ذلك من المعتقدات العميقة التي تتكون بداخل المرء منذ الصغر وتستقر بداخله وتتملَّك ذاته، سواء شعر بذلك أو لم يشعر.
ولكن ما مصدر تلك المعتقدات العميقة؟ يتفق النموذج المعرفي هنا مع النموذج الفرويدي إلى حد بعيد، حيث يعزي أيضًا معتقدات الشخص العميقة إلى مواقف الطفولة المبكرة، التي ربما يكون قد نسيها، أو لم يحسن تفسيرها.
وهكذا تكون مهمة المعالج المعرفي أن يساعد مريضه على ملاحظة «مشاعره» و«سلوكه» إزاء «المواقف» المختلفة، والوصول لـ «معتقداته الوسيطة» المُتسبِّبة في تلك «المشاعر» و«السلوكيات»، وما ولَّدتها من «معتقدات عميقة»، وماهية «مواقف الطفولة» التي ولَّدت هذه المعتقدات. ومن ثَمَّ يحاول المُعالِج إعادة تفكيك وتركيب تلك المواقف، حتى يتمكَّن الشخص من التخلص من معتقداته العميقة السلبية المُسببة لمشكلته.
5. «المخ الأبله» – دين بيرنيت
الذاكرة والذكاء والخوف والحواس والسعادة والاضطراب النفسي والتفاعل، هي كلها أمور وعمليات يقوم بها المخ، وبالتالي يتخذ فهمها درجة أعمق حينما يُفْهَم كيف يقوم المخ بتسيير تلك الأمور. فحينما تفهم مسئولية «الحصين» فيما يتعلق بالذاكرة، و«اللوزة» فيما يتعلق بالمشاعر، و«القشرة الخارجية» فيما يتعلق بالحواس، و«الفص الجبهي» فيما يتعلق بالمنطق، والنواقل العصبية – مثل الدوبامين – فيما يتعلق بالسعادة، وغير ذلك، تستطيع عندها أن تفهم بشكل أكبر مشكلات، مثل: الإدمان، والهلاوس، وغير ذلك من الاضطرابات النفسية.
حتى تصرفات الإنسان وتفاعلاته التي قد تكون غير مفهومة، برغم كونها سوية، مثل: خوفه من الظلال في الظلام رغم اقتناعه بعدم وجود خطر حقيقي، أو انجذابه لتناول قطعة من الشيكولاتة برغم عدم شعوره بالجوع وعدم حاجته إلى طاقة.
خاتمة
يتسم علم النفس كغيره من العلوم الإنسانية بندرة اليقينية وانعدام الثبات الذي نراه في العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء، التي يمكن لنظرياتها التنبؤ والضبط بدقة شديدة. فالإنسان ليس مادة صماء، ولكنه روح وجسد، لغز يستعصي على الفهم، وسر يستتر عن النور. برغم هذا فإن محاولات فهم الإنسان ودواخله بالغة الأثر والأهمية، وبخاصة في العصر الراهن.