5 كتب تشرح تجربة «حزب الله» في لبنان
تعد تجربة حزب الله اللبناني من التجارب المهمة التي تركت آثارًا كبيرة تعدت حدود الدول، وأثرت بدرجات متفاوتة في المنطقة العربية، فضلًا عن تدخلاته الخارجية في العالم غير العربي، وتبرز الحاجة إلى متابعة تطور هذه التجربة ودراسة جوانبها المختلفة للوقوف على أبعاد هذه الظاهرة وفهمها حق الفهم بلا تهويل ولا تهوين، إذ يعد الحزب أهم ذراع عسكرية تابع للنظام الإيراني وحامل لواء توسيع نفوذ طهران في المنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم.
وفيما يلي عرض موجز عن بعض الكتب التي تتحدث عن تجربة الحزب من أبعاد مختلفة.
1. «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني»
للكاتب جوزيف ضاهر، وترجمة علاء بريك هنيدي، في يناير 2022، صدر عن دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات بالقاهرة، وقد صدرت النسخة الأصلية للكتاب باللغة الإنجليزية عام 2016 في بريطانيا، للباحث جوزيف ضاهر الأستاذ بجامعة لوزان بسويسرا.
ويتكون الكتاب من ثمانية فصول، يتحدث في الفصل الأول عن ترسخ الهويات الطائفية في لبنان ودور الاحتلال الفرنسي في ذلك، والتهميش الذي اتسمت به الحالة الشيعية، وفي الفصلين التاليين، يناقش الدور البرجوازي لحزب الله خلال عهد رئيس الوزراء رفيق الحريري، وانخراط الحزب في المنظومة الاقتصادية في ظل التحول النيوليبرالي.
وفي الفصلين الرابع والخامس، يشرح رؤية الحزب للمجتمع اللبناني وكيفية حشد الحاضنة الاجتماعية تحت لواء الحزب، وفي الفصل السادس يشرح ظروف نشأة الهيكل التنظيمي للميليشيا، وكيفية تطورها، وصناعة القرار داخلها ونشاطاتها الداخلية والخارجية، ويتعرض الفصل السابع إلى المواقف المتناقضة للحزب من ثورات الربيع العربي في عام 2011، حينما أيد الحراك في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، وجاء موقفه معاكسًا من الثورة السورية، وفي الفصل الأخير يتطرق إلى التدخل العسكري للحزب لإنقاذ النظام الأسدي وولوغه في الدم السوري.
ويتميز الكتاب بأنه يقدم إحصاءات وأرقامًا وبيانات يبني عليها نتائجه، ويتتبع تطور البنية التنظيمية للحزب ودوره الاجتماعي ضمن السياق الطبقي اللبناني، ومدى اتساق ممارساته الفعلية مع البيئة الاقتصادية الرأسمالية، ويشرح بالأمثلة كيف يستخدم وجوده في السلطة لدعم مصالح كبار رجال الأعمال والشركات الموالية له ليحافظ على ولائها، ومحاربة المصالح الاقتصادية للجهات الأخرى في مناطق نفوذه، وأثر هذه السياسة على رفع الآلاف من الموالين له إلى صفوف الطبقة العليا أو المتوسطة على أقل تقدير. ويرصد التحول في خطابه ومنهجه من منافس لليسار على كسب أصوات المحرومين والمهمشين والطبقة العاملة، إلى أن استطاع أن يحجز لنفسه موقعًا قويًّا على رأس الطبقة السياسية الفاسدة، ويرصد كذلك التغيرات التي نالت نوعية الكادر القيادي للحزب؛ إذ أصبح الجيل الجديد يتمتع بمستويات أعلى تعليميًّا وماديًّا.
ويرصد كذلك الإمبراطورية الاقتصادية للحزب ومؤسساته التعليمية والإعلامية والسياحية والترفيهية والطبية ودورها في إدامة هيمنة الحزب على الطائفة الشيعية، وكذلك نفوذه على الحياة النقابية عبر تشكيل نقابات صورية واستغلال اللوائح التي تعطي حقوقًا متساوية لجميع النقابات أياً كان حجمها، في إضعاف اليسار وإعاقة الحركة النقابية في مقابل تغول الرأسمالية.
ويلقي الكتاب الضوء على ورطة حزب الله عام 2011 حين اتخذ موقفًا مبدئيًّا لدعم الاحتجاجات في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين، وأدان نظريات المؤامرة حول الربيع العربي، بينما اتخذ موقفًا معاديًا للثورة السورية بسبب ارتباط مصالح الحزب وإيران بنظام الأسد الذي مثَّل مصدرًا مهمًّا للدعم اللوجستي والسياسي، وشارك الحزب في المجازر الطائفية في سوريا، وبات اليوم يعارض أي حديث عن تغيير النظام في العالم العربي، باستثناء البحرين لأسباب طائفية.
2. «حزب الله: التاريخ الأيديولوجي والسياسي 1978-2008»
للكاتب يوسف الآغا، وترجمة نادين نصر الله، ومن إصدار “دراسات عراقية” ببغداد عام 2008، ويبحث هذا الكتاب كيفية انتقال حزب الله بين ثلاثة أطوار مختلفة بداية من ظهوره كحركة إسلامية معترضة ما بين عامي 1978 و 1984، ثم أخذ دور الحركة الاجتماعية الناضجة ما بين عامي 1984 و1991، ثم تحوله لاحقًا إلى حزب سياسي برلماني.
ويبدأ الكاتب بذكر دوافعه الشخصية لتأليف هذا الكتاب، والمتمثلة في شغفه لتفسير علاقات التصادم بين الطوائف اللبنانية وتقصي حقيقة دور حزب الله واتصاله بالجماعة بشكل مباشر.
ويتحدث الفصل الأول عن تاريخ الحزب ويقدم خلفية تاريخية عن وضع الطائفة الشيعية اللبنانية قبل ظهوره، وفي الفصل الثاني يتعرض لشرح أيديولوجية الحزب ويقدم تلخيصًا للمذهب الشيعي الاثني عشري وعقائده ومسألة الإمامة ونظرية ولاية الفقيه التي نظَّر لها الخميني المرشد الإيراني الأول، والعقيدة الجهادية لحزب الله، وفي الفصل الثالث يتحدث عن الفكر السياسي للحزب، ونظرته للقوى المحلية والدولية، وفي الفصل الرابع يتطرق لعرض برنامج الحزب ومسيرة المشاركة السياسية، وفي الفصل الخامس يرصد التطورات التي مر بها الحزب وكيف أثرت على أيديولوجيته، ويشمل الفصل السادس خاتمة الكتاب وملحق يتضمن نصوص بيانات سياسية أصدرها الحزب وبرامجه الانتخابية.
إلا أن الكتاب بالطبع لا يتطرق لأحداث كثيرة وتحولات وقعت بعد نشره عام 2008، أبرزها التدخل العسكري في سوريا وسيطرته على السلطات التشريعية والتنفيذية في لبنان، كما أن الكتاب يتسم بنبرة تمجيدية ودعائية واضحة عن الحزب تكاد تخلو من النقد، لكنه مهم لمن يريد التعرف على وجهة نظر الحزب وكيفية تقديمه لنفسه، خاصةً أنه كُتب بمساعدة من هيئة الإعلام المركزي للحزب.
3. «حزب الله.. أقنعة لبنانية لولاية إيرانية: دراسة وثائقية»
للكاتب فايز قزي، من إصدار دار رياض الريس للكتب والنشر، صدرت الطبعة الأولى منه في مطلع عام 2013، ويتكون الكتاب من أربعة أقسام: يتضمن الأول منها فصلًا يتحدث عن كنه الوثيقة السياسية لحزب الله الصادرة عام 2009، ومدى أهميتها وما الجديد الذي أتت به، ومدى اعتبارها مؤشرًا على تحول في مسيرة الحزب منذ نشأته.
ويناقش القسم الثاني محتوى الوثيقة ويتضمن ثلاثة فصول، يتحدث الأول عن مصداقية عداء حزب الله للمشروع الأمريكي العالمي وموقع إيران من هذا المشروع.
ويتحدث الفصل الثاني عن «الأقنعة» السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستخدمها الحزب لتبرير سياساته، ويرجع الكتاب في شرح المفاهيم الواردة في وثيقة 2009 إلى الوثيقة التي أصدرها الحزب عام 1985 تحت عنوان الرسالة المفتوحة للمستضعفين، لأن الحزب لم يصدر أية وثائق كبرى طوال 24 عامًا فصلت بين الحدثين.
ويتحدث الفصل الثالث عن القضية الفلسطينية ومفاوضات السلام المتعلقة بهذه القضية ونظرته لها.
أما القسم الثالث للكتاب فيتعرض للثوابت العقدية والأيديولوجية، وهي ثلاثة يفرد لكل منها موضوعًا مستقلًّا، وهي على الترتيب: العقيدة الدينية، وتصدير الثورة، والالتزام بنظرية ولاية الفقيه.
ويختتم الكتاب بملحقين يضمان نص الوثيقة السياسية لحزب الله، وأسئلة عن دور الحزب في الداخل اللبناني وموقفه من القضايا المختلفة، رد عليها الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في لقائه مع الصحفيين بعد تلاوته الوثيقة السياسية للحزب في الثلاثين من نوفمبر تشرين الثاني 2009.
ويقدم الكتاب قراءة دقيقة فاحصة من جانب فايز قزي الذي عمل مستشارًا بل صديقًا للعماد ميشال عون قبل أن يتولى الأخير رئاسة لبنان، وبالتالي يُلقي الضوء على هذا التحالف الذي جمع بين حزب الله وبين التيار الوطني الحر بزعامة عون الذي يمثل قطاعًا مهمًّا من الطائفة المسيحية اللبنانية.
4. «ماذا تعرف عن حزب الله؟»
للكاتب علي الصادق، من إصدار مكتبة الإمام البخاري بالقاهرة، صدرت الطبعة الأولى منه عام 2006، وقد نُشر الكتاب في وقت بلغت فيه شعبية الحزب ذروتها العظمى ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة العربية على خلفية حرب تموز في ذلك العام، فجاء هذا الكتاب ليكشف عن الجوانب التي تتجاهلها وسائل الإعلام عادة.
وينقسم إلى مواضيع صغيرة عبارة عن إجابات على أسئلة تحتل عناوين هذه المواضيع، ويتذيل الكتاب ألبوم للصور والوثائق المذكورة في ثناياه.
ويتميز الكتاب بالإشارة إلى أهمية الأبعاد الفكرية والعقدية والتركيز على إبراز طبيعة علاقة الحزب بنظام الولي الفقيه في إيران، وعلاقته بحركة أمل والأطراف والطوائف اللبنانية المختلفة، وممارسة الحزب للتقية في خطابه الإعلامي وسياساته الخارجية.
ويتطرق إلى فروع حزب الله في البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت والعلاقات التي تربطها ببعضها، وكذلك في اليمن قبل أن يمر هذا الفرع بتطورات متتالية ويتحول إلى الجماعة الحوثية وما صاحب ذلك من تحولات عقدية وفكرية.
5. «دولة حزب الله: لبنان مجتمعًا إسلاميًّا»
للكاتب وضاح شرارة، وصدرت الطبعة الأولى منه عن دار النهار اللبنانية عام 1996، وتضمنت الطبعة الرابعة فصلًا إضافيًّا عن حرب تموز 2006 لأنها صدرت في ذلك العام.
يتكون الكتاب من ستة عشر فصلًا.
ويتميز الفصل الأول بتركيزه على هيكل المجتمع المنفصل الذي شرعت الثورة الإيرانية في تأسيسه في لبنان، ويعمد إلى ذكر أدوار المنظمات والهيئات والحركات المختلفة في صبغ المجتمع الشيعي اللبناني بصبغة عميقة تحصنه من التأثيرات المخالفة للنفوذ الإيراني، عن طريق توفير بيئة متكاملة لأتباع حزب الله وأنصاره بحيث يظلون من المهد إلى اللحد في هذه البيئة؛ ففيها يجدون التعليم والتريض والعلاج والزواج والصداقة والعبادة والقتال.
ويتطرق الفصل الثاني إلى وصف أساليب نظام الولي الفقيه في طهران في بناء تشكيلات شعبية وتوظيفها في مشروع تغيير شكل المجتمع الإيراني والاستعانة في هذا المشروع بسكان الأكواخ الفقراء في جنوب طهران واستيلائهم على ممتلكات لأغنياء شمال العاصمة، وتوظيفهم في أعمال العنف والاغتيالات والتظاهرات، والتجسس على المعارضين.
ويتحدث الفصل الثالث عن القصور الذي اتسم به الوسط الديني الشيعي في لبنان قبل ظهور حزب الله وأزمة تفرق كلمة فقهائهم والتحاق البعض بمراجع في العراق، حتى اندثر وجودهم في بعض المناطق بجبل عامل فصارت “لا يذكر فيها اسم الله تعالى في ليل ولا نهار ولا فرق عند أهلها بين رمضان وشوال”، بعد أن كان فقهاء جبل عامل هم الذين تولوا كبر نشر التشيع الإمامي في إيران نفسها في السابق.
ويذكر كيف أن أبناء كبار فقهاء الشيعة انصرفوا تمامًا عن متابعة هذا الطريق، وأن الجمود الذي اتسمت به مرجعية النجف جعلت الشباب يعرضون عن الاستمرار فيها بعد أن أصبحت خارج الواقع بحيث لا يستطيع احتمال هذا الأمر سوى من لم يرَ غيرها في العالم، مما أدى لفتور همة الشباب اللبناني الذي حاول خوض هذه التجربة.
ويتحدث الفصل الرابع عن النفَس الخميني الذي بعث الروح ثانيةً في التشيع الإمامي عن طريق التغلغل في الحياة الاجتماعية اليومية والانتشار في المدن التي أصبحت تضم كتلة شيعية كبيرة هاجرت من الريف والأطراف، وناسبوا بين مواقفهم وبين احتياجات الجمهور الشيعي وتجربته الاجتماعية والسياسية والثقافية الجديدة.
وأدى هذا النهج إلى ارتفاع عدد رجال الدين الشيعة من جديد وانتشارهم في كل أنحاء لبنان، واختلط هؤلاء بكل طبقات الشعب، وعوضًا عن العائلات التقليدية التي اشتهرت بتخريج العلماء، ظهرت طبقة من الفقهاء الشباب الذين ينحدرون من عائلات أخرى، ولم يعد جبل عامل في الجنوب اللبناني يحتكر الأمر بل ظهرت على نحو لا سابق له عائلات جديدة في البقاع.
ويتحدث الفصل الخامس عن تصدر الشيخ محمد حسين فضل الله للتدريس في لبنان في النصف الثاني من الستينيات بعد أن أنهى دراسته في حوزة النجف في العراق، ووفر على الطلاب اللبنانيين تجشم عناء السفر إلى الخارج وتلك أهاليهم وبلادهم، مستأنفًا بذلك تراث التعليم الديني العاملي الذي انقطع في القرن التاسع عشر.
وبالتزامن مع ذلك بدأت هويات جديدة تتشكل داخل مجتمع ضواحي بيروت الذي يتكون من مهاجرين تحرروا جزئيًّا من روابطهم المناطقية واختلطوا بمجتمعات أخرى مع احتفاظ كل منها بروابطه الخاصة، مما أدى إلى ظهور أحياء شيعية وتبلور هوية شيعية بين القادمين من مناطق شتى، وتأثر شبابهم بالمنظمات الفلسطينية والشيوعية وغيرها، وسط نشوء حركة موسى الصدر الذي عمل على توحيد شيعة لبنان وتكتيلهم في جسم سياسي مؤثر، إلا أن هذا الولاء إلى الإمام الصدر ودعوته لم يُترجم إلى مؤسسة أو إطار تنظيمي بل ظل مظلة فضفاضة تضم كتلًا شتى تحتها، وكانت الجماعة الإسلامية أو الخمينية لاحقًا أكثر الجماعات الساعية للاستيلاء على الحركة تماسكًا وقوة.
ويتحدث الفصل السادس عن سريان التيار الخميني في المجتمع اللبناني في السبعينات ومحاولته اجتذاب الطلاب الجامعيين والطلاب الدينيين وتثوير حالة الالتزام الديني الإمامي، والتبشير بقدوم الدولة الدينية التي تقيم المذهب وتسوس الدنيا به، وجاء مرشدون إيرانيون وعراقيون إلى لبنان وتدربوا في معسكرات منظمات المقاومة الفلسطينية.
واستطاع أصحاب الحركة الإسلامية الإيرانية إنشاء سلك علمائي ينتسب إليهم بلا واسطة عائلية أو غيرها، وتمثلت هذه الظاهرة جلية واضحة في الضواحي الشرقية لبيروت التي تعج بالمهاجرين، على عكس الضواحي الجنوبية التي تضم عائلات شيعية أصلية، وفي المجمل فإن دور المرافق العامة كالحسينيات والمساجد والنوادي ساعدت في الخروج من الأبنية الاجتماعية العائلية التقليدية، خاصةً بعد أن أصبحت الضاحيتان الشرقية والجنوبية ضاحية واحدة مكتظة ضخمة بالنازحين الفارين من الاحتلال الإسرائيلي.
ويتحدث الفصل السابع عن التغيرات الناجمة عن تهجير سكان الضاحية الشرقية لبيروت إلى الجنوبية المكتظة أصلًا عام 1976، مما فاقم من مشكلات الهجرة وتوابعها، مع غياب دور مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية فحلت الجهات الأهلية والتنظيمات السياسية والعسكرية محل الأجهزة الرسمية، فنشأ تنافس بين الحركات الفلسطينية خاصةً فتح، وبين حركة موسى الصدر الشيعية، على ساحات النفوذ.
ويتحدث الفصل الثامن عن الحوزات والمدارس الشيعية في ضواحي بيروت وبعلبك ونظام الدراسة بها وكيفية صرف مرتبات العاملين بها وتمويلهم سواء من إيران أو من أموال الناس العاديين.
ويتحدث الفصل التاسع عن الطبقة الجديدة التي تكونت نتاج النفَس الإيراني الخميني الذي عم لبنان، ومع كثرة المعممين ظهر الكثير من الطلبة الذين درسوا على أيديهم، وبرزت نخبة سياسية وفكرية واجتماعية، ترى في العمامة مناطًا لرغبة كبيرة اختلطت فيها مشاعر الثأر من الحرمان والفقر بمباهاة الأهل، ويلتبس فيها العمل على إحياء الإسلام بالانصياع إلى أوامر القيادة الإيرانية، وأصبح لوظيفة رجل الدين وجهًا برجوازيًّا.
ويتحدث الفصل العاشر عن أن زيادة عدد أعضاء السلك العلمي الشيعي شكلت رافدًا قويًّا لتغذية المجتمع بالدعاة والمقاتلين الذين يدينون للقيادة المركزية بالطاعة والعلم والاعتقاد والدور والمرتبة والمعاش، فنشأ مجتمع نواته العلماء، محاطة بطبق اجتماعية سميكة من السكان المؤمنين لتلافي عودة وضع عزلة الفقهاء عن المجتمع كما كان سابقًا، إذ سعى الدعاة الخمينيون إلى التوحد مع المسلمين (الشيعة والسنة كلاميًّا، والشيعة فعليًّا)، بينما شهد المجتمع زلزالًا خلخل بناءه تمامًا مع أجواء الحرب الأهلية والنزوح القسري، وتزايدت معدلات الهجرة للخارج والطلاق وقل الزواج والمواليد.
ويتحدث الفصل الحادي عشر عن اعتصام الحركة الخمينية في بداية الثمانينات بالحركة الشعبية التي أنشأها موسى الصدر، وتولوا مواقع مهمة داخل الحركة، وخلال هذه الفترة كانوا ينفذون الأجندة الإيرانية دون الإعلان عن أنفسهم بشكل مستقل، إذ كانت الحركة الصدرية واقي الخمينيين حال ضعفهم، وظلوا كذلك حتى قويت شوكتهم، وأصبح لهم مؤسساتهم المستقلة القوية وتفرعت مؤسساتهم لتشمل فئات المجتمع المختلفة بدعم من إيران.
ويتحدث الفصل الثاني عشر عن أزمة الحركة الخمينية في لبنان وقت الغزو الإسرائيلي عام 1982، وقدوم الحرس الثوري الإيراني إلى منطقة البقاع لدعمها، ومع ارتكاب مجازر في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين بجوار الأحياء الشيعية بدا خيار التسلح والعسكرة أكثر إلحاحًا مع توقع استهداف أحياء الشيعة في أي وقت.
وفي هذه الأثناء برز الخمينيون كتيار متشدد في مواجهة حركة أمل التي تمثل التيار الصدري، بعد أن اختارت الأخيرة اتخاذ مواقف سياسية غير حاسمة، وأخذوا في استنهاض الجماعة الدينية والسياسية في مواجهة التهديد عبر تنفيذ عمليات عسكرية عام 1983 مثل الهجوم على السفارة الأمريكية وتدميرها والهجوم على مقرين للقوات متعددة الجنسيات.
ويشرح الفصل الثالث عشر كيف أن الثورة الإيرانية جعلت الولاء لها هو الفيصل بين الإيمان والكفر، واختصرت مراتب العلم إلى مرتبة واحدة هي مرتبة مقلدي الخميني، وتم حشد الناس للذوبان في شخصه والانخراط في الحالة الجهادية بالتزامن مع إعلان نظام الثورة الإيرانية لبنان الشيعي أرضًا لها، وتابع قادة النظام الإيراني نمو تجربة حزب الله الذي اكتسب شرعيته في الداخل اللبناني من التصدي للاحتلال الإسرائيلي.
ويتحدث الفصل الرابع عشر عن تزامُن الغزو الإسرائيلي للبنان مع انتصارات إيرانية مهمة في الحرب مع العراق أفضت إلى استعادة الأراضي الإيرانية، إلا أن طهران أعلنت آنذاك أن الطريق إلى نصرة لبنان وتحرير القدس يمر عبر العراق الذي أصبح هو نفسه هدفًا بناء على كونه يمثل الحاجز الجغرافي الواجب إزالته.
ويتحدث الفصل الخامس عشر عن تجربة حزب الله الذي ضم في مجلس الشورى عضوين إيرانيين غامضين إلى جانب السبعة اللبنانيين، كما لم تكن وظيفة السفير الإيراني بعيدة عن وظيفة الحرس الثوري في رعاية الحزب الذي جمع بين نقيضين هما كونه منظمة أمنية سرية وكذلك حركة أهلية جماهيرية تتبعها حاضنة اجتماعية تعمل بوازع من التكليف الشرعي، وتم إعلان ولادة الحزب رسميًّا عام 1985 بعد 3 سنوات من بدء عمله، وشن حربًا على حركة أمل حتى انكفأت تاركة له الغلبة في ساحة المواجهة.
ويتحدث الفصل السادس عشر عن حرب تموز 2006، ودور الحزب فيها، ويحلل خطابه خلال الأزمة وسلوكه بعد انتهائها، في ظل انزواء وتراجع دور الدولة اللبنانية أمام هيمنة الحزب ونفوذه الطاغي.