5 أسس تخبرك أهمية تدريس علم الفلك للأطفال

في كونٍ لا نهائي، نحن صغار للغاية، وإذا افترضنا أن أحد الفضائيين يراقبنا من بعيد، فسنبدو له أصغر من حجم ذرة تقريبًا، لكن وعلى الرغم من ذلك، نمتلك عقولًا مكَّنتنا من معرفة من نحن، ما هذه الأشياء المتلألئة في السماء.

عرفنا القمر والكواكب والشهب، دورة الليل والنهار، المجرات القريبة والبعيدة، كوكبات النجوم وألمع نجوم الفصول، وغيرها من الظواهر والأحداث الفلكية التي ارتبطت بحياتنا. ربما من هنا بَدَا علم الفلك ذا أهمية كبرى، وذا أهمية كبرى للأطفال في مراحل حياتهم المبكرة بشكلٍ خاص. هنا نخبرك لماذا يبدو تدريس علم الفلك للأطفال مهمًّا، بناء على العديد من الدراسات والنتائج العلمية.

1. نافذة ساحرة على العلوم الأخرى

بشكل عام يرفع علم الفلك مستوى الوعي العام بالعلم، حيث يرتبط علم الفلك بفروع العلوم الأخرى مثل الفيزياء، الكيمياء، الجيولوجيا وكل العلوم تقريبًا. لكن كيف ذلك؟ حسنًا، الأمر بسيط.

الفيزياء

لطالما تساءل الناس عن حجم الأرض والكواكب، كم هي كبيرة وكم هي صغيرة؟ ولماذا هذا التغير في الأحجام؟ وهل يؤثر حجم الكوكب عليه بشكلٍ ما؟ كما تساءل الناس عن سر ثبوتنا على الأرض، ولماذا لا نطفو وتطفو الأشياء حولنا؟

هنا جاء دور الفيزياء، التي فسَّرت ما هي الأحجام، الأبعاد، الكتلة، السرعة، الموجات، والجاذبية، وغيرها من المفاهيم التي تشرح عمل الأجرام السماوية، وكيف نرصدها من الأرض. بالتالي عندما يبدأ الطفل في تعلم ما هو شكل الأرض، وكم تبعد الكواكب الأخرى عنا، يمكنه معرفة جزء كبير من علم الفيزياء، والرياضيات أيضًا.

وإذا أخذنا التلسكوبات على سبيل المثال، وحتى تسطيع اختيار التلسكوب المناسب، وكيفية عمله، وكيف يرصد النجوم والكواكب، يجب أن تكون على دراية بعمل العدسات والمرايا، وهذا بالطبع يأخذك إلى علم البصريات.

الكيمياء

أما عن الكيمياء، علم السحر كما يحب أن يسميه البعض، فيعتقد الكثيرون أنها تنحصر فقط داخل المعامل، وفي تفاعلات الأنابيب المخبرية فحسب، لكنها موجودة في مكانٍ أوسع بكثير.. في الفضاء، في تفاعلات النجوم الغازية عند ولادة نجم أو موته، في نجمنا الأعظم؛ الشمس. في تفاعلاتها الداخلية، حيث تصل درجة الحرارة إلى آلاف الدرجات المئوية بسبب التفاعلات النووية الداخلية.

فإذا قلنا لطفل ما إن الشمس يحدث فيها تفاعلات وإطلاق لأشعات مختلفة، فسيكون علينا أولًا شرح معنى تفاعلات، وبالتالي سيبدأ في فهم الكيمياء، وكيف تعمل في الفضاء؟

الجيولوجيا

أحد العلوم المهمة التي يجب أن يتعرف عليها الطفل، فهي تشرح مكونات الأرض والكواكب الأخرى، بل تميِّز الكواكب عن بعضها. فكوكب الأرض مثلًا مكون من الصخور والرمال، أما كوكب المشتري فهو عملاق غازي، أكبر كواكب النظام الشمسي. تخبرنا الجيولوجيا أيضًا عن ماضي الأرض وتاريخ نشأتها، والذي يرتبط بنشأة الكون. كيف بدأت الحياة فيها، وما مستقبلنا على الأرض.

هذه المعطيات والمعرفة الواسعة عن كوكب الأرض تفتح الباب أمام الأطفال لمعرفة أكبر عن الاستدامة والتنمية، ومخاطر التلوث، الاحتباس الحراري، وجميع المشاكل البيئية التي يمكن أن يسمعوا عنها. كما كان علم الفلك نافذة جديدة تطل على علم «الجيوفيزياء» مؤخرًا،بعد إرسال المسبار «Insight» في مهمة إلى المريخ لدراسة سطحه. في هذه المهمة لم تكن هناك عينات صخرية، بل بيانات أرضية حصل عليها المسبار باستخدام طرق المسح السيزمي (الزلزالي) «seismic investigation»، والجيوديسا (أحد فروع الرياضيات)، والنقل الحراري.

2. تطوير مهارات التفكير العلمي

في دراسة نشرت عام 2016 في دورية «early childhood education journal» تفيد بأن الهدف من تدريس علم الفلك للأطفال في مراحل عمرهم المبكرة؛ هو تأهيل عقولهم للعمل كفلكيين كبار. بمعنى، يمكن للطفل القيام بمهام متعددة مثل ملاحظة التغيرات التي تحدث حوله، والتنبؤ أو الاستنتاج بناء على المعطيات المتوفرة، وإجراء التجارب وتقديم العروض.

كما يؤثر تعلم الفلك على مهارات التفكير لدى الأطفال، فيستطيع الطفل التفكير بشكلٍ علمي لفهم كيف تجري الأمور حوله في العالم، وكيف يمكنه استغلال الأدوات حوله بشكلٍ صحيح في التفكير والإجابة على العديد من الأسئلة، وتفسير الأمور علميًّا. كما تفيد الدراسة أن من أهداف تدريس علوم الفلك للأطفال هو تشجيعهم على «تطوير طرق فعالة للتعلم من خلال الاستقصاء»، وفهم نقاط القوة والضعف في التحقيقات العلمية في مجال الفلك.

إذا تمكن الطفل من التفكير بشكل علمي سليم، يمكن أن يرفع ذلك مستوى المعرفة العلمية العامة لديه، كما سيرتفع مستوى التقدم العلمي في كل العلوم، وزيادة الوعي العلمي العام، خاصة في سنوات عمره المبكرة.

3. الحد من انتشار الخرافات

هي نقطة أكثر تفصيلًا للنقطة السابقة. فإذا تحدثنا عن طفل لديه المعرفة الكافية عن الشمس، النجوم، الأرض، القمر والكواكب، بالإضافة لمعرفة كيفية علمها، سيكون ذلك كفيلًا بالحد من انتشار الخرافات حولهم.

ومن أجل ذلك، أصبح علم الفلك جزءًا أساسيًّا من منهج العلوم في المدارس الابتدائية البريطانية. في هذه المرحلة المبكرة (من عام واحد إلى 11 عامًا)، يساعد هذا المنهج العلمي على استكشاف أفكار الأطفال عن الأجرام السماوية، والظواهر الفلكية، وكيف يرتبط هذا العلم بجميع جوانب حياتهم العملية والتكنولوجية. كما يساعدهم على معرفة أهمية التجارب الحسية اليومية، مثل مراقبة السماء ليلًا مباشرة، وأهمية التوعية الاجتماعية بهذه الظواهر، حيث يمكنهم معرفة مواعيد تغير فصول السنة، أو أطوار القمر.

في تجربة ميدانية في مرصد أوكلاند في العام 1998، طُلب من الأطفال مشاركة أفكارهم حول الشمس والقمر والأرض، وتعاقب الليل والنهار خلال اليوم. كانت النتائج خاطئة ومختلفة التفسير. على سبيل المثال رسم طفلان 8 مدارات حول الأرض، لكن الأرض تدور حول الشمس خلال النهار، وحول القمر خلال الليل. كما اقترح طفل واحد من بين 67 طفلًا أن تعاقب الليل والنهار يأتي نتيجة دوران الشمس حول الأرض.

هذا يعني أن هناك مفاهيم خاطئة منتشرة عن علم الفلك، وبأنماط مختلفة. يقع اللوم بالطبع على بعض المعلمين الذين لا يقدمون أفضل تعليم بأبسط الوسائل. وعلى المدى الطويل، إذا استمر الحال بهذا الشكل، فستكون هناك أجيال تفهم علم الفلك بشكلٍ خاطئ.

4. تنمية روح الابتكار والإبداع

إذا تعلم الطفل علم الفلك في سنٍّ مبكرة، وفهم كيف يتعاقب الليل والنهار كأبسط الأمثلة، سيكون حان الدور على تجسيد هذه المفاهيم أمامه. ستحل المجسمات كدليل ملموس وواضح، بدلًا من التخيُّل، لكن بالطبع يقع جزء كبير من المسئولية في صنع أو توفير هذه المجسمات على عاتق المعلم.

فيمكنه الاختيار بين إحضار الأدوات، وصنع مجسم للنظام الشمسي مثلًا برفقة الأطفال، أو إحضار مجسمات جاهزة، ثم يبدأ الشرح عليها. لكن المفضل دائمًا هو انخراط الطفل في عالمه الخاص، حيث يترك له تصميم مجسم للنظام الشمسي والكواكب، أو صنع رسم أشهر الكوكبات النجمية في أماكنها الصحيحة.

اقرأ أيضًا: 10 أنشطة تفاعلية تحبب طفلك في علم الفلك

5. إدراك العالم من حولنا

صحيح أن تدريس علم الفلك للأطفال يعمل على تطوير عقولهم ويمنحهم المزيد من المعرفة عن العلوم الأخرى كما شرحنا سابقًا، لكنه أيضًا يضيف لهم القدرة على التأمل وتقدير الأشياء، وتقدير جمالها ورهبتها. فعلم الفلك يشرح ما يجري في الأعلى، في المكان الذي يتجه إليه فضول البشر دائمًا. يشرح النجوم التي تتلألأ عندما ننظر إليها من سطح المنزل، لكننا بمجرد اقترابنا منها سنجدها مزيجًا من الغازات الخطيرة القاتلة.

وعندما يتأمل طفل صورة مثل هذه النقطة الزرقاء الباهتة، لن يفكر في شيء سوى أنه صغير للغاية، عالمه كله نقطة.. هذا بالضرورة لا يعني أنه شيء مُهمل، بل يعني أن هناك الكثير حوله ما زال لغزًا. الكثير قد يكون جيدًا أو سيئًا.

ولأن تدريس علم الفلك للأطفال بهذه الأهمية، يوجد ما يقرب من 1100 قبة سماوية في الولايات المتحدة الأمريكية، تخدم هذه القباب 30% من المدرارس فقط، و70% من العروض المدرسية والعروض العلمية العامة. كما تستقبل هذه القباب السماوية نحو 28 مليون زيارة سنويًّا. الخدمة الأخرى التي تقدمها هذه القباب هي محاكاة السماء حرفيًّا. فإذا تحدثنا عن مدن حضارية ملوثة ضوئيًّا، فقد تكون هذه القباب هي ملاذ أطفال المدينة الوحيد لرؤية السماء مظلمة، مليئة بالمعالم بصورة شبه حقيقية.

كما بدأ الفلكيون بإرسال بيانات حقيقية من الرحلات الفضائية إلى المعلمين والمتاحف من أجل إتاحتها للطلاب والجمهور، وإنشاء برامج تدريب متعددة تعمل على توفير صور حقيقية ملتقطة من رحلات فضاء متعددة أو تلسكوبات عملاقة لملاحظتها، ومحاولة فهم وتفسير هذه الصور. برامج التدريب هذه على سبيل المثال في الولايات المتحدة: برنامج «Hands-on Universe» الذي يرعاه «مختبر لورانس بيركلي الوطني»، وبرنامج «Hands-on Astrophysics» برعاية «الجمعية الأمريكية لمراقبي النجوم المتغيرة»، و «Telescopes in Education» برعاية ناسا.

أخيرًا، يحتاج عقل الطفل إلى مساحة كافية يمكنه فيها التنقل بحرية، والانطلاق بعيدًا، ولا يوجد أكثر من علم الفلك سحرًا ليقوم بتلك المهمة. كل ما عليك هو الاستعداد للرحلة مع طفلك، ومحاولة توفير الأدوات والأجواء المناسبة لذلك.