كأس العالم السياسية: 4 مباريات مونديالية كادت تغير العالم
مالڤيناس هو الاسم الذي يطلقه الأرجنتينيون على جزر فوكلاند. ربما تتضح الصورة لك الآن، النص أعلاه منسوب لـ«دييجو أرماندو مارادونا»، الذي يعد نُقطة من بحر تصريحات تحدث أصحابها عن تأثير مباراة إنجلترا والأرجنتين بربع نهائي كأس العالم 1986 في المكسيك على الروح المعنوية للشعب الأرجنتيني المتأثر بخسارة حرب الفوكلاند.
وعلى الرغم من استدراك مارادونا نفسه، وتأكيده على أن الفوز على فريق العجوز «تاتشر» لن يعيد الأطفال الذين لقوا حتفهم قبل 4 أعوام، لم يمنعه ذلك من استغلال المباراة للترويج إلى الفكرة نفسها، باعتباره بطلاً قومياً، وسلاحه هو قدرته على خداع الخصوم، لكن على أرض الملعب.
طوال تاريخ اللعبة، لطالما استُغلت بعض المباريات، للترويج لفكرة تبدو ساذجة، لكنها اكتسبت قيمة مع مرور الوقت، وهي قدرة مباريات كرة قدم على تغيير أقدار الشعوب، وتحقيق ما لم يستطع الساسة والعسكريون تحقيقه، فهل هذا صحيح؟ لنرى.
قميص موسوليني الأسود
في يونيو/حزيران 1938، وصلت بعثة منتخب إيطاليا إلى فرنسا، للمشاركة في كأس العالم، وسط سخطٍ فرنسي من جهة، ورغبة إيطالية في دحض الشبهات حول التلاعب بنتائج بطولة 1934 لصالحها من جهة أخرى.
في مايو/أيار من نفس العام، كان موسوليني يصرِّح علنًا بمساندته لانقلاب الجنرال «فرانكو» على الجمهوريين الإسبان بالحرب الأهلية الإسبانية، فيما كانت فرنسا -عدو الفاشية- التي كانت مقرًا للمنفيين من إيطاليا، تبحث عن طريقة لحفظ حدودها من أي تهديدٍ محتمل.
أثناء طريق التتويج بكأس العالم الثانية تواليًا، كان على الفريق الوطني الإيطالي مواجهة فرنسا في ربع النهائي، لتبدأ القصة.
بعد إجراء قرعة لتحديد لون زي كل فريق، تقرّر ارتداء الفرنسيين الزي الأزرق، فيما ظهر الإيطاليون بأطقُمٍ سوداء، بدلًا من البيضاء الاحتياطية، ويُعتقد أن القرار كان أمرًا مباشرًا من الدوتشي بنفسه.
في الواقع، كان الفارق الفني كبيرًا لصالح إيطاليا أمام فرنسا، التي لم تستطع جماهيرها سوى إطلاق صافرات الاستهجان أثناء تأدية اللاعبين التحية الفاشية قبل انطلاق المباراة، التي انتهت بفوز بثلاثية مقابل هدف واحد.
اعتقد موسوليني، أن كرة القدم عاملًا قد يجعل الأمة الإيطالية تتكاتف، لذا كان قد قرر أن يصبغ اللعبة بفرشاة الفاشية لغرضين رئيسين: الأول هو تشكيل شعور بالهوية الوطنية، والثاني هو تشكيل منتخبٍ وطنيٍ قادر على منافسة الأفضل بالعالم.
تطبيقًا لوجهة نظره الفاشية، كان على كُل مسؤولي كرة القدم الإيطالية خدمة النظرة الداروينية لموسوليني، التي تفترض بداهة علو شأن العرق الإيطالي، عن طريق ما عرف آنذاك بالتفوق أو الجدارة الرياضية.
المثير هو أنّ آلة البروباجندا الفاشية، التي صوّرت الانتصار في قلب فرنسا على أنّه انتصار للعرق الأفضل، لم تستطع حماية نفس العرق من السقوط بالحرب العالمية الثانية بعد أشهُرٍ معدودة.
الإخوة الأعداء
لأول مرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أوقعت القرعة ألمانيا الشرقية والغربية جنبًا إلى جنب في مجموعة واحدة بكأس العالم 1974، تلك المواجهة التي حملت بطيّاتها الضِّد في كُل شيء؛ الرأسمالية في مواجهة الشيوعية أو المحترفين في مواجهة الهواة.
على الورق، لم تكُن المباراة مهمة من الأساس؛ لأن كلا المنتخبين كان قد صعدا للدور المُقبل بغض النظر عن النتيجة. ومع ذلك، كانت المواجهة الأولى بين الطرفين اللذين يفصلهما جدار برلين في كأس العالم مشحونة لأسباب أيديولوجية.
اتخذت سلطات ألمانيا الغربية، مستضيف البطولة، جميع الترتيبات الأمنية قبل هذه المباراة، انتشرت قوات الشرطة المسلحة في كل مكان، وحلقت طائرة هيلكوبتر فوق ملعب «فولكسبورج» في مدينة هامبورج.
حين انتهت المباراة على عكس المتوقَّع، بهدف من توقيع متوسط ميدان فريق دريسدن، «يورجن سبارفاسر»، تحوَّلت السردية تمامًا، لتصبح رواية تؤرِّخ لانتصار الشيوعية على الرأسمالية.
لم تكن المفارقة الأكبر هي تحقيق ألمانيا الغربية للقب البطولة في النهاية، ما يعني بنفس المنطق الساذج، انتصار الرأسمالية في ألعالم النهاية، لكن في وصف اللاعبين لأجواء المباراة نفسها.
طبقا لـ«هانز يورغن كرايش»، مهاجم دينامو دريسدن وألمانيا الشرقية السابق، لُعبت المباراة في أجواء ودّية جدًا، حيث تبادل جميع اللاعبين القمصان بعد انتهاء المباراة؛ لأنهم في النهاية شعب واحد.
في الواقع، ربما كانت المباراة مهمة للاعبي المنتخب الألماني الشرقي فعلًا، لكن لأسباب لا علاقة لها بالنزاع السياسي القائم وقتئذٍ بين البلدين، بل لأن هواة ألمانيا الشرقية أرادوا فقط اختبار مهاراتهم أمام مجموعة من أفضل لاعبي كرة القدم على الإطلاق.
محبة بعد العداوة؟
وضعت قرعة كأس العالم قطر 2022 المنتخب الإيراني مجددًا أمام الولايات المتحدة الأمريكية، في إعادة للمباراة التي وصفت بـ«أم المباريات»، التي جمعت المنتخبين في كأس عام 1998 بفرنسا.
منذ اندلاع الثورة الإيرانية، التي نتج عنها فرار «محمد رضا بهلوي»، المدعوم من الولايات المتحدة، وتنصيب «آية الله الخميني» زعيمًا لإيران، بدأت المشاعر العادية لأمريكا في التنامي داخل طهران. بينما يعتقد أن الدعم الأمريكي للعراق في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران النقطة وصلت العلاقة الإيرانية الأمريكية لطريق مسدود.
طبقًا لوجهة النظر الإيرانية، كان صدَّام حسين مجرَّد مُنفذ لأفكار الولايات المتحدة، التي وصفها «الخميني» بأنّها الشيطان الأعظم، بعد أنّ تسبب هذا الدعم في دخولها لحرب استمرت لـ8 أعوام، وخسارة نحو 500 ألف من الأرواح. كان هذا هو السياق السياسي لمباراة كرة القدم التي لعبت في صيف 1998 في ليون الفرنسية.
وحتى يزداد الطين بلة، طبقًا لـ«مهرداد مسعودي»، المسؤول الإعلامي عن المباراة، اشترت منظمة إرهابية نحو 7000 تذكرة لحضور المباراة، وكانت تخطط لتنظيم احتجاج خلال المباراة.
كانت جماعة «مجاهدي خلق»، جماعة مقرها العراق، يعتقد أنّها مُمولة من صدام حسين، وكان هدفها الرئيسي زعزعة استقرار النظام الإيراني. بالتالي، كان على «الفيفا» أن يتخذ تدابير أمنية مكثفة، تجنبًا لاشتعال الأجواء خارج الملعب.
في الواقع، تمت السيطرة على الوضع خارج الملعب، أما داخله، فكان المشهد سيرياليًا؛ حين طلب رئيس الاتحاد الإيراني من أحد عمال غرف الملابس، شراء مجموعة من الزهور البيضاء، التي تعد رمزًا للسلام في إيران، والسبب هو رغبته في أن تُظهر إيران وجهها الأفضل للعالم.
بالفعل، دخل لاعبو الفريقين لأرض الملعب، وقاموا بأخذ صورة جماعية، قيل لاحقًا إنّها أنهت خلافاً دام لـ20 عامًا.
لكن الحقيقة، هي أن المباراة التي انتهت بفوز إيران على الولايات المتحدة بهدفين لهدف، لم تكن سوى حكاية أسطورية جديدة عن قدرة كرة القدم على توحيد الشعوب.
إن عُرف السبب بطل العجب
في كل القصص السابقة، وفي غيرها من القصص، بنى كل طرفٍ حبكته بطريقة تضمن أكبر قدرٍ من التعاطف مع القضية التي يساندها. فكان مارادونا بطلًا، وأكّد موسوليني وجهة النظر الفاشية، فيما انتصر سبارفاسر للمستضعفين، وانتهت أزمة دبلوماسية بباقة من الورود.
تخبرنا الكاتبة الأرجنتينية «مارسيلا مورا» بالحقيقة، وهي أنّ كرة القدم أحياناً تمتلك القوة السردية للرواية، إيقاع الشعر، واندفاع الأدرينالين، ولكنّها دائماً ما ظلّت تبحث عن التأثير خارج نطاقها؛ لأنّها تغري الجميع للبحث عن معانٍ سياسية، اقتصادية واجتماعية تتخطى كونها لعبة ترفيهية من الأساس.
لكن إذا ما تجرَّدنا قدر المستطاع، ربما نرى أنّ كرة القدم، ومع الاعتراف بتأثيرها على الوعي الجمعي لمتابعيها، لا يمكنها إشعال نزاعٍ، أو إنهاء آخر، لكنّها كما قال «دانييل باساريلا»، مدرِّب الأرجنتين الأسبق: