تعرف على الطرق الأربعة للخروج من متاهة صالح جمعة
أحد أكثر الألغاز انتشارًا على الإطلاق لغز المتاهة، مسارات متداخلة تبدو شديدة التعقيد من زاوية أفقية. يمسك أحدهم القلم دون أن يخط به ويتتبع أحد المسارات فإذا وجده لا يفضي إلى شيء يتتبع آخر حتى يصل لمسار الخروج، ولكن ماذا إذا لم تكن ترى المتاهة من أعلى؟ ماذا إذا كنت أنت حبيس تلك المتاهة، تسير في طرق ملتوية فتجد نفسك في نفس المكان مرة أخرى؟ فكل الأماكن في المتاهة تتشابه، يكمن الحل الوحيد هنا أن تمسك بأقرب ما تصل إليه يداك وتضع على جدران تلك المتاهة علامات، علامات لتوضح لك أنك مررت من هذا الطريق من قبل فلا داعي لكي تمر من هنا مرة أخرى ولتبحث عن طريق آخر للخروج.
«صالح جمعة» واحد من أهم المواهب في كرة القدم المصرية، لاعب قادر على أن يضع المهاجم في مواجهة المرمى بلمسة واحدة. قادر على رؤية الملعب بنصف عين، قادر على المراوغة والتحكم في الكرة والتمرير لأفضل الخيارات المتاحة لتكتمل الهجمة وسط إعجاب الجميع، إلا أن صالح حبيس متاهته الشخصية. فصالح الذي أتم عامه الرابع والعشرين قضى موسمين كاملين مع النادي الأهلي دون أن يحجز له مكانًا أساسيًا و يتكرر المشهد مرارًا.
فصالح يعتذر عن سوء مستواه للجميع و يقرر أن يبدأ من جديد ثم يشارك في بعض المباريات كبديل فيتألق ثم يسوء مستواه تدريجيًا أو يصاب فيبتعد عن المشاركة ثم يعتذر من جديد وهكذا. سنحاول أن نسير خلف صالح جمعة وسط جدران متاهته ونضع علامات مميزة للطرق التي سلكها صالح ولم ينتج عنها خروجه من هذه المتاهة خلال عامين لعلنا نجد طريقًا للخروج.
الطريق الأول: بديل «عبد الله السعيد»
ربما يرجع البعض عدم تألق صالح إلى توهج عبد الله السعيد والذي يعتمد عليه حسام البدري المدير الفني للأهلي عليه بصورة أساسية، وللأسف هذا ما يراه صالح نفسه، إلا أن تلك الفرضية غير منطقية بالمرة فموهبة صالح أكبر من تلك الفرضية. صالح جمعة يملك من الإمكانات ما تجعله يفرض نفسه ولو جزئيًا على تشكيل الأهلي، ربما لدقائق ليست كاملة وربما في مراكز غير التي يفضل صالح اللعب من خلالها، إلا أن اقتناع صالح نفسه أنه لن يجد الفرصة طالما يلعب عبد الله هو طريق مسدود تمامًا.
يؤكد ذلك أن صالح نفسه لم يكن بديلاً مثاليًا لعبد الله في حالات غيابه، فمع غياب عبد الله السعيد يجد الأهلي نفسه في مأزق حقيقي. حتى هيكتور كوبر لم يستدعِ صالح في قائمة المنتخب المصري كبديل لعبد الله السعيد في النسخة الماضية من كأس الأمم الأفريقية، مما يعني أن صالح لم يكن بالجاهزية الكاملة في حالات غياب عبد الله لكي يقنع الجميع بأنه بديل شرعي لقيادة وسط الأهلي والمنتخب.
وبافتراض أن السبب الحقيقي لتراجع صالح هو منافسة لاعب بحجم عبد الله السعيد، فمن المنطقي أن يؤدي ذلك إلى ضرورة تركيز صالح والتشبث بالفرص المتاحة لقوة المنافسة وهو ما لا يحدث إطلاقًا. فصالح إما غير جاهز بدنيًا وإما غير ملتزم بالتعليمات الفنية لتصبح المنافسة هنا مبررًا دائمًا لتردي المستوى.
الطريق الثاني: الدعم لا يستمر للأبد
إذا كنت من محبي متابعة مباريات فريقك المفضل من أرض الملعب فمن المؤكد أنك لاحظت كم الدعم والتأييد الذي يحصل عليه صالح جمعة من الجماهير، ففي مباريات الأهلي الأفريقية والتي سمح للجماهير بحضورها حصل صالح جمعة على النصيب الأكبر من تحية الجماهير ربما لم يشاركه لاعب في هذه التحية سوى عماد متعب، صالح جمعة الذي لم يلعب عشر مباريات متتالية مع الأهلي ينازع لاعبًا بحجم عماد متعب في تحية الجماهير.
الجماهير تعشق المهارات الاستثنائية في ظل قلة اللاعبين أصحاب تلك المهارات. كرة القدم لعبة تمارس من أجل إمتاع الجماهير؛ لذا فإن الجماهير تعشق من يمتعها، من يمنحها تلك النشوة التي من أجلها تركت منازلها وحضرت للملعب. صالح يمتلك دعم الجماهير والمحللين واللاعبين.
الارتكاز إلى دعم الجماهير طريق آخر لا يفضي إلى شيء في النهاية. فالجماهير وإن كانت تعشق المهارة إلا أنها تعشق انتصار فريقها أكثر من مهارة أي لاعب. عشرات من أصحاب المهارة لا يذكرهم أحد طالما أنهم لم يساهموا في انتصارات فرقهم، ربما ما زال يمتلك صالح جمعة دعم الجماهير ولكن هل بنفس الحجم في فترة قدومه للأهلي؟ وهل سيستمر ذلك للأبد؟ التجربة تقول لا.
الطريق الثالث: الوجه الآخر للاعب كرة القدم
«صالح جمعة»متحدثًا عن فيديو انتشر له يرقص مع إحدى الفتيات.
تكمن الأزمة في العلاقة بين اللاعب والجماهير أنها تفتقد للمنطق بعض الشيء. فاللاعب المحترف يتقاضى الكثير من الأموال والشهرة، الأمر الذي قد يتطور إلى تقديسه في بعض الأحيان، فقد يحيا لاعب كرة القدم حياة لا يحياها الملوك ولكنه في مقابل ذلك لا يمتلك حياة شخصية حقيقية. فلا يستطيع اللاعب حينئذ أن يفاجئ الجميع ويقول إن تلك هي حياتي الشخصية ولا علاقة لأحد بها وإني لن أقبل أي انتقاد إلا لأدائي في الملعب. لن يأبه أحد إلى ما يقول وسيظل تقييم اللاعب من قبل الجماهير من خلال الملعب وخارج الملعب، والأمثلة هنا كثيرة لا داعي لذكرها لكم من اللاعبين الذين انتهت حياتهم الكروية خارج الملعب قبل أن تنتهي داخله.
صالح جمعة بالطبع إنسان قبل أن يكون لاعبًا، له حياته الشخصية المليئة بالتفاصيل مثلنا تمامًا، ولكن يجب أن تقبل اللعبة بقواعدها كما هي ولا تبحث عن قواعد جديدة حتى وإن كانت منطقية. فأنت لست الأول ولن تكون الأخير، واعتبار أن ما يحدث من متابعة أخبارك وتداولها هي مؤامرة تحاك ضدك في الخفاء ما هو إلا طريق آخر سيؤدي إلى استهلاك الوقت والمجهود داخل المتاهة دون جدوى.
طريق الخروج: الصمت، الفعل، الثبات
تستطيع أن تتذكر عزيزي القارئ عشرات التصريحات والوعود والتبريرات لكل لاعبي كرة القدم أصحاب تجارب التميز غير المكتملة، ولن تتذكر تصريحًا واحدًا للاعب كبير في مواجهة الانتقادات، بل إن المتابع الجيد لكرة القدم يدرك سريعًا أن تكرار التصريحات دومًا يصاحبه نتائج فاشلة تمامًا، هكذا تعلمنا التجربة، الصمت في مواجهة الانتقادات الصحيح منها والخطأ هو الوسيلة المضمونة لعبور مرحلة انعدام الاستقرار. فالوعود تضع اللاعب تحت ضغط قد لا يتحمله، والتبرير لا مجال له بالحديث بل بالعمل.
بعد مرور أسبوع من اعتراف صالح جمعة الأخير بالتقصير، وهو ليس الاعتراف الأول بالمناسبة، تعرض اللاعب للغرامة لتغيبه عن مران المستبعدين. أول طريق فقدان ثقة الجماهير حتى وإن كانت داعمة فيما مضى هو ألا يتوافق ما تفعله مع ما تتحدث به. إن كنت لم تختر الصمت فعلى الأقل لا تعتبر أن هذا الحديث كأن لم يكن.
جماهير كرة القدم وخصوصًا جماهير الأندية الكبرى كالأهلي والزمالك تتابع كل شيء عن لاعبيها ولا تنسى؛ لذا فالمسار المنطقي لتسترجع دعم هذه الجماهير هو العمل بكل جهد حتى تستطيع أن تعود كما أحبوك وهو ما جربه صالح نفسه في فترة تقصير أولى بعد أن نُشرت له بعض الصور على مواقع التواصل الاجتماعي في التدريبات توضح انهماكه في التدريبات البدنية وانتشارها بين جماهير الأهلي التي استبشرت بعودة صالح القريبة.
الثبات هو الضلع الثالث في عودة صالح جمعة الممكنة إلى طريق الخروج من المتاهة التي وضع نفسه فيها دون جدوى. صالح جمعة يحتاج إلى جهد بدني مضاعف وثبات مستوى لفتره طويلة حتى يستطيع أن يكتسب ثقة المدير الفني للأهلي حسام البدري أولًا، وثقة هيكتور كوبر المدير الفني للمنتخب المصري بعد ذلك، خاصة أن كأس العالم يقترب دون وجود بديل مقنع لعبد الله السعيد، وصالح يستطيع أن يسطر لنفسه تاريخًا جديدًا في هذه المرحلة وهو الذي يملك إمكانات تفوق حتى أصحاب المراكز الأساسية في المنتخب في رأي الكثير من المحللين.