خلال السنوات القليلة الماضية، شكّل التعلم الإلكتروني طفرة ثورية في مجال التعليم حيث أصبح التعليم متاحًا للجميع في أي مكان وفي أي وقت دون القيود التي تفرضها أنظمة التعلم التقليدية، ومن خلال استخدام جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت، أصبح بإمكان الطلاب الوصول إلى المناهج التي تدرّسها أفضل الجامعات والمعاهد حول العالم والبدء في دراستها. وبالرغم من الثورية التي جلبتها أنظمة التعلم الإلكتروني إلى عملية التعليم إلا أنها لا تكتفي بما حققته من إنجازات، بل يتطور الأمر يومًا بعد يوم حتى أصبح هناك العديد من التقنيات التي يرى العديد من خبراء التعليم أنها ستشكل بلا شك مستقبل نظام التعلم الإلكتروني، والتي نستعرضها في هذا التقرير.


الواقع الافتراضي

المقصود بالواقع الافتراضي هو تصميم وخلق عالم افتراضي بالكامل مُصصم بعناية بحيث يسمح للمستخدمين بالتفاعل مع هذا الواقع بشكلٍ لا يُمكّنهم من التمييز بين ما هو حقيقي وما هو افتراضي، عن طريقة مجموعة من الأدوات مثل النظارات المتخصصة أو الشاشات الذكية. بدأ استخدام الواقع الافتراضي يتزايد بشكلٍ ملحوظ منذ عام 2012،حيث استطاعت الشركات الناشئة في مجال الواقع الافتراضي جمع أكثر من 1.46 مليار دولار كتمويل لمشروعاتها، ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الواقع الافتراضي إلى 15.9 مليار دولار بحلول عام 2019.يُستخدم الواقع الافتراضي في مجالاتٍ متعددة من بينها مجال التعليم على الأخص مع بدء العديد من الشركات في اقتحام هذا المجال مثل جوجل، فيسبوك، وسامسونج، وتقديم تجارب تعليمية ممتعة إلى الطلاب من خلال تطبيقات وأدوات متعددة في العديد من المجالات مثل الطب، البيولوجي، الفلك، الهندسة، التشريح، الجيولوجيا، الكيمياء، وعلوم البيئة. إحدى التجارب الرائدة في هذا المجال هو برنامج «Google Expeditions» الذي تقوم جوجل من خلاله بتوفير تجربة الرحلات الافتراضية لطلاب المدارس حول العالم إلى أي مكان. تشبه الرحلات الافتراضية الرحلات الميدانية إلى حدٍ كبير حيث يكتسب الطلاب من خلالها المعرفة والخبرة، بالإضافة إلى التعرف على معالم المدن والأماكن التي يقومون بزيارتها مثل سطح القمر، برج خليفة، أو حتى أهرامات مصر.

مع انتشار أدوات الواقع الافتراضي وتعدد مجالات الشركات وزيادة التمويل، بالتأكيد ستتحول المناهج وطرق التدريس بشكلٍ تلقائي حتى تناسب هذه التكنولوجيا التي بالتأكيد يزداد عدد مستخدميها بشكلٍ ملحوظ يومًا بعد يوم نتيجة مدى تفاعلها وإنتاجيتها وكفاءتها.


الواقع المعزز

تخيّل أن تقوم بتوجيه هاتفك الذكي ناحية الكتاب فتتحول الرسومات والكلمات إلى أشكال تفاعلية ثلاثية الأبعاد، هذا هو بالفعل ما تقوم به تكنولوجيا الواقع المعزز حيث يقصد بها إضافة بعض العناصر إلى الواقع وعرضها في صورة تفاعلية ثلاثية الأبعاد باستخدام أدوات مساعدة مثل أجهزة الموبايل. بالرغم من تشابه الواقع المعزز مع الواقع الافتراضي إلا أن الواقع المعزز يمتلك الصدارة ويستحوذ على حجم السوق بشكلٍ ملحوظ، حيث تشيربعض ا لتقارير إلى أن حجم سوق تكنولوجيا الواقع المعزز ستصل إلى 83 مليار دولار بحلول عام 2021 مقارنة بحجم سوق يعادل 25 مليار دولار لصالح الواقع الافتراضي. تظهر العديد من تطبيقات تكنولوجيا الواقع المعزز في مجال التعليم في الوطن العربي، على الأخص في الكتب التي يتم تصميمها بتلك التكنولوجيا، حيث يقوم الطلاب بتوجيه هواتفهم الذكية على الصور والرسومات بالكتب فتظهر تلك الصور في أشكال تفاعلية ثلاثية الأبعاد على شاشة الهاتف. كذلك تنتشر التطبيقات المعتمدة على هذه التكنولوجيا في العديد من مجالات التعلم من بينها مجال الفضاء مثل تطبيق google sky map الذي باستخدامه يمكن توجيه الهاتف ناحية السماء والبدء في مشاهدة أشكال وأسماء ومعلومات جميع النجوم والأبراج الفلكية في السماء. تغزو تطبيقات الواقع المعزز العديد من مجالات التعليم مثل تصميم الكتب التفاعلية، المساقات الإلكترونية، والبرامج التدريبية والتعليمية مما يجعلها محل اهتمام العديد من مطوري التعليم حول العالم، وبالتأكيد أحد أهم التوجهات التي ستشكل مستقبل التعليم خلال السنوات القليلة القادمة.


التلعيب

ينظر الطلاب إلى المدارس والتعليم بشكلٍ عام على أنه عمل شاق يخلو من المرح، في حين تحاول بعض المدارس والمؤسسات تغيير مفهوم التعليم من خلال إضافة بعض عناصر التفاعل والمرح حتى يستبدل الطلاب مشاعر الجهد والعمل والضيق بمشاعر اللعب والفرحة. هذا هو ما تحاول نظم التلعيب فعله من خلال محاولة دمج التعليم بالألعاب عن طريق تصميم مناهج تعليمية تفاعلية تعتمد في محتواها وطرق عرضها على الألعاب سواءً في بنية المناهج ذاتها أو من خلال طرق العرض. مؤخرًا بدأت العديد من المؤسسات في الاتجاه إلى استخدام مبادئ التلعيب في التعليم حتى يصبح التعليم أكثر تفاعلًا وتحفيزًا للطلاب على الأخص في عمليات التعلم الإلكتروني التي تعتمد على هذا النوع بشكلٍ كبير.أحد أشهر الأمثلة التعليمية على استخدام التلعيب في التعليم هو تطبيق دولينجو الذي يمكن من خلاله أن يتعلم الأشخاص اللغات عن طريق مجموعة من الألعاب التفاعلية التي تساعد المتعلمين في اكتساب المهارات اللغوية بشتى أنواعها. أيضًا تعتمد أكاديمية خان على مبادئ التلعيب في المناهج التي تقوم بعرضها، حيث يقوم الطلاب بالتعامل مع المحتوى على أنه لعبة عبارة عن مستويات، كلما قاموا بمذاكرة وتجاوز مستوى كلما حصلوا على جوائز وهدايا تتمثل في الإشارات والصور الافتراضية التي تزين حسابهم عبر الموقع.أيضًا يتم استخدام هذه المبادئ في تعليم الأطفال مهارات البرمجة من خلال مبادرة «ساعة من البرمجة» التي تتعاون فيها جميع المؤسسات والشركات التكنولوجية حول العالم لتعليم الأطفال البرمجة باستخدام ألعاب بسيطة لمدة ساعة واحدة، وأيضًا برنامج «سكراتش» الذي يقوم بتدريس البرمجة بنفس الطريقة.

https://www.youtube.com/watch?v=WyzJ2Qq9Abs&feature=youtu.be

في عام 2015 وصل حجم سوق التلعيب إلى 1.65 مليار دولار، في حين تشير التوقعات إلى تجاوز حجم السوق مبلغ 11.1 مليار دولا في عام 2020، وهو ما يجعل هذا المجال واعدًا ومساهمًا بشكل أساسي في تشكيل ملامح مستقبل التعليم باستخدام مبادئه.


الهواتف التعليمية

يشير تقرير اتجاهات الإنترنت لعام 2015 إلى أن الشخص البالغ يقضي في المتوسط 5.6 ساعة يوميًا على الإنترنت، منها 2.8 ساعة عن طريق الهاتف؛ مما يشير إلى ارتفاع ملحوظ في استخدام الهاتف مقارنة بعام 2010 الذي وصل فيه متوسط قضاء الوقت على الإنترنت عبر الهاتف 0.4 ساعة. يستخدم الجميع الآن الهواتف الذكية في العديد من أمور الحياة مثل التواصل، الترفيه، الاطلاع والمعرفة، وكذلك التعليم. حيث تقوم معظم المؤسسات بتوفير خدماتها التعليمية عن طريق تطبيقات يمكن استخدامها عبر الهاتف المحمول مثل تطبيق كورسيرا، وإيدكس، ويوديمي، وغيرهم. الأمر لا يقتصر على التعليم فقط، بل يشمل تطوير المهارات الوظيفية، حيث تشير بعض التقارير إلى أن 70 % من الموظفين يستخدمون هواتفهم الذكية للتعلم، و 52 % يستخدمون التابلت للغرض ذاته بهدف تطوير مهاراتهم، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق في هذه الصناعة إلى 70 مليار دولار بحلول عام 2020.لا يُقصد بالهواتف التعليمية إنشاء هواتف مخصصة لغرض التعلم فقط، بل يُقصد بها تصميم وإنشاء مناهج وأدوات تعليمية مناسبة للهواتف الذكية حتى يصبح بإمكان الجميع استخدامها في أي وقت؛ مثل تطبيقات مواقع الكورسات الأونلاين، وتطبيقات تعلم اللغات. ومع تزايد أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة، وزيادة التكنولوجيا المستخدمة بها فضلًا عن زيادة حجم السوق بشكلٍ مطرد، فمن المتوقع أن تستحوذ الهواتف التعليمية على جزءٍ كبير من مستقبل التعلم نظرًا لارتباط المتعلمين بهواتفهم طوال الوقت.


بالتأكيد لا تقتصر التقنيات الحديثة على هذه الأربع فقط، بل يحاول العديد من المؤثرين في مجال التعليم والشباب ورواد الأعمال ابتكار تقنيات حديثة وثورية تساعد في جعل التعليم أكثر إمتاعًا وتحفيزًا للطلاب، وهو ما سنشهده خلال الأعوام القليلة القادمة في ظل تطور صناعة التعليم وتشجيع رواد الأعمال على إطلاق مشاريعهم التعليمية.
المراجع