الثالث من يوليو .. عامان من البحث عن الشرعية الإقليمية والدولية
د. نادية مصطفى
الخارج الإقليمي والعالمي محدد رئيس لمصير الثورات العربية والثورات المضادة عليها، وكان الخارج بمثابة الحاضر الغائب عند اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير، يراقب عن قرب، يدير من وراء الكواليس، يحدد الحسابات والتوازنات، كل ذلك وهو يدعي عدم التدخل في الشئون الداخلية. ولكن اضطر الغرب إلى التخلي عن “مبارك الحليف الاستراتيجي” بذريعة احترام اختيار الشعوب ومساندة الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وفي نفس الوقت لم تكن الثورات العربية الوليدة قادرة على التحاضن والاستقواء ببعضها. وفي المقابل تحاضن الخارج الإقليمي والعالمي مع رفات النظم المتهاوية لتنهض من جديد. وتعددت المؤشرات في الحالة المصرية سواء في مرحلة حكم المجلس العسكري أو رئاسة د.محمد مرسي: ومنها على سبيل المثال الطريقة التي أتم بها المجلس العسكري تسوية أزمتي العلاقات مع السعودية وأزمة منظمات المجتمع المدني العالمية، وكيف تم اختبار رئاسة د.مرسي والضغط عليها بمنع المعونات الخليجية والأوروبية وبالعدوان على غزة…
ولم ينكشف بجلاء الوجه الحقيقي لعداء قوى خارجية للثورة وتحفيز ودعم قوى الثورة المضادة، إلا منذ وقوع الانقلاب في 3/7.
وإذا كان الإطار الإقليمي العربي في مجموعه – وخاصة الخليجي – كان غير حاضن للثورة وغير مرحِّب بها منذ البداية إلا أنه كشف عن عدائه السافر منذ 3/7، بل وعن مساندته الكاملة لنظام انقلابي على الثورة والشرعية. وعلى العكس ظلت القوى الغربية تناور وتستخدم كل الأوراق الضاغطة على نظام 3/7 لضمان حماية المصالح الغربية أكثر من حرصها على استعادة الديموقراطية وحماية الحريات، فهي وإن لم تعاقب نظام 3/7 على انتهاكه الحريات والديموقراطية إلا أنها لم تحسم أبدًا إدانته -كانقلاب ضد شرعية دستورية- ولم ترفضه صراحة وعلانية.
وكان لكل من العام الأول منذ الانقلاب ثم العام الأول بعد تنصيب السيسي دلالته بالنسبة للقيود أو الفرص التي توفرها كل من البيئة الإقليمية والدولية لنظام 3/7([1]). ففي ظل انتقالها من حالة “الثورات” إلى “الثورات المضادة” التي عنوانها “الحرب على الإرهاب”، إلى حالة حروب طائفية عربية-عربية غير مسبوقة، فإن التحالف الانقلابي الخارجي كان متأرجحًا ومعقدًا ولم يكن هذا التحالف الانقلابي الخارجي المعادي للثورات وللتغيير في المنطقة برمتها قويًا منذ البداية لدرجة إكساب نظام 3/7 شرعية كاملة وسريعة هذا من ناحية، ومع الذكرى الأولى لتنصيب السياسي -من ناحية أخرى- تبين أن ما يفرضه هذا التحالف من قيود على السيسي أضحى يفوق ما كان يحمله من فرص له.
(1)
عام أول: تمرير الانقلاب وخذلان مقاومته وتعثر شرعنته
كانت المناورة الغربية شديده الوضوح خلال العام الأول من الانقلاب، في نفس الوقت الذي كان الدعم الخليجي له على أشده، لدرجة أصابت التحالف الأمريكي-السعودي بتوتر شديد. كما ثار التساؤل عن مصير التحالف الأمريكي-التركي. فلقد ثار الاعتقاد في حينه أن الولايات المتحدة لا تساند نظام السيسي بقدر ما تسانده السعودية. والحقيقة أن الانقلاب تم برعايتها منذ البداية، والخلاف لم يكن حول “سرقة الثورة المصرية”، ولكن كيفية اقتسام نتائجها والأنصبة من الغنيمة.
ولم تخفِ أساليب المناورة الغربية الفجة حقيقة اتفاق الغرب مع الانقلاب وعداء الخليج للثورة.
ولذا فإن نظام 3/7 لم يستطع أن يُخفي أن التحالف الانقلابي الخارجي الذي يسانده هو تحالف خليجي–أمريكي-إسرائيلي بجدارة. وتلعب الأردن والسودان والجزائر أدوارًا ثانوية في نطاقه.
ومن ناحية أخرى: لم تؤت جهود السيسي لتوسيع نطاق تحالفه الخارجي نحو روسيا والصين ثمارها المرجوة سريعًا؛ لما تحمله من تناقضات مع الهرولة نحو اعتراف الغرب به. في نفس الوقت الذي تدور فيه حرب باردة جديدة بين روسيا الصاعدة وبين الغرب الوربي والأمريكي على خلفية ملفات أخرى.
ولهذا فإن نظام 3/7 وأن استمر حتى تنصيب السيسي دون تمكين ودون شرعية كاملة، فإن ذلك يرجع للآتي:
من ناحية أولى: المقاومة ضده أولاً وقبل أي شيء. وكانت مقاومة سلمية واسعة النطاق متعددة الأبعاد، فلقد بينت المظاهرات الحاشدة والمنتشرة حجم وقوة المقاومة؛ وهو الأمر الذي واجهه الانقلاب بإجراءات قمعية، ومعها قوانين للتجريم استند إليها لتجميل وجهه القمعي بغطاء قانوني، كان لها تأثيرها التدريجي في تضييق نطاق الحشد الاحتجاجي وانتشاره ولكنه لم ينقطع.
ومن ناحية ثانية: استمر الانقلاب بفعل قبلات الحياة المالية والسياسية التي قدمها الخليج ووعدت الولايات المتحدة بتقديمها، ولكن بشروط لابد من استيفائها؛ وهي إثبات استمرار المؤسسة العسكرية كحليف استراتيجي للمصالح الأمريكية في المنطقة ولحماية أمن أسرائيل.
ومن ناحية ثالثة: الجهود اللاهثة لاستجداء الشرعنة من الخارج سواء للانقلاب أو للسيسي رئيسًا لمصر، وهي الجهود والتي استنزفت طاقة السياسة الخارجية المصرية.
وكانت أذرع 3/7 قد اعتقدت أن نظامها الانقلابي -وبعد أن اختلق بطرق غير ديموقراطية دستور 2014- سيدعم شرعيته بتنصيب السيسي.
بعبارة أخرى: إن السيسي عند تنصيبه كان يعتقد أنه قد أعد نفسه داخليًا ليقوم بالدور الذي رسمه لنفسه في الخارج لينتزع الشرعية انتزاعًا: تصفية الإخوان والحركات السياسية الإسلامية أمنيًا وسياسيًا وفكريًا، وقيادة الحرب على الإرهاب؛ أي إرهاب “القوى الثورية الإسلامية”؛ سواء السلمية أو التي حملت السلاح. وكانت عنجهية السيسي المعلنة قبل مسرحية الانتخابية الرئاسية، عن “دور مصري لحماية الأمن القومي والعربي” (مسافة السكة) وعن استقلال هذا الدور، قد وصلت إلى ذروتها عند تنصيبه. وكانت هذه العنجهية وسيلته لانتزاع الشرعنة من الخارج، أو هكذا اعتقد.
وفي نفس الوقت الذي تم فيه تنصيب السيسي كانت محصلة عام من سياسة الانقلاب الخارجية قد اتضحت (الشرعنة للنظام من خلال “الحرب على الإرهاب”)، كما اتضحت ملامح جديدة في البيئة الإقليمية والعالمية. بعبارة أخرى: كانت الثورات والثورات المضادة إقليميًا من ناحية، والتدخلات الخارجية ضد التغيير من ناحية أخرى، تدخل مرحلة جديدة بعد عام من الانقلاب وتداعياته على المنطقة حملت من التعقيدات والتناقضات لنظام 3/7 أكثر مما حملت من فرص.
(2)
عام ثان: تناقضات بيئة التحالف والدور الإقليمي الضائع
رغم أن السيسي وأذرعه الانقلابية اجتهدوا خلال العام الأول من الانقلاب لتضخيم أثر المساندة الخليجية، وغض الطرف عن التهديد الإيراني، مع تصعيد شديد ضد تركيا، والمزايدة الممجوجة عن مقاومة نظام 3/7 “المؤامرة الأمريكية لتقسيم مصر والمنطقة”، إلا أن العام الأول بعد تنصيب السيسي كان كاشفًا عن مدى هشاشة التحالف الخارجي الانقلابي وتصدعه، بل لقد تأكد تحجيم هذا التحالف وتقييده لدور السيسي الإقليمي المزعوم؛ وهو الدور الذي أراد أن يثبت به أن انقلابه كان إنقاذًا للمنطقة، فإذا به يتأكد العكس.
وإذا كان السيسي قد راهن على أن ينساق التحالف الخارجي معه في إدانة الإخوان (وكذلك كافة الحركات الثورية العربية المسلحة) بالإرهاب، فذلك لأنه أراد أن يحسم الصراع مع الخصوم السياسيين المصريين حسمًا خارجيًا (إقليميًا وعالميًا)؛ حيث يتعذر عليه بمفرده حسمه داخليًا، وذلك رغم إصدار دستور 2014، ورغم قفزه على الرئاسة، ورغم تضافر كل أجهزته القمعية ضد قوى ثورة 25/1 برمتها وليس ضد الإخوان فقط.
إلا أن التحالف الانقلابي الخارجي لم يحقق طموحات السيسي بالشرعنة من الخارج، بل أضحى يمثل قيدًا عليه. فلقد انقلبت البيئة الإقليمية على مخططات السيسي منذ تنصيبه رئيسًا وتصدع تحالفه الخارجي كما تصدع تحالفه الانقلابي الداخلي؛ وذلك بفعل عوامل في بنية النظام الإقليمي وطوفان تفاعلاته وتدافعاته بين الثورات والثورات المضادة وقوى الداخل الشعبية وقوى الخارج الرسمية، وتدافع الإرادات والمصالح، والإمكانات والمعوقات، والاستراتيجيات والأدوات. لقد آلت حركة المنظومة إلى ما يشبه حرب الجميع ضد الجميع، وأسقط في يد معظم القوى الإقليمية لاسيما المساندة للانقلاب، فضلا عن نظام 3/7 نفسه.
وانطلق التصدع من حدثين أساسيين:
الحدث الأول حدث سياسي مزدوج أي له وجهان. وجهه الأول تزامن مع تنصيب السيسي ذاته، وهو استيلاء داعش على الموصل ثم صعود دورها في العراق وسوريا ثم ليبيا ومصر، وتشكل التحالف الدولي ضد داعش وموقف مصر المتحفظ من المشاركة فيه. وهو التحالف الذي لم يستطع أن يوقف تقدم داعش وتحديها لجميع القوى الرسمية والمعارضة سواء في سوريا أو العراق (ثم في ليبيا ومصر) وعلى نحو فرض التساؤل: لصالح من تلعب داعش؟ ومن تهدد؟ وهل فشل التحالف في مقاومتها فعلاً أم تؤدي داعش وظائف على الأرض خدمة للثورات المضادة وحلفائها الخارجيين؟ … أما الوجه الثاني لهذا الحدث السياسي فهو صعود الثورات المضادة في اليمن وليبيا تدريجيًا حتى استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، وتصاعد المواجهة العسكرية بين فجر ليبيا وبين ميليشات الكرامة بقيادة حفتر وكذلك المواجهة السياسية بين برلمان طبرق والمؤتمر الوطني العام في طرابلس.
والحدث الثاني: حدث إلهي؛ وهو وفاة الملك عبد الله -الراعي الأول للانقلاب – والذي حدد هذه الرعاية بناء على حسابات لا تأخذ في اعتبارها إلا “حماية النظم الخليجية من موجة الثورات” مهما كانت العواقب الإقليمية أو الداخلية. وجاء صعود داعش في العراق -من ناحية- ثم استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن بالقوة العسكرية من ناحية أخرى، واستمرار نظام الأسد في قمع شعبه من ناحية ثالثة، ليظهر حجم التناقضات التي وقعت فيها السياسة السعودية مع الملك عبد الله. فلقد وقعت بين مطرقة داعش التكفيريين السنة، وسندان الشيعة الانقلابيين في اليمن، ناهيك عن مشروع شيعة العراق وسوريا المتحالفين مع إيران وحزب الله.
وفي حين كانت تتراكم خلال الأشهر الأخيرة من حكم الملك عبد الله عواقب المواقف السعودية التي اكتفت بمراقبة الحوثيين عن بُعد، والموافقة على تقييد تقدم الفصائل السورية المسلحة الثائرة ضد نظام بشار تحت ضغوط التحالف الدولي ضد داعش، كانت سياسة السيسي تفصح عن بداية إرهاصات التناقض مع السياسة السعودية وسياسة الولايات المتحدة تجاه العراق وسوريا واليمن وليبيا. وذلك في وقت تصاعد السؤال: لمن تلعب داعش؟ وضد من؟
فمن ناحية أولى: بدأت إرهاصات مساندة نظام السيسي لنظام بشار بالتنسيق مع روسيا والسكوت على تقدم الحوثيين في اليمن طالما يتم الأمران على حساب الثورات الشعبية والحركات السياسية الإسلامية (الإخوانية وغيرها)، سواء في اليمن أو سوريا.
ومن ناحية ثانية: تحفظت مصر بصراحة على المشاركة الفعالة في التحالف الدولي ضد داعش، واشترطت لاكتمال هذه المشاركة أن تكون الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب استراتيجية شاملة تمتد إلى كافة الحركات الإرهابية وليس داعش فقط، ولم تتوقف أعمال التحالف الدولي ضد داعش على مشاركة مصر من عدمها، وتم التحالف بدون مشاركة مصرية إلا على نحو متأخر وفي شكل تقديم مساعدات لحكومة العراق.
ولقد استمر السيسي –عبر العامين الماضيين- يستحث الأمريكيين والأوروبيين على دعم مصر في حربها ضد الإرهاب سواء بفك القيود على المساعدة العسكرية الأمريكية المفروضة منذ الانقلاب أو سياسيًا بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. ولقد بذلت الدبلوماسية المصرية والأذرع الانقلابية المختلفة حملات مكثفة من أجل إدانة الإخوان عالميًا بوضعها على القوائم الدولية للتنظيمات الإرهابية. وهو الأمر الذي لم يتحقق عربيًا (باستثناء السعودية والإمارات وعلى نحو شكلي)، كما لم يتحقق عالميًا؛ وهو الأمر الذي جسد ملمح من ملامح تصدع التحالف الخارجي وراء السيسي وخاصة في ظل تكرار التحفظات الرسمية الغربية على السياسات القمعية لنظام السيسي ضد الحريات والحقوق في مصر؛ مما دفع الأذرع الانقلابية الإعلامية إلى استمرار اتهام “الغرب” بالتآمر مع الإخوان ضد أمن ووحدة مصر من ناحية، واعتبار فك القيود –تدريجيًا- عن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر انتصارًا لثورة 30/6 ونجاحًا للدبلوماسية المصرية في “شرح حقيقة الأوضاع في مصر منذ حينها” من ناحية أخرى، والواقع أنه لم تكن هذه العودة التدريجية للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر إلا محصلة لضغوط اللوبي الصهيوني الأمريكي على الإدارة الأمريكية والكونجرس، كما كانت بالطبع محصلة لحسابات المصالح الاستراتيجية على حساب المبادئ.
ومن ناحية ثالثة: أخذت سياسة السيسي المبادرة الهجومية تجاه ليبيا. فمنذ مايو 2014 مع صعود حفتر وظهور الصراع بين برلمان طبرق وقوات حفتر وبين المؤتمر الوطني وفجر ليبيا في طرابلس، أفصحت مصر عن مساندتها برلمان طبرق وحفتر باعتباره السلطة الشرعية في مواجهة الفريق الآخر، باعتبارهم إرهابيين، وتزايد إعلانها وتحركاتها عن هذه المساندة بطرق متعددة عسكريًا ودبلوماسيًا وإعلاميًّا.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا أدانتا في البداية -بقوة وعلنية- عملية عسكرية مصرية إماراتية سرية في شرق ليبيا، فإن السعودية –وعلى عكس الإمارات- تحفظت على التدخل المصري المباشر. ورغم تزايد التحركات المصرية العلنية لمساندة حفتر وحكومة طبرق دعمًا للحل العسكري، فلقد كانت جلسة مجلس الأمن الخاصة بالوضع في ليبيا (17/2/2015) صفعة للدبلوماسية المصرية التي دعت إلى تدخل عسكري دولي ضد الإرهاب في ليبيا؛ حيث اعتبرت هذه الدبلوماسية أن حكومة طرابلس وقواتها المسلحة ليست إلا إرهابًا يقتضي التدخل الدولي العسكري، كما يقتضي تسليح حكومة طبرق ورفع حظر السلاح عليها لتتمكن من مواجهة الإرهاب. ومع ذلك، فقد رفض مجلس الأمن هذه المواقف وأكد على أهمية الحل السياسي التفاوضي بين الطرفين المتصارعين ورفض التدخل العسكري من أطراف إقليمية. كما أن الدبلوماسية الفرنسية تراجعت عن مساندتها لهذا الموقف المصري. فبعد أن أعلن رئيس فرنسا “أولاند” خلال توقيع صفقة الطائرات الفرنسية مع مصر، عن الموافقة على دعوة مصر لتدخل دولي، تراجع هذا الموقف الفرنسي خلال جلسة مجلس الأمن وبعدها. فلقد كان السيسي يشتري مساندة فرنسا بتوقيع صفقة سلاح غامضة من حيث مصادر تمويلها وتوقيت تسليمها، كما أراد شراء مساندة ألمانيا بصفقة “سيمينس”؛ ذلك لأنه يعرف لغة أسياده…! بيع المبادئ من أجل المصالح.
بعبارة أخرى -وللمرة الثالثة عبر العام الأول من تنصيب السيسي- يتضح كيف أن التحالف الانقلابي الخارجي الذي دعم الانقلاب ليستمر في إجهاض ثورة 25/1 لا يقبل تصورات قائد الانقلاب عن الحرب على الإرهاب، وهو الدور الساعي إلى الشرعنة من الخارج دعمًا للشرعنة في الداخل، وذلك عن طريق تحويل كل الثورات إلى حرب على الإرهاب، وحتى لو وصل الأمر إلى حروب طائفية.
ومن ناحية رابعة: وبعد أقل من شهر من تنصيب السيسي جاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة خلال شهر رمضان. وكان اختبارًا جادًا وصريحًا لحقيقة الانقلاب وموقفه من المقاومة وحماس وتحالفه العضوي مع إسرائيل حمايةً لأمنها. فإلى جانب عدم النصرة بأي طريقة في مواجهة العدوان، استمر الحصار المصري لغزة بل الهجوم على حماس سياسيًّا وإعلاميًّا بضراوة، وتصاعد انطلاقًا من استراتيجية الأرض المحروقة في سيناء التي يتبناها الجيش المصري تحت راية محاربة الإرهاب.
ومن ناحية خامسة: ورغم أن البعد الثقافي الديني في حرب التحالف الدولي ضد داعش لم يقفز إلى الصدارة في اهتمامات الغرب مثلما قفز بعد 11/9/2001 أي خلال الحرب الأمريكية على الإرهاب. ولكن ظل هذا البعد هو الحاضر الغائب يطل برأسه على استحياء لأن القناع قد سقط عن الوجه الحقيقي للاهتمام بهذا البعد. حيث كان يتم توظيفه سياسيًا من قبل في خدمة القوة العسكرية الأمريكية وليس في خدمة السلام المجتمعي والأهلي لبلداننا أو لخدمة السلام العالمي. ورغم تراجع مبادرات الحوارات الدينية والثقافية أمام وطأة الحروب الطائفية واستحكام القوة العسكرية، فلقد ارتفع صوت السيسي مطالبًا بثورة دينية وليس مجرد تجديد خطاب ديني لمواجهة التطرف. وهو بهذا يستكمل توظيف الدين في السياسة بفجاجة تفوق توظيف رؤساء مصر السابقين، بل لقد أعطت دعوته الضوء الأخضر لمعارك العلمانيين الفجة ليس ضد التيار الإسلامي السياسي فقط ولكن ضد المؤسسات الإسلامية الرسمية المصرية، التي طالب جون كيري، عند تدشينه التحالف ضد داعش في سبتمبر 2015، مصر بالعمل من خلالها لمواجهة التطرف(!!).
وعلى هذا النحو -وعبر العام الأول من تنصيب السيسي- اندلعت معارك “العلمانية” ضد تراث الإسلام ومؤسساته برمته: وارتفعت كافة الأقنعة: حرب ضد الثورات السلمية وحرب ضد الإسلام بأيدي المسلمين بعضهم ضد بعض، إنها إسلاموفوبيا جديدة قادها السيسي نيابة عن الغرب هذه المرة وكما لم يحدث من قبل… فلقد دشن السيسي عصر الطوائف داخل مصر وساندها خارج مصر.
————————————
([1]) انظر ملفات مركز الحضارة للدراسات السياسية السابقة والدراسات المنشورة على الموقع وخاصة ما يلي:
– أ.د.نادية مصطفى، الملف الرابع… الغرب ونظام 3 يوليو وثنائية مبادئ المصالح، 3سبتمبر 2013
– أ.د.نادية مصطفى، من الثورة إلى الحرب على الإرهاب: تحالفات الداخل والخارج، 27 أبريل 2014.