3 مسارات تحدد تأخر طفلك: لا تصدر حكمك قبل معرفتها
الحكم على طفلك بالتأخر لا يأتي جزافًا، استغراقك الوقت في التفكير في تأخره بدلاً من استكمال طريق التطوير معه يجب ألا يكون بهذه السهولة، قبل الحكم علينا أن نعرف «القواعد» التي نحكم بها، بمعنى آخر التقدم اللغوي ليس المقياس الوحيد، فالتطور يقاس على ثلاثة مسارات وليس مسارًا واحدًا كما يظن الأهل.
1. التطور الحركي
قدرة الطفل على التحكم الدقيق في أعضائه كل على حدة: اليدين والعينين والقدمين. باختصار، تحكمه في جسده ككل.
2. النمو الجسدي
الوزن، الطول، حجم الرأس وتناسق أعضاء الجسد، مستوى صحته، الصحة العامة ككل.
3. التطور العقلي
وقد أدرجت أسفله العديد من المهارات
تطور الوعي: الإدراك وتطور الانفعال والعمليات العقلية (العليا) كالمنطق: السبب والنتيجة وترابطهم والحسابات. التطور اللغوي والتطور الحسي بمعنى إحساس الطفل بما حوله وتناغم حواسه الخمس معًا، وإن اختل التطور الحسي نشأت أمراض كالتوحد وغيره.
وهذا كله يؤكد لكِ أن التطور اللغوي ليس المقياس الوحيد لتطور طفلك أو تأخره، هل تعرفين حقًا أين المشكلة؟
المقارنة
المُقارنة لعنة، فأنتِ تحكمين على الطفل بالتأخر ليس قياسًا على أساسيات المتوسط العام لجميع الأطفال الطبيعين، بل بالقياس على (ابن خالته) أو (ابن جارتك)، ويا ليتك تفعلينها بشكل دقيق، أنتِ تقارني طفلك على ركن واحد فقط وتهملين البقية.
بالمناسبة هذه مهنة لها من يتعلمها ليمارسها، فإن أردت أخذ زمام الأمور والقيام بدورهم فعليك القيام به كما يجب.
مواطن الاختلاف بين الأطفال
قد يكون طفل قريبك مُمتلئًا ذكيًا ينطق كلمات أكثر بلغة أوضح وأيضًا يتحرك أفضل، الآن سيصدر حكمك أن طفلك متأخر عن أقرانه، لكنك لم ترَ الصورة الكاملة بعد.
أهملت الوعي، فطفلك ضعيف الكلمات لكنه قد يعي الأشياء أكثر من قرينه، وليس لأنه لا يستجيب لك مثل الطفل الآخر، فهو لا يعي جيدًا، فالاستجابة تختلف عن الوعي، قد يكون الطفل الذي لا يستجيب بسهولة يعي كل ما يحدث حوله جيدًا، لكنه اتخذ قراره الخاص بالصمت أو الامتناع عن التفاعل، هذا لا علاقة له بتفاعله معك. فقد يكون عازفًا عن التفاعل فطلباتك أو أسلوبك في الطلب لا يعجبه، وفي هذا نمولو تعلمين.
طفل قريبك يستخدم الكلمات جيدًا وأكثر تطورًا، لكن شخصيته لم تتطور جيدًا، هو (يسمع الكلام) دون محاولته اتخاذ قراره الخاص، ضعيف أمام أقرانه عندما يجذبون منه الأشياء لكن طفلك ليس كذلك. هو متطور لغويًا وابنك متطور انفعاليًا، طفلك مشاعره واضحة ويكوّنها بدقة وحرص وثبات انفعالي، يُحب هذا ويكره ذاك، له شخصية أوضح وتستطيع ملاحظتها، يعبر عن مشاعره بشكل أوضح، لاحظ أن استخدام الكلمات ليس السبيل الوحيد للتعبير، يفهم الملكية، فهذه اللعبة له ولا يحق للآخرين أخذها، هذه أشياء أبي وتلك لأمي.
الطفل الآخر متطور يطلب ما يريد بوضوح ويستجيب لكِ عندما تطلبين منه شيئًا، وطفلك لا يفعل، لكن طفلك ذاكرته أقوى، يتذكر الأشخاص ويتذكر انطباعاته عنهم، هو يحب هذا سيستمر في حب هذا، والعكس.
يفهم وظائف الأشخاص من حوله، هذا يحميني وذلك يضايقني، متأنٍّ يفكر قبل الفعل، غير مندفع، لا يسبب الجروح والكدمات لنفسه مرارا وتكرارا ولا يتعامل مع الأدوات بجهل مُضر، كل هذا يندرج تحت الوعي لكنك لم تلاحظيه قبل إصدار حكمك: «طفلي متأخر»، فنحن نلاحظ الصفات الظاهرة، بينما الصفات الكامنة لا يلاحظها إلا المتخصصون، لذلك قد ترين أنتِ «طفلك مُتأخرًا»، ويؤكد المتخصص: «طفلك مش متأخر ولا حاجة».
لذلك علينا أن نلاحظ كل الجوانب قبل الحكم.
الحدود الوراثية، هل الأبوان هما المسئولان عن قدرات طفلهما؟
هل الصفات مكتسبة أم وراثية؟، هل أستطيع أن أطور طفلي بلا حدود، أم أن له حدودًا وراثية تضع نهايات لكل صفة ومهما فعلت لن أستطيع تطويره أكثر منها؛ كنوع شعر طفلي لا يمكن أن تكون جينات الأسرة الأساسية والمُتنحية شعرًا أجعد ويخرج هو بشعر ناعم؟
هل ذكاء طفلي كنوع شعره أم الأمر مختلف هنا فالذكاء مكتسب من اعتراك الحياة والمرور بالخبرات والتدريب؟ هل محاولاتي تطوير ذكاء طفلي لن تتعدى محاولاتي تحسين شعره الأجعد باستخدام المقويات والمحسنات قد تزيده جمالاً وصحة، لكنها لن تحول شعره لناعم أبدًا؟ ماذا عن الموهبة، هل ابن لاعب الكرة لاعب كرة هو أيضًا لأنه ورث من أبيه الموهبة أم لأن أباه بحكم عمله اهتم بهذه الأمور مع صغيره منذ ولادته؟
هذه جدليات تليق ببرنارد وهيجل وكانط وبدراسة علم التطور السلوكي لشهور ثم بعد كل ذلك ستخرج بنتيجة واحدة: العلم لا يملك جوابًا قاطعًا في هذا الأمر، دراسات كبيرة يُعتد بها في كلا الجانبين، وكلاهما صحيح. هناك خيط ما مشترك وهناك أطروحات كثيرة، الجملة المفيدة التي أنصحك بها:
«إهمال الجانب الوراثي ليس صحيحًا، طفلك له حدود، لكنها مطاطة أكثر مما تتخيل وقابلة للذهاب معك في جهات عديدة، كالأستك، هو دائري الآن أمام يدك كونه أستك!، لكنك لا تتخيل كم من الأضعاف قد يصل لها».
وفي نفس الوقت، لا تضغط عليه أو تحمّله فوق طاقته فبعض صفاته كقوته وصحته الجسدية ترتبط بالأمور الوراثية كما ترتبط بالبيئة والتطور من حوله، كلاهما معًا مرة ثانية، طور طفلك وانتظر منه النتيجة، لكن لا تقارنه بغيره، فربما كان أهل الطفل الآخر أكثر تطورًا منكما فانتقل هذا لطفلهما. الوراثة والاكتساب يسيران على خط واحد وعليك العمل عليهما سويًا دون ترجيح لواحد على الآخر، عليك بذل كل ما في وسعك من مجهود لاكتشاف حدود طفلك والارتقاء بها دائمًا، لكن لا تنتظر نتيجة مطابقة لنتائج الآخرين.
ماذا عن المتوسط الطبيعي للمقاييس الأساسية؟
التأخر لا يأتي بمفرده
تخلف الطفل في أمر واحد بشكل حقيقي يعم على قدرات الطفل الأخرى، وهذا يجعله ملحوظًا بما فيه الكفاية لبدء مرحلة العلاج، بينما تأخر الطفل في مسار واحد، وتميزه ونموه بشكل تصاعدي في مسارين أمر طبيعي، حقيقة من النادر أن تجد طفلاً يتقدم في الثلاثة المسارات بذات السرعة.
لذلك التأخر الحقيقي يبيت ملحوظًا بينما ما يحدث مع طفلك -ومعظم الأطفال- تتابع المراحل بمعنى حدوث قفزات في مراحل وتلو مراحل ثانية لها.
على المقاييس السابقة، وبجمع أجزاء الصورة الكاملة معًا، دون أخذ جانب وتجاهل آخر، ماذا لو كان طفلي فعلاً متأخرًا؟ ماذا أفعل؟
نتحدث عن هذا في المقال القادم.