3 صنعوا قطيعة الجزائر والمغرب: فرنسا وإسبانيا و«إسرائيل»
في أحدث حلقات تدهور علاقتهما، اتهمت الجزائر المغرب بقتل ثلاثة سائقين جزائريين في قصف وصفته بـ «البربري» قالت إنه استهدف شاحنات تجارية أثناء تنقلها بين العاصمة الموريتانية نواكشوط ومدينة ورقلة جنوبي الجزائر.
اتهمت الجزائر من وصفتها بـ«قوات الاحتلال المغربية في الصحراء الغربية» بالتسبب في الحادث، متوعدة بأن «الاغتيال لن يمر دون عقاب».
كل الطرق تؤدي إلى الصحراء الغربية
لم تحدد الجزائر موقع القصف بالتحديد، لكن الجيش الموريتاني نفى حدوث أي هجوم داخل أراضي موريتانيا داعيًا إلى «الحذر في التعامل مع المصادر الإخبارية المشبوهة».
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن «مسؤول مغربي رفيع المستوى» أن القوات المغربية لم تشن أي غارات جوية «داخل الجزائر أو موريتانيا.
ولم يذكر المسؤول أي تفاصيل تتعلق بشن غارات داخل الصحراء الغربية التي تعتبرها المغرب جزءًا من أراضيها. وهو ما أكده صحفي متخصص للوكالة الفرنسية، محددًا موقع الاستهداف بمنطقة بئر لحلو ضمن حدود الصحراء الغربية.
المصدر المغربي نفسه قال إن المغرب لم ولن تستهدف مواطنًا جزائريًا لأي سبب ومهما كانت الملابسات، لكنه علق تحديدًا على منطقة بير لحلو باعتبارها «نقطة تنقل حصري لميليشيات جبهة البوليساريو»، معتبرًا أن حديث الرئاسة الجزائرية عن وجود شاحنة جزائرية في هذه المنطقة «مفاجئ» بالنظر لـ«وضعيتها القانونية والعسكرية».
حلقة ضمن تصعيد مستمر
تصعيد القصف الأخير ليس الأول بين الجزائر وجارتها المغرب في فترة وجيزة نسبيًا.
بدأت أخطر حلقات التصعيد في أغسطس/ آب 2021، حين قال قائد الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة، إن المغرب ذهب بعيدًا جدًا في «مؤامراته وحملاته الدعائية التخريبية ضد الجزائر»، قبل أن يعلن وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة، قطع بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب.
تصاعدت التوترات أكثر في سبتمبر عندما أعلنت الرئاسة الجزائرية وقف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر خط الأنابيب المغربي.
وكانت الجزائر تصدر 900 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى إسبانيا والبرتغال عبر الخط الذي يمر بالمغرب، مقابل دفع رسوم مرور للرباط، بموجب عقد كان يجمع شركة النفط الجزائرية سوناطراك مع شركة الكهرباء المغربية «ONEE» التي كانت تستخدم بعض كميات الغاز الجزائري لإنتاج حوالي 10٪ من الطاقة الكهربائية المطلوبة للبلاد.
تبعات القرار كانت مكلفة للجزائر نفسها، رغم أنها أعلنت مواصلة تصدير الغاز الطبيعي إلى إسبانيا عبر خط ميدجاز، لكن المنشأة ذات سعة أقل بما يقلل قدرة الجزائر التصديرية.
لكن معهد الشرق الأوسط يقول إن للأزمة بعدًا آخر، إذ طلب المغرب إبرام صفقة أفضل مع الجزائر بعدما انتقلت الملكية الكاملة لخط الأنابيب إلى الحكومة المغربية اعتبارًا من 1 نوفمبر 2021، بعدما كان مجرد ممر، بينما تملك الخط في السابق شركة Naturgy الإسبانية.
في نفس الشهر، قرر المجلس الأعلى للأمن برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، إغلاق مجال الجزائر الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية. لكن المغرب قلل من تأثير الخطوة باعتبارها تؤثر فقط على 15 رحلة أسبوعية تربط المغرب بتونس وتركيا ومصر، ويمكن أن تغير مسارها فوق البحر المتوسط.
الصحراء.. أم الأزمات
الصحراء الغربية أهم الأزمات بين الجزائر والمغرب، الذي يسيطر على 80% من أراضي الإقليم الغني بالفوسفات واحتياطيات النفط والغاز، والمجاور لمياه الصيد الوفيرة الثروات في المحيط الأطلسي، ويعتبره جزءًا لا يتجزأ من أراضيه.
لكن الصحراء عرض من الأزمة الحقيقية القديمة: المغرب يعتبر أن جزءًا من أراضي الجزائر الحالية، مثل تندوف وبشار، مناطق مغربية انتقلت إلى الجزائر تحت الاتفاقيات الاستعمارية، خصوصًا اتفاقية تعيين الحدود مع فرنسا في 1845.
وعلى هذا الأساس، كانت الجزائر الطرف الثاني في حروب المغرب بعد خروج الفرنسيين؛ إذ اندلعت حرب الرمال 1963 بسبب رفض الجزائر مناقشة تعديل الحدود. ورغم أن الحرب القصيرة لم تغير الوضع القائم، فإنها وضعت مسمارًا لتوتر العلاقة بين المغرب والجزائر.
بنهاية الستينيات، عرض المغرب إنهاء الخصومة مع الجزائر مقابل اعترافها بسيادته على الصحراء الغربية التي كانت تحت الاحتلال الإسباني حينها. لكن الجزائر رفضت وتمسكت باستقلال الصحراء؛ تخوفًا من أن تمنح المغرب ثروة ضخمة تساعدها على استعادة أحلام التمدد على حسابها مستقبلًا. ومن هنا، دعمت تأسيس جبهة البوليساريو كحركة ثورية مسلحة تسعى لاستقلال الإقليم عن إسبانيا دون انضمامه للمغرب.
وفي نوفمبر 1975، حرك المغرب ما يعرف بـ «المسيرة الخضراء» من آلاف المدنيين نحو الصحراء الغربية، لتوقع إسبانيا تفاهمات مدريد التي انسحبت بموجبها، وسلمت المسؤولية الإدارية عن الصحراء إلى المغرب موريتانيا.
رفضت البوليساريو التفاهمات، وبدأت الصراع المسلح بدعم من الجزائر ضد المغرب وموريتانيا، لتنسحب موريتانيا، ويبقى المغرب الذي مدَّد سيطرته تدريجيًا حتى وصل 80% من مساحة الأرض.
في 1991، وقع الطرفان اتفاق وقف لإطلاق النار، نص على إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم، لكنه لم يجر أبدًا إثر خلافات بين المغرب والبوليساريو حول من يحق له التصويت.
التطبيع مقابل الصحراء و«التجسس»
في ديسمبر 2020، أعلن البيت الأبيض والديوان الملكي المغربي أن إسرائيل والمغرب قررتا «إقامة علاقات دبلوماسية كاملة». بالمقابل، قرر دونالد ترامب الاعتراف بـ«السيادة المغربية الكاملة» على الصحراء الغربية، في مخالفة للأعراف الدبلوماسية القائمة منذ فترة طويلة.
الجزائر اعتبرت الخطوة «تسكينًا للصهيونية» قُرب حدودها، والبوليساريو وصفها بـ «بيع قضية فلسطين مقابل احتلال الصحراء».
وازداد الوضع سوءًا لأن القرار تزامن مع نقل المغرب قوات إضافية إلى الصحراء ضمن عملية عسكرية قالت إنها تستهدف «إبعاد متمردين يغلقون الطريق الرابط بين الصحراء وموريتانيا»، لترد البوليساريو باعتبار قرار وقف إطلاق النار لاغيًا وإعلان الحرب مع المغرب.
أزمة التطبيع امتدت لاتهام الجزائر لجارتها بشن عمليات تجسس طالت مسؤولين سياسيين وعسكريين ومواطنين جزائريين وأجانب، باستخدام تكنولوجيا «بيجاسوس» الإسرائيلية.
المغرب نفى، لكن اتهامات الجزائر تزامنت مع تحقيق مماثل في فرنسا اتهم المغرب بالتجسس على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد تحقيق نشرته وسائل إعلام عالمية، منها واشنطن بوست، والجارديان، ولوموند، وأجري بمساعدة منظمة العفو الدولية ومؤسسة فوربدن ستوريز غير الربحية.
الأزمة تضاعفت، عندما قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، خلال زيارة للمغرب، إنه «متخوف من دور الجزائر الإقليمي وتقاربها مع إيران. لترد الجزائر بأنها المرة الأولى التي يحاكم فيها وزير إسرائيلي دولة عربية من أراضي دولة عربية أخرى».
اتهامات دعم الانفصال وحرق الغابات
تتهم الجزائر المغرب بدعم انفصاليين أمازيغيين يطالبون باستقلال منطقة القبائل عن الجزائر، خصوصًا الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل «الماك».
وأعلنت الجزائر حركة الماك منظمة إرهابية بعد حرائق الغابات التي اتهمتها بالمسؤولية عنها «بأمر من أطراف في الخارج»، واعتقلت العشرات من أعضائها خلال الشهرين الماضيين.
وعرض المغرب على الجزائر إرسال طائرتين من طائرات مكافحة الحرائق الملكية للمساعدة في جهود الإطفاء. لكن الجزائر، على الرغم من عدم وجود أسطول إطفاء خاص بها، رفضت العرض، قبل أن يقول مكتب الرئيس الجزائري إن «الأعمال العدائية المتكررة التي يرتكبها المغرب ضد الجزائر تتطلب مراجعة العلاقات وتكثيف الرقابة على الحدود»، بعدما خلصت السلطات إلى أن «غالبية حرائق الغابات الهائلة كانت أعمالًا إجرامية».
ورفض المغرب الاتهامات ووصفها بـ «السخيفة والخاطئة والعبثية»، لكنها كانت ضمن الأسباب التي بررت بها الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط، خصوصًا بعدما أدلى المبعوث المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بتصريحات داعمة للحركة الانفصالية، واستدعت الجزائر السفير المغربي للاستفسار عنها، لكنها قالت إن الرباط لم تقدم ردودًا على أسئلتها.
ويقول المغرب إن تصريح مبعوثه إلى الأمم المتحدة لم يكن إلا ردًا على إعادة الوزير الجزائري رمضان لعمامرة تأكيد دعم الجزائر لحق الصحراء الغربية في تقرير المصير، ليدعو هلال، الجزائر، إلى تبني نفس الدعم لتقرير المصير لمنطقة القبائل التي قالت إنها «تعاني منذ فترة طويلة».
ولقي أكثر من 90 مواطنًا جزائريًا، بينهم 33 جنديًا، مصرعهم في الحرائق التي اجتاحت شمال الجزائر، خصوصًا إقليمي تيزي وزو وبجاية.
وقالت الجزائر لاحقًا إن إشعال الحرائق حدث «بدعم وتمويل ومساعدة المغرب والكيان الصهيوني»، ما أكد حجم تعقيد العلاقة بين البلدين، والتي ستحتاج إلى جهودٍ طويلة بكل تأكيد لرأب صدوعها.