نحن في حاجة إلى قادة مجتمعيين أصغر سنًا متحمسين وليؤدوا دورًا قياديًا في تقريب مجتمعاتنا بعضها إلى بعض. الأكبر سنًا يمكنهم أن يقترحوا طرائق ووسائل يمكن من خلال استخدامها تحقيق ذلك؛ لكن الجيل الصاعد من القادة السياسيين، المدنيين، والمتدينين، هم الذين عليهم أن يناصروا قضية الاحترام والتفاهم. من أجل ذلك، هم يحتاجون إلى تدريب، وفوق كل شئ، الحماسة والإخلاص والدافع.
تقرير هيئة الكومنولث.

من أجل أن يخلق مجتمع ما رؤية مشتركة لنفسه، من الضروري أن يجد طرائق فاعلة لرعاية الشعور بالانتماء بين جميع أعضائه، بمن فيهم الفئات الشابة. هؤلاء الأعضاء يجب أن لا يُطلب منهم أن يكونوا من ذلك المجتمع فحسب، لأن لهم الحق أيضًا في أن يعاملوا بطريقة تقدرهم بصفتهم مكونًا أساسيًا للمجتمع. هم في حاجة إلى الشعور بأنهم جزء من مصير عام ومستقبل مشترك. لذلك قد ذهب الفهم التقليدي الليبرالي والفهم الديمقراطي للعضوية المجتمعية باعتبارها التركيز على الاعتراف بالأفراد باعتبارهم مواطنين.

في هذا الصدد، علينا أن نعترف بأهمية الفئات الشابة. فهم ورثة عالم متغير، بتوزيعاته الاقتصادية ومواقعه الاجتماعية وهوياته الثقافية ورواياته التاريخية. وبالتالي على الفئات الشابة أن لا تكون متلقية سلبية لهذه الأشياء. فمع الدعم المناسب والإرادة السياسية، تُصبح تلك الفئات الشابة قوة ناشطة وإيجابية للتنمية، محليًا ووطنيًا ودوليًا.

ومن أجل هذا، فالشباب في حاجة إلى أن يجري التعامل معهم باعتبارهم مصدر قوة ومشاركين في عمليات الحوار وصنع القرار. هم في حاجة إلى أن يتلاقوا في المنتديات حيث يمكن أن يستمعوا ويشاركوا ويقترحوا وجهات نظرهم وأن يُستمع إلى رواياتهم الخاصة، وأن تُناقش ويُجادَل في شأنها. كما توجد أيضًا حاجة إلى فهم أكثر عمقًا لانتقال الروايات عبر الأجيال.

وعلى هامش ذلك تتذيل مصر مؤشر تنمية الشباب الصادر عن هيئة الكومنولث لهذا العام. لتكون في المرتبة 138 بعد أن كانت في المرتبة 86 عام 2013م. فما الذي جعل مصر في مذيلة ذلك المؤشر؟!


1. غياب التفاهم والاحترام مع الفئات الشابة

عند التفكير في الاحترام والتفاهم، لا بد أن يأتي ذلك في سياق ترابط الأجيال، وأن نكون واعين بشدة أثر الأعراف الاجتماعية، ولا سيما أثر الأبوية المجتمعية والإذعان، في الثقة بالنفس وتنمية الفئات الشابة. في مواقف كثيرة، تحتاج بُنية السلطة إلى إعادة إنشاء من أجل أن لا تصمت الفئات الشابة، وبشكل خاص الفتيات والفئات الأخرى التي يُخمد صوتها تحت مرجعية التقاليد أو العادات.

عندما تحرم الفئات الشابة أو تهان أو تدفع إلى الشعور بأن لا صوت لها ولا مستقبل، يمكن أن تنجذب إلى الحركات أو الأيديولوجيات التي تبدو أنها تضمن لها مكانًا في العالم وتمنحها هوية صلبة. في بعض الأحيان، قد يجذب القادة الأقوياء هذه الفئات إلى النزاعات باعتبارهم مقاتلين، ولا سيما جنود مشاة. فهناك ما يقدر بنحو 300 ألف شخص حول العالم دون الثامنة عشرة، ممن يشتركون الأن في نزاع مسلح، ونحو 500 ألف شخص جندوا في القوات العسكرية أو شبه العسكرية.

وبالتالي فإن الفئات الشابة عادةً ما تكون ضحية العنف أو مرتكبته؛ فبدلًا من التأكيد على دور الشباب المهم في صنع السلام يتم توجيه عصا العقاب لهم فإما أن يكونوا قتلى نظام غاشم أو جزءًا من نزاع مسلح لا يحمد عقباه.

وفي مصر يواجه الشباب عصا النظام الأمر الذي دعا منظمة العفو الدولية لقول أن النظام الحالي في مصر أعاد مصر إلى دولة القمع الشامل استنادًا على ما لديها من أدلة على وجود أكثر من 41 ألف معتقل في السجون المصرية أغلبهم من الشباب، فضلًا عن ما يواجهه الشباب من إجراءات الفصل التعسفي من الجامعات بل وتعرضهم للاختفاء القسري من قبل السلطات الأمنية.


2. غياب المشاركة السياسية الحقيقية للشباب

تعتمد دول كثيرة آليات من أجل التشاور مع الفئات الشابة في القضايا السياسية؛ سواء بالدراسات الاستقصائية أو من خلال الاتصال بمنظمات شبابية أو استخدام فريق بحث أو مقابلين لتنظيم وضع الفئات الشابة في مجموعات نقاش، من أجل التأكد من وجهات نظرهم في موضوع معين.

لكن في أحيان كثيرة، لا يتعدى الأمر هذه الإجراءات. فتأتي الأصوات الأكثر خبرة وقدمًا لتسيطر وتقرر مضامين السياسة العامة. وهذا بالتحديد هو الحال في السياقات حيث تكون علاقات الهيمنة والإذعان قوية. تحتاج الفئات الشابة إلى نماذج إيجابية في السلطة لتقلدها. لكنها تحتاج أيضًا، وبشكل قاطع، إلى مساحات تحرك تبني بواسطتها ثقتها بنفسها وبقدراتها، ويكون لها آراؤها الخاصة التي تؤخذ في الحسبان. لذلك تبرز الفئات الشابة بوصفها نقطة عبور للمشاركة السياسية.

وبالتالي فإن الشاب المتمكن يتقدم تدريجيًا، وغالبًا من خلال النقاشات المحلية في شأن الوظائف والسكن أو أي قضايا ملموسة، وفي مرحلة متأخرة يكتسب الاستقلالية والمعرفة للمشاركة في عمليات أعلى على مستوى الدولة. وعلى ذلك فإن وباء التهميش السياسي للفئات الشابة لن ينحسر إلا عن طريق ديناميكية المبادرات الحكومية الحقيقية في إشراك الشباب في الحياة السياسية.

وبالتالي فإن المناخ السياسي الملائم للشباب لن يتم من خلال مؤتمر أو مبادرة جامدة بل عن طريق حلول ومبادرات ديناميكية وعلى ذلك فإن مصر تحتل المركز 169 من حيث مشاركة الشباب في العمل السياسي.


3. التفكير الاستراتيجي في التعليم

التعليم ليس مجرد أن نجعل الأطفال، حتى الصغار جدًا منهم، مغمورين في ثقافة قديمة موروثة. إنه يتعلق أيضًا بمساعدة الأطفال على تطوير قدراتهم على التفكير في القرارات الجديدة التي على كل شخص بالغ أن يتخذها.. وبالدافع بقدراتهم.. ليعيشوا دروس الحياة وهم يترعرعون في دولة متكاملة.
تقرير هيئة الكومنولث.

يعد التعليم أداة لفهم الاختلاف ولفهم إمكان تحول الاختلافات إلى بؤرة نزاع وعنف أيضًا. في أقصى فاعليته، يمكن التعليم أن يستخدم لكسب فهم أفضل للنزاع وتفكير متمعن فيه، طالما أن المعرفة يمكن نقلها بطريقة تبين أن كل نزاع رئيسي يتضمن تفاعلًا بين العوامل الاقتصادية والسياسية والتاريخية.

وبالتالي لابد من توسيع النطاق العمري الذي يغطيه نظام التعليم الإلزامي صعودًا ونزولًا وتنفيذ ذلك بفعالية. ويعادلها أيضًا توسيع نطاق المشاركة في التعليم الأساسي في المجتمعات الريفية. ولذلك لابد من أن يتضمن النظام المدرسي الإلزامي تعليم الأطفال التراث الثقافي المتضمن مجموعة من المجتمعات الدينية والعرقية وذلك لتحفيز الشهية المعرفية.

علاوةً عن ضرورة تعليم الأطفال أن هناك قيمًا إنسانية أساسية تتجاوز الحدود الثقافية والإثنية فالواجب أن تعامل الآخرين باحترام وتحفظ كرامتهم، في خطوة نحو بناء مجتمع مترابط، سوي، يقوم على التفاهم والاحترام.

كما يتضمن التعليم أيضًا توفير الدعم لتدريب الفئات الشابة للمشاركة في عمليات الحوكمة؛ في منظمات الشباب والنقابات ومجالس الشباب الوطنية والبرلمانات. وبالتالي فإن الدول في حاجة إلى النظر إلى أنظمتها التربوية بالكامل، لا لكونها مصدرًا للتهميش الحالي فحسب، بل أيضًا لكونها مصدر طاقة هائلة للتغلب على ذلك التهميش.

وقد حازت مصر على المرتبة 96 في التعليم وهو ما جعل هيئة الكومنولث تعتقد أن أزمة التهميش آخذة في الزيادة طالما أن التعليم في مصر مازال متذيلًا قائمة مؤشراتها.

المراجع
  1. Civil Paths to Peace
  2. Perspectives on the 2016 Youth Development Index: The Future of Young people in Africa
  3. Peace and Democratic Society