هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.

شهدت الانتخابات الرئاسية الأفغانية عام 2014 احتدامًا شديدًا في المنافسة بين المرشحيْن الرئاسيين عبد الله عبد الله، وزير الخارجية السابق، وأشرف غني، الرئيس الحالي، وذلك بعد مرورهما للدور الثاني وتأخر حسم الانتخابات بسبب اتهام كل طرف للآخر بممارسة التزوير؛ مما استدعى تدخل الولايات المتحدة لحلِّ النزاع بين الرجلين.

لاحظنا أثناء عملنا على ملفات أنشطة اللوبيات لدولة أفغانستان أن الخصمين الأفغانيين، عبد الله عبد الله وأشرف غني استأجرا شركة الضغط الأمريكية ذاتها في توقيت متقارب للضغط لصالح كلٍّ منهما للفوز بالانتخابات، في مفارقة من أغرب ما تكشف عنه ملفات الضغط السياسي.

خصمان ولكن في جيب واحد

عملَ أشرف غني قبل تسلمه الرئاسة في البنك الدولي، وعمل في عدد من الجامعات الأمريكية وجامعة كابل الأفغانية، وعمل مستشارًا للرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي عام 2002، وتقلَّد منصب وزير المالية بين عامي 2002 و2004، ليترشح في الانتخابات الرئاسية في 2009 دون أن ينجح، ومجددًا في انتخابات 2014 التي فاز فيها.

أما عبد الله عبد الله، هو طبيب وسياسي أفغاني، شارك في المقاومة ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في صفوف القائد أحمد شاه مسعود، ثم أصبح وزيرًا للخارجية في حكومة «الجبهة الإسلامية الوطنية المتحدة من أجل إنقاذ أفغانستان»، التي عارضت حكم حركة طالبان.

وبقي عبد الله في منصب وزير الخارجية بعد سقوط نظام طالبان سنة 2001 إثر الغزو الأمريكي، حتى عام 2006 حين أُقيل. وترشَّح عبد الله في الانتخابات الرئاسية الأفغانية عام 2009 ضد الرئيس كرزاي، لكنه انسحب في الدور الثاني واتهم خصمه بالتزوير، ثم عاود الترشُّح للرئاسيات سنة 2014، ولكن هذه المرَّة ضد أشرف غني.

وسرعان ما تحوَّلت انتخابات 2014 في الدور الثاني منها لمعركة حامية أخَّرت إعلان النتائج عدَّة شهور وسط اتهامات متبادلة بالتزوير.

والمفارقة التي شهدتها هذه الانتخابات، استعانة المرشحين المتنافسين بشركة الضغط والعلاقات العامة نفسها، «سانيتانس إنترناشيونال – Sanitas International»، خلال حملتهما الانتخابية لتنفيذ حملات دعاية وترويج، بحسب ما تكشف عنه ملفات وزارة العدل الأمريكية.

عبد الله يسعى في واشنطن 

وقد بدأ التعاقد بين الشركة والمرشح عبد الله في 20 مايو (أيار) 2014 وانتهى بعدها بشهر، وبلغ مجموع المدفوعات 20 ألف دولار، حصل مقابلها عبد الله على خدمات ترويجية لحملته الانتخابية، لتعزيز سمعته بالتزام الديمقراطية والسلام والاستقرار، والإيمان بالانتخابات الحرة في بلاده.Embed from Getty Images

فماذا فعلت الشركة لعبد الله؟ تواصلت مع جهات إعلامية للتعريف به، وطلب مقابلات إعلامية معه وتنسيقها في وسائل إعلام عالمية وغربية، من بينها «إن بي سي»، وموقع «بوليتيكو»، و«بي بي سي»، ومجلة «فورين بوليسي»، ووكالات أنباء كبرى مثل «أسوشيتد برس»، و«رويترز».

وتواصلت مع صحف أمريكية كبرى مثل «واشنطن بوست»، و«وول ستريت جورنال»، وصحيفة «نيويورك تايمز». وقنوات إعلامية من اتجاهات مختلفة، على رأسها قناة اليمين الأمريكي، «فوكس نيوز»، وقناة الجزيرة الأمريكية، وشبكة «سي إن إن».

كما تواصلت الشركة نيابة عن حملة عبد الله مع جهات إعلامية لنشر مقال رأي للأكاديمي الأفغاني نعمة الله نجومي الذي يكتب عن حركة طالبان. وتواصلت أيضًا مع جهات إعلامية لمناقشة قرار الكونجرس الأمريكي عن الانتخابات الرئاسية الأفغانية عام 2014، المتعلق بمشاركة النساء في الانتخابات، وحمايتهن وضمان نزاهة الانتخابات.

وتواصلت الشركة نيابة عن المترشح مع «معهد دراسة الحرب الأمريكي» للحديث عن الانتخابات الأفغانية ونتائجها.

وقد وقَّع على العقد من طرف المرشح عبد الله، مستشاره الأول في الحملة، جو ريتشي، رجل أعمال أمريكي بعلاقات دولية واسعة.

وأما من طرف شركة «سانيتانس إنترناشيونال – Sanitas International»، فقد وقَّع على العقد بروس فراير، المدير الإداري للشركة وكريستوفر هارفين، الشريك والمؤسس في الشركة ذاتها، والذي عمل سابقًا في إدارة جورج بوش وفي الكونجرس.

هذان الاسمان سيظهران مجددًا، ولكن هذه المرة– للمفارقة– في صف خصم عبد الله الانتخابي؛ حملة أشرف غني. إذ عمل هذان المسؤولان في الشركة لصالح الخصميْن وقدَّما خدمات دعائية وترويجية للمتنافسيْن في الانتخابات نفسها، وتواصلت الشركة لصالح غني مع الجهات نفسها التي تواصلت معها للترويج لعبد الله.

أشرف غني يستأجر شركة خصمه نفسها

وتعاقد أشرف غني مع الشركة ذاتها بعد الدور الثاني الذي أقيم في يونيو (حزيران) 2014، ولم تُعلن نتائجه بسبب النزاع بين المرشَّحين حول التزوير. وقد بدأ التعاقد بين حملة أشرف غني والشركة في 5 يونيو وانتهى في 5 سبتمبر (أيلول) من السنة ذاتها، وبلغ مجمل المدفوعات 90 ألف دولار، بحسب ملفات وزارة العدل الأمريكية.

ووقَّع على العقد نيابة عن الرئيس الأفغاني، أجمال غني، وهو رجل أعمال يشغل منصب مدير الفيدرالية الرياضية في أفغانستان إضافة لمنصب رئيس غرفة التجارة الأفغانية الأمريكية. ومن جهة الشركة وقَّع على العقد كلٌّ من بروس فراير، وكريستوفر هارفين، الشخصيتين نفسيهما اللتين وقَّعتا مع منافسه عبد الله.

ومقابل هذا العقد، حصل الرئيس غني على فرص تواصل مع الإعلام الأمريكي والدولي ومقابلات صحفية، إضافة إلى نشر معلومات عن الانتخابات المتنازع عليها ونتائجها المعلَّقة، وتنفيذ برنامج علاقات عامة ضخم للترويج لغني وحزبه، ومن اللافت للنظر أن الشركة تواصلت مع الجهات الإعلامية نفسها التي طرقت أبوابها مسبقًا لتروِّج لعبد الله.

وبعد تدخُّل الولايات المتحدة الأمريكية بوزير خارجيتها جون كيري، اتفق الطرفان في يوليو (تموز) 2014 على اقتسام السلطة بينهما، وأعلن غني رئيسًا، بينما حصل عبد الله على منصب رئيس الهيئة التنفيذية، أي رئاسة الحكومة، واقتسم الطرفان المناصب المهمة في الدولة.

غني يستعد لما بعد الانتخابات

ولدينا عقد آخر للرئيس الأفغاني أشرف غني، هذه المرة باسم حزبه «حزب التحوُّل والتواصل»، مع شركة «روبرتي وايت – Roberti White». وقَّع العقد في 25 يونيو 2014، ولكنه عقد باهظ الثمن، دفع فيه غني 424 ألف دولار خلال شهور؛ إذ انتهى التعاقد في نوفمبر (تشرين الثاني) من 2014.

وقد وقَّع على العقد من طرف الحزب، أجمال غني، ومن طرف الشركة، آري ميتلمان، وهو استشاري في العلاقات الحكومية وعمل لدى القادة الأفغانيين لسنوات طويلة، وعمل موظَّفًا سابقًا في مجلس الشيوخ لدى السيناتور الديمقراطي بوب كايسي، وهو عضوٌ نشطٌ في منظمة «أيباك»، أهم أذرع اللوبي الإسرائيلي بواشنطن.

ويعمل في الشركة أيضًا لفين روبرتي، رئيسها وأحد مؤسسيها، ومن أقوى العاملين في مجال الضغط السياسي بواشنطن، وأخذَ وحده مقابل خدماته 200 ألف دولار.

وتمثَّلت الخدمات التي حصل عليها حزب غني خلال الانتخابات المتنازع عليها مع خصمه عبد الله في سنة 2014، في الحصول على تواصل مع مكتب وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، الوسيط بين الخصمين الأفغانيين، وقدِّمت ملاحظات ومعلومات لمكتبه عن الانتخابات، ولا توجد معلومات تفصيلية حول طبيعة التواصل.

ورغمَ حجم التعاقد الضخم، فإن الشركة لم تنفذ كافة الخدمات بنفسها، بل كانت وسيطًا لاستئجار شركة أخرى، مجموعة بوديستا، أهم شركات الضغط السياسي بواشنطن بعلاقاتها العميقة في الحزب الديمقراطي، وارتباطها الوثيق بعائلة كلينتون.

أشرف غني مع الحزب الديمقراطي

بدأت علاقة غني بـ«مجموعة بوديستا – Podesta Group» في 10 سبتمبر 2014، بعد حسم نتائج الانتخابات لصالح أشرف غني، والاتفاق على خطَّة لتقاسم السلطة بينه ومنافسه عبد الله.

انتهت هذه العلاقة في يوليو 2015، وبلغت قيمته الإجمالية 250 ألف دولار.

وبفضل هذا العقد، أمَّنت الشركة للرئيس أشرف غني التواصل مع مكاتب كبار أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين، فتواصل مع مكتب رئيس مجلس النواب، الجمهوري جون باينر، ومع موظَّفي زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب كيفين مكارثي، ومع زميله زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ، السيناتور ميتش ماكونل.

ومن الديمقراطيين، تواصلوا مع زعيم الأغلبية الديمقراطية بالشيوخ، السيناتور هاري رايد، وهو عضو بلجنة الاستخبارات أيضًا، ومع النائبة الشهيرة نانسي بيلوسي.

وأخيرًا، كررت الشركة التواصل مع جهات إعلامية أمريكية ودولية، ونسَّقت اتصالات لغني مع «مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي»، وهو مركز أبحاث متخصص في السياسة الخارجية الأمريكية.

هذه القصة جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.