هل سبق لك وأن ذهبت للتسوق ووجدت نفسك تشتري أشياءً أكثر من حاجتك؟

يرجع السبب في ذلك إلى التسويق النفسي، والذي يُستخدَم في تحديد إستراتيجيات الأسعار، وصياغة الرسائل التسويقية، واختيار قنوات الاتصال، وحتى تصميم المنتج، والموقع الإلكتروني الخاص به.

إن الشركات الناجحة فقط هي التي تستثمره، خلال جهودها التسويقية؛ بما يدفع العملاء إلى التصرف بالشكل الذي يريدونه.

ما هو التسويق النفسي؟

هو استخدام مبادئ علم النفس في وضع إستراتيجية تسويقية، تهدف إلى زيادة المبيعات.

كما يمكن تعريفه بأنه دراسة العوامل النفسية المؤثرة في اتخاذ قرار الشراء، والاستفادة منها في كافة العمليات التسويقية للشركة.

يهدف إلى معرفة كيف يتعامل الناس مع كل رسالة اتصالية، ولماذا يتصرفون بهذه الطريقة كاستجابة لها، فبدون هذا الفهم، لا تستطيع بناء حملات تروق للجمهور.

يسعى هذا العلم إلى تكوين علاقة قوية مع الجمهور، بدلًا من الانجراف في منافسة الشركات الأخرى، وذلك باستخدام عدة عناصر، من شأنها التأثير على حجم المبيعات.

فهو يجعل الناس تستخدم مشاعرها في الشراء، من خلال إثارة مشاعر معينة لدى المتلقي، بمجرد رؤيته للعلامة التجارية، كما يعمل على الربط بين المنتج وبين التخلص من المشاعر السلبية.

كما أنه يعمل على تعزيز قيمة المنتج. فإذا كان منتجك غير مفيد للعميل، فلن يشتريه، لذا توجد عدة مداخل نفسية لزيادة قيمة السلعة مثل: عمل خصومات، وإبراز النتائج الإيجابية لشرائها، وتوضيح الآثار السلبية لعدم الشراء، ومقارنتها بالسلع المنافسة.

أمّا إذا كان المنتج لا يتمتع بالمصداقية، خاصة في عالم التسويق الرقمي، فإن علم النفس التسويقي يتغلب على هذه النقطة من خلال مخاطبة المشاعر لا العقل.

وقد أوضحت دراسة مؤخرة نشرت على موقع Research Gate، أن الأشخاص يشترون بعواطفهم، لا بعقولهم. فهم يشترون الإحساس الذي يمنحهم إياه المنتج، وليس المنتج نفسه، ثم يبررون بعد ذلك عملية الشراء بالحجج المنطقية.

لكن لا تنسى أن هذه المشاعر -التي تُولِّدها الرسالة التسويقية- لحظية؛ فإن لم تتم عملية البيع في الحال، تكون قد خسرت المشتري.

ما هي أبرز الإستراتيجيات التي يعتمد عليها التسويق النفسي؟

تحاول النقاط التالية توضيح كيف يمكنك الاستفادة كمُسوِّق من دراسات سلوك الشراء في وضع إستراتيجيات تحقق قفزة نوعية في المبيعات:

1. التبادلية

لكي يشتري الجمهور منك، لابد أن تبدأ بنفسك، وتُقدِّم قيمة معينة له في البداية، فالشيء مقابل الآخر.

يسري هذا العرف الاجتماعي على التسويق أيضًا؛ حتى تكسب رضاء الزبائن، وتخلق مشاعر إيجابية لعلامتك التجارية، بما يضمن لك اكتساب عملاء جدد، والإبقاء على الحاليين.

يراعى هنا ألّا تكون هذه القيمة المُقدَمة -في بادئ الأمر- باهظة الثمن، ويُفضَّل أن تستخدم عنصر المفاجأة. فمثلا، يمكنك تقديم نصائح مفيدة ذات علاقة بمجالك، أو كتاب مجاني، أو اشتراك مُخفَّض في خدمة ما لمدة شهر، أو تخفيض لسعر أداة معينة.

2. النسبة الذهبية «Golden Ratio»

هل سمعت من قبل عن هذا المصطلح؟ إذا كنت تعمل في مجال الفنون، فلابد أنك تعرفه، فهو درجة التناسب بين عناصر التصميم؛ بما يجعله مُريحًا للعين. لذلك عند تصميم كافة الوسائل الترويجية المرئية، لابد من مراعاة هذه القاعدة في حجم الخط وارتفاعه وغيرها من التنسيقات.

3. التأثير النفسي للألوان

إن الدرجات التي تستخدمها، تُميِّزك كعلامة تجارية؛ فعندما ترى اللون الأحمر، ربما تتذكر «كوكاكولا»… ربما «ماكدونالدز»، أو غيرها.

كما إن استخدام بعض الألوان، أو حتى النطق بأسمائها يثير مشاعر معينة لدى المتلقي؛ بما يدفعه للشراء في بعض الأحيان. لذا اختبر العديد منها، قبل الوصول إلى اللون المميز لعلامتك.

4. تقنية الخطوة الأولى «Foot In The Door»

تُعرَف بتقديم طلب صغير إلى المستهلك، وعندما ينصاع إليه، فإنك تطلب منه شيئًا آخر أكبر.

تخيل أنك قد سمعت جملتين؛ إحداهما «تبرع لمستشفى كذا»، والأخرى «تبرع بمبلغ بسيط»، أيهما سيدفعك للتبرع؟

أعتقد إن تبسيط الأمر في الجملة الثانية، سوف يُحفِّزك بشكل أكبر على بذل مقدار بسيط من المال، فهو أمر سهل.

بإمكانك اتباع نفس الشيء بالتسويق، فإذا كنت مسئولًا عن الدعاية لأكاديمية ما، يمكنك تقديم دورات تدريبية مصغرة بمبلغ متواضع للغاية.

هذا السعر غير المألوف، سوف يجذب انتباه الدارسين، فيقبلون عليك، هكذا تكون قد أنشأت علاقة جيدة بينك وبينهم، وعندما تبيع لهم دورة أخرى أغلى ثمنًا، فلن يعارضوا ذلك.

5. الاستعجال

ربما قابلت من قبل عبارات مثل «لفترة محدودة»… «تخفيض لأول ١٠ مشتركين»… وهكذا.

هذه هي إحدى الطرق الإقناعية في علم النفس؛ لاستعجال المستهلكين باتخاذ قرار الشراء خلال فترة زمنية محددة، ومن أشهر أمثلتها، عروض «الجمعة البيضاء» أو «Black Friday».

6. اكتساب هوية اجتماعية مميزة

تستند هذه التقنية إلى نظرية «الهوية الاجتماعية»، والتي ترى بأن إدراك الشخص لذاته نابع من كونه جزءًا من مجموعة، حيث يزداد ولاؤه لها، ويصبح عنصريًا ضد ما عداها من الجماعات الأخرى.

استفاد التسويق النفسي من هذه النظرية في كسب ولاء العميل الحالي، واكتساب آخر جديد، من خلال تصوير كل منْ يستخدم هذا المنتج على أنه جزء من مجموعة مميزة، ولديها مكانة رفيعة بالمجتمع.

7. نظرية الوكزة «Nudge»

هي دفع الأشخاص إلى اتباع سلوك معين بطريقة غير مباشرة، من خلال تغييرات في البيئة المحيطة.

ويتخذ أشكالًا عدة، تتنوع ما بين ترتيب الأشياء بطريقة معينة، أو تقديم عدة خيارات مع الإشارة إلى أحدهم على أنه الخيار الرئيسي؛ فيتجه إليه الناس.

من أشهر أمثلة هذه القاعدة، انتشار محلات الوجبات السريعة بكثرة، بالقرب من دور السينما، بما يحفز الناس على شراء إحداها.

8. العامل الاجتماعي

يميل الناس إلى تقليد بعضهم البعض، ويتأثرون بآراء غيرهم، ويمكنك الاستفادة من ذلك في دفع عجلة المبيعات.

لذا قم بعرض آراء الناس في منتجك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تنس إبراز تغطية وسائل الإعلام لأخبارك.

كذلك تكلم عن أية شراكات مع علامات تجارية أخرى؛ فكل هذا سيزيد من فرص تصديق الجمهور لك.

9. تقليل عدد الخيارات

هل سبق لك وأن جلست في مطعم ما لفترة طويلة عاجزًا عن الاختيار من كثرة الأصناف المقدمة بقائمة الطعام؟

يُعد هذا أمرًا عاديًا، فقد أثبت علماء النفس أن كثرة الخيارات المتاحة تُقلِّل فرص الشراء؛ لذا حاول تقليلها -قدر الإمكان- لمساعدة عميلك.

10. قانون فيتس «Fitt’s Law»

يشرح هذا النموذج العوامل المؤثرة على حركة زائري المواقع الإلكترونية، فقد عدّدها ما بين سرعة تحميل الصفحات، والمسافة إلى زر إجراء ما «CTA»، وحجمه، لذا عليك مراعاة هذه العناصر بكل تصاميمك.

11. التخويف من الخسارة

يكره الناس الخسارة، ويتجنبونها، أكثر من مراعاتهم لتحقيق المكاسب، ومن ثَمَّ عليك استغلال ذلك في رسائلك التسويقية، بإضافة كلمات مثل «آخر قطعة»، «فرصة أخيرة». لكن تجنب استخدامها بشكل مبالغ فيه، فهذا يُقلِّل من مصداقيتك أمام الجمهور.

12. لا تُقدِّم كل المعلومات

إن نقص البيانات يثير فضول الجمهور، فإذا كنت ترغب في زيادة عدد الزيارات لموقعك الإلكتروني، أضف عبارة مشوقة بأحد حساباتك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن ثَمَّ انشرها مع رابط لمحتوى ما بموقعك، لكن تأكد أولًا أن هذا المحتوى يشبع فضول القراء، ويجيب التساؤلات التي خلقتها هذه الجملة.

13. الارتكاز «Anchor Bias»

وهي نظرية نفسية توضح أن المستهلكين يقيّمون الأشياء، بناء على أول معلومة وصلتهم. فمثلًا إذا دخلت محل ملابس لتجد قميصًا بسعر معين، ثم دخلت آخر لتجده بنصف الثمن، يتسرب إلى نفسك الشك في مدى جودة الثاني.

قادت هذه النظرية المُسوِّقين إلى وضع السعر الأصلي المرتفع إلى جانب السعر المخفض، أثناء فترات العروض الترويجية، حيث حقّقت هذه السياسة مبيعات أكبر، من وضع السعر المخفض بمفرده.

14. خدعة ديكوي «Decoy Effect»

يختلف هذا الفرع عن غيره من التقنيات النفسية، إذ إنه مُصمَّم خصيصًا لأغراض دعائية.

طبقًا لهذه الخدعة، فإن إضافة عنصر ثالث أقل قليلًا في القيمة والسعر من المنتج الأغلى، سيوجه الجمهور لشراء الأغلى.

يتجلى ذلك في المطاعم؛ حيث يقدمون ثلاثة أحجام من كل وجبة، ويكون الحجم الوسط أقل قليلًا من سعر الحجم الكبير؛ فيفضل الجمهور شراء الحجم الكبير والأعلى سعرًا.

15. الكتلة «Cluster»

إن الإنسان ضعيف الذاكرة، لذا يميل إلى الجمع بين الأشياء المتشابهة في مجموعة واحدة؛ حتى يسهل تذكرها. فإذا كنت تقدم محتوى عبر موقعك الإلكتروني، اجمع الموضوعات المتشابهة في باب واحد ليسهل الوصول إليها. كما يمكنك الاستفادة من ذلك في التسويق السلعي داخل المتاجر، من خلال وضع السلع المتشابهة في مكان واحد.

16. التهيئة «Priming»

هو أحد مصطلحات علم النفس، يشير إلى أن الناس يدركون الأشياء وفقًا لخبراتهم السابقة، لذا راعِ ذلك بكل رسائلك التسويقية، ولا تأتي بإعلان غير مألوف بالنسبة لعلامتك التجارية، أو بالنسبة لمجالك.

فإن إعلان مطاعم «كنتاكي» والذي ظهر به الدجاج حيًا، لم يرق للجمهور؛ لأنهم توقعوا رؤيته في صورة أخرى.

17. تكرار الوهم «The Illusion Frequency»

كثيرًا ما تشاهد إعلانًا مُلفتًا لمنتج ما في التلفاز، ثم تخرج إلى الشارع لترى إعلاناته، كما تجد أصدقاءك يستخدمون هذا المنتج.

هذا هو الاستغلال الأمثل لنظرية تكرار الوهم كمسوق، فأعد استهداف من لفت انتباههم إعلانك من قبل عبر حملات البريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي.

الخُلاصة

إن علم النفس التسويقي هو علم ممتع، دراسته تسمح لك بالتعامل الجيد مع عملائك، وربما توجيههم حيثما تريد.

يهدف هذا العلم إلى إعلاء قيمة المنتج لدى الجمهور، من خلال الإيحاء له بمجموعة من المشاعر الإيجابية عند رؤيته؛ معتمدة في ذلك على دراسات نفسية قائلة بأن الناس تشتري بعواطفها، وليس بعد تفكير عميق.

في هذا السبيل، تتنوع أساليبه ما بين نظريات ديكوي، وتكرار الوهم، والتهيئة، والارتكاز، والتبادلية، والاستعجال، وتقنية الخطوة الأولى، والنسبة الذهبية، والوكزة. كما تتضمن عدم تقديم كافة المعلومات، وتقليل الخيارات المتاحة، والتخويف من الخسارة، وإكساب هوية اجتماعية مميزة لمستخدمي المنتج. فأي إستراتيجية منهم ترغب في استعمالها؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.