مسلسل 13Reasons Why: نظرة مختلفة على حياة المراهقين
في بداية الشهر الحالي بثت «Netflix» حلقات مسلسل «Reasons Why ـ13»، لحظات قليلة وبدأت ردود الفعل الإيجابية ناحية المسلسل سواء من النقاد أو الجماهير، وأصبح الحديث عن المسلسل منتشرًا في مواقع التواصل الاجتماعي. حقق المسلسل نجاحًا ربما لم يكن يتوقعه منتجوه، خصوصًا وأن قصته تعتمد بدرجة كبيرة على الدراما وليس الأكشن والإثارة. فما أسباب ذلك النجاح؟.
رؤية مختلفة للمراهقة
انتحرت «هانا بيكر» طالبة الثانوي، وتركت 13 شريطًا تسجيليًا، كل شريط به حكايتها مع أحد مسببي انتحارها. يبدأ المسلسل مع وصول الشرائط للشخص رقم 11 وهو «كلاي جونسون». لماذا يبدأ المسلسل مع كلاي الشخص الهادئ الخجول الانطوائي والراقي إلى حد كبير؟، حيث نتعرف مع مرور الحلقات اختلاف كلاي عن بقية أقرانه الصاخبين مثل أغلب المراهقين.وبالتالي يكون سؤال: لماذا كلاي أحد مسببي انتحار هانا بيرك؟ هو مصدر الغموض الأكبر في المسلسل. هذا السؤال الذي يرعب كلاي جونسون أيضًا، فنحن -المشاهدين- وكلاي ننتظر سماع شريطه بفارغ الصبر. فصناع المسلسل ربما أرادوا كسر الدراما البحتة ببعض الغموض لجذب فئات أكثر من المشاهدين، ونجحوا في هذا التوجه إلى حد كبير.مسلسل «Reasons Why ـ13» هو عمل فني مغاير عن ما قدم عن فترة المراهقة. فدائمًا يتم تناول تلك الفترة في الأعمال الفنية كمرحلة لاكتشاف الذات، وتُستغل لصنع أعمال كوميدية عن المفارقات التي تحدث بين المراهقين ووالديهم أو مدرسيهم.
اقرأ أيضًا:500 مسلسل في 2017: التلفزيون ينتظر مستقبلاً مكتظًا أما لو عرضت بشكلها الدرامي فغالبًا ما تعرض قصة معاناة مراهق انطوائي، أو تعرض طفل لانتهاك ما في صغره سبب له مشاكل نفسية، أو انعكاس التفكك الأسري على حياة المراهق، أو الكلاشيه الأشهر لانحراف المراهقين وجرهم للإدمان والفشل الدراسي بسبب تعرفهم على أصدقاء السوء.
التوحد مع هانا
قد تبدو أسباب انتحار هانا بيكر ضعيفة وقد تتعرض لها أي طالبة، خصوصًا في مكان تجمع المراهقين كمدرسة الثانوي، حيث الصفة الأبرز في حياتهم هي العبث ورغبة التمرد واكتشاف حياتهم الجنسية، ولكن المسلسل في كتابته اعتمد على التراكم ومشاعر هانا الصادقة التي تنقلها للمشاهد.نعم كتابة المسلسل آسرة لمشاعر المتفرج، خصوصًا عند عرض هانا لصدمتها من كل موقف. ويحدث ازدواج بينك وبين مشاعرها وصدماتها، فتشعر أنك هي، وأنك متألم حقًا. ربما تعرضت/ي لمواقف أشد في نفس المرحلة العمرية، ولكن بطريقة أو بأخرى صمدت رغم الألم، ولكن البعض لا يصمد. كما أن المسلسل اعتمد على التراكم، فكل سبب يرتبط ويتداخل مع السبب الذي قبله، وتتراكم عليك الأسباب (كمشاهد) في نفس الوقت، حتى تظن في الحلقات الأخيرة أن كل من آذى هانا آذاك أنت أيضًا. كما أن هذه الأسباب غير متشابهة، فهانا تعرضت لأذى مباشر ثلاث أو أربع مرات، ولكن في بقية المرات كان الخذلان هو مسبب الأذى، أو كما قال كلاي في أحد الحلقات «كلنا مدانون، كلنا خذلنا هانا بيكر». لم يحاول المسلسل الفصل بين فكرة التفوق الدراسي وبين الأفعال الخرقاء، فأغلب من آذوا هانا بأفعالهم الخرقاء من الطلبة المتفوقين (باستثناء جاستين).
المسلسل لم يتغافل حقيقة أن الأحداث مروية من وجهة نظر هانا بيكر، فلم يشيطن أغلب الطلبة المتسببين في انتحارها (من وجهة نظرها)، فبعض الطلاب قاموا بأفعال إجرامية في حقها، ولكن الطلبة الآخرين قاموا بأخطاء متعلقة بطبيعتهم الشخصية؛ مثل أن يكون طالبًا متغطرسًا فتشعر بالأذى من غطرسته في وقت تكون فيه على حافة الانفجار، وبالتالي ستتفهم أسباب هانا في ضمهم للقائمة ولكنك لن تكرههم في نفس الوقت، وهذا ما استغله كتاب العمل في تسلسل النهاية.المسلسل يعتبر تحذيرًا لنظم مراقبة الصحة النفسية والتأكد من سلامة الطلبة في النظام التعليمي الأمريكي، وهذا ظهر جيدًا في نقطة محاولة نفي المدرسة لأي مسؤولية لها.
ملاحظات أخرى
الملاحظة الأولى وهي بخصوص الأداء التمثيلي للبطلين الرئيسيين «كاثرين لانغفورد» في دور هانا بيكر و«ديلان مينيت» في دور كلاي جونسون، فقد أديا أدوارًا صعبة خصوصًا كاثرين التي لم تبلغ العشرين عامًا بعد، ومع ذلك نقلت مشاعر غاية في الصعوبة ومتناقضة. وليس من المبالغة القول إن أداء كاثرين المميز هو الذي أبرز جمال السيناريو وتعقيد شخصية هانا، فأداؤها لم يجعل المشاهدين يتعاطفون معها فقط بل جعلهم متوحدين مع الشخصية كما ذكرنا. ولم يقل اختيار بقية الشخصيات تميزًا عن اختيار البطلين الرئيسيين سواء التلاميذ أو المدرسين.الملاحظة الثانية وهي تقارب الأداء الإخراجي في كل الحلقات. فعلى عكس الكثير من المسلسلات التي نرى اختلافًا ملحوظًا بين أداء مخرجي الحلقات، دائمًا مسلسلات «Netflix» ذات رؤية إخرجية موحدة حتى في أدق التفاصيل، لا مساحات كثيرة فيها لإظهار شخصية كل مخرج.كما ظهرت إستراتجية Netflix المعتادة لتقليل النفقات، حيث لا وجود لأماكن تصوير كثيرة وأغلبها في نطاق جغرافي واحد، وعدم ظهور أي شخصية بدون غرض واضح ومحدد، والاكتفاء بذكر سيرتها على لسان الأبطال، وهذا ظهر في أهل التلاميذ الذين لم نرَ سوى القليل منهم. وهذه الملاحظة برغم بساطتها إلا أنها من علامات Netflix والتي ظهرت في مسلسل «stranger things» بشكل فج ومتطرف، حيث لم يظهر في المسلسل أشخاص ثانويون إلا نادرًا واكتفى بذكر أسمائهم فقط على لسان الأبطال.الملاحظة الثالثة وهي أن المسلسل له تحيزات سياسية واجتماعية واضحة. لـNetflix تحيزات سياسية إصلاحية وظهرت في مسلسل «house of cards»، ولكن المسلسلات القادمة سترينا هل الإستراتجية التي ظهرت في «Reasons Whyـ13» هي إستراتجية اتبعها صناع المسلسل وتلاقت مع انحيازات الشركة المنتجة، أم أن هذه إستراتجية جديدة ستتبعها Netflix بداية من هذا المسلسل.
اقرأ أيضًا: House Of Cards: بين جنون «ترامب» وجنون العالم فالمسلسل أظهر انحيازًا واضحًا وحادًا للأقليات سواء العرقية أو الجنسية، فظهرت جميع الأقليات في أمريكا تقريبًا في أكثر من شخصية. فقد ظهر الأمريكيون أصحاب الأصول الآسيوية والأفريقية واللاتينية والعربية والمثليون جنسيًا. لم يكن ظهور هذه الأقليات كما يحدث في المسلسلات الأخرى مؤخرًا بشكل هامشي لإثبات موقف، بل إن كل تجمع بشري في المسلسل كان يظهر فيه هذا التنوع، وأن جميع التلاميذ يعاملون أصدقاءهم المثليين بطبيعية، ولا يوجه البيض أي شتيمة أو وصف عنصري لأصحابهم السود أو الآسيويين. هذا التصالح الإنساني المفتعل (أي لا يحدث في الواقع بهذه المثالية) يمثل رسالة اجتماعية وسياسية خفية.«Reasons Why ـ13» مسلسل صادم ويغير جميع المفاهيم عن مرحلة المراهقة، وكيف يجب أن نتعامل معها. أغلب الظن أن الأكثرية من مشاهدي المسلسل سيعاملون المراهقين ومشاكلهم بطريقة أكثر جدية.