أهم 10 أفلام في السينما العالمية في 2023
ماذا يتبقى لنا من القوائم، ماذا يتبقى لنا من السنوات السينمائية؟ كثير من الأفلام تحصل على زهوة مؤقتة وشهرة لحظية، لكن القليل يصمد في ذاكرتنا وذاكرة العالم السينمائية. في اعتقادي أن الباقي بالفعل هو اختبارنا لتلك الأفلام سواء شاهدناها في السينما أو على شاشة تلفزيون، مشاعرنا التي تتحرك مع الأبطال أو ضدهم، أفكارنا التي تتحرك مع كل سؤال يطرحه مخرج في شكل بصري؟ من هنا تأتي قوائم النقاد لا كمرجع جامد، وإنما كمحاولة للتذكر والتأريخ.
فلنتذكر أيضًا أن عديدًا من الأفلام التي حققت نجاحات تجارية في أعوامها، لم يتبق منها غير الأرقام، وأن أفلامًا قد فشلت في شباك التذاكر قد أصبحت من أهم كلاسيكيات السينما فيما بعد. هنا، نحاول تضمين أهم 10 أفلام صنعت عام 2023 سواء تجاريًا أو فنيًا، وربما لا تستوعب القائمة كل الأفلام الجيدة، وربما أيضًا قد تكون محبطة للبعض، لكن هذا طبيعي، ففي عالم السينما لا فوز ولا خسارة، وإنما فقط أعمال فنية تحرك مشاعر متلقيها، وإن كان للفيلم جمهور مؤلف من 100 فرد فقط، فهذا كاف للغاية.
أول ما يلفت الانتباه هذا العام هما فيلمان حققا نجاحًا تجاريًا خياليًا، وهما “باربي” لجريتا جيرويج و”أوبنهايمر” لكريستوفر نولان. يبتعد الفيلمان تمام الابتعاد عن بعض في الموضوع، لكن طرحهما في ذات اليوم في دور العرض، ربطهما بمصطلح باربينهايمر، في منافسة على شباك التذاكر دفعت كلًا منهما للنجاح.
أفضل الأفلام في السينما العالمية في 2023 – اختيار «إضاءات»:
- Poor Things
- Anatomy of a Fall
- Fallen Leaves
- Perfect Days
- May, December
- Don’t Expect Too Much From The End of The World
- Io Capitano
- The Zone of Interest
- Oppenheimer
- Barbie
- Killers of the Flower Moon
11. Killers of the flower Moon (تنويه خاص)
أول الأفلام في قائمة هذا العام هو فيلم «قتلة زهرة القمر» لمارتن سكورسيزي، الذي يُشكل عودته إلى الساحة السينمائية بعد 4 سنوات من فيلمه السابق «ذا أيرش مان».
تدور أحداث الفيلم في عشرينيات القرن الفائت في أوكلاهوما، حول سلسلة من الاغتيالات لأعضاء قبيلة الأوساج، وما حدث لتلك الأمة بعد اكتشاف النفط في أرضهم – تُعرف تلك الفترة في التاريخ الأمريكي بـ «عهد الإرهاب» – ويصنع من تلك القصة فيلم «ويسترن» مثير طويل المدة كفيلمه الأخير، لكن ورغم أن الفيلم لم يكن من مفضلاتي الشخصية هذا العام، فإنه احتل المرتبة الأولى في استفتاءات عديد من النقاد، ربما لحبهم الفيلم أو ربما لتقديرهم لسكورسيزي ذاته أو خليط من الاثنين.
اقرأ أيضًا: فيلم «killers of the flower moon»: هوليوود تدين نفسها
10. Barbie
أستوديو كبير يتعاون مع مخرجة مستقلة لصناعة فيلم عن الدمية باربي.
هكذا هي قصة أكبر فيلم ناجح تجاريًا هذا العام، فجريتا جيرويج، المشهورة بأعمال مثل «ليدي بيرد»، كتبت – بالاشتراك مع نواه بومباخ – وأخرجت أنجح فيلم هذا العام، بإيرادات تقارب المليار ونصف دولار. ساعد على ذلك الحملة التسويقية الكبيرة المتضمنة لتعاون شركة ماتيل المصنعة لدمى الباربي ذاتها ووارنر بروس التي أنفقت قرابة 150 مليون دولار لتسويق الفيلم.
في «باربي»، تتخيل جيرويج عالم الباربي حيث تعيش كل العرائس في عالم تحكمه الدُمى النسائية، باختلاف أشكالهم، وتبقى فيه الدُمى الرجالية دون أي وظيفة حقيقية. عندما تتعرض باربي لتحول قدمها إلى قدم بشرية مستوية، تُصاب بالذعر، وتخبرها دمية باربي أخرى أن عليها الذهاب إلى العالم الحقيقي، وهناك تكتشف حقيقة العالم الذي تحكمه الثقافة الذكورية.
تخلق جيرويج فيلمًا مسليًا، سواء في تفاصيل عالم الدُمى الباربي، من خلال تصميم الإنتاج (الديكور) أو الأزياء أو اعتمادها على ممثلين مشهورين مثل مارجو روبي وريان جوسلينج، لكن بعد مرور بعض الوقت، قد تشعر بأن الفيلم يتحول إلى محاضرة في تبسيط النسوية، حيث تتحول الأشياء إلى حكم أو مقولات مباشرة، وتتحول الشخصيات إلى رموز ما يفسد الدراما بعض الشيء، ولكن ربما تكون تلك المباشرة مفيدة من ناحية سهولة وصول الموضوع للجميع.
اقرأ أيضًا: فيلم «Barbie»: النسوية كسلعة رأسمالية
9. Oppenheimer
على الناحية الثانية، من الظاهرة، يعود كريستوفر نولان بفيلم مبني على كتاب بروميثيوس الأمريكي الذي ألفه الكاتبان «كاي بيرد» و«مارتن ج. شيروين»، الذي يدور حول واحد من الشخصيات التي شكلت وجه القرن الفائت، «روبرت أوبنهايمر»، مخترع القنبلة الذرية.
يخوض أوبنهايمر صراعًا داخليًا عنيفًا بين طموحه العلمي وبين ما سببه ذلك الطموح من مأساة ضخمة للعالم، ويحكي نولان تلك القصة في ثلاث ساعات، أول ساعة منها بمثابة «ويكيبيديا» للمشاهد ليعرف مختصر حياة الرجل، ثم تبدأ الدراما الحقيقية عندما نرى عملية صناعة القنبلة وما تلاها من صراعات في قاعات المحاكم.
اقرأ أيضًا: أوبنهايمر: الأسرار العلمية والكواليس التاريخية
جاء الفيلم كنجاح تجاري هائل أيضًا، اقترب من المليار دولار، لكن ردود الأفعال ربما تباينت عليه، بخاصة وأن محبي نولان ربما كان في مخيلتهم فيلم بصري مشوق مثل أفلامه السابقة، لكن هنا الاعتماد الأساسي على الحوار وأحداث الغرف المغلقة وأداءات الممثلين المذهلة، لذا فإن الفيلم، بخاصة بعد التقديم الطويل للشخصيات، يصبح أكثر درامية، لكن يُعاب عليه أيضًا محاولته لسرد عديد من الخطوط حول تلك اللحظة والتزامه وضع مضمون الكتاب في ثلاث ساعات، لكن إجمالًا فهو فيلم جيد، يطرح نقاشًا ربما يكون مناسبًا لتلك الأوقات التي نعيشها الآن بمثل ذلك الوقت التي ألقت فيه أمريكا بالقنبلة على اليابان.
اقرأ أيضًا: فيلم «Oppenheimer»: محاكمة تاريخية لمستقبل مخيف
8. The Zone of Interest
واحد من أكثر الأعمال انتظارًا هذا العام كان فيلم جوناثان جلايزر الأحدث «منطقة الاهتمام»، هو فيلم سياسي أيضًا، ومن ذات الفترة في القرن الفائت.
يعود جلايزر هذا العام بفيلم عن رودلف هوس، واحد من أكثر الضباط النازيين فعالية في صناعة بشاعات النازية، ليفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي 2023. جلايزر لا يحكي أي شيء عن خطط الضابط أو تدبيرات الجيش الألماني، إنما على النقيض تمامًا يصور هوس مع أسرته في بيتهم الجميل المُنمق، والذي يبعد فقط دقائق معدودة عن محارق الهولوكوست.
لا ظهور لضحايا النازية بأي حال من الأحوال إلا من خلال شريط الصوت، أصوات مكتومة تظهر في الخلفية لكن على الشاشة تشاهد زوجة القائد تعتني بأزهار منزلها. ربما يُذكر هذا الفيلم أيضًا بفيلم جوشوا أوبنهايمر الوثائقي «فعل القتل» الذي يصور فيه مع ضباط في الجيش الإندونيسي الذين ارتكبوا مذابح مروعة ويتحدثون للكاميرا بمنتهى الأريحية والسعادة عنها.
رغم أن الفيلم لا يقدم أي نوع من الأهوال مباشرة على الشاشة، كما هو المعتاد في الأفلام المتناولة لموضوعات الحرب، فإن تأثيره أقوى لنفس ذات السبب. رعب خالص يتمثل في أن ذلك الشخص “الطبيعي” الذي يحب أسرته وعائلته والذي ترفض زوجته الانتقال من منزلها الجميل الذي قامت بالاعتناء به، يقوم بتصميم أفران الغاز المسؤولة عن عذابات ملايين من البشر.
ما يدور في الفيلم يذكر عامة بغسيل الأدمغة المعتمد على تصوير محتل ما مثل إسرائيل بشكل إنساني خالص، والاعتماد على ذلك في تبرير بشاعات كبيرة، لكن السؤال هنا أيضًا يتنامى عن ماذا إذا صنع مخرج فلسطيني فيلم كهذا في هذه الأوقات؟ هل سيلقى ذات الاحتفاء في العالم؟ أم إننا سنضطر للانتظار طويلًا، حتى يدرك العالم أن ما تقوم به إسرائيل لا يختلف كثيرًا عما صنعه النازي.
7. Io Capitano
يعود ماتيو جاروني هذا العام بفيلم «أنا القائد» الذي شارك في مهرجان فينيسيا، وفاز بجائزة أفضل مخرج هناك هذا العام.
عُرف جاروني في السنوات الماضية بأفلام مثل «جومورا» الذي يغوص بأسلوب بارد -مناقض لأفلام المافيا الشهيرة وبينها «العراب»- في أجواء المافيا الإيطالية، أو بتشريح لشخصية مذهلة كما الحال في فيلمه «دوجمان»، لكن هذه المرة ربما يقدم فيلمًا أكثر جماهيرية، يلتزم بحبكة كلاسيكية، وقصة هروب مراهقين من داكار إلى أوروبا.
لا يُعنى الفيلم بتصوير حالة المراهقين في وطنهم أو على الجانب الآخر، إنما يصب جم تركيزه على الرحلة ذاتها، وإذا افترضنا، بشكل موازٍ لكوميديا دانتي، أن داكار هي الجحيم، وأن أوروبا هي الفردوس، فإن الطريق بينهما هو بمثابة المطهر لهؤلاء المراهقين.
يتابع الفيلم الرحلة بدءًا من جمع النقود اللازمة، ومراحل الحركة عبر الصحراء الإفريقية وصولًا إلى ليبيا، بما يتضمنه ذلك من أخطار واعتراضات لمهربين أو غيرهم ممن يرتزقون من سرقة هؤلاء المهاجرين أو تشغيلهم بشكل غير قانوني. إلى جانب الأسلوب الواقعي الذي يصور به جاروني أغلب الرحلة، فإنه يُطعم الفيلم بلقطات واقعية سحرية قد تبدو نوعًا من سراب تراه الشخصيات في وسط أحلك لحظات الرحلة، ذلك السراب الذي ربما يبقيهما أحياء رغم كل الأهوال.
فيلم «أنا القائد» هو فيلم مؤثر تتابع فيه رحلة البطلين وتتوحد معهما، وتتمنى أن يحققا مقصدهما، سواء على المستوى الفعلي في الوصول إلى أوروبا والنجاة من أخطار الطريق أو المستوى النفسي المتمثل في نضج تلك الشخصيات وخروجها من مرحلة المراهقة.
ربما لا يقدم جاروني جديدًا على المستوى السينمائي، بل يصنع فيلمًا جيدًا، يبقيك لاهثًا مع أبطاله في رحلتهم المليئة بالأهوال، وربما تكمن أهميته توجهه بالأساس إلى الجمهور الأوروبي والإيطالي تحديدًا في لحظات تنامي صعود اليمين السياسي في القارة العجوز.
6. Don’t Expect Too Much From The End of The World
هذا اختيار ربما لا يناسب الجميع، لكنه بالتأكيد واحد من أكثر أعمال العام تميزًا، سواء على مستوى الشكل أو المضمون. يعود رادو جود الحائز على دب برلين الذهبي العام الماضي بفيلم جديد ذي اسم طويل أيضًا، كما عادته، ليفوز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي.
جود ليس مجرد مخرج سينمائي يقدم سيناريو مُهندسًا على الشاشة، بل هو بمثابة مٌفكر أو فيلسوف سينمائي، لا يعرف عقله الحدود، ويتناول مواضيع معاصرة بذكاء حاد، وبمرح شديد. في فيلمه هنا، مساعدة إنتاج مُرهقة تسعى للتحضير لتصوير فيديو عن سلامة العمال المهنية في مواقع العمل لشركة كبيرة، لكن ربما يتطلب منها هذا أن تعيد تأليف قصة العمال الذين تصورهم في الفيديو.
مما يخلق كثيرًا من الدراما، هو أن بطلة الفيلم، التي تظهر على الإنترنت عبر قناع/فلتر رجولي خشن، هي عاملة أيضًا، تضطر للعمل في أكثر من وظيفة، لكنها تساعد تلك الشركة الفاسدة لتصوير فيديو يساعدها ضد العمال. الأمر ليس بهذه البساطة، إذ يتداخل أيضًا مع القصة الأساسية لصنع وتحضير هذا الفيديو، لقطات من أفلام رومانية كلاسيكية لأبطال من الطبقة العاملة أيضًا، مما يخلق سؤالًا حول العالم الجديد مقابل القديم، وكيف تغيرت فيه الأوضاع على كافة المستويات.
إجمالًا، ولو جاز لنا استخدام هذا الوصف، فإن فيلم رادو جود الأحدث هو ربما أذكى فيلم في العام.
5. May, December
فيلم ذكي آخر، يقدمه لنا تود هاينز، لكن هنا، ورغم أن الفيلم قد يكون من أكثر أعمال العام إرباكًا، فإن هاينز يعتمد على ممثلتين مشهورتين، ويقدم بورتريهات لشخصياتهن عوضًا عن التركيز على قصة تقليدية، فيلم ربما كل مشهد فيه يبني بشكل متشظٍ، حتى تصل إلى الصورة النهائية للفيلم كلوحة موزاييك تتكون ببطء.
أسلوب سينمائي يستخدم موتيفة موسيقية واحدة طوال الفيلم وربما يذكرنا بشكل ما بـ«بيرسونا» بيرجمان و«مولهولاند درايف» لديفيد لينش.
تزور الممثلة الشهيرة إليزابيث (ناتالي بورتمان) جرايسي (جوليان موور) وجو في بيتهم لقضاء وقت معايشة لفيلم مستقل تصنعه عن حكايتهما. ولكن ما هي هذه الحكاية؟
نشأت علاقة جرايسي وجو عندما مارست الأولى في ثلاثينياتها الجنس معه صبيًا، وأنجبت طفلها منه وهي في السجن، رغم ذلك، ورغم أن بداية تلك العلاقة كانت جريمة مبينة، فإن العلاقة استمرت لسنوات طوال بعد خروج جرايسي من السجن، والآن فإن أطفالهما يتخرجان من المدرسة الثانوية، وتزورهما إليزابيث في نفس السن التي كانت فيه جرايسي عندما عرفت جو. في النصف الأول من الفيلم، نرى إليزابيث في معايشتها الطويلة الغريبة لجرايسي وجو، ومحاولتها لإعادة بناء بعض المواقف من علاقتهم وفهم مشاعر جرايسي بالتحديد في ذلك الوقت، لكن مع مرور النصف الأول من الفيلم، تتحول إليزابيث نفسها إلى شخصية مختلفة ربما تقارب جرايسي للغاية ويصبح التفريق بينهم مستحيلًا.
المربك في الفيلم، أنه لا يحكي على الإطلاق عن شخصيات ذات أفعال أو نوايا طيبة، ورغم ذلك، فإنه يجعل من الصعب إطلاق أحكام أخلاقية على أي من الشخصيات، لعبة يلعبها هاينز مع المشاهد، فتربكه حتى في أكثر المواقف التي يتخيل أن يكون مُحددًا فيها.
4. Perfect Days
هل يمكن صناعة فيلم روائي ممتع تدور معظم أحداثه في مواقع المراحيض العامة اليابانية؟ هذا ما يؤكده المخرج الألماني المخضرم فيم فيندرز في فيلمه الأحدث «أيام ممتازة»، الذي تؤكده أيضًا براعة تصميم تلك الحمامات العامة.
يعود فيندرز بفيلم يكاد يكون هو العنصر الألماني الوحيد فيه، والباقي منه يابانيًا على مستويات اللغة والتمثيل ومواقع التصوير.
في أول نصف ساعة من الفيلم نشاهد البطل هيراياما (كوجي ياكوشو) عامل تنظيف المراحيض العامة في اليابان، وهو يقضي روتين يومه، بين عمله وهواياته. يصنع لنا فيندرز بورتريه عن تلك الشخصية. لكن ما الممتع في أن نشاهد ذلك، شيئان أولهما تصميم الحمامات اليابانية المُذهلة بكل التكنولوجيا المستخدمة بها سواء في إضاءتها مع احتفاظها بالخصوصية، أو من خلال التكنولوجيا المتعلقة بالمرحاض ذاته.
ثانيهما أن البطل ينظف تلك الحمامات، لكنه ليس كأي عامل نظافة، بل أشبه براهب بوذي يقوم بتنظيف معبده بدقة وتأن شديدين، وبعدما ينتهي يبدأ في الرجوع إلى بيته وتغيير ملابسه ثم ممارسة هواياته في التصوير الفوتوغرافي للأشجار، متعة ربما تشاهدها في إتقانه للأفعال وليست الأفعال ذاتها.
هكذا نتعرف على الشخصية الأساسية، أو لنقل على لب مكنونها الشخصي، من خلال لقطات ومشاهد تخلو تقريبًا من الحوار ولا تخلو من المتعة البصرية، ما قد يعد درسًا في تقديم شخصية البطل دون نوعية الحوارات الكاشفة أو الصوت المصاحب وغيرها من التقنيات السردية التقليدية. بعد ذلك التقديم الصامت، تبدأ بعض الأحداث في خرق روتين حياة هيراياما الهادئ، لنعرف كيف وصل إلى هنا ومن كان حقًا.
الملاحظة الأخيرة حول الفيلم تتمثل في أن جانب من المتعة هو في أداء كوجي نفسه، ولذي استحق عليه جائزة أفضل ممثل من مهرجان كان السينمائي هذا العام.
3. Fallen Leaves
يمكن اعتبار هذه المقولة مدخلًا لفهم أسلوب وسينما آكي كاوريسماكي، الفنلندي الذي يشكل وأخوه ميكا ثلث إنتاج السينما الفنلندية بأكملها.
على الرغم من ذلك، فإن أفلامه بشكل عام لا تستخدم أحدث التقنيات ولا تحكي قصصًا غرائبية، كلها قصص بسيطة عن أناس من الطبقة العاملة يقعون في الحب أو يتركون عملهم من الضجر، و«أوراق متساقطة» ليس باستثناء عن ذلك.
تدور أحداث الفيلم في العاصمة الفنلندية هليسنكي، حيث يبحث رجل وامرأة عن الحب في بار محلي، لكن يعترضهما أحداث عبثية وصغيرة كفقدان أرقام بعضهما أو عدم معرفتهما بأسماء بعضهما البعض. هكذا، حبكة بسيطة للغاية عن قصة حب، تُصنع بأسلوب كاوريسماكي المُعتاد ذي الأضواء والألوان البراقة وتصوير المدينة المسرحي، وتمثيل هزلي يشبه لذلك الذي في أفلام باستر كيتون أو تشارلي شابلن، ورغم ذلك، فإن من الصعب أن تشاهد الفيلم ولا يؤخذ قلبك به وبأبطاله، وهكذا أيضًا كان رأي لجنة تحكيم مهرجان كان التي منحته جائزتها في دورة المهرجان الفائتة.
2. Anatomy of a Fall
فيلم السعفة الذهبية هذا العام، هو من إخراج جوستين ترييه، ثالث امرأة تحصل على الجائزة في تاريخ المهرجان الطويل.
تعود ترييه هذا العام بدراما قضائية تمتد لأكثر من ساعتين، لكنها لا تفقد قوتها للحظة واحدة. ساندرا (ساندرا هولر) روائية متهمة بقتل زوجها الذي كانت تعيش معه في بيت معزول بجبال الألب، الذي سقط من النافذة. تخضغ لمحاكمة شرسة لمعرفة إذا ما كان ذلك السقوط بفعلها، وفي تلك المحاكمة يحاول المدعي العام استغلال جميع التفاصيل الشخصية الخاصة بحياتها أو بتسجيلات قديمة لها ولزوجها سويًا لإثبات التهمة عليها.
يبدو ذلك المُدعي وكأنه خصم شخصي وليس صوت القانون، إذ يقتبس سطورًا من رواياتها وحوارات صحفية معها للتدليل على أنها قتلت زوجها، في انحياز معتمد على مغالطات منطقية، انحياز يستبعد احتمال انتحار الزوج تمامًا. ذلك التحيز المسبق ضد النساء، الذي يُعد بمثابة المدخل الرئيس لفهم الفيلم.
فيلم ترييه، لا يركز فقط على تشريح سقوط الزوج جنائيًا، بل تُشرح علاقة الزوجين وعلاقتهما بابنهما الضرير. من خلال كل ذلك، تتعرض المخرجة لقضايا تربية الأطفال والتعليم المنزلي والاختيارات الراديكالية وأساليب الحياة المختلفة والتحقق المهني والنفسي وغيرها من المواضيع المعاصرة. كما تعتمد في أسلوبها على إدخال عدد من الأدلة البصرية التي تخدم شكل الفيلم مثل فيديوهات تخيل الحادثة وفحوصات الطب الشرعي لكي لا يتحول الفيلم إلى مناظرة كلامية طويلة.
ما يميز الفيلم حقًا، هو التعاطف وفهم منطق جميع الشخصيات، سواء الزوجة أو الزوج أو الابن، أو حتى المُدعي العام الذي إن نظرنا إليه من ناحية ثانية فربما يحاول تأدية عمله على أكمل وجه، ولعب دور محامي الشيطان لكي يستبعد أي احتمال للتهمة الجنائية قبل تبرئة البطلة.
كذلك فإن الفيلم متعدد المستويات، فربما يمكن فهمه كدراما جنائية مشوقة نسعى فيها لمعرفة الجاني، أو ربما هو فيلم سياسي عن الانحياز المسبق ضد النساء، وربما أيضًا قد يكون فيلمًا عن عائلة معاصرة وتعقيداتها التي ربما تشبه عديدًا من العائلات في عالمنا الحالي.
1. Poor Things
إذا افترضنا أن المخرج اليوناني يورجوس لانثيموس قد وصل إلى ذروته الفنية مع «سن الكلب» ثم اتجه لصناعة أفلام ناطقة بالإنجليزية يمثل فيها نجوم من أجل الوصول إلى جمهور أكبر، وخسر بذلك قسطًا من فنيته، فإن فيلمه الأحدث «أشياء مسكينة» ربما يكون قد حقق له التوازن المثالي بين الفنية والتجارية.
على الناحية التجارية، فهو يعتمد على نجوم بحجم ويليام دافو وإيما ستون ومارك رافالو، والفيلم ناطق بالإنجليزية أيضًا، أما عن الناحية الفنية، فربما يكون هنا قد وظف ضخامة الإنتاج التجارية لقول أفكار بدأها مع أفلامه الأولى وبينها «جبال الألب» و«سن الكلب»، أفكار فلسفية كبيرة لا تُعنى بالتعليق على العالم المعاصر فقط، بل هي ربما أفكار امتدت لقرون وبينها الأسرة النووية والعائلة والجنس.
بيلا باكستر، الشخصية الأساسية في الفيلم -في دور يعيد تقديم واكتشاف إيما ستون كممثلة مذهلة- هي ابنة لجادوين باكستر -دكتور فرانكشتاين بتصرف- وهي ذاتها تنويعة على فرانكشتاين، إذ إنها بجسد امرأة وعقل طفلة، لا تفهم أي شيء عن المحاذير الاجتماعية، وتتصرف بفطرية شديدة، وتنطلق في العالم الغرائبي الذي يخلقه لانثيموس متحركة بالفضول فقط، دون أي اعتبار لأي كان.
هذه الحدوتة المضحكة الغريبة ليست مختلفة تمامًا عن أفلام لانتيموس السابقة المشهورة بغرائبيتها. لكن هنا الأمر يختلف نظرًا لبناء عالم الفيلم وتصميم الإنتاج (الديكور) الخاص بالفيلم. عالم يُذكرك بعوالم ستانلي كوبريك البصرية من حيث الطموح والضخامة لا الاقتباس، أماكن مبنية بالكامل، تبعث فيك بديكوراتها المشابهة لأعضاء بشرية أو لسفينة سوريالية، ربما نفس شعور بيلا بالغرابة في ذلك العالم الذي يألفه جميع من حولها.
تذكرني تلك القصة بشكل ما بفيلم فيرنر هيرزوج «غموض كاسبر هاوزر» الذي يظهر فيه كاسبر في شبابه، بعد انعزال دام عن العالم منذ الطفولة، فيتعلم ويسائل كل شيء من جديد. لكن المختلف هنا أن البطلة امرأة وهذا يغير كثيرًا من التفاصيل، بخاصة تلك المتعلقة بالجنس والممنوع والمسموح في المجتمع، كما أن الفارق أن فيلم لانثيموس، يحتفظ بنفس الأفكار الفلسفية الموجودة في فيلم هيرزوج لكنه يقدمها بشكل كوميدي ساخر في فيلم مضحك وشديد الكآبة في الآن ذاته.
2023 كان عام الأسماء الكبيرة بامتياز، عودة لعديد من أساتذة الصناعة وفطاحلها، لكن في نفس الوقت هو عام حققت فيه النساء نجاحات تجارية و فنية كبيرة، وتعددت موضوعات الأفلام بين الهجرة وقضايا المرأة والعائلة والحرب العالمية الثانية وبين قضايا إنسانية عامة، إضافة إلى ذلك فإن السينما التجارية قد حققت أرقامًا هائلة في شباك التذاكر وأكدت أن قاعات السينما لن تنتهي كما توقع كثيرون مع صعود المنصات، وهو أمر مبشر لكل محبي الشاشة الكبيرة في العالم.