عشر علامات – الحلقة الرابعة
ذات مرة كانت هناك مطاردة مروعة في شارعنا بين بلطجي وتاجر مخدرات معروف، وبين رجال الشرطة. هذه حادثة شهيرة جدًا لن ينساها كل من عاش في شارعنا والكل يؤرخ لها.. يوم 19 فبراير صار مناسبة قومية لدينا. شارعنا أقرب للهدوء وأغلب من فيه يعرفون بعضهم البعض، لذا لم نتصور قط أن (جابر هَبو) أحد لوردات المخدرات الهارب من الشرطة، قد استأجر شقة مفروشة في البناية المجاورة لنا. عندما جاءت سيارات الشرطة وبدأ المخبرون يتسلقون الدرج، كان هبو ورجلاه قد وثبا إلى سطح البناية المجاورة .. لا بد أن شخصًا تعسًا ما قد وشى به ..
لم نكن نعرف أنهم مسلحون ببنادق آلية وأنهم خطرون لهذا الحد. كان الناس قد وقفوا في الشارع يراقبون هذه المباراة، وخرج الباقون يطلّون من الشرفات .. الفضول لدى المصريين يقهر أي شعور بالخطر، ولك مثال واضح في كل جسم متفجر يجده رجال المفرقعات .. يتحول الأمر إلى سيرك شعبي.
هنا كشف هبو عن أنه مسعور كالذئاب، مجنون تمامًا ..
استطاع عدد قليل منا أن يرى (هبو) يقف على سطح بناية ويسدد الرصاص للشارع حيث تناثر رجال الشرطة والمارة. لم تكن هناك فرصة للتصويب المحكم بل هو يطلق الرصاص كمن يرش الماء من خرطوم .. البلل للجميع …راتاتاتاتاتا تاتا !!!
تساقط عدد من رجال الشرطة والمارة، واستطعت أن أرى المهندس سمير وزوجته. كانا عائدين للبيت عندما وقعت هذه المعمعة .. وكان بالضبط في مركز إطلاق الرصاص من عَلِ .. لقد تساقط مَن على يمينه ومَن على يساره بينما ظل هو واقفًا وعلى وجهه علامات الذهول. في فيلم ساخر رأيت هذا المشهد من قبل حيث يلتحم النازيون مع رجال المقاومة الفرنسية .. يطلق أحد رجال المقاومة النار على الجمع المتلاحم فيسقط النازيون فقط !! لقد تذكرت هذا المشهد بالضبط ..
ماذا عن (جابر هَبو) ورفيقيه؟ ليس هذا موضوعنا .. القصة ليست بوليسية .. لربما قبض عليهم أو هربوا أو قُتلوا .. ليست قضيتنا كما قلت فهي مجرد حبكة فرعية كما يقول كتاب السيناريو، ولكن يبقى السؤال عن رجل وزوجته بلغ بهما الحظ الحسن أن يُطلَق سيل من الرصاص عليهما فيظلان سليمين .. فقط يبدو عليهما الرعب وينفضان الثياب ..
ما معنى هذا؟ معناه ببساطة أن هؤلاء القوم لا يموتون …
أولًا الولد الذي مرت فوقه سيارة .. ثم الأب والأم ..
ما تفسير هذا؟ أنت لا تموت لسبب واحد؛ هو أن تكون قد مت فعلًا أو أنت شبح …
الآن أفتش الحمامات على ضوء الكشاف ..
لا يوجد صابون أو شامبو .. لا توجد علامة واحدة على البلل .. هذا حمام قوم لا يستحمون أبدًا. بصعوبة فتحت الصنبور فتدفق منه ماء عصبي فائر لونه كالكولا. فلتقطع يدي إن كان هذا الصنبور قد فتح منذ أعوام …
ربما كان هناك حمام آخر في الطابق الثاني. من الوارد أنهم لا يستعملون هذا الحمام. على كل حال لقد أنهيت تقريبًا تفقد هذا الطابق باستثناء البدروم. سأنتظر قليلًا قبل رؤية الطابق الثاني . أخشى هذه اللحظة لأنني سأكون محاصرًا فعلًا .. لو جاءوا فلن أستطيع النزول …
ترى ماذا يفعل رأفت الآن؟
ننتقل الآن إلى العلامة التاسعة وهي بالغة الأهمية..
العلامة التاسعة (الشهود يختفون):
هذا هو ما يخيفني من سيناريو أن يجدوني فجأة في دارهم. القصة تتحدث عن طفل يدعى باسم .. كان يلعب الكرة مع رفاقه، ثم طارت الكرة لتنزل في حديقة هؤلاء القوم وتصطدم بسقف السيارة الخربة. هذا السيناريو يتكرر كثيرًا ..
يقول الصبية إنهم جميعًا قرعوا البوابة عدة مرات بلا جدوى، فقدوا حماسهم وتفرقوا .. وقرروا أن يجربوا استعادة الكرة عندما يظهر واحد من الأسرة. يخيل لي من اختفاء باسم الغامض والعثور على فردة واحدة من حذائه قرب سور البيت، إنه حاول أن يتسلق السور ليأتي بالكرة .. هذا يحدث كثيرًا كذلك، لكنه كان يحدث قبل ظهور الأسرة .. ثم أنه من الوارد أن يكون قد تمادى في حملته الاستكشافية. لم يعرف أحد ما حدث وأعتقد أن رجال الشرطة سألوا عنه أهل الدار بشكل روتيني، وبالطبع قيل لهم بشكل روتيني إنهم لم يروه .. لكني أنا وأنت نعرف أنهم رأوه .. رأوه جدًا لو كان هناك شيء كهذا.
أنت تعرف ما وجدته في الخزانة .. لم أخبر الفتيات طبعًا لكنك تعرف ما وجدته .. هذه عظام طفل. لربما سكن في هذا البيت من كان يدرس الطب يومًا، ولربما ترك العظام عندما غادر البيت، لكني أرى أن هذا احتمال بعيد .. أقرب احتمال هو أن هذه عظام باسم ..
سأتجنب هذا الجزء كي لا أضايق رانيه ورشا وهيام و .. و … اللاتي يستمعن لقصتنا، وسوف أثب إلى الجزء التالي مباشرة ..
يجب أن أرى البدروم ..
المكان الوحيد المضاء ليلًا، وهو ما ينقلنا لسؤال مهم: لماذا يحتاج الموتى الأحياء للضوء، خاصة إذا ما كانوا ينامون في ذات المكان؟ لا أعرف ..
على كل حال كانت هناك درجات هبطتُ عليها على ضوء الكشاف … رائحة عطنة قوية ..
الضوء منطفئ .. لا أجرؤ على أن أضيء أي شيء على العموم، لكن من الواضح أنهم يعيشون هنا.
أقف عند قمة الدرجات وأمسح المكان على ضوء كشاف. هناك صناديق فعلًا لكن حجمها لا يسمح بوجود جثث .. لن ينهض أحد على طريقة أفلام هامر ليفتك بي.
لكن المشكلة الحقيقية هي وجود حفر في الأرض الترابية، حفر عميقة .. من الواضح أنها خمس … هناك رفش جوار الحفر. هل هناك من أخرج خمسة أشياء من الأرض؟ متى؟ وما كنه هذه الأشياء؟
لو تركت لخيالي العنان لقلت إن هؤلاء القوم كانوا مدفونين هنا. ومن أخرجهم إذن؟
واصلت الهبوط في ضوء الكشاف والأفكار تتدافع كموج البحر ..
هذه أسوأ لحظة ممكنة كي تكون هناك درجة مكسورة، وكي تتعثر ويلتوي كاحلك .. وكي تتدحرج لتسقط على الأرض وسط التراب ..
الألم لا يوصف ولا يُصدّق .. هذا تمزق في أربطة الكاحل على الأرجح .. يمكنني أن أرى التورم في ضوء الكشاف ..
هل أسمع صوت بومة؟
لا فارق هنالك .. بومة أو لا بومة .. أنا سأظل هنا يا رأفت .. لن أستطيع الحراك إلى أن يعود أفراد الأسرة الكريمة الذين تنطبق عليهم تسع علامات من علامات الموتى الأحياء !!
يمكن قراءة كل أجزاء القصة من (هنا)