عشر علامات – الحلقة الثانية
العلامة الثالثة (هم لا يذهبون لمكان):
كان الفضول يعذبني حقًا لمعرفة شيء عن هذه الأسرة. كما قلت لك فإن ما لا تعرفه أمي هو لغز . انتظرت بعض الوقت حتى نظرت من النافذة، فرأيت الزوجة – مدام ناجي – تغادر البيت مع ابنتها. كان هذا وقت الغروب تقريبًا، ورأيت الابن الأصغر يغلق الباب من الداخل بجنزير.
ارتديت ثيابي بسرعة البرق، وسرعان ما كنت أتواثب على درجات السلم، إلى أن بلغت الشارع.. استطعت أن أراهما هناك على بعد خمسين مترًا .. بعد دقيقتين سوف تختفيان عند المنعطف الأيمن. رحت أركض بسرعة كي ألحق بهما، وقد نجحت في تقصير المسافة …
هنا شعرت بمن يوشك على الاصطدام بي.. نظرت لليسار لأجد الزوج قادمًا من لا مكان. كان الموقف مربكًا بحق .. في عينيه نظرة شك رهيبة .. كان من الواضح تمامًا أنني أجري لألحق بزوجته وابنته.
هززت رأسي محييًا وتظاهرت بأنني توقفت لأشعل سيجارة.
مر بي وجدّ السير ليلحق بهما. أما أنا فصار من العسير أن أواصل الاقتفاء… لو نظر للخلف ورآني فلسوف يفتك بي.
بعد أيام خرج سمير ناجي مع ابنه .هذه المرة انتظرت حتى ابتعدا ثم مضيت وراءهما بخطوات حثيثة. كما هي العادة دخلا المنعطف الأيمن، فلحقت بهما …
كانا يبتعدان ومن الواضح أنهما لا يتبادلان أي كلام. منحنى آخر على اليسار سوف يقود للشارع الرئيس. يجب أن أسرع حتى لا يذوبا في زحام الماشين في الطريق المزدحم …
كان الطريق الجانبي عبارة عن زقاق ضيق لا أبواب فيه .. لا توجد فتحة مجرور لو خطر لك هذا. لا يوجد برميل قمامة كبير .. هل لديك تفسير يشرح لماذا لم أجدهما في الزقاق؟، أين ذهبا؟، أعرف أن الزقاق سوف يحتاج قطعه لثلاث دقائق.. لن يصلا للشارع بهذه السرعة.
لقد تلاشيا باختصار شديد ..
كررت هذه التجربة مرتين بعد ذلك، وفي كل مرة كانت النتائج مربكة .. في لحظة ما تفقد أثرهم. خطر لي أن ألجأ لأساليب الشرطة، بحيث ينتظر صديق لي عند نقطة معينة ثم أرحل ويتولى هو المراقبة، ويسلم الأمر لشخص ثالث .. لكني لن أجد أصحابًا رائقي المزاج لهذا الحد.. سوف يحسبونني مجنونًا.
لو كانت هذه تجربة في مختبر الكيمياء فنتيجتها ببساطة هي: أسرة المهندس سمير ناجي تخرج لكنها لا تذهب لأي مكان .. الاستنتاج هو: …لا أعرف …………..
أواصل التفتيش .. الشعاع الرفيع الخارج من الكشاف يسقط على قطع الأثاث .. في كل لحظة أرى شيطانًا يوشك على تمزيقي، ثم أدرك أنه خيالي الخصب .. هناك شيء اسمه باريدوليا يجعل مخك يتخيل معنى لأي شكل لا معنى له، لهذا تتحول هذه المنشفة إلى وجه مرعب يتابع حركتي ..
هل صوت بومة؟
أعرف ان البومة تقول هووووووه … الغربيون يعتقدون أنها تنطق who (من؟) بنفس منطقنا عندما نحسب الخراف تطلب الماء. هذا الصوت يصلح صوت بومة .. فهل ..؟ تصلبت للحظات وقلبي يوشك على التوقف. هل يعودون؟ لا بد من فترة كافية كي أتوارى قبل أن أقع في يدهم…
بعد لحظات أخرى قدرت أنه إنذار كاذب .. لو كانوا قادمين لكانوا فوق رأسي الآن ..
هذه غرفة نوم .. يبدو أنها خاصة بالأولاد… هم م م ! غرفة نوم أخرى للأبوين كما واضح … هذا يؤكد لي العلامة الرابعة ..
العلامة الرابعة (هم لا ينامون في الأسرّة أبدًا):
الأسرّة مرتبة تمامًا ولا يبدو أن أحدًا كان نائمًا عليها .. الأهم هو أن هناك طبقة غبار سميكة على الملاءات .. الأمر لا يتعلق بسيدة بيت منظمة، بل يتعلق بأسرة لا تنام في الفراش منذ أسابيع ببساطة. أين ينامون إذن؟. لم أرهم يحملون حقائبهم ويتجهون إلى فندق …
كنت قد توصلت لاستنتاج مماثل من مراقبتي لبيتهم. تعرف أنني في موضع إستراتيجي يكشف لي الفناء وواجهة الطابقين. لم يكن هناك نور في أي وقت في الطابقين .. بينما النور الوحيد كان ينبعث طيلة الليل من غرفة صغيرة في البدروم. نوع الغرف التي تبنى تحت الأرض ولها نافذة تسمح للموجودين برؤية العالم الخارجي. لماذا يضيئون هذه القاعة المفترض أنها خالية؟ النافذة مدعمة بقضبان، وموصدة بزجاج مصنفر .. لكن لربما تمكنت من الدوران حول البيت وإلقاء نظرة على هذا البدروم .. هذا بالطبع لو لم أستطع دخوله من داخل الشقة.
الاستنتاج الذي توصلت له قبل دخولي هنا هو أن هؤلاء القوم ينامون في البدروم. الآن أجد أن الفراش لم يُمس، وهذا يؤكد ما جال بذهني ..
ذكروني أن أحاول الوصول للبدروم. أنا متأكد من أنهم جميعًا غادروا البيت فلن تكون هناك مفاجآت قذرة .. هذا بالطبع ما لم أجد ما يجده كل أبطال أفلام الرعب: توابيت ينام فيها مصاصو الدماء الذين يستيقظون هنا والآن. لكني سأفترض أني محظوظ هذه الليلة . سوف تبقى رقبتي سليمة ..
ماذا يوجد في هذه الخزانة؟
اللعنة .. لا داعي للشرح … هناك آنسات رقيقات هنا، وأنا لا أريد أن أزعجهن .. فلنغلق هذه الخزانة اللعينة ونواصل البحث. بالمناسبة ماذا يوجد في الثلاجة؟
في أفلام الرعب تكون هناك دومًا مفاجأة لعينة أخرى. رأس الاستحواذ يكون محفوظًا في الثلاجة غالبًا .. سوف ترى .. سوف نرى …
خطوات حذرة نحو الثلاجة في الصالة جوار باب غرفة النوم ..
ضع المنديل على فمك حتى لا تفرغ معدتك … من الغباء أن تتقيأ هنا في دارهم ..
هوب ….
فارغة .. الثلاجة فارغة .. هذا يذكرني بالعلامة الخامسة ……
العلامة الخامسة (لا يبدو أنهم يأكلون):
لم ير أي واحد هؤلاء القوم يبتاعون طعامًا .. ليس هناك بائع خبز يمر على البيت .. ليس هناك صبي قصاب أو بائعة خضر. بائعة اللبن مندهشة لأنها لا تصدق أن هناك من لا يبتاع اللبن في العالم. قالت لها أمي إن السبب هو أن لبنها فاسد مغشوش.. قالت البائعة إن عليهم أن يجربوا مرة واحدة ليعرفوا إن كان مغشوشًا. دعني أؤكد لك أنهم بلهاء .. لو كانوا موتى أحياء فلسوف يحبون هذا اللبن المغشوش بالفورمالين جدًا.
لم أر الرجل يحمل كيس خضر أو فاكهة قط، ولم أر الزوجة تبتاع شيئًا من أي مكان. ربما يحدث هذا في أوقات معينة، لكن متى؟ أنا أراقبهم أربعًا وعشرين ساعة يوميًا بلا مبالغة. هل يوجد باب آخر؟ بالطبع لا. هؤلاء القوم لا يأكلون. أعرف هذا يقينًا …
هذا يجعلني أكثر قلقًا … أنا في بيت قوم لا تعرف من أين جاءوا ولا لأين يذهبون.. قوم لا يتركون ظلاً على الأرض ولا يأكلون ولا ينامون ..
والألعن لو أنهم عادوا لبيتهم في هذه اللحظة بالذات قبل أن يعرف رأفت كيف تصيح البومة!.
يمكن قراءة كل أجزاء القصة من (هنا)