ما إن طُرح برومو مسلسل «الملك» حتى انفجرت عاصفة من الجدل بسبب كمِّ الأخطاء التاريخية التي سيطرت على الأحداث المعروضة، والتي أثارت موجات عارمة من النقاش، ما بين مُهاجم لها، وبين مُعارض هنا.

https://www.youtube.com/watch?v=3e2qpZD_uvo

بالتأكيد، إن العمل الفني لا يجب أن يكون صورة مُطابقة للتاريخ، لكن بالتأكيد إن كثيرًا من الثوابت التاريخية يجب أن تُراعَى حال الإقدام على تجربة كإنتاج مسلسل تاريخي يتعرّض لشخص لعب دورًا محوريًّا في تاريخ مصر؛ مثل الملك أحمس.

أول هذه الأخطاء أنه في هذا العصر لم يكن هناك «مصر» ولا «هكسوس»، فمصر حينها كانت تُعرف بلقب «كيمت»، أما كلمة الهكسوس فلقد ظهرت بعد سنوات كتحريف لجملة «حقا خاسوت»، أي حكام البلاد الأجانب.

في هذا التقرير ننتصر إلى الجانب التاريخي، حلّلنا البرومو بروح المؤرخ لا الناقد، وعثرنا على كومة من الأخطاء التي لم يجب تواجدها أبدًا في عملٍ كهذا.

المعمار

 

ذلك المشهد الذي يظهر لنا في اللحظة الثانية من «البرومو»، لا نعرف بعد إن كان قصرًا أم معبدًا، طالما لم نشاهد المسلسل كاملاً، لكنه في كلتا الحالتين سيتضمن خطأً تاريخيًا كبيرًا.

في حالة إذا كان المقصود بالبناء أن يكون قصرًا فرعونيًا، فوفقًا لدراسة دكتور خالد شوقي البسيوني أستاذ الآثار المصرية القديمة، عن المناظر التصويرية في القصور والمنازل الفرعونية، فإنه يؤكد أن كافة قصور الملوك في عصور الدولة القديمة والوسطى والحديثة اندثرت ولم يتبقَ منها أي معالم حجرية نستطيع أن نستدل منها على شكلها، ولا يتبقى لنا إلا الرسوم والنقوش الموجودة على جدران بعض المقابر، أو محتويات البرديات التي أوضحت لنا شكل الحياة اليومية عند المصري القديم.

وأشهرها، بردية خوفو والسحر «بردية وستكار»، المحفوظة في المتحف البريطاني، والتي شرحت لنا نمط الحياة داخل القصور الملكية في عصر الدولة القديمة بما اشتمل عليه من غناء وبحيرات وأحواض للمياه، أما عن عصر الدولة الوسطى فكشف لنا تفاصيله الملك أمنمحات الأول (الأسرة الثانية عشرة)، خلال حديثه عن قصره في برديته الموجودة في المتحف البريطاني، والذي وصفه بأنه «محلى بالذهب وسقفه من اللازورد وأبوابه من النحاس ومزاليجه من البرونز»

 ويضيف لنا الأمير سنوهي عن نفس القصر في برديته المحفوظة في متحف برلين، أن «باب القصر الملكي كان يسمى الباب المزدوج العظيم وكانت تتقدمه تماثيل أبي الهول وكانت على ربوة مرتفعة ويتقدم فناء القصر ثكنات الحرس الملكي، وكان هذا في مدينة الهرم التي أنشأها الملك سنوسرت الثاني عند المجموعة الهرمية في اللاهون».

ومن هذه البرديات المرجعية الأساسية، التي شكّلت رؤيتنا لشكل القصر الفرعوني في مختلف العصور يكون أمامنا مجموعة من الأخطاء، أولها تمثال آمون الذي يتوسط الحائط الذي أمامنا في فناء القصر، هو خطأ لم يرد لدينا دليل على وجوده، كما أن الحائط نفسه الذي استكان فيه التمثال فلم يرد له وصف معماري بهذا الشكل، في أي منشأة سواء دينية أو جنائزية أو معمارية، وأقرب نمط معماري فرعوني لهذا الشكل هو تلك الأبراج التي في واجهة معبد مدينة هابو التي أمر رمسيس الثالث بتشييدها على نمط القلاع السورية التي تُعرف بِاسم «مجدل»، وهي في جميع الأحوال ليست شكلاً معماريًّا مصريًّا.

كما أن المعتاد في القصور الفرعونية، أن الحراس كانوا يتواجدون بالخارج في ثكنات وليس في الداخل بهذا الشكل.

أما إن كان المقصود بالبناء أن يكون معبدًا، فسيكون وجود البحيرة خطأ لا شك فيه، فلا وجود للبحيرات في فناء المعبد في العمارة المصرية القديمة، بل توجد البحيرات بشكل منفصل، مثلما نرى بالبحيرة المقدسة في معبد الكرنك التي بناها الملك تحتمس الثالث للإله آمون، أو في بحيرة معبد دندرة، التي بُنيت في عصر البطالمة.

 
 

كذلك فإن المعابد الفرعونية لم تكن تُحاط فيها تماثيل الآلهة بحائط كالموجود في المشهد، بل كان يقتصر وجود تمثال الإله في غرفة قدس الأقداس، والتي تقع أعلى نقطة في المعبد، ولا يدخلها إلا كاهن مخصص لهذا والملك فقط، وأيضًا، إن كان هذا البناء معبدًا فإن العامة لا يكون مسموحًا لهم بدخوله، بل يُقدمون القرابين ويصلون من الخارج، أما النبلاء فلا يدخلون إلا في الاحتفالات وفي وجود الملك فقط.

اللحية

عمرو يوسف من مسلسل «الملك» المستوحى من رواية «كفاح طيبة» لنجيب محفوظ. تدور الأحداث حول قصة الملك أحمس، وتحريره لجنوب وشمال مصر، وطرد الهكسوس من طيبة.
Synergy تامر مرسي / يوتيوب

في الثانية التاسعة من البرومو ظهر الفنان عمرو يوسف بعينين خضراوين ولحية كثيفة، بالتأكيد هذه ليست ملامح مصرية قديمة، وبسبب الهجوم الذي تعرّض له صنّاع العمل بسبب هذا الخطأ، حاول أمير عبد العاطي مهندس الديكور الذي أشرف على المسلسل، تبرير ذلك بدعوى أن حلاقة اللحية من سمات الملوك والكهان، وأن أحمس كان من العوام وليس ملكًا لهذا كانت لديه لحية.

لنرَ إن كان هذا صحيحًا، هذا تمثال لأحمس في متحف بروكلين في نيويورك يرتدي فيه تاج الجنوب، ويظهر فيه بدون لحية.

 

أما عن الادعاء بأن الملك أحمس كان من عامة الشعب، فيكشف لنا دكتور أحمد فخري في كتابه مصر الفرعونية، جانبًا من نسب الملك أحمس، بأن أم الملك أحمس هي «إعج حتب» زوجة الملك «سقنن رع»، وأن جدة أحمس هي الملكة « تتي شيري »، فهذا لا يعني أنه كان من عامة الشعب بل كان من نسل الملوك.

وللقضاء على ما تبقّى من تصريحات مهندس العمل، فإن حتى عامة الشعب المصري الفرعوني لم يكن له لحية، فلا يوجد أي صورة في الحياة اليومية للمصري القديم بها لحية، فلدينا على سبيل المثال مقابر دير المدينة بالأقصر، وهي مدينة أنشئت للعمال الذين يعملون في المقابر في وادي الملوك، لا يوجد لهم لحية، فكان يعتبر المصري القديم أن إطالة اللحية تصرف همجي.

وفي هذه الصورة، مثلاً، نرى «سن نجم» في المقبرة التي تحمل الرقم (TT1) الذي كان رئيسًا للعمال في دير المدينة يحصد محصول الكتان مع زوجته، ونتبيّن من الصورة ملامحه المصرية الخالصة كالعيون السوداء ولون البشرة القمحي، وكما يظهر فإنه بلا لحية.

 

وربما كانت الرؤية الفرعونية المتدنية لِلّحية سببًا في إلحاقها بأعدائهم في نقوشهم، فعندما أراد الفنان الفرعوني التفرقة بين أهل وطنه وأعدائهم رسم الأعداء بلحية طويلة.

ووفقًا لبحث Earlier historical records of Ramses III، المُجاز من جامعة شيكاغو، فإن الصور التوضيحية التي أراد بها الفنان الفرعوني تخليد حروب الملكين رمسيس الثاني والثالث من الحيثيين على جدران المعابد، فرسم جانبًا من معركة قادش الشهيرة، جعل بها الفارق الواضح بين المصريين والحيثيين، بعدما مُيِّز الحيثيون باللحية والملابس الطويلة.

 

مدخل المعبد

المعابد التي وصلت إلينا سالمة تنتمي جميعها إلى عصر الدولة الحديثة، أما الباقية فقد هُدمت جميعها، وبالتالي فإننا لا نعرف، تحديدًا، شكل المعابد خلال فترة احتلال الهكسوس، لكن أقربها زمنيًّا هو معبد منتحتب الثالث من الأسرة الحادية عشر، ويقع في الدير البحري بالأقصر، وهو مُدمّر تمامًا الآن، لكنه في تصميمه كان يُشبه معبد حتشبسوت الذي بُني على غراره، وهذا رسم يوضح شكله السابق وهو المعبد الذي يقع في أقصى يسار الصورة.

 
 

وفي جميع الأحوال، فإن هذا الشكل القائم في المسلسل لم تعرفه المعابد المصرية بكافة أنواعها؛ الجنائزية منها أو التي أقيمت كتخليد للذكرى.

مشهد الملك سقنن رع

حمل المشهد الواحد الذي وقف فيه الملك «سقنن رع» داخل قاعة عرشه العديد من الأخطاء التاريخية.

 

أولها العرش الذي كان يجلس عليه، فلم يظهر لنا في الرسوم المصرية القديمة أو الآثار المكتشفة مثل هذا الشكل لكرسي العرش، وإن كان يُشبه في تصميمه كثيرًا شكل كرسي العرش للملك توت عنخ آمون.

 

يُمثل شكل الكرسي في المعتقد المصري القديم الإلهة إيزيس، فنجد في بحث نُشر سنة 2013 على موقع Isiopolis المعنى بالدراسات الأثرية، وتحمل عنوان  “What is Isis’ Connection with the Throne“، أن كلمة إيزيس في اللغة المصرية القديمة تعني العرش، وهنا نتذكر أن التاج الذي كان يُوضع على رأسها في النقوش كان على شكل كرسي، ما يحمل رمزيتها.

 

وهنا تُحدثنا الدراسة عن فكرة الثالوث المقدس لإيزيس وأوزوريس وحورس، فعندما يجلس الملك على العرش يمثل هذا الثالوث، يمثل كرسي العرش إيزيس، وتمثل ملابس الملك أوزوريس، والملك نفسه يمثل حورس. وهنا يكون المخرج قد وقع في خطأ كبير بعدما وضع إيزيس نفسها على العرش، والتي يظهر منها جناحاها في المشهد، وذاك يعني أنها تمثلت مرتين، مرة منقوشة على العرش ومرة في معنى العرش ذاته، وهو ما لم يكن معروفًا في الثقافة الفرعونية.

 

ثاني هذه الأخطاء هو التمثال الذي يظهر خلف الملك، وهو يُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ جدًا تمثال الملك منكاورع في عهد الدولة القديمة، وتحديدًا الأسرة الرابعة، والموجود الآن في المتحف المصري بالتحرير، والذي يفصله عن سقنن رع، أكثر من 900 سنة تجعل الاستعانة بتمثاله في الغرفة الرئيسية لملك آخر أمرًا مستحيلاً ومخالفًا للثقافة الفرعونية.

 

ثالث أخطاء المشهد، هو أنه وفقًا لكتاب الدكتور عبد الحليم نور الدين «الملابس والأزياء في مصر القديمة»، لم يعرف المصريون القدماء الرداء الطويل إلا في عصور ما بعد الدولة الحديثة، وكان منقوشًا، شفافًا، ويكاد يصل حجمه إلى ضعف طول الشخص، وبناءً على هذا يكون من المستحيل وجود هذا الرداء في عصر أحمس والهكسوس. وكذلك، فإن الحزام الذي يرتديه الملك لا يوجد له شبيه في أزياء المصريين القدماء.

رابع أخطاء هذا المشهد هو التاج، فعندما حكى دكتور أحمد فخري في كتابه «مصر الفرعونية» عن الشجاع سقنن رع الذي حكم طيبة، والتي تقع في مصر العليا (الجنوب)، كان التاج الخاص بها هو التاج الأبيض وليس الأحمر كما يظهر في المشهد.

 

وأخيرًا، فإن الملكة إيح حتب أو إيع حتب زوجة الملك سقنن رع، والتي ظهرت جوار الملك واحتفى التاريخ بشجاعتها، لها غطاء تابوت عليه رسم يوضح شكلها ومجوهراتها والخاتم الخاص بها في متحف اللوفر.

 

لكن المخرج أراد، لسببٍ مجهول، أن يجعلها ترتدي تاج الملكة نفرتيتي زوجة الملك إخناتون من الأسرة الثامنة عشر.

 

الأقراط في الأذن

 

في هذا المشهد تقف الممثلة مها نصار، وهي ترتدي قرطًا في أذنها، ووفقًا لكتاب «فنون صناعة الحلي في مصر القديمة» لدكتورة آمال الألفي، فإنه من المستحيل أن يكون هذا الشكل من الأقراط ظهر في عهد أحمس.

فصحيح أن الظهور الأول للأقراط كان في عهد الأسرة الـ18 التي أسسها أحمس، لكن أول ظهور موثق لها كان في عهد الملك تحتمس الرابع من نفس الأسرة، والذي أتى بعد الملك سقنن رع (والد أحمس) بأكثر من 150 عامًا.