الطلاق هو إحدى سُنن الحياة، ولكن في مصر مؤخرًا، صار ظاهرة اجتماعية لافتة. فخلال عام 2016، احتلت مصر المركز الأول عالميًا في معدلات الطلاق.

وطبقًا للإحصائيات الصادرة عن مركز معلومات مجلس الوزراء، ازدادت نسبة الطلاق من 7% إلى 40% خلال الخمسين عامًا الأخيرة، حيث يقع نحو 240 حالة طلاق يوميًا بمعدل 10 حالات كل ساعة. ووفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت تلك المعدلات بنسبة 15% فقط خلال الفترة من يونيو/حزيران 2016 وحتى الشهر المماثل لعام 2017.

صحيح أن الوضع لم يمثل استثناءً بين الدول العربية، إذ بلغت معدلات الطلاق في السعودية ما يقرب من 8 حالات طلاق كل ساعة، ووصلت في الجزائر لنحو 6 حالات كل ساعة، إلا أن الدوافع وراءه اختلفت من دولة لأخرى، وفي مصر تنوعت تلك الدوافع بين الاقتصادي والاجتماعي. ولكن، تظل المعضلة الحقيقية في مصر، في مرحلة ما بعد الطلاق.


الاقتصاد والتكنولوجيا وعوامل أخرى

لا شك في أن الطلاق هو ظاهرة اجتماعية معقدة، شأنها شأن سلوكيات الإنسان بشكل عام، ولكن دائمًا ما يحاول العلم البحث عن أقرب تفسيرات لهذه الظواهر. وفيما يلي أبرز دوافع الارتفاع غير المسبوق في معدلات الطلاق في مصر:

العامل الاقتصادي

لا يمكن إنكار دوره في رفع معدلات الطلاق، ففي الوقت الذي تعاني فيه مصر من ويلات أزمة اقتصادية وتداعياتها على الحياة الاجتماعية، لوحظ ارتفاع بالتوازي بين تلك المعدلات والأزمة الاقتصادية.

وهذا بالفعل ما أشارت إليه أبحاث مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، حيث أكدت أن العامل الاقتصادي كان له الدور الأكبر في حالات الطلاق والتفكك الأسري في مصر. فالفقر وعدم القدرة على مواكبة غلاء الأسعار يحاصران معظم الأسر، وخاصة محدودي الدخل.

وتبدأ القصة تدريجيًا بأن يقود الفقر إلى مشاحنات، وسخرية. هذا فضلًا عن تبادل الاتهامات وإلقاء المسئولية من كل طرف على الآخر. فالزوجة تدفع الزوج للبحث عن عمل إضافي وتوفير دخل أكبر، والزوج يتهم الزوجة بعدم التوفير في الإنفاق، وتتفاقم الخلافات مع وجود الأطفال، ما يؤدي في النهاية إلى سوء العلاقة ومن ثَمَّ الطلاق.

مواقع التواصل الاجتماعي

يرى البعض أن الحديث عن دورها في رفع معدلات الطلاق أمر مبالغ فيه، إلا أن الإحصائيات على أرض الواقع تشير إلى العكس من ذلك. فطبقًا للبيانات الصادرة عن جهاز التعبئة والإحصاء، شهد عام 2016 وقوع أكثر من 75 ألف حالة طلاق من بينها نحو 40 ألف حالة بسبب انشغال الزوج عن زوجته بموقع التواصل الاجتماعي.

ولا يتوقف الأمر عند مجرد الانشغال، بل يتعداه إلى الخيانة، صحيح أنها ليست المسئول الأول عن عمليات الخيانة، إلا إنها منحت الفرصة من لديهم استعداد للخيانة ليقوموا بذلك دون عناء. كذلك لا تقتصر حالات الخيانة عند الأزواج فقد بل تمتد إلى الزوجات.

وإذا كان بعض الأزواج يلجئون إلى مواقع التواصل بهدف الخيانة، فإن آخرين يجدون أنفسهم منساقين وراء فعل الخيانة، حيث يبدأ الأمر بتعارف يتطور إلى علاقة عاطفية قد تبقى محصورة بين جدران العالم الافتراضي، وقد تنتقل إلى الواقع.

فحسب دراسة جديدة نشرتها جامعة «بوسطن» الأمريكية، فإن 32% من مستخدمي فيسبوك يفكرون جديًا في الابتعاد أو هجر شريك حياتهم. وطبقًا لدراسة نشرتها «ديلي ميل» كانت مواقع التواصل أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع الطلاق. فهناك حالة من كل سبع حالات طلاق كانت بسبب مواقع التواصل، حيث حصلت الزوجات على دلائل لخيانة الأزواج والعكس.

قانون الخلع

بات الوسيلة الأسهل للمرأة للحصول على الطلاق بحكم قضائي في حالة رفض الزوج تطليقها بإرادته المنفردة، ما أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق والعنوسة معًا. فطبقًا للإحصائيات الرسمية تم رصد 250 ألف حالة طلاق في عام 2015، بلغت دعاوى الخلع منها 58 ألف دعوى.

دوافع نفسية واجتماعية

تتنوع تلك العوامل بين الجواز السريع، ورغبة العديد من الفتيات في الارتباط بدافع الغيرة من زواج أو خطبة صديقاتها أو جاراتها، ما يؤدي إلى علاقة مصطنعة بين الطرفين، حيث يسعى كل طرف إلى الظهور بمظهر الشخص المثالي، ثم ينكشف الوجه الآخر مع بدء الحياة الزوجية، وتظهر سلبيات كل شخص، فيُصدم شريك الحياة. هذا فضلًا عن تدخل الأهل والأحلام الوردية التي يتوقعها كل طرف، متناسين أعباء الحياة الزوجية.


المطلقات: مأساة لا تنتهي

ها هي تتذكر حياتها الماضية. لا تعرف إذا ما كان عليها أن تفرح أم تحزن. فقد تزوجت للمرة الثانية بعدما توقفت بها سفينة الحياة بمنتصف الطريق. وأخيرًا تخلصت من لقب مطلقة، ذلك الكابوس المرافق لها أينما ذهبت.

ظنت في البداية أن حياتها ستتحسن، وإذ بها تنتقل من مأساة إلى أخرى، وهذه المرة مع زوجها الجديد. رجل يكبرها سنًا. لا تربطه بها أي علاقة سوى أنه أراد أن يتزوج. عليها أن تخضع له، فلا يمكنها العودة إلى حياتها السابقة كمطلقة. فالألم هذه المرة سيكون أقوى وأكثر عنفًا، ولن يرحمها أحد.

هكذا حال «أماني» وغيرها من المطلقات اللائي يعانين أزمة حقيقية جراء الطلاق. فيحملها المجتمع مسئولية فشل حياتها الزوجية، وتحيطها نظرات الاتهام بالتقصير في كل مكان، ولا يدقق الكثير فيما إذا كانت هي الجاني أم المجني عليها.

من يتعامل معها من الرجال إما يتعامل باحتراز فيتجنب الحديث معها، وإما يراها فرصة للوصول إلى مبتغاه. ولأنها مطلقة، تواجه حظًا عاثرًا في الزواج مرة أخرى، كزوجة أولى لرجل أو شاب لم يسبق له الزواج، فتضطر غالبًا إلى القبول بزوج يكبرها سنًا أو أرمل وربما لديه أولاد، أو تقبل بأن تكون زوجة ثانية.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب. فالمطلقة تحاصرها المشاكل من كل صوب، بدءًا من تلك الاتهامات بعدم تحمل المسئولية، انتقالًا إلى محاكم الأسرة وما يتلوها من معارك، خاصة إذا كان الطلاق شفهيًا. ففي الكثير من حالات هذا الطلاق ينكر الزوج الطلاق ويرفض توثيقه. وحينها تضطر المرأة لرفع دعوى بمحكمة الأسرة لإثبات الواقعة. وربما تذهب لدار الإفتاء فتحصل على فتوى رسمية تفيد بوقوع الطلاق شرعًا، بينما تظل في نظر القانون زوجة لطليقها. فالقانون لا يعترف بالطلاق إذا أنكره الزوج، إلا إذا استطاعت الزوجة إثباته بالشهود.

وعادة ما يقع الطلاق الشفهي داخل منزل الزوجية، أو يصرح به الزوج في مكان آخر فلا يطلع عليه غيرهما،ولا يمكن للمطلقة في هذه الحالة الإتيان بشهود، فتظل أسيرة لهذا الطلاق.

تؤكد «آمال» أن زوجها دائمًا ما اعتدى عليها بالضرب والعنف، وكثيرًا ما طلبت الطلاق، إلا أنه كان يرفض. وفي إحدى الليالي نشب بينهما خلاف كبير قام الزوج على إثره بتطليقها.

«أخيرًا قالها، أنتِ طالق بالثلاثة.. أخيرًا تخلصت من تلك الحياة البائسة».. هكذا ظنت في البداية، إلا أن المأساة لم تكن لتنتهي عند هذا الحد. فقد أنكر الطلاق، فبقيت هي عالقة . استمر الأمر ما يزيد عن ستة أشهر، ظلت آمال خلالها رهينة لرغبته، فلا هي متزوجة ولا هي مطلقة. لم يكن أمامها سوى التنازل عن كل حقوقها في سبيل استعادة حريتها.

لحسن حظها كانت آمال من أسرة ميسورة ماديًا إلى حد ما. لم تشكل الأمور المادية عائقًا أمامها، ولكن ماذا عن غيرها من النساء؟ ماذا لو لم يكن لديهن مورد للدخل؟ كيف يمكنهن الإنفاق على أبنائهن؟

ففي هذه الحال يكون أمامهن خياران، كما أشار تقرير هيومن رايتس ووتش عن المطلقات: إما البقاء في كنف الزواج وقد يتعرضن للأذى البدني والنفسي، أو الدخول إلى ساحات المحاكم ما قد يستغرق سنوات طويلة يعمد فيها بعض الرجال إلـى التحايل على القانون تهربًا من دفع النفقة الزوجية. وتضطر المرأة خلالها إلى التراجع عن مطالبها مع تزايد الأعباء المالية عليها وعدم قدرتها على مواصلة الإنفاق.


ماذا لو كانت المطلقة طفلة؟

إذا كانت تلك المأساة لا تتحملها النساء البالغات، فماذا عن المطلقات من الأطفال؟ كيف ستتعايش الطفلة المطلقة بعد أن كانت قبل شهرين من زواجها بنتًا تلهو وتقفز؟ فها هي انتقلت من الطفولة المغمورة بالبراءة إلى بيت الزوجية، وما هي إلا فترة قصيرة حتى تحولت من زوجة قاصر إلى طفلة مطلقة. فبين زفاف وثوب أبيض وبين ليالٍ مريرة قضتها مع رجل يكبرها سنًا سُرقت طفولتها، وفي نهاية المطاف وجدت نفسها مطلقة لا تملك عقدًا رسميًا يثبت زوجها ولا يمكنها بالتالي إثبات طلاقها.

تروي «فيكتوريا» إحدى ضحايا زواج القاصرات مأساتها. فمثلها مثل العديد من بنات قريتها تزوجت دون أن تبلغ السن القانونية، شهر واحد فقط كانت مدة هذا الزواج، وبعدها وقعت المصيبة. فالزوج لا يعترف بهذا الزواج، والمأذون ينكر مسئوليته، ولا تملك هي عقدًا رسميًا يمكنها من إثبات زواجها، أو حصولها على حقوقها. أربع سنوات مرت على هذا الوضع، وفي كل مرة تستنجد بزوجها أن يعترف بها رسميًا يقابلها بالرفض، وهكذا تمضي الأيام وفيكتوريا عالقة تنتظر من زوجها أن يرأف لحالها.

https://youtu.be/4QVI6Nhbro4

انتشرت هذه الظاهرة في محافظات الصعيد وأرياف الوجه البحري بصفة خاصة. فوفقًا لدراسة صدرت عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في 2016، فإن 17% من الفتيات في مصر متزوجات قبل بلوغهن الـ18، و2% قبل بلوغهن الـ15. وطبقًا للتعداد السكاني لعام 2017 فإن حالات زواج القاصرات مثلت نحو 14% من إجمالي حالات الزواج. وقد تصدرتها المحافظات الحدودية بنسبة 23%، أما النسبة الأكبر فكانت بالصعيد والأرياف، حيث بلغت نحو من 30 إلى 40%.

ففي هذه الحالات يجري التحايل على القانون بعقد القران على الورق فقط من دون توثيقه في المحكمة. مع تحرير الزوج «شيكات» أو «إيصالات أمانة» حفاظًا على حق زوجته في حال الطلاق. ولكن ما يحدث في كثير من الأحيان أن يتم الطلاق ولا تحصل الطفلة على حقوقها. ويزداد الأمر سوءًا إن أنجبت طفلًا عن هذا الزواج.

ففي حال وقوع الطلاق ووجود هذا الطفل بين الزوجين، يهدد كل طرف الآخر بما لديه من حجج. فوالد الفتاة يهدد بحبس الزوج بما لديه من شيكات وإيصالات أمانة، والزوج يهدد بعدم الاعتراف بالطفل وعدم تسجيله في السجل المدني. ما يؤدي عادة إلى تدخل كبار العائلات لإنهاء الخلافات بطرق ودية. ودائمًا ما تكون الزوجة وأهلها الحلقة الأضعف في هذه الحلول مهما امتلكوا من أوراق. فهم في النهاية يرضخون للمجلس العرفي خوفًا من عدم اعتراف أهل طليق ابنتهم بمولودهم. وبذلك تخسر القاصر طفولتها وحقوقها وتظل وحيدة ترعى طفلًا وهي من تحتاج إلى الرعاية.

أخيرًا، فالأمر سيكون أشد وطأة في حال وفاة الزوج قبل توثيق عقد القران أو تركه لها، فماذا عساها تفعل مع ذلك الطفل؟ كيف يمكنها توثيقه؟ إلى من يتم نسبه؟ أسئلة كثيرة تحاصرها أينما ذهبت، آلام عدة تتحملها دون أن يكون لها أي ذنب، وحياة يتم القضاء عليها قبل أن تبدأ.