حسنًا، كان الخسوف الأكبر في القرن الحادي والعشرين، قبل عدة أشهر، والمقترن مع حالة خاصة جدًا تتكرر مرة كل 18 سنة يلمع فيها المريخ بشدة، هو حدث مميز لدرجة ستجعل من 2018 هي الأفضل على مدى سنوات طويلة قادمة، لكن على الرغم من ذلك فإن 2019 حافلة ببعض الأحداث الممتعة، مع إضافة خاصة جدًا للأصدقاء أقصى شرق الوطن العربي.


بين القمر والشمس

ولنبدأ معًا بأحداث القمر والشمس، ونقصد هنا الخسوف والكسوف، في 2019 هناك خمسة منها، ثلاثة سوف تقع محط اهتمامنا، الأول هو أجزاء من الخسوف الكلّي الرائع الذي سيشهده كوكبنا الغارق في الاحترار، في 21 يناير، سيبدأ الخسوف في تمام الرابعة والنصف صباحًا بتوقيت مصر، لكن قبل أن يدخل القمر إلى منطقة الظل ويتلون بالأحمر الدموي ستكون الشمس قد خرجت من جهة الشرق، لذلك فمعظمنا في الوطن العربي لن يراه دمويًا، لكن بالنسبة للأصدقاء في أقصى غرب الوطن العربي (المغرب)، هناك على شواطئ الأطلسي، فإنهم سيتمكنون من رؤية جزء منها قبيل شروق الشمس.

أما الخسوف الأكثر ظهورًا في الوطن العربي فسوف يكون يوم 16 يوليو المقبل، لكنه للأسف ليس خسوفًا كليًا حيث لن يمر القمر بالكامل في منطقة ظل الأرض، مركز الخسوف هو منطقة الوطن العربي، وسيراه الجميع بداية من 08:45 بتوقيت مصر، ويستمر حتّى منتصف الليل، مقارنة بما حدث في صيف 2018 فإن هذين الخسوفين سيكونان عرضًا أقل امتاعًا بالطبع، لكن الظواهر الفلكية، حتّى البسيطة منها، ممتعة على أي حال.

تصميم يشبه الصورة حيث لا نملك حقوق استخدامها: موضع الكسوف الحلقي في دول الجزيرة العربية.

أضف لذلك أن هناك حدثًا مميزًا جدًا لكنه خاص فقط بالأصدقاء في أقصى جنوب وشرق الجزيرة العربية، فمع شروق شمس يوم 26 ديسمبر 2019 سيتمكن سكّان قطر، والإمارات العربية المتحدة، وعمان، والبحرين، وبعض الأجزاء من السعودية، من رصد الكسوف الشمسي الحلقي الأروع في 2019 كاملًا، حيث ستظهر الشمس مغطاه بالقمر، بينما تتبقى فقط منها حلقة طفيفة من الضوء، الحدث المميز هو – فلكيًا – الأروع في المنطقة منذ سنوات طويلة، سيُرى الكسوف بشكل جزئي في باقي أجزاء السعودية، والعراق، واليمن.


زخّة واحدة للأسف

بالنسبة للشهب فنحن على موعد مع زخّة أساسية واحدة في 2019، بجانب عدة زخّات ممتعة أخرى، وهي البرشاويات Perseid Meteor Shower، حيث تعتبر تلك الليلة الواقعة بين 12- 13 أغسطس، بداية من 2 فجرًا وحتى شروق الشمس، هي ذروة تلك الزخة الشهابية، يمكن لك أن ترى حتى 120 شهابًا في الساعة لتلك الزخة تحديدًا في المناطق النائية (الرحلات الصحراوية فرصة ممتعة، تابعنا على صفحة السماء الليلة لتأمل تفاصيل الرحلات في 2019)

أما في المدينة قد ترى 20 شهابًا في الساعة، وهو عدد مميز أيضًا، سوف يغرب القمر في تلك الليلة حول الساعة 2 صباحًا، وهو أفضل فرصة للخروج وتأمل الشهب، حيث ستبدأ الشهب في الظهور بصورة أكثر كثافة، وحتى شروق شمس 13 أغسطس، ذلك هو أهم وأمتع مشاهد 2019 بجانب رقصة الكواكب التي سنتحدث عنها بعد قليل.

البرشاويات، ناسا

الزخة الثانية الممتعة هي التوأميات Geminids في ديسمبر، وهي واحدة من أهم وأمتع زخّات الشهب طوال العام، حيث يمكن لك، في مكان ناءٍ، أن ترى حوالي 100 شهاب في الساعة، وفي المدن قد ترى حتى 10-20 شهابًا في الساعة حسب الإضاءة، لكن للأسف فإن القمر سيعيق تلك الزخّة تمامًا بحيث لن تتمكن من رؤية أي شهب.


القمر الحائر بين الدبران وقلب الأسد

نجمان رائعان، يقفان في طريق القمر كل عام، ليسلمانه رسائل من الأحبة، ويطلعانه على أسرار الكون، هكذا تصوّر القدماء العلاقة بين القمر ونجمي الدبران Aldebaran من كوكبة الثور، والمليك أو قلب الأسد Regulus من كوكبة الأسد، هناك الكثير من النجوم التي تعترض طريق القمر، لكن هذين هما الأقرب لخط سيره.

طوال العام، ما عدا شهر أغسطس فقط، سوف يقترن القمر على مسافات، في الغالب، قريبة من نجم قلب الأسد، وهو أحد أشهر رفاق القمر والذي قد يحتجب خلفه في بعض الأحيان، ليست 2019 أفضل من سابقتها للأسف لكن على الرغم من ذلك يمكن لك في فجر 23 يناير، 19 فبراير، 18 مارس، أن ترى أفضل اقتراناته لهذا العام مع القمر.

أما الدبران فسيقترن مع القمر بشكل أفضل من قلب الأسد في 2019، لكنها لن تكون الأفضل بالنسبة للسنوات السابقة، في 2018 تخطى الاقتران مسافة الدرجة الواحدة أكثر من مرة، أما في 17 يناير، 14 فبراير، 13 مارس للعام 2019، وهي أفضل اقتراناته مع القمر، فإنها جميعًا تتخطى حاجز الدرجة ونصف، الدرجة هي المسافة بين جرمين في السماء، يشبه الأمر أن تقف على الأرض بـ «منقلة هندسية» أمام عينيك، وتقيس المسافة بين النجوم بها.


سينما الكواكب

أما بالنسبة للكواكب، فالأمر ممتع هذا العام، ولنبدأ بالزهرة، وهو صاحب أحد أهم وأجمل المشاهد في 2019، حاليًا يمكن أن نراه كمصباح يضيء الأفق فجرًا، لكن أجمل مشاهده ستبدأ من فجر منتصف يناير، حينما يبدأ في الإقتراب من الثنائي (قلب العقرب Antares) وكوكب المشتري، تقف الأجرام الثلاثة على خط واحد في فجر ذكرى ثورة 25 يناير، ثم ينضم القمر للرقصة بحلول يوم 31 يناير، بإضاءة تتناقص من 11% إلى 2.4% يوم 3 فبراير، في تلك الأثناء يكون كوكب زحل قد خرج من ضوء الشمس، وينضم بوضوح لتلك الرقصة بحلول نهاية الثلث الأول من شهر فبراير، نفس الرقصة البديعة تتكرر بداية من 20 فبراير.

الهلال والزهرة، صورة لشادي عبد الحافظ

أما عن المشتري فيقترب كل شهر مرة من القمر، وهو في 2019 بوضع أفضل، حيث لم يتخط حاجز الثلاث درجات مع القمر طوال 2018، أما في 2019 فنراه قريبًا جدًا من القمر في 27 مارس، و23 أبريل، و20 مايو، و17 يونيو.

من جهة أخرى فإن زحل سوف يكون أكثر روعة في 2019، حيث يعاود الظهور من جديد فجر أواخر يناير، وسوف تكون أفضل اقتراناته مع القمر في يناير وفبراير ومارس 2019، ليس لأنه قريب للقمر ولكن بسبب رقصات الكواكب، إنها لا شك أروع مشاهد هذا العام.

وفي الشهور الأخرى تظل الأفضلية أيضًا لزحل مع القمر، فمعظم اقتراناته تكون أسفل حاجز الدرجة الواحدة، في الحقيقة فإنه من الغريب هذا العام أن نتأمل مدى اقتراب زحل من القمر في شهوره الأخيرة، فمثلًا في 2 و29 نوفمبر، 5 أكتوبر، 8 سبتمبر، 12 أغسطس، 16 يوليو، يقف القمر على مسافة قصيرة جدًا جدًا من زحل ويحجبه في بعض الأحيان.

في النهاية نصل إلى المرّيخ، بالطبع لن يكون في أفضل الحالات بـ 2019، نحتاج 18 سنة أخرى حتى يقف من الأرض في أقرب مسافة فنراه لامعًا بقوة، لكن على أي حال فإن أفضل اقترانات المريخ مع القمر في 2019 ستكون أيضًا برفقة الدبران والثريا، في مشهد بديع يوم 9 أبريل، ومع اقتراب الصيف يختفي المريخ تمامًا تحت الأفق، ولا نراه مرة أخرى سوى فجر 23 ديسمبر مقترنًا مع القمر في مشهد بديع.


وثلاثة أقمار عملاقة

أحداث فلكية سنة 2019، الهلال والزهرة

القمر العملاق هو ظاهرة يقترن فيها طور البدر من القمر مع وجود القمر في الحضيض الخاص به (أقرب نقطة لها من الأرض)، فيظهر القمر أكثر لمعانًا بقيمة 30% وأكبر حجمًا بقيمة 14%، وأقرب صورة لتحقق هذا الشرط الفلكي سوف تحصل ثلاث مرات متتالية، في 21 يناير حينما يكون القمر على مسافة 357,715 كيلومترًا من الأرض، و19 فبراير ويكون القمر على مسافة 356,846 كيلومترًا من الأرض، 21 مارس ويكون القمر على مسافة 360,772 كيلومترًا من الأرض، إنها ثلاث فرص رائعة في 2019 لرؤية القمر بصورة بديعة.

صورة توضح الفارق في الحجم بين القمر العادي والعملاق، ناسا.

كما تعوّدنا، تابعنا على صفحتنا (السماء الليلة) لتتابع سماء الليل بصورة يومية أكثر تفصيلًا، كذلك فإن الفرصة متاحة كل شهر لتأمل تقريرنا الذي يشرح أهم الأحداث السماوية مع إضافات ممتعة للرصد الفلكي واستخدام التلسكوبات، كذلك يمكن أن تستخدم الأجندة الممتعة خاصتنا لمعرفة أهم الأحداث الفلكية، وقريبًا جدًا سوف يصدر كتابنا الفلكي المبسط لشرح كامل سماء الليل للمبتدئين، من الكبار والأطفال كذلك.

حسنًا، كانت تلك هي أهم وأجمل الأحداث الفلكية المتوقعة في 2019، يمكن لك رؤيتها جميعًا بالعين المجردة، بالتأكيد نتمنى أن تحدث أي من المفاجآت غي المتوقعة، كأن ينفجر أحد النجوم مثلًا، أو أن ترتفع عداد الشهب في زخّة ما لأرقام خرافية، في النهاية فإن السماء ليلًا هي شاشة سينما مجانية تفتح أبوابها لنا كل يوم، وهي لا تدفع إلى الملل أبدًا.