قضية «الصين الواحدة» تعود للواجهة بفضل دونالد ترامب
مفاجأة مذهلة؛ في الثاني من ديسمبر/كانون الأول، عكَس دونالد ترامب رؤيته للسياسة الخارجية الأمريكية من خلال مكالمة تهنئة هاتفية، استغرقت عشر دقائق من الرئيسة التايوانية «تساي إنغ ون». ذهب بعدها إلى ما هو أبعد من ذلك، متسائلًا؛ لماذا يتعين علينا (نحن الولايات المتحدة) الالتزام بسياسة «صين واحدة»، إلا إذا كان علينا إبرام اتفاق مع الصين له علاقة بأمور أخرى بما في ذلك التجارة.
المواقف الرسمية لترامب لا تزال غير واضحة، لكن فيما يتعلق بقضيه تايوان، قال أنه قد يؤيد تغيير الوضع الراهن الذي استمر لما يقرب من أربعة عقود. هذا الوضع هو النسخة الحالية لسياسة الولايات المتحدة تجاه الصين الواحدة، وتذهب إلى أن هناك حكومة شرعية واحدة فقط في الصين. وتعود هذه السياسة إلى عام 1979، عندما اعترفت الولايات المتحدة بالحكومة الشيوعية في «بكين» بينما قطعت العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع الحكومة الوطنية في «تايبيه، عاصمة تايوان».
في ذلك الوقت، كانت تايوان لا تزال دولة قمعية ذات حزب واحد، ثم على مدى السنوات العشرين التالية تحولت سلميًا إلى دولة ديمقراطية ليبرالية نابضة بالحياة. لكن على الرغم من هذا التقدم، ظل الوضع أنه لا توجد دولة مستقلة تسمى «تايوان».
لا تزال الجزيرة المستقلة تطلق على نفسها جمهورية الصين، ويشار إليها في الصين بـ«تايوان» ورسميًا تعتبر إقليمًا منشقًا، ولكن في الواقع يتم التعامل معها وكأنها بلد أجنبي. منظمة التجارة العالمية تسميه «إقليم جمركي منفصل لتايوان، وبنغو، وكينمن، وماتسو (تايبيه الصينية)». الولايات المتحده لا تزال تستخدم اسم تايوان وتكشف عن رغبتها في الحفاظ على علاقات غير رسمية قوية مع الحكومة في «تايبيه». ومع ذلك، عندما دعا المتحدث باسم «وزاره الخارجية الأمريكية» بطريق الخطأ تايوان بلدًا، اعتبر أنها زلة كبرى.
لكن ما هي تايوان؟ اليوم وبعد 70 عامًا من الحرب الأهلية الصينية، التي فصلت الجزيرة عن البر الرئيسي،ترى «سلفاتوري بابونز» الصحفية بمجلة السياسة الدولية «فورين أفيرز» أنه قد حان الوقت للمجتمع الدولي لتسوية هذه المسألة، إذ أصبح لا معنى لدوام أسطورة أن تايوان هي مقاطعة من مقاطعات الصين، لقد حان الوقت لتايوان أن تصبح دولة ذات طبيعة مستقلة.
وضع الأمور الطفولية جانبًا
بالطبع، لن تقبل الصين أبدًا محاولات تايوان بالتصرف كدولة مثل أي دولة أخرى، وبالتأكيد ستستخدم «حق الفيتو» ضد عضوية تايوان في الأمم المتحدة. لكن على بكين أن تعرف أن تايوان لن تعود إلى الوراء.
وتعلل سلفاتوري وجهة نظرها بأن الشباب التايواني اليوم نشؤوا في مجتمع حر ومفتوح وديمقراطي، ولن يصوتوا أبدًا على أن تُحكم تايوان من بكين، وخاصةً بعد أن شاهدوا ما حدث لهونج كونج. فانتظار بكين حتى تنضم تايوان سلميًا للصين، أشبه بانتظار «بيونج يانغ، زعيم كوريا الشمالية» لكوريا الجنوبية أن تنضم لأختها الشمالية، والبر الرئيسي لن يقبل بتكاليف محاولات الحل العسكري.
وعلى نفس المنوال، حتى إذا كانت الصين لن تعترف رسميًا بتايوان كأمة، قد تبدأ في التعامل مع الجزيرة بشكل مختلف إذا ما تصرفت الأخيرة كدولة مستقلة. فإذا أرادت تايوان أن تُؤخذ على محمل الجد، لا بد وأن تتصرف على محمل الجد. وكنقطة بداية، ينبغي على تايوان، التنازل عن حقها المزعوم في بحر الصين الجنوبي.
تستطرد سلفاتوري معللة ذلك: «مثل بكين؛ تايبيه مستمرة في المطالبة بحقها في بحر الصين الجنوبي استنادًا إلى خط الـ9 قطع، حدود بحرية متناثرة رُسمت أولًا على الخرائط الصينية في عام 1947. ويوضح الخط المطالبات التوسعية على المياه، الجزر، وقاع بحر الصين الجنوبي الذي قدمتها جمهورية الصين، التي كانت تسيطر على البر الرئيسي الصيني في ذلك الوقت. عندما فاز الشوعيين في ذلك الوقت بالحرب الأهلية الصينية، واليوم كل من الصين وتايوان يؤكدان على أن بحر الصين الجنوبي بأكمله ينتمي لهم، أي إلى الصين الحقيقية».
اقرأ أيضًا:البحر الصيني الجنوبي: ما قيمة المحكمة في حضرة السلاح؟
ومن المفارقات أن الكثير من مطالبات الصين لبحرها الجنوبي ترتكز على حقيقة أن «تايبيه» تحتفظ بمرافق واسعة النطاق في جزيرة «تايبينج»، والهيئة المتنازع عليها أكثر من 900 ميلًا إلى الجنوب من تايوان. لكن في 12 يوليو/تموز 2016 . قضت «المحكمة الدائمة لحل النزاعات» في لاهاي، باتفاقية قانون البحار، أن الجزيرة هي الصخور وذلك يمنح صاحبها الحد الأدنى من الحقوق الإقليمية.
على الرغم من أن تايوان ليست طرفًا في اتفاقية قانون البحار، فعليها أن تحترم هذا الحكم، بالانسحاب من جزيره تايبينغ وعودة الصخرة لوضعها الطبيعي. فمن شأن ذلك أن يكسبها أصدقاء من جميع أنحاء المنطقة ولا يمكن للصين أن تشكو من الانسحاب التايواني.
ترى سلفاتوري، أن بكين قد تستمر في الضغط بمطالبها، متحديةً اتفاقية الأمم المتحده لقانون البحار، ولكن تايوان التي لم تعد تتظاهر بأنها الصين لا ينبغي لها أن تشارك في هذا النزاع. يجب على تايوان أن توضح بشكل كامل كونها ليست طرفًا في العديد من النزاعات على بحر الصين الجنوبي.
تسلط سلفاتوري الضوء على قضية المعونات، وترى أنه على تايوان أن تتوقف عن اللعب بلعبة «المعونات مقابل الاعتراف». تايوان قد تخلت عن مطالبها في الحكم في البر الرئيسي الصيني في أوائل التسعينيات، لكنها لا تزال رسميًا تطلق على نفسها جمهورية الصين، وتستخدم الحوافز المالية لإقناع 21 بلد فقير بالحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع تايوان بدلًا من الصين.
تايوان بلد غنية يمكن أن تساعد الفقراء في أي مكان في العالم، ونظرًا للانتقال الملهم الخاص بها من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، فيمكن لها أن تلعب دورًا هامًا في تقديم المشورة للبلدين مثل منغوليا وأوكرانيا، حول كيفية ترسيخ المؤسسات الديمقراطية الخاصة بهم. ومال «تايبيه» الذي يذهب مقابل الاعتراف الدبلوماسي، سيكون من الأفضل بكثير إنفاقه على تمويل نشر الحكم الرشيد في العديد من الديموقراطيات الضعيفة في العالم.
التخلص من «الصين الواحدة» بإعلان هوية مستقلة للجزيرة
ترى سلفاتوري أن الشيء الأكثر أهمية، الذي يجب أن يحدث لتايوان، هو إسقاط الخيال أنها جمهورية الصين، أي إسقاط رواية أن لديها بعض الحق – حتى ولو كان خطابًا بلاغيًا – في البر الرئيسي. ومثل هذا التغيير سوف يكون مشحونًا سياسيًا، لكنه لن يتطلب بالضرورة أي شيء درامي كإعلان الاستقلال رسميًا.
حتى هؤلاء القلة في تايوان الذين يريدون إعادة التوحيد ويقبلون بأن تدار الصين المستقبلية من بكين وليس من تايبيه، والحل البديهي هو قيام الحكومة ببساطة بتغيير اسم الجزيرة من جمهورية الصين إلى تايوان ، دون تقديم أي بيان رسمي حول الوضع القانوني في البلاد؛ سيكون إعلانًا للهوية، وليس إعلانًا للاستقلال.
وحتى مع ذلك الإعلان، ستظل تايوان – بطبيعه الحال – كما هي عليه اليوم؛ الدولة التي لا يُعترف بها رسميا على هذا النحو، ولكن لبقية العالم، يمكن أن يكون التغيير عميقًا.
في العقود الأخيرة ، قادة العالم (حتى الآن بما في ذلك رؤساء الولايات المتحدة) رفضوا التعامل المباشر مع تايوان لأنهم لا يعترفون إلا بصين واحدة. لكن يمكنهم تعلم التعامل مع تايوان التي لا تدعي كونها الصين.
رؤساء الولايات المتحدة الذين يتحدثون لقادة الكيانات غير الحكومية وشبه الحكومية مثل السلطة الفلسطينية طوال الوقت، من الممكن أن يتحدثوا مع رئيس تايوان، شريطة أن يقول صراحةً لهم أنه ليس صينيًا، كما تظن سلفاتوري.
وهذا التطور لن يجعل الصين سعيدة، ولكن خلافًا للخطابات المثيرة للعديد من محللي السياسات خارج الولايات المتحدة، لم تستعد الصين لغزو تايوان، ومكالمة ترامب الهاتفية لن تبدأ حربًا عالمية ثالثة. وعلى الرغم من أن الصين تعارض بشدة السيادة التايوانية الرسمية، إلا أنها تتعامل مع تايوان، واحدة من أقرب جيرانها وشركائها التجاريين الأكثر أهمية!
من الذي يحتاج إلى التأكد؟
كان للولايات المتحدة سياسة الصين الواحدة. ولكن هذه السياسة كانت دائما غامضة حول وضع تايوان بالنسبة للصين الواحدة. وتدعي بكين أن تايوان جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ولكنها تدعي دائما الحق في بحر الصين الجنوبي، حيث أظهر بقية العالم أنه لن يقبل كل مزاعم الصين الإقليمية. وفي هذا الصدد، مطالبة الصين بتايوان لا تختلف.
تطبيع أمر تايوان كأمر وليس بحكم القانون قد يثير استياء صقور تايوان الذين يدافعون عن الاعتراف بالجزيرة كأمة ذات سيادة. ولكن من الأفضل تغيير السلوك بحيث يسبق التغيير السياسي، وليس العكس.
طالما استمر الوضع الراهن، وتايوان تجعل السيادة على أساس هويتها التي نصبتها لنفسها بوصفها جمهورية الصين، فباقي الدول سيكون لها مبرر بالسماح لبكين بإملاء شروط سياسة تايوان، لكن إذا اعتنقت تايوان هوية أكثر بساطة لنفسها، فإن العالم في نهاية المطاف قد يدعمها.