التحالف الفرنسي العثماني، الذي يعرف أيضًا بالتحالف الفرنسي التركي، هو تحالف بدأ عام 1526 بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني، وهو التحالف الذي قيل عنه إنه «أول تحالف غير أيديولوجي دبلوماسي من نوعه بين إمبراطوريتين مسيحية ومسلمة». تسبب هذا التحالف في إحراج فرنسا في العالم المسيحي، ونعتوه بـ «التحالف الأثيم» أو «الاتحاد الذي دنّس زهرة الزنبق والهلال»، ومع ذلك، فقد خدم هذا التحالف مصالح الطرفين. كان هذا التحالف الإستراتيجي والتكتيكي في بعض الأحيان واحدًا من أهم التحالفات الخارجية الفرنسية، واستمرت لأكثر من قرنين ونصف القرن من الزمان؛ حتى الحملة الفرنسية على مصر، وهي التي كانت ولاية عثمانية، بين عامي 1798-1801م.

فقد زادت في الفترة الأولى من حكم السلطان سليمان القانوني ( 1520-1566م) الصراعات والخلافات بين فرنسا وآل هابسبورج الذين حكموا في إقليم ألمانيا وإسبانيا، وبعد أن أصبح كارل الخامس ابن فيليب الأول أرشيدوق (حاكم) النمسا زادت حدة الصراعات بين البلدين، وكان أيضًا انتشار المذهب البروتستانتي الذي تزعمه «مارثن لوثر» له أثر في زيادة حدة الصراعات بين فرانسوا الأول وكارل الخامس.

وبعد هزيمة «فرانسوا الأول» في منطقة تسمى «بافيا» في 25 فبراير/شباط 1525م، ووقوعه أسيرًا في يد «كارل الخامس» وحبسه في «مدريد»، بحثت فرنسا عن حليف لها ولم يعدها أحد بالمناصرة سوى العثمانيين الذين كان لهم تأثير كبير في المنطقة في تلك الفترة، فكتبت والدة «فرانسوا الأول» والوصية على العرش دوقة «آنجوليهم لويز دى سافوا» خطابًا موجها إلى السلطان سليمان، كما أرسلت سفيرًا إلى العاصمة العثمانية، وهذا نص الخطاب:

أرجأت فك أسر ابني حتى الآن أملًا فيإانسانية شارلكان، بيْد أنه لم يقم بما تدعوه إليه إنسانيته التي بنينا عليها أملنا ورجاءنا بل أساء إلى ابننا وأهانه، وبناءً على هذا فإني ألتمس من جلالتكم وعظمتكم بصفة خاصة بأن تتفضلوا بإظهار فخامتكم بخلاص ابني وإنقاذه من قبضة ظلم عدونا وذلك بعظمتكم وجلالتكم المؤيدة والمصدق عليها من العالم.

وقد أرسل فرانسوا الأول شخصيًا خطابًا إلى السلطان مع خطاب والدته هذا جاء فيه:

إلى حضرة حاكم وسلطان البلاد والممالك من أنحاء العالم المعمورة، السلطان المعظم والخاقان المفخم الذي هو ملاذ جميع المظلومين، أعرض على حضرتكم ما في القلب وهو: عندما هاجمتم فرديناند الأول ملك المجر نجونا من السجن بفضلكم، وعندما هاجمتم شارلكان ملك إسبانيا ثأرنا منه وانتقمنا، أنت ملك الملوك جليل الشان، فأنا أسير فضلك من اليوم فصاعدًا؛ أي منذ تكرمك بالانتقام منه وهزيمته.

لم ينجح السفير الأول الذي كلف بإيصال الخطاب إلى السلطان، ولكن السفير الفرنسي الثاني «جون فرانجباني» الذي أرسل أواخر السنة نفسها نجح في الوصول إلى إسطنبول ومعه الخطابان المذكوران آنفًا.

فقابل السلطان سليمان السفير الفرنسي في 6 ديسمبر/كانون الأول سنة 1525م باحتفال زائد وأجزل له العطايا، وبعد أن عرض عليه السفير مطالب دولته وعده السلطان بمحاربة المجر وكتب جوابًا على رسالته إلى ملك فرنسا.

نص رسالة السلطان سليمان إلى ملك فرنسا فرانسوا الأول:

الله العلي المعطي المغني المعين، بعناية حضرة عزة الله جلت قدرته وعلت كلمته، وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء وقدوة فرقة الأصفياء محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الكثيرة البركات، وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وجميع أولياء الله، أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين متوج الملوك ظل الله في الأرضين، سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملي وقرمان الروم وولاية ذي القدريه وديار بكر وكردستان وأذربيجان ودمشق وحلب ومصر ومكه والمدينة والقدس وجميع ديار العرب واليمن، وإن هذه الأراضي الشاسعة قد فتحها آبائي الكرام وأجدادي العظام بقوتهم القاهرة رحمهم الله، وكم من البلاد افتتحتها بسيفي الظافر المنصور. من السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان إلى فرانسيس ملك ولاية فرنسا [في الترجمة الفرنسية ملك بلاد فرنسا]: وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم (فرانجباني) النشيط، مع بعض الأخبار التي أوصيتموه بها شفاهيًا، وأعلمنا أن عدوكم استولى على بلادكم وأنكم الآن محبوسون وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم وكل ما قلتموه عرض على أعتاب سرير سدتنا الملوكانية وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل فصار بتمامه معلومًا، فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم فكن منشرح الصدر ولا تكن مشغول الخاطر، فإن آبائي الكرام وأجدادي العظام نوّر الله مراقدهم لم يكونوا خاليين من الحرب لأجل فتح البلاد ورد العدو، ونحن أيضًا سالكون على طريقتهم وفي كل وقت تفتح البلاد الصعبة والقلاع الحصينة وخيولنا ليلًا ونهارًا مسروجة وسيوفنا مسلولة، فالحق سبحانه وتعالى ييسر الخير بإرادته ومشيئته وأما باقي الأحوال والأخبار تفهمونها من تابعكم المذكور فليكن معلومكم هذا. تحريرًا في أوائل شهر آخر الربيعين سنة 932هـ/ 1525م، بمقام دار السلطنة العلية القسطنطينية المحروسة المحمية.
المراجع
  1. فريدون أمجان : سليمان القانوني سلطان البرين والبحرين، ترجمة : د. جمال فاروق، أحمد كمال، دار النيل للطباعة والنشر 2014م
  2. أندري كلو : سليمان القانوني، ترجمة: البشير بن سلامة، دار الجيل بيروت 1991م.
  3. محمد فريد المحامي: تاريخ الدولة العلية العثمانية، مكتبة الآداب، القاهرة، 2009م.
  4. ويكيبيديا الموسوعة الحرة: العلاقات العثمانية الفرنسية.