هل يخشى الجيش الأمريكي حكم ترامب؟
بانتخابه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، يصبح الملياردير الأمريكي «دونالد ترامب» قائدًا أعلى للقوات المسلحة الأمريكية. أكثر من مليون مقاتل، آلاف الطائرات، عشرات الآلاف من المركبات المدرعة والدبابات، مئات القطع البحرية عالية التسليح، وترسانة نووية هي الأضخم في العالم، كل هذه الأسلحة ستصبح تحت إمرته. الجيش الأمريكي صاحب الإنفاق العسكري الأضخم في العالم، والذي تنتشر قواته على امتداد نحو 150 دولة، سيأخذ أوامره من الملياردير الذي يعتبره الكثيرون متهورًا معدوم الخبرة.
حملة انتخابية مليئة بالتهكم على البنتاجون
يعود التوتر بين دونالد ترامب والقادة العسكريين الأمريكيين إلى شهور طويلة مضت، ففي أثناء حملته الانتخابية لم يتردد المرشح الجمهوري في الإعلان عن نيته تغيير خارطة التحالفات العسكرية لبلاده بشكل جذري، كما أنه وجه الإهانات المتكررة لقادة الجيش ولم يتورع عن وصفهم بقلة الخبرة.
(نوفمبر/تشرين الثاني 2015)، قال ترامب منتقدًا إستراتيجية بلاده العسكرية تجاه داعش:
(يونيو/حزيران الماضي)، وحين سُئل ثانية عن موقفه من الجيش، كرر موقفه السابق:
(سبتمبر/أيلول الماضي)، حين سُئل عن موقفه المستقبلي من هؤلاء الجنرالات الذين وصفهم سابقًا بقلة الخبرة أجاب:
وفضلًا عن التهكم على القادة العسكريين، فقد نادى ترامب خلال حملته الانتخابية بالكثير من الأمور التي تمس ثوابت العقيدة العسكرية للبنتاجون،فاعتبر تعذيب المتهمين وسيلة فعالة مطالبًا بإعادة العمل بها، وعرض إمكانية قتل عائلات الإرهابيين المحتملين كوسيلة للضغط، ولم يمانع في ارتكاب جرائم حرب.
كما كان ترامب قد تحدث عن إعادة النظر في التحالفات الإستراتيجية التاريخية لبلاده، فعلى دول الخليج أن تدفع ثمن الحماية الأمريكية، وعلى الناتو أن يتأهب لرفع الدعم الأمريكي اللا مشروط عنه، فضلًا عن إمكانية الدفع باتجاه زيادة الترسانة النووية لبلاده.
أثارت تصريحات ترامب الكثير من الامتعاض في صفوف القيادة العسكرية الأمريكية، وبحسب تقرير سابق لشبكة CNN، فقد اعتبر عميد سابق لكلية الحرب الأمريكية أن ترامب «ليس مؤهلًا لكي يصبح رئيسًا للولايات المتحدة». وعقب ساعات من فوز ترامب، أعلن البنتاجون أنه سيستمر في نشر قواته في أوروبا، للتصدي للتهديدات الروسية، مهما كانت خطط ترامب!
هل يعصي الجيش الأمريكي أوامر ترامب؟
لكي يصبح أي شخص عضوًا في صفوف القوات المسلحة الأمريكية، فإن عليه أن يقسم أولًا على طاعة أوامر القائد الأعلى، أي الرئيس، بغض النظر عن هوية ذلك الرئيس، وتُعتبر الولايات المتحدة من أبز البلدان التي تشدد على خضوع العسكريين للسلطة المدنية.
فما الذي سيفعله جنرالات الجيش إذا أمرهم ترامب بما يخالف عقيدتهم، أو ما يرونه خطرًا على الأمن القومي، كشن حرب مثلًا أو العودة لتقنيات التعذيب غير القانونية؟ حاول تقرير لصحيفة «دايلي بيست» الإجابة على هذا السؤال.
يطرح التقرير احتمالات عدة، ربما يستنسخ قادة البنتاجون تجربة أسلافهم في المماطلة وشراء الوقت، وهي المسألة التي يتمتعون فيها بموهبة فريدة، كما حدث سابقًا عندما طلب الرئيس نيكسون من الجيش شن غارات على الشرق الأوسط، غير أن القادة العسكريين ردوا بالرفض.
وبحسب التقرير، فإن البعض يرى عكس ذلك، إذ تشير الاستطلاعات إلى أن ترامب يتمتع بتأييد العديد من العسكريين في الخدمة، وأن الدستور يلزم الجيش بطاعة الرئيس، أيًا من كان الرئيس، ما لم يكن الأمر المطلوب مخالفًا للقانون.
ثمة اتجاه ثالث يسعى إلى التخفيف من خطر ترامب، فهو وإن كان لم يخفِ علاقاته الودودة مع موسكو إلا أنه تعهد بوضع مصالح واشنطن القومية أولًا وفوق أي اعتبار. صحيح أنه هاجم تحالف بلاده مع حلف الناتو لكنه أكد أن سيستمر في العمل معه، ومن ثم فإن محاولة تنبؤ ما الذي يدور في ذهن الرجل تحديدًا تجاه قضايا الأمن القومي، ستبوء غالبًا بالفشل.
ويبدو أن ترامب نفسه كان مدركًا خلال حملته الانتخابية لما تثيره تصريحاته هذه من أصداء داخل القيادة العسكرية، فقد تناول في أحد مؤتمراته الجماهيرية احتمالية رفض الجيش تنفيذ أوامره، واعتبر ذلك أمرًا أشبه بالمستحيل:
ملامح العلاقات المدنية العسكرية في عهد ترامب
توجهنا بالسؤال إلى الدكتور «أنس القصاص» محلل الشؤون السياسية والإستراتيجية، والذي اعتبر أن «عدم انتماء ترامب لنخبة واشنطون لا يعني أنه لا يعرف قواعد واشنطون السياسية، فالرجل وإن لم يكن ابن مؤسسة الحكم الأمريكية إلا أنه ابن النظام الأمريكي الذي يُعتبر عباءة أوسع من مؤسسة الحكم وتضم الشركات العابرة للقارات التي يمتلك ترامب إحداها ومؤسسات ثقافية واجتماعية وتعليمية كلها تشكل أعمدة هذا النظام الذي يحكم العالم، ومن ثم فإن القول بجهله بقواعد اللعبة مردود عليه».
لكن فهم القواعد العامة للعبة لا يعني – بحسب «القصاص» – استيعاب التفاصيل الدقيقة للمؤسسات وعلى رأسها مؤسسة الدفاع التي تقع على تلة ملفات شديدة التعقيد. كما أن ترامب كان قد سوق نفسه للناخب الأمريكي على أنه هو التغيير الذي افتقده مع أوباما، ومن هنا فإن كثيرًا من التغييرات بل وعدم التفاهمات بين البيت الأبيض ومؤسسة الدفاع ستكون واقعًا بسبب ضعف ترامب في فهم بعض التفاصيل من جهة، ومن جهة أخرى لاختلاف المقترب (approach). فمقترب ترامب تجاري يميل لتحقيق المكاسب وربح الصفقات وهو منطق مادي صريح لا يستقيم مع المنطق السياسي وحتى العسكري.
وردا على سؤال حول مدى أهلية ترامب لتحمل مسؤولية الأمن القومي الأمريكي سيما في ظل ما يشاع حول علاقاته بموسكو ودعم الكريملين له،أجاب «القصاص» بأن «اللعب بنار روسيا أصل عن هذا التوجه المذكور ، فما يشاع عن التحالف بينهما أمر ينقصه المنطق ولا يعتقد أنه سيكون طرحا متماسكا يكتب له النجاح نظرا لتناقضات النظام الدولي الحالية».
أما فكرة اطلاعه على الملفات الحيوية، واءتمانه على أسرار الولايات المتحدة، فهذا الأمر سيتم بكل تأكيد لأنه هو الرئيس ومن حقه أن يغير كل قيادات وزارة الدفاع. لكن الأصل في المنظومة العسكرية ليست المعلومة. بل هي القدرة على تحريك قوات، وهذا محدد بحدود السياسة والدستور.