هل خسر بوتين معركته في سوريا؟
طالعنا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء الاثنين بأوامره لقادة الجيش الروسي بالانسحاب من الأراضي السورية، وأشاد بوتين في ذات اللقاء الذي عُقد في الكرملن بجنوده وضباطه وكيف أنهم استمروا في عملياتهم العسكرية لقرابة ستة أشهر بعيدًا عن أراضيها وفي بلاد ليست على حدود مشتركة مع بلادهم. واعتبرها بوتين استعادة للقوة العسكرية الروسية وأنها كما عهدها العالم تستطيع إحداث الفارق متى شاءت الإدارة السياسية الروسية لها ذلك.يتوقع كثير من المتابعين أن التدخل العسكري الروسي كان لأسباب غير التي أعلن عنها القادة الروس، وأبرزها إعادة إنتاج الدور الروسي ليس فقط كلاعب إقليمي بل كلاعب -لا غنى عنه- في الساحة الدولية. وقد نجحت روسيا مؤخرًا في لعب هذا الدور. وقد أعلمت الإدراة الروسية نظيرتها الأمريكية بقرارها مساء الاثنين بلهجة رسمية توضح -لنا- ندية الثنائي في إدارة الأزمات الدولية.وسنتناول -في ثنايا حديثنا- الظروف المحيطة بالقرار الروسي والأسباب المحتملة وراء هكذا قرار، ومآلات القرار على الساحة العربية والدولية، ونبتدئ هذه الأسطر بالقول -الذي سيدور عليه باقي الحديث؛ أن بوتين لم يخسر معركته في سوريا، لأن المعركة لم تنتهِ بعد! كل ما في الأمر أن السلاح المستخدم تغير بمقتضى الحال الجديد التي تبدو فيها المفاوضات جادة وتتخذ مسارًا دبلوماسًا.
هل سحبت -بالفعل- روسيا قواتها من سوريا؟
إذا سلمنا بظاهر القرار الرئاسي الروسي بسحب القوات من سوريا، فإن روسيا وإن سحبت أسراب الطائرات المقاتلة فإنها على سبيل المثال، لم تسحب بُناها العسكرية التحتية من مرافئ وقواعد جوية ومنصات صواريخ وهي على حالتها تلك أشبه بالراقص على السلم فلا أرضًا شغلت ولا سماء بلغت غير أنها تمسك العصا بيد والجزرة باليد الأخرى في مسلكها التفاوضي الدبلوماسي الجديد.
وبحسب تقرير ل رويترز نقلًا عن مسئولين أمريكيين فإن القوات الروسية لعلاقتها بعائلة الأسد كانت تحتفظ لها بعدد من المقاتلين زهاء الألفي مقاتل، استمر ذلك لعقود قبل اندلاع الثورة، وبحسب التقرير ذاته فإن عدد المقاتلين الروس في نوفمبر الماضي بعد التدخل الروسي وصل لقرابة أربعة آلاف مقاتل، واحتفظت سوريا بسرية المعلومات بهذا الشأن ولم يصدر عنها أي تصريح رسمي بأعداد المقاتلين وأنواع المعدات التي يمتلكونها، واكتفت بالإشارة إلى أن هؤلاء المقاتلين لا يضطلعون في أي أعمال عسكرية بسوريا وإنما يؤدون دورهم كمستشاريين أمنيين. ولا نعلم عن أي مصدر موثوق يشير لأعداد القوات التي على وشك الانسحاب والتي مقرر لها أن تبقى حيث هي.
وأغلب الظن في هذا القرار المفاجئ، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أراد أن يواكب المتغيرات الجارية على الأرض. فالمفاوضات في جينيف تسير في اتجاه الدبلوماسية وإن كانت المحصلة -حتى- تقسيمًا فيدراليًا كما يتحدث البعض، المهم أن الأمور في طريقها للتسوية السياسية بعيدًا عن العسكرة المفروضة على الأرض السورية منذ ما يقرب من خمس سنوات.يعلم بوتين أن أجهز الاستخبارات الأوروبية تدرك حقيقة الانسحاب العسكري الروسي من الأراضي السورية إلا أنه ألقى بغصن الزيتون الذي يملكه على مفاوضات جينيف، وبالأخص على عاتق اللاعبين الأوروبيين والحلفاء الأمريكان. صحيح أن ثمار الزيتون بهذا الغصن غضة إلا أنه الرجل في النهاية جاد بما لديه!وبتحليل السؤال المنطقي الذي قد يطرحه قارئنا العزيز، «فيمَ جاء الروس إذًا وفيمَ ذهبوا وهل حقق بوتين غايته في الأشهر الفائتة لينسحب عسكريًا من المشهد؟» فإذا أوكلنا القارئ إلى نفسه لثوانٍ، ليتأمل هل حال القوات النظامية اليوم كحالها قبل ثلاثة أشهر من الآن؟!الآن وبعد قرابة ستة أشهر على بداية التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية، باتت القوات النظامية في حالٍ أفضل، وتوحدت بفضل الطلعات الجوية الروسية في غربي سوريا على وجه الخصوص. كما تمكنت روسيا من تقويض معارضي النظام من المعتدلين والمتطرفين على حدٍ سواء من حيث العداء والتقويض.فبحسب التقرير الذي تشرته وكالة NBC الأمريكية فإن تنظيم الدولة فقد إجمالًا 22% من الأراضي التي كان يفرض سيطرته عليها في سوريا والعراق، 8% من هذه الخسائر نزلت في الأشهر الثلاثة المنصرمة بفضل الطلعات الجوية الأمريكية والروسية. وهي نتيجة جديرة بالذكر في إحصاء ما قامت به القوات الروسية في سوريا كأحد الالتزامات لديها تجاه المجتمع الدولي.ناهيك عن دعم القوات الكردية على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا وكيف أن روسيا زرعت لغمًا لا يُعلم متى يتمكن الأتراك وحلفاؤهم من تفكيكه!
في النهاية، أعلن الرئيس الروسي المثير للجدل قراره بالانسحاب في إطار مناورة سياسية يستبدل الرجل فيها أسلحته العتيقة (العسكرة) بأخرى أكثر موائمة لتطورات المشهد، ويتوقع أن يطرح فلاديمير بوتين مبادرته الدبلوماسية لدعم عملية السلام والتحاور الديموقراطي بين أطراف النزاع، ويمكنه كذلك خلال توليه مهمة المفاوضات أن يمد أجلها لسنوات بدلًا من أشهر وأن يدعم بقاء بشار الأسد أو أحد من رجاله في السلطة وبالطبع سيُبقي على نفوذه الجيوسياسي في ميناء طرطوس واللاذقية، في إطار شغله للفراغ الجيوسياسي الذي خلفته الولايات المتحدة جراء انكماشها على قضاياها الأكثر أهمية.
بوتين يلقي بطرف ثيابه للخليجيين!
وفي منطقة مشحونة طائفيًا كالمنطقة العربية يكون الخيار التجاري -تسويق السلاح- أمرًا في غاية السهولة في إطار المفاخرة الطائفية وجنون العظمة الذي ينتاب أغلب الأطراف المتناحرة. تنازلات ضئيلة كرحيل الأسد واستبداله بآخر توافقي أو حجز مقاعد سنية في حكومة انتقالية برعاية بوتين ربما يكون لها بالغ الأثر في انتعاش الاقتصاد الروسي المنبطح منذ سنوات، جرّاء العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية على موسكو. وبالتطرق لإمكانية لقاء الطرفين دبلوماسيًا نعود لشهر واحد فقط وبالتحديد في السادس عشر من فبراير الماضي، إذ التقت روسيا بدول منظمة الأوبِك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لبحث سبل وقف نزيف الأسعار في السوق النفطية العالمية وانتهت المباحثات بتوافق ثنائي بين البلدين متغلبين من أجل المصلحة المشتركة على الخلافات المتجذرة بينهما إزاء الأوضاع في سوريا.
روسيا وأمريكا، صراع الذئب والنعامة؟
السؤال الذي يجول بخاطر المتابعين للأحداث الإقليمية الآنية، «هل يشير الانسحاب الروسي لإدراك داخلي بأنهم قد تورطوا في أتون حرب لا تُرتجى نهايتها قريبًا؟ أم أن الميزانية الروسية باتت غير قادرة على مواصلة القتال؟»والرد على هذا السؤال ربما يكون طفوليًا أو بديهيًا -إلا إذا افترضنا جنون الإدارة الروسية- فهل موسكو لم تقدّر ما يقدره عامة الناس من تكاليف الحرب الباهظة! وهل نحن أكثر دراية بما تكلفه الحرب من الجانب الروسي؟سبق أن ذكرنا أن الجانب الروسي قد يكون بالفعل تورط، وهو أسوأ الظن، لكن ما يرجح إلى حد ما وجهة النظر هذه أن النزيف الذي أصاب مؤخرًا أسواق النفط العالمية ألقى بالطبع بظلاله على الاقتصاد الروسي المثقل بالعقوبات، وهذا ما تروج له أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون في تنصل تام لمسئوليتهم عن البساط التي تسحبه موسكو من تحت أرجلهم في الشرق الأوسط.
وبدلًا من أن يمضوا قدمًا في تدعيم تحالف سني بين السعودية وتركيا والذي سيكون له الأثر الأكبر في حسم الصراع الداخلي في سوريا، لا سيما وأن كلا الطرفين له مصالحه الإقليمية هناك في سوريا وربما يشتركون في رغبتهم في تقويض النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة.يقول الأستاذ عزمي بشارة في أحد لقاءاته المذاعة على قناة الجزيرة: «أنا أعجب كل العجب من التراجع الأمريكي في المنطقة وأعجب كثيرًا من خروج رئيس أكبر دولة في العالم عقب البدء في العمليات العسكرية الروسية في سوريا ليقول لنا وللعالم أن روسيا ستندم أشد الندم على خوضها حربًا طويلة في سوريا، ماذا فعل هو -يقصد أوباما- لكي يجعل روسيا تندم أم أنه انتقل بجورانا في مقاعد المشاهدين؟»والحقيقة أن هذه الرعونة الأمريكية آخذة في الازدياد صوب قضايانا العربية ومختلف القضايا التي لم تعد تمس المصالح الأمريكية بصورة مباشرة، وأظن أنه لولا أزمة اللاجئين التي صدرتها الأزمة السورية ما سعت الولايات المتحدة في إيجاد حل لها.
- بريطانيا تقول إنها غير متأكدة من جدية الانسحاب الروسي من سوريا – رويترز
- He Came, He Saw, He Withdrew From Syria
- What Is Motivating Putin to Withdraw Russian Forces from Syria?
- ISIS Loses Almost 1/4 of Territory in Iraq and Syria in 15 Months, IHS Data Shows
- مسؤولون أمريكيون: عدد القوات الروسية في سوريا وصل إلى أربعة آلاف