نيويورك ريفيو: لماذا نحتاج إلى تنظيم القاعدة في حربنا ضد التطرف؟
ينتشر ارتباك في واشنطن وعواصم غربية أخرى حول وضع ومستقبل تنظيم القاعدة. حيث يزعم بعض الدبلوماسيين والمعلقين الغربيين أن القاعدة قد تراجع إلى حد كبير بسبب تنظيم داعش الأكثر شعبية ووحشية. بينما يصر آخرون على أنه يتوسع في سوريا واليمن، ويبقى قويا في باكتسان وأفغانستان حيث تقيم قيادته الحالية، ويستمر في تمثيل أخطر تهديد إرهابي للغرب.
في غضون ذلك، تشير التطورات في الشرق الأوسط إلى تناقضات متزايدة في السياسة الغربية.
ففي سوريا، قصفت الولايات المتحدة جبهة النصرة، التابع المحلي لتنظيم القاعدة، بالتزامن مع قصفها لداعش. ولكن بعض أعضاء التحالف ذي القيادة الأمريكية ضد داعش، ومنهم تركيا والسعودية، يدعمون جبهة النصرة بشكل فعال بالأسلحة والأموال.
وفي اليمن، واصلت الولايات المتحدة حملة درون استمرت لمدة عام ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهي حملة أسفرت مؤخرا عن مقتل قائد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ناصر الوحيشي يوم الجمعة. ولكن الكثيرين بالعالم العربي ينحازون الآن بشكل أساسي تجاه التنظيم في الحرب ذات القيادة السعودية ضد متمردي الحوثي في اليمن. وبينما يحظى داعش باهتمام ساحق بسبب قدرته على احتلال الأراضي والسيطرة عليها واجتذاب الآلاف من المتطوعين الغربيين، لم يسلط الضوء بشكل كبير على الأثر البالغ لداعش على تنظيم القاعدة.
الحقيقة أن تنظيم القاعدة قد تطور بشكل جذري منذ موت أسامة بن لادن وظهور داعش. رغم الحملة المنسقة ضده من قبل الولايات المتحدة وتحالفها المكون من أكثر من ستين دولة، يزعم داعش الآن أنه يمتلك قوات برية في عشرات الدول الممتدة من تونس إلى آسيا الوسطى وباكستان، وأنه يطبق مشروعا لبناء الدولة – الخلافة – التي راودت أحلام تنظيم القاعدة. تتمثل العاقبة الأخطر لنمو داعش على المدى البعيد في إطلاق العنان لحرب عامة بين السنة والشيعة، والتي ستحدث انقساما داخل العالم الإسلامي سيستمر لعقود.
أما تنظيم القاعدة، على الجانب الآخر، فقد استنزف للغاية. إلا أنه لا يزال يتمتع بتواجد كبير في سوريا، والعراق، واليمن عبر تابعيه، ويستمر في إلهام مسلحي أفغانستان، وآسيا الوسطى، وباكستان، الذين يقدمون المأوى والقوة البشرية للتنظيم من أجل الإبقاء على قيادته، متمثلة في أيمن الظواهري، على قيد الحياة. كما أن تنظيم القاعدة باعد نفسه بشكل متزايد عن داعش بالنسبة للاستراتيجية والأهداف في ساحات المعارك في سوريا واليمن. لذلك يصبح السؤال ملحا، إن كان تنظيم القاعدة يتغير، فكيف سيصبح؟ هل التغيير للأفضل أم للأسوء؟ وماذا سيكون دوره في المواجهة الحاسمة مع داعش؟
نتج جزئيا عن الحضور الغامض للقاعدة في الصراعات الممتدة بالشرق الأوسط، تباعدا مثيرا بين الولايات المتحدة والدول العربية بصدد كيفية شن الحرب على داعش. وفي خضم فوضى الصراعات المتزامنة في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، يتم الآن خوض حربين هادئتين منفصلتين كبيرتين. تخوض الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين الحرب الأولى، حيث يسعون لهزيمة جبهة النصرة في سوريا وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى جانب حملتهم ضد داعش. إلا أنه إلى حد كبير، لا تشارك الدول العربية في الحرب ضد القاعدة، ولا تقدم أي دعم استخباراتي للقوات الأمريكية التي تقودها.
أما الحرب الثانية، وعلى النقيض من الأولى، تشنها تركيا والدول العربية الإقليمية – وعلى رأسها السعودية، وقطر، والإمارات، والأردن، ومصر – ضد الأسد والقوات الأخرى المدعومة من إيران في المنطقة، وكذلك ضد داعش. تتجنب الدول العربية في تلك الحرب بشكل معلن قصف أو مهاجمة جبهة النصرة وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل وتقدم الآن لكليهما الدعم المالي والتسليح.
يعود ذلك إلى إعلان التنظيمين عن أهدافهما، التي تتلاقى مع أهداف الدول العربية. فقد وضعت جبهة النصرة على رأس أهدافها الإطاحة بنظام بشار الأسد، وهزيمة ميليشيات حزب الله الموالية لإيران، والقضاء على الدعم الإيراني للأسد. أما تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإنه يقاوم التمرد الحوثي ويريد أيضا أن يقضي على النفوذ الإيراني في اليمن. لذلك أصبح التنظيمان حلفاء مع الدول العربية، رغم حقيقية أن القاعدة قد سعى مسبقا إلى الإطاحة بنفس تلك الأنظمة.
يتعارض ذلك تماما مع الأهداف والأغراض التي أعلنتها أمريكا طويلا. حيث يستمر الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري في الإصرار على أنه ليس هناك فارق بين داعش وتنظيمي القاعدة. ويظل صحيحا أيضا أن كلا التنظيمين خطير؛ فقد أظهر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية خلال السنوات الأخيرة القدرة على التخطيط لهجمات طموحة ضد أهداف غربية. إلا أن العرب لهم مبررهم في استنتاج أن تنظيم القاعدة ربما يكون آخذا في التطور. حيث يسيطر التنظيمان حاليا على مدن وبلدان في الدول المعنية، ما يسجل أول مرة يسعى القاعدة فيها للسيطرة على الأراضي. ووضع كلاهما سياسات للحكم المحلي تختلف بشكل ملحوظ عن سياسات داعش.
عند تسليط الضوء على جبهة النصرة، وهي العدو الرئيسي لداعش في سوريا، نجد أنها على خلاف داعش، الذي يفرض الاستعباد المطلق على سكان أي أرض يغزوها (الاستسلام أو القتل)، تتعاون جبهة النصرة مع تنظيمات أخرى معادية للأسد، وانضمت مؤخرا إلى “جيش الفاتح”، وهو تحالف من ميليشيات المتمردين في شمالي سوريا.
علاوة على ذلك، وعلى النقيض من قوة داعش المحاربة المتكونة في أغلبها من مقاتلين دوليين وغير سوريين، تتشكل جبهة النصرة بشكل كامل تقريبا من سوريين، ما يجعلهم محل للثقة بشكل أكبر، وأكثر التزاما تجاه مستقبل سوريا. وفي غضون ذلك، تعهد قادة جبهة النصرة في مقابلات مع شبكة الجزيرة بعدم شن هجمات ضد أهداف في الغرب، ليعززوا فكرا يمكن أن يطلق عليه “الجهادية الوطنية”، بدلا من الجهادية العالمية. خلال الأشهر الأخيرة، خفف قادة النصرة تطبيقهم لنسختهم الوحشية من الشريعة الإسلامية، مع تعليق خططهم لبناء خلافة.
ثبت حدوث العديد من تلك التغييرات في تنظيم القاعدة باليمن. فقد مثل استيلاء التابع المحلي للقاعدة على محافظة حضرموت بجنوبي شرق اليمن هذا الخريف شكلا من الترويض بشكل ملحوظ. سيطر التنظيم على العاصمة، المكلا، ونهب البنوك، ثم تراجع، رافضا أن يدير الحكومة بنفسه أو أن يطبق الشريعة ولكنه نصب مجلس شيوخ بدلا من ذلك. وحث المجلس على التركيز على الحكم وتقديم الخدمات للسكان.
بالنسبة للقادة العرب، يتوقف تحديد إن كان القاعدة قد تغير أم لا على توجه التنظيم على المدى البعيد بالنسبة للشيعة. فداعش والقاعدة يمقتان الشيعة، ولكن القاعدة حاول في الماضي أن يلين آراءه وأن يدرء نوع الحرب الطائفية واسعة النطاق التي يناصرها داعش الآن.
بالعودة إلى عام 1998، أمر أسامة بن لادن مقاتليه العرب وطالبان بوقف القتل المكثف للشيعة في أفغانستان، وخلال أوج الحرب في العراق، عندما دشن قائد فرع تنظيم القاعدة بالعراق، أبو مصعب الزرقاوي، حملة وحشية بشكل استثنائي ضد الشيعة، أمره بن لادن وأيمن الظواهري بالتوقف عن ذلك.
بالنسبة للوقت الراهن، يبدو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وجبهة النصرة متجنبين للتطرف المعادي للشيعة، معتبرينه مانعا للسيطرة على المزيد من الأراضي. إلا أنه من غير المعلوم إن كانت الوسطية تجاه الأقليات، مثل العلويين في سوريا واليزيديين في العراق، ستستمر إن حقق التنظيمين السيطرة الكاملة. كما أن توجههما غير معلوم بالنسبة لدولة كردية في شمالي العراق.
ما يحمل نفس أهمية التقارب العربي مع القاعدة هو حقيقية أن السياسات الأمريكية قد فشلت. الجهود الأمريكية لبناء ما يطلق عليه جبهة معتدلة في سوريا ولجمع السنة والشيعة في العراق تحت إشراف نخبة شيعية عراقية فاشلة، أصبحت تلك الاستراتيجيات محكوم عليها بالفشل. ومع بدء الولايات المتحدة للمراحل الأخيرة على طريق التوصل لاتفاق نووي مع إيران، يرى العديد من القادة العرب أن واشنطن تتخلى عنهم.
بالأموال العربية والإقناع، يكتسب التنظيمان القدرة على الحكم المحلي وبناء الدولة. وبغض النظر عن الفكر الجهادي الكريه وراءهما، تشير تلك الجهود إلى نتيجة قد تكون أقل تهديدا بشكل معقول من النتيجة التي يسعى إليها داعش.
فوفق بعض التقارير، أصدر قائد تنظيم القاعدة الظواهري نصيحة مفادها أن الهجمات على الولايات المتحدة يحب أن تتوقف حاليا للسماح للقاعدة وتابعيها بتركيز تواجدهم في الشرق الأوسط. يتلقى ناصر الوحيشي، الذي قتل الأسبوع الماضي إثر غارة درون أمريكية، الأوامر بشكل مباشر من الظواهري، وكذلك أبو محمد الجولاني، قائد جبهة النصرة، الذي صرح مؤخرا لشبكة الجزيرة بأن: “التعليمات التي لدينا تنطوي على عدم استخدام الشام كقاعدة لشن هجمات على الغرب أو أوروبا حتى لا نعكر سير الحرب الحالية”.
أمام مقتل 320,000 شخص ونزوح 7,6 مليون شخص في سوريا وحدها، تريد الدول العربية نهاية سريعة لنظام الأسد وحل قابل للتطبيق في سوريا. فتلك الدول تعلم أن الحل لن يأتي أبدا من المعارضة المعتدلة الضعيفة، وأن أي سلام دائم سيتطلب دعم التنظيمات الإسلامية القوية والشرسة هناك. حيث تبنى الملك السعودي سلمان، منذ توليه العرش في يناير 2015، سياسية أكثر عدوانية بكثير تجاه إيران وسوريا، وهو مستعد للتعاون مع الشيطان لتحقيق أهدافه، ويشمل ذلك تنظيم القاعدة. تعرضت تركيا أيضا للإهانة إثر خسارتها للهيمنة في المنطقة وأنشأت حاليا مركزا للقيادة والتحكم لجبهة النصرة على أراضيها.
يجب أن يدرك الغرب أن الأرض تتغير سريعا في أنحاء المنطقة وأن الربيع العربي أصبح الآن على حافة التحول إلى شتاء إسلامي متشدد، شئنا أم أبينا. دفعت الولايات المتحدة ثمنا باهظا لرفضها دعم الدول العربية في الإطاحة بالأسد منذ أربع سنوات عندما تواجدت المعارضة المعتدلة الفعالة. وخلال الأشهر المقبلة، يجب ألا نتفاجأ إن بدئت محادثات بين القاعدة وتلك الدول العربية. قد تستثنى الولايات المتحدة فقط من تلك المحادثات.