من «روما» إلى «النهضة»: القصة الكاملة لاتفاقات مياه النيل
بعد فترة شاقة من المفاوضات، وقّعت كل من مصر وإثيوبيا والسودان، اليوم الثلاثاء، العقود الخاصة بدراسات سد النهضة، والتي سيجريها مكتب استشاري فرنسي،خلال فترة تتراوح بين 8 – 11 شهرًا، ليكون لدى مصر دراسة مائية، تجيب عن كل الاستفسارات التي تدور حول آثار «سد النهضة» وتشمل الدراسات الهيدروليكية لحركة النهر من أمام السد الإثيوبي حتى دولتي المصب، مصر والسودان، لفترات الملء والتخزين أمام بحيرة التخزين لسد النهضة، فضلا عن الدراسات البيئية والاقتصادية والاجتماعية للمشروع على الدول الثلاث.
نسعى في هذا التقرير للتعرف على أهم الاتفاقات التي تم بموجبها تنظيم مياه النيل منذ عهد الاستعمار وحتى اتفاقية «عنتيبي»، وبقدر ما نهتم بالبنود التي تضمنتها تلك الاتفاقات، فإننا نسعى إلى فهم السياقات التاريخية التي أدت إلى توقيعها،بما يساعد على تكوين صورة شاملة عن تطورات الأحداث في حوض النيل خلال تلك الفترة، وهو ما يسهم في فهم الإشكال الحادث حاليا بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة.
كانت مقاربة مصر دومًا حاسمة في ملف مياه النيل،انطلاقا من أن النهر هو مصدر الحياة الوحيد فيها على عكس غيرها من دول الحوض التي بإمكانها توجيه النظر إلى تحقيق الاستفادة القصوى من مياه الأمطار، ولا نعني هنا بـ« الحياة» المصالح الاقتصادية المباشرة المتعلقة بالري والزراعة والشرب والأنشطة التجارية، بل من حيث كونه مصدرًا لوحدة البلاد السياسية ونشأة الدولة المركزية التي كان توحيد البلاد وتنظيم مياه الري في الأقاليم أحد أهدافها، ومن هنا يمكن فهم المقصود بـ «الحقوق الطبيعية والتاريخية» لمصر في مياه النيل والتي ستصبح أحد لوازم الخطاب السياسي المصري المتعلق بالمياه، والذي يعتبر النيل أحد مرتكزات الأمن القومي المصري التي لا يمكن التهاون فيها، على الإطلاق.
ما الذي يعنيه مصطلح «دول حوض النيل» تحديدًا ؟
يتكون نهر النيل من رافدين أساسيين هما: «النيل الأبيض»وينبع من هضبة البحيرات (بحيرة فيكتوريا) على حدود كل من أوغندا وتنزانيا وكينيا وتعتبر ثاني أكبر بحيرة عذبة في العالم، و«النيل الأزرق» الذي ينبع من بحيرة تانا في أثيوبيا. ويشكل الأخير 85% من المياه المغذية لنهر النيل وتصل هذه المياه إليه أثناء سقوط الأمطار الموسمية على هضبة الحبشة في الصيف مشكلة فيضان النيل، ويلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق في العاصمة السودانية الخرطوم، ليمر النيل عبر الحدود المصرية – السودانية إلى بحيرة ناصر – وهي بحيرة صناعية تقع خلف السد العالي – ثم يكمل طريقه عبر الوادي إلى أن يتفرع إلى فرعي دمياط ورشيد، اللذين يصبان في البحر الأبيض المتوسط.ويمكن تصنيف دول حوض النيل من حيث أولوية النهر بالنسبة لها إلى دول ذات اهتمامات «عالية جدا » وهي مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا، و«عالية» وهي دولة أوغندا، أمّا اهتمامات كينيا،،وتنزانيا، وبوروندي، ورواندا فهي تُصنّف على أنها «متوسطة»، فيما توصف اهتمامات كلّ من إريتريا والكونغو بأنها «ضعيفة».
النيل بعين الاستعمار
شهدت نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين -حيث كانت مصر تقع تحت الانتداب البريطاني والسودان تحت الحكم الثنائي– توقيع بريطانيا على عدة اتفاقيات تتعلق بتنظيم الاستفادة من مياه النيل، كانت بريطانيا في هذه الاتفاقات -بصفتها الاستعمارية على الأقل- تمثل المصالح المائية لمصر والسودان الواقعتين تحت سيادتها وهذه الاتفاقيات هي:
- بروتوكول روما 1891م مع إيطاليا التي كانت تحتل أراضي إريتريا حيث الروافد العليا للنيل الذي يشكل نهر عطبرة أحد روافده.
- اتفاقية أديس أبابا عام 1902م التي سوّت النزاع الحدودي السوداني-الإثيوبي حيث وقعها نيابة عن إثيوبيا إمبراطورها مينيليك الثاني.
- الاتفاقية الثلاثية 1906م بين بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، حيث كانت هذه الدول الثلاثة تتقاسم النفوذ في مستعمراتها في شرق ووسط أفريقيا.
- وقعت بريطانيا في نفس العام اتفاقا مع دولة الكونغو المستقلة في أعالي النيل، قبل أن تعود لتوقع اتفاقا ثانيا مع إيطاليا في العام 1925م، ثم اتفاقا مع مصر نيابة عن أوغندا عام 1953م.
وبشكل عام وبدون سرد بنود كل معاهدة، فإنها جميعا قد حملت في موادها تأكيدا على ضمان وصول المياه إلى مصر والسودان، وتعهدت دول المنبع أو الحكومات الاستعمارية التي تنوب عنها بالامتناع عن أي إنشاءات على النيل إلا بعد موافقة الحكومة المصرية أو السودانية وبما لا يتعارض مع مصالحهما المائية، تعطي هذه الاتفاقات صورة مجملة عن الاعتراف الدولي والإقليمي بخصوصية النيل بالنسبة لمصر تحديدا من جهة، وموازين القوي التي منعت الانقلاب على حقائق الواقع والتاريخ من جهة أخري،مهدت تلك المعاهدات للاتفاقيتين الأهم على الإطلاق:اتفاقية عام 1929م، واتفاقية 1959م، والذين يجري بموجبهما توزيع مياه النهر حتى الآن .
بين مصر المستقلة وبريطانيا المحتلة
في بدايات القرن العشرين كان ثمة نزوع بريطاني لزراعة القطن في السودان (تزامن ذلك مع انخفاض المعروض من القطن في الأسواق العالمية)، بدأت المصالح الاستعمارية البريطانية تلبي التطلعات السودانية في التوسع الزراعي اعتمادا على مياه النهر، بدأت مصر تواجه الكثير من المتاعب فيما يتعلق بقدرتها على الاحتفاظ على سيادتها على النهر، وقد تصاعدت التوترات بين مصر وبريطانيا على خلفية التوسع الزراعي الذي قامت به الأخيرة اعتمادًا على مياه النيل الأزرق في السودان وأعالي النيل، وهو ما رأى فيه صناع القرار في القاهرة تهديدا للمصالح المائية ووسيلة بريطانية للتحكم في مياه مصر، رأت القاهرة أن اعتراضها على إنشاء الخزانات خارج الحدود المصرية هي اعتراضات منطقية، وحاولت بريطانيا مرارا توظيف قضية المياه كوسيلة للضغط على مصر، فقد جاء في الإنذار الذي قدمه المندوب السامي البريطاني عقب اغتيال اللورد «سير لي ستاك» أنه سيتم زيادة مساحة الأراضي المزروعة في منطقة الجزيرة بالسودان من 300 ألف إلى مقدار غير محدد طبقا لما تقتضيه الحاجة.
حاولت الحكومة المصرية تكييف مطالبها في مسألة مياه النيل في إطار مفاوضات الجلاء، غير أن الرفض البريطاني للمشاريع المقدمة، والتعثر المستمر لمفاوضات الجلاء، وإدراك الطرفين بضرورة التوصل إلى تسوية سريعة ومستقرة بشأن إدارة السياسات المائية، قد أدت إلى سعي الطرفين إلى حسم تلك المسألة الحيوية على نحو منفصل من الاتفاقيات السياسية، وهو ما تكلل باتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا عام 1929م.
في 7 مايو/أيار 1929م، بادر رئيس الوزراء المصري «محمد محمود» بإرسال رسالة إلى المندوب السامي البريطاني في القاهرة وقتئذ لورد «جورج لويد»، ليرد عليه الأخير بمذكرة أخري، واعتبرت المذكرتان المتبادلتان أساسا لـ اتفاقية مياه النيل، اعتبرت بريطانيا في هذه المعاهدة نائبة عن السودان وكينيا وتنزانيا
- اعترفت بريطانيا صراحة بـ «حقوق مصر الطبيعية والتاريخية » في مياه النيل.
- ثبتت الاتفاقية حق مصر المكتسب في مياه النيل بنحو 48 مليار متر مكعب، فيما زيدت حصة السودان لتصل إلى 4 مليارات.
- تحتفظ مصر بحق مراقبة تدفق النيل في دول المنبع.
- تحتفظ مصر بـحق الاعتراض على أي منشآت أو اعمال في تلك الدول من شأنها أن تؤثر سلبا على الحصص المائية لمصر.
- من حق مصر أن تقيم أي مشروعات مائية بدون اشتراط موافقة دول المنبع.
- اعترفت الاتفاقية بضرورة مراعاة مصر لحاجة السودان في مياه النيل لزوم التوسع الزراعي بما لا يؤثر في حاجة الزراعة والحياة في مصر، وبضرورة التنسيق الفني في مسائل الري بين البلدين، كما قننت الاتفاقية وجود الري المصري في السودان وأعطته التسهيلات اللازمة للقيام بأعمال الرصد على النيل وفروعه، ودراسة المشروعات السودانية، وكذلك مراقبة سحب السودان.
مصر والسودان، وبينهما سد
شهد عقد الخمسينات سجالا جديدا بين الحكومتين المصرية والسودانية حول المياه، إذ اتجهت الحكومة السودانية إلى تسهيل منح تراخيص مشاريع المضخات الزراعية، وانعكس ذلك على النمو السريع لطبقة الملاك الزراعيين، واتجهت البرجوازية التجارية في المدن ومعها طبقة المتعلمين إلى الاستثمار في المجال الزراعي، وتنامي الاهتمام بالتراكم الرأسمالي لدي قطاع عريض من السياسين وقواعدهم الحزبية، كان القطن هو المحصول الرئيسي للبلاد، ومن ثم بدأت النداءات السودانية بالضغط لإعادة توزيع المياه على نحو «أكثر عدلا»، وظهرت الميول السودانية للتوسع الزراعي وإقامة الخزانات على النيل، تزامن ذلك مع قيام النظام الجديد في مصر – بقيادة جمال عبد الناصر- بإعادة التركيز على قضية المياه بوصفها أحد أولويات التنمية الشاملة التي ينادي به ، خاصة مع السجالات المصرية-السودانية-البريطانية التي انتهت بانفصال السودان عن دولتي الحكم الثنائي واستقلاله رسميا عام 1956م.
كان السودان يعارض في البداية مشروع السد العالي الذي سعت مصر من خلاله لتوليد الكهرباء وحجز مياه الفيضان وتخزين المياه لأغراض الاستثمار الزراعي والحماية في مواسم الجفاف، وقد كان هناك دور بريطاني ضاغط في صف السودان،حيث سعت بريطانيا إلي تعظيم استفادتها من القطن السوداني الذي تشتريه المصانع البريطانية بأسعار متدنية مقارنة بأسعار القطن العالمي، ناهيك عن الرغبة البريطانية في تخزين المياه خارج الحدود المصرية لاستخدامها كورقة ضغط على النظام المصري الذي أخذ يحث الخطي بعيدا عن المعسكر الغربي، فأمم قناة السويس، وسار في إنشاء مشروع السد العالي على غير الرغبة البريطانية الأمريكية، كما أن قضية مياه النيل كانت محطا للمزايدة والتوظيف السياسي بين الأحزاب السياسية السودانية، إذ تعاقبت على السودان منذ استقلاله وحتي التوقيع النهائي لاتفاقية عام 1959م، ست حكومات، ومن ثَم فقد أدت ورقة المياه في السودان دورا كبيرا باعتبارها أداة للمزايدة السياسية بين الأحزاب المتصارعة.
بالنظر إلى ما سبق، وبالأخذ في الاعتبار التململ الذي بدأت دول شرق أفريقيا في إظهاره تجاه السيطرة المصرية على مياه النهر، بضغط -أو على الأقل بترحيب- بريطاني، كان لابد من الوصول إلى تفاهم جديد بين مصر والسودان حول المياه ، وتحت عنوان «مشروعات ضبط النهرو توزيع فوائدها بين الجمهوريتين» تم الاتفاق على ما يلي:
- موافقة السودان على إنشاء السد العالي، فيما وافقت مصر على إنشاء السودان لسد الروصيرص على النيل الأزرق.
- طبقا للحسابات، فإن صافي الفائدة من السد العالي يبلغ 22 مليار متر مكعب من المياه بعد استبعاد الحقوق المكتسبة لمصر (48 مليار) والسودان ( 4 مليارات) ومعدل التبخر سنويا (10مليارات)، وتوزع هذه الفائدة على السودان ومصر بمقدار 14.5 و 7.5 مليارات على الترتيب ومن ثم يصير نصيب مصر من المياه سنويا (48+7.5=55.5 مليار متر مكعب)، ونصيب السودان سنويا (14.5+4=18.5 مليار متر مكعب).
- تدفع الحكومة المصرية إلى السودان تعويضات عن الأضرار التي يسببها التخزين في السد العالي، وتتعهد الحكومة السودانية بترحيل سكان منطقة حلفا وغيرهم من السكان السودانيين والذين ستغمر أراضيهم بمياه التخزين.
- تتخذ الدولتان موقفا موحدا إزاء مطالبات دول المنابع بحصة في مياه النيل، وإذ تم الاتفاق على تخصيص أي كمية من مياه النهر لأي من هذه الدول فإن الكمية المسحوبة يتم سحبها بالتساوي من نصيبهما.
شكلت المعاهدات السابقة إطارا حاكما للعلاقات المائية بين دول الحوض طوال القرن الماضي، والتزمت بها دول المنابع رغم رفضها لبعض البنود، قبل أن تتخذ إثيوبيا قرارا بتغيير موقفها وتصعيد الموقف بالمضي قدما في إنشاء سد النهضة رغم الرفض المصري.
عقيدة هارمون ومبدأ نيريري
اتخذت إثيوبيا و دول المنابع بعد استقلالها موقفا رافضا للوضع المائي القائم على ترتيبات معاهدتي 1929 و 1959م، فتبنت إثيوبيا «عقيدة هارمون Harmone Doctrine» والتي تقضي بالسيادة المطلقة للدولة على الموارد المائية التي تقع داخل حدودها بصرف النظر عن أي تأثيرات جانبية على الدول الأخري، واعتبرت أن معاهدتي 1929 و1959م غير ملزمتين، وحاججت بأن هذه الاتفاقات قد تم توقيعهما خلال الحقبة الاستعمارية ودون الرجوع إلى دول المنبع، وقد شرعت إثيوبيا في إجراء دراسات حول إمكانية إقامة مشروعات كبري على النيل الأزرق خلال خمسينات وستينات القرن الماضي من بينها الدراسة التي أجرها مكتب الاستصلاح الأمريكي (تزامن ذلك مع قيام مصر ببناء السد العالي وسط رفض إثيوبي وغربي) والذي قام بمسح للأماكن التي تصلح لبناء السدود وحدد لذلك 26 موقعا اهمها 4 سدود على النيل الأزرق الرئيسي، والجدير بالذكر أن سد النهضة الحالي كان أحد هذه السدود الأربعة وحمل في هذه الدراسة اسم«سد بوردر Border»، غير أن تلك التوصيات لم تنفذ وقتها.لم تكن أديس أبابا هي الوحيدة التي رفضت الوضع القائم، فتنزانيا، التي تُشاطئ بحيرة فيكتوريا أحد أهم منابع النيل، قد اتخذت موقفا متشابها، و أعلن رئيسها «جوليوس نيريري» ما أطلق عليه «مبدأ نيريري» والذي أكد فيه «أن الدول المستقلة عن الاستعمار غير ملزمة بما وقعته الدول الاستعمارية قبل الاستقلال من اتفاقيات ومعاهدات»، وقد أيدت كل من كينيا وأوغندا وبورندي ورواندا الموقف التنزاني، وطالبت دول المنابع بوضع إطار جديد يحقق استخداما «عادلا» لمياه النيل، وحتي ذلك الحين فقد رأت أن لها الحق في استغلال الموارد المائية التي تقع داخل حدودها بما يتفق ومبدأ السيادة المطلقة ورفضت المطالبات المصرية باحترام مبدأ توارث المعاهدات، وقواعد القانون الدولي القائمة على الإخطار المسبق، وعدم الإضرار.والملاحظ أن تلك التهديدات لم تنفذ ، فلم تقم دول المنبع بتنفيذ مشروعات ضخمة على النهر تغير من الحالة القائمة أو تؤثر على الحصص المائية لمصر، تمتعت مصر دوما بقدرات عسكرية أقوي، واقتصاد أكثر استقرارا، إضافة إلى علاقات دولية جيدة حالت دون حصول هذه الدول على المنح المالية التي تمكنها من تمويل مشروعات ضخمة على النهر، كما تمتعت مصر بعلاقات جيدة مع السودان، الأمر الذي جعل موقفهما موحدا في قضية المياه، فيما كانت كثير من دول المنابع تعاني من الحروب والاضطرابات الداخلية التي أنهكت البلاد واستنزفت مواردها.
استرضاء مصر ورفض إثيوبيا
حاولت مصر إقناع دول الحوض بالتعاون على الاستفادة المشتركة من النهر شريطة عدم الإضرار بمصالحها المائية، فوقعت مصر وأوغندا في عام 1991م أكدت فيه أوغندا احترامها لاتفاقية 1953م وهو ما يعني اعترافا ضمنيا بمعاهدة 1929م، وفي عام 1993م، وقعت السلطة الجديدة في إثيوبيا بزعامة «ميليس زيناوي» على اتفاق يقضي بعدم قيام الدولتين بأي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يشكل ضررا على مصالح الدولة الأخري، ونص الاتفاق كذلك على احترام القوانين الدولية والتشاور والتعاون بين الدولتين فيما يخص مشروعات المياه.
في فبراير/شباط 1999 نشأ تجمع جديد سُمّي «مبادرة حوض النيل Nile Basin Initiative»، ضم دول الحوض التسع – قبل انفصال جنوب السودان- وإريتريا بصفة مراقب، وهو أول تجمع مؤسسي يضم كل دول حوض النيل على أساس السعي نحو رؤية متكاملة لتنظيم الاستفادة الجماعية من المياه، وكان يهدف إلى التعاون المشترك لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول الحوض، عبر الانتفاع العادل والاستفادة المنصفة من موارده المائية، ومحاربة الفقر في هذه الدول ، وعليه فقد بدأت هذه الدول مفاوضات للتوصل لآلية مرضية لكافة الأطراف.
لم تتمكن الدول من التوصل إلى اتفاق مرضي للجميع حتى أبريل/نيسان 2010م، حيث أعلنت دول المنبع السبع بعد ساعات من بدء المفاوضات في شرم الشيخ أنها ستقوم بالتوقيع على الاتفاقية الإطارية منفردة دون مصر والسودان، وبعدها بشهر اجتمعت هذه الدول في عنتيبي بأوغندا ، ووقعت أربعة منها (أثيوبيا وتنزانيا ورواندا وأوغندا)علي «اتفاقية التعاون الإطاري Cooperative Framework Agreement » التي نصت على إعادة تقسيم حصص مياه النيل، ما يعني سحب الاعتراف «بالحقوق التاريخية » لمصر والسودان في النهر، وبعدها بأيام وقعت كينيا الاتفاقية قبل أن تلحق بوروندي بركب الموقعين في 28 فبراير/شباط 2011م، وقد صدقت عليها حتى الآن كل من إثيوبيا ورواندا وتنزانيا.
مثلت اتفاقية عنتيبي ضربة قاصمة لجهود التوافق بين دول الحوض، لم تلبث أن أتبعتها أثيوبيا بخطوة استفزازية أخرى حين قررت وضع حجر الأساس لبناء «سد النهضة»،سعت أديس أبابا من خلال تلك الخطوات إلى فرض أمر واقع جديد يتيح لها سيطرة أكبر على النهر، مستغلة الأوضاع السياسية المضطربة في مصر من جهة، والظرف الإقليمي والدولي المواتي من جهة أخري، وللحديث بقية.
- السيد فليفل، «الخلفية التاريخية لاتفاقيات مياه النيل» في المؤتمر الدولي حول مشكلة المياه في أفريقيا : 26- 27 أكتوبر 1998، تحت رعاية فاروق اسماعيل، السعيد البدوي وعادل سعد الحسين (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية ،1998)، ص 1
- سلمان محمد سلمان، السمينار الأسبوعي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات : سد النهضة الإثيوبي، التحديات والفرص، 27 أبريل 2014
- Arthur Okoth-Owiro, «THE NILE TREATY State Succession and International Treaty Commitments: A Case Study of The Nile Water Treaties», Konrad Adenauer Foundation, Pages 6-49
- أماني الطويل، العلاقات المصرية السودانية جذور المشكلات وتحديات المصالح، قراءة وثائقية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص 208-223
- نصف قرن على توقيع اتفاقية النيل.. السد العالي يسترجع ذكرياته، تحقيق منشور في جريدة الأهرام المصرية، 24 نوفمبر 2008
- عباس شراقي، بين الجيولوجيا والسياسة..رؤية فنية لسد الألفية الإثيوبي، مجلة السياسة الدولية، الموقع الالكتروني
- Mwangi S. Kimenyi and John Mukum Mbaku, «The limits of the new Nile Agreement», Brookings, April 28,2015
- Temesgen T. Deressa and John Mukum Mbaku,« While Egypt Struggles, Ethiopia Builds over the Blue Nile: Controversies and the Way Forward » , Brookings, July 25, 2013
- الموقع الرسمي لمبادرة حوض النيل
- اتفاقية حوض النيل