ماذا بعد أن خرجت «ارحل» مرة أخرى في شوارع القاهرة
خرج آلاف المصريين يوم الجمعة 15 إبريل/نيسان 2016، فيما يسمى بـ «جمعة الأرض» معترضين على تنازل الرئيس عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير إلى اللملكة العربية السعودية مقابل 20 مليار دولار. وقد رأى المتظاهرون بالأمس أن تلك الجزيرتين مصريتان لا يجوز التنازل عنهما مقابل أي ثمن من المال؛ فقد تم دفع ثمنهما من دماء الجنود المصريين طوال الحروب مع الكيان الصهيوني.
بالإضافة إلى عدم وجود وثائق تثبت أن تلك الجزيرتين سعوديتان، كما دعا المتظاهرون إلى التظاهر مرة أخرى يوم الإثنين 25 إبريل/نيسان 2016، وهو يوم ذكرى تحرير سيناء واستلام آخر الأراضي المصرية من السيطرة الصهيونية.
ارحل يا مرسي
خرج الآلاف من المواطنين المصريين في 30 يونيو/حزيران 2013 ثائرين على الوضع الذي وصلت له مصر خلال فترة حكم محمد مرسي. الوضع الاقتصادى في وضع حرج لا يتقدم، وحالة حقوق الإنسان في مصر يتهمها الإعلام بالتراجع إلى حد كبير، بالإضافة إلى العنف والعنف المضاد من قبل المؤيدين والمعارضين للنظام.
إلى جانب عدم تمكن مرسي من تنفيذ أي من وعوده الانتخابية، وما تم إثارته حول أن الرئيس المعزول مرسي سوف يتنازل عن حلايب وشلاتين إلى السودان؛ مما جعل الشعب – مدفوعًا بالإعلام وأجهزة الدولة – إلى الثورة ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين. وبعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات على عزل الرئيس مرسي، نجد تفاصيل المشهد متشابهة أكثر من أي وقت مضى.
الأطباء والنزول الأول للشارع
في يوم 12 فبراير/شباط 2016 عقدت نقابة الأطباء المصرية جمعية عمومية طارئة على خلفية أحداث مستشفى المطرية، حيث قام عدد من أمناء الشرطة بالاعتداء على أطباء الاستقبال بالمستشفى، وقد اتخذت الجمعية العمومية العديد من القرارت منها الامتناع عن تقديم الخدمة الصحية للمواطنين بأي مقابل وتقديمها بالمجان حتى يكون توجيه الإضراب ضد الدولة ولصالح المواطن، وذلك حتى يتم:
- تأمين المستشفيات ومنع دخول أي فرد مسلح إلى حرم المستشفيات سواء كان طالبًا للخدمة أو منتفعًا بها.
- توقيع عقوبات إدارية وجنائية على أمناء شرطة المطرية.
لم يكن تحرك الأطباء من أجل مطالب فئوية أو شخصية، وإنما كان تحركهم بدافع تحسن الخدمات الطبية المقدمة إلى المواطنين.
لم يكن تحرك الأطباء من أجل مطالب فئوية أو شخصية، وإنما كان تحركهم بدافع تحسن الخدمات الطبية المقدمة إلى المواطنين وتوفير مناخ آمن لعمل الأطباء حتى يستطيعوا أن يحسنوا من خدماتهم التي يقدمونها للمواطنين.
يبدو للحظة الأولى أن تحرك الأطباء قد كان من أجل مطالب شخصية؛ إلا أنه وفي حقيقة الأمر تحرك يمسّ جميع المواطنين. فتوفير بيئة آمنة للعمل أمر يمسّ صحة المواطنين مباشرة ولايجوز أن يتم إهماله، فللمواطنين الحق في خدمة طبية جيدة المستوى. إلا أن الدولة قد تعاملت مع القضية بصورة مخلة ولم تهتم بما تطالب به النقابة، فقد اعترض وزير الصحة الدكتور أحمد عماد راضي على دعوات النقابة بتنظيم وقفات احتجاجية على ما حدث للأطباء بمستشفى المطرية.
كما يجب الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على الأطباء من قبل أمناء الشرطة، ففي نفس الشهر الذي تم فيه الاعتداء على الأطباء بمستشفى المطرية، تم الاعتداء على ممرضة بإحدى مستشفيات كفر الشيخ وصفعها على وجهها من قبل أمين شرطة، وفي كل مرة لا تتم محاسبة أي من هؤلاء الأمناء ومعاقبتهم؛ مما يثير حنق المواطنين.
كانت المرة الأولى التي يتم فيها خرق قانون التظاهر بهذه الأعداد الكبيرة والتظاهر في شارع القصر العيني من قبل مواطنين غير موالين لجماعة الإخوان المسلمين أو أي فصيل سياسي آخر، كانت الهتافات ضد الداخلية بشكل أساسي، وإنها وإن كانت العصا الغليظة للنظام فإن «ارحل» لم يُهتف بها بعد.
«ريجيني» ولا «برادعي» له
هذه الكلمات التي قالتها السيدة باولا والدة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني –والذي وجدوا جثته معذبة وملقاة على طريق مصر/إسكندرية الصحراوي- تكشف العديد من زوايا السياسة المصرية داخليًا وخارجيًا. فكيف أصبحت سمعة حقوق الإنسان في مصر وكيف تدهورت؟، فأصبح معروفًا أن المصريين يختفون ويعذبون حتى الموت ويُلقَوْن في الطرقات دون معرفة من القاتل ولماذا قتل؟، كما أنها تكشف أن النظام الحالي ليس لديه أي سياسيين يستطيعون أن يمثلوا مصر في الأزمات الدولية.
قام البرلمان الأوروبي بطلب من السلطات المصرية أن توفر تحقيقًا مشتركًا.
لم يتوقف الأمر على استدعاء إيطاليا لسفيرها بمصر لبحث ما يكمن أخذه من إجراءات بشأن مقتل الطالب ريجيني، بل قام البرلمان الأوروبي بطلب من السلطات المصرية أن توفر تحقيقًا مشتركًا ليمتاز بالشفافية والسرعة في مقتل الطالب –والتي كثرت حوله سيناريوهات الحادث، كما دعى بيان البرلمان الأوروبي إلى مراجعة المساعدات التي تقدم إلى مصر خاصة فيما يخص المعدات العسكرية. الملفت للنظر في بيان الاتحاد الأوروبي هو إدانتهم بشكل واضح لتراجع حالة حقوق الإنسان في مصر بشكل عام، وأنه لابد من إصلاحات في النظام الحقوقي والقضائي في مصر من أجل ضمان تحقيق العدالة.
وجاء في بيان البرلمان الأوروبي أن «قضية جوليو ريجينى أعقبت قائمة طويلة من الاختفاءات القسرية التي حدثت في مصر منذ يوليو 2013 والإفلات من العقاب في مواجهتها، ولأن الحكومة المصرية الحالية نفذت حملة واسعة النطاق من الاعتقالات التعسفية لمنتقدي الحكومة، بينهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وأعضاء بحركات سياسية واجتماعية»؛ مما يعكس سمعة حالة حقوق الإنسان في مصر في الخارج ووضعيتها المتردّية.
وفي 7 إبريل/نيسان 2016 سافر وفد قضائي أمني مصري إلى إيطاليا ليقدم آخر ما وصلت إليه التحقيقات في مصر بشأن مقتل ريجيني، وقد سلم الوفد المصري نظيره الإيطالي ملفًا مكونًا من 3000 صفحة باللغة المصرية لكنها تفتقر إلى العديد من المعلومات التي يبحث عنها الجانب الإيطالي، وأضاف الجانب الإيطالي أن الاجتماع قد فشل وأنهم لم يصبح لديهم أي حسن نية في الجانب المصري؛ بسبب ضخامة الملف المكتوب باللغة المصرية والوقت الكبير الذي يحتاجه لكي يترجم إلى الإيطالية والتدقيق في الترجمة واستخراج المعلومات الهامة.
سوء التمثيل السياسي الخارجي في القضايا الدولية بدأ يأخذ منحدرًا صعبًا، وأصبحت مهمة البرادعي التي قام بها فى أوروبا قبل عزل مرسي أسهل الآن لو فكر أن يعيد الكرّة مرة أخرى وينصح أصدقاءه في دوائر صناعة القرار الغربي بالتخلي عن صديقهم الجنرال.
ثورة جياع قادمة!
تمر مصر بأوضاع ا قتصادية سيئة، ما بين ازدياد قيمة الدولار وتراجع في الاستثمارات، وعدم توافر مناخ اقتصادي ملائم، إلى جانب انخفاض احتياطي النقد الأجنبي. إلا أن كل هذا لم يدفع النظام الحالي إلى البحث عن حلول جيدة واستثمارات قوية، حتى أن المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أنشأها النظام الحالي لم تكن مدروسة جيدًا.
كان أول تلك الحلول هو عقد المؤتمر الاقتصادي لدعم وتنمية الاقتصاد المصري.
وقد كان أول تلك الحلول هو عقد المؤتمر الاقتصادي لدعم وتنمية الاقتصاد المصري في 13 مارس/آذار 2015 بمدينة شرم الشيخ، وقد حصلت مصر على 135 مليار دولار منح ومساعدات للاقتصاد المصري في العديد من المجالات مثل الإسكان والصحة والغاز، كما أن أغلب تلك المساعدات لم تفعل بعد، إلى جانب أنها أتت في شكل منح وليس كاستثمارات أجنبية في الداخل؛ مما يعطي الدولة المصرية وضعية أفضل بين الدول.
وهنالك مشروع قناة السويس الجديدة، ذلك المشروع الذي وعد النظام بأنه سوف يجني مليارات الدولارت وسوف يزيد من احتياطي النقد الأجنبي وينعش الاقتصاد المصري، إلا أنه وبعد ما يقارب عامًا على افتتاح القناة الجديدة لم يلاحظ أي تأثير ملموس على تحسن الاقتصاد المصري بل إن الوضع ازداد سوءًا، وأصبحت البلاد على شفير انهيار اقتصادي وشيك ينذر بثورة جياع تربك حسابات النظام والمعارضة معًا، حيث لا يملك كلاهما أية تصورات اقتصادية بديلة للبلاد.
بماذا يرد النظام؟
عندما لم يتوقف الأمر عند مشاريع وهمية وقتل واعتقال وتضييق للحريات، عندما وصل الأمر إلى أن يتم التنازل عن جزيرتين تابعتين للإدارة المصرية إلى المملكة العربية السعودية مقابل 20 مليار دولار، نزل الشباب المصري وهتف «ارحل»، وكان الهتاف الشهير: الشعب يريد إسقاط النظام، يصدح على سلالم نقابة الصحفيين، وفي شارع محمد محمود وشمبليون وميدان طلعت حرب.
وأمام تلك الاعتراضات والتحركات يتمتم السيسي: «من فضلكم أرجو إن الموضوع ده مانتكلمش فيه تاني».