لماذا انتشرت العربات المقاومة للألغام في الشرق الأوسط؟
العربة المقاومة للألغام MRAP أو Mine-Resistant Ambush Protected هي فئة مستحدثة من ناقلات الجنود المدرعة مصممة لتصمد أمام الألغام والعبوات المرتجلة IED والتي تعتبر أخطار شائعة فى الحروب الحضرية Urban warfare والتي تعرف مجازا بإسم حروب المدن.
بداية ظهور العربة المقاومة للألغام
هذا المفهوم ظهر بداية خلال السبعينات فى أثناء حرب روديسيا (زيمبابوي حاليا). بدأ هذا المفهوم مع ناقلة الجنود hippo ، التصميم كان عبارة عن مقصورة مدرعة متصلة جزئيا بشاسيه شاحنة بدفورد مما يحمي الجنود بداخلها من أغلب تأثيرات الألغام وتضمن التصميم هيكل جانبي مزدوج يحميها أيضا من تأثيرات العبوات الجانبية. التصميم كان رخيص وسهل التصنيع وأدي بشكل جيد خلال الحرب.
لكن وكعادة تصميمات زمن الحرب كانت هناك نوع من الإستعجال فى التصميم. فحركات التحرر فى روديسيا إعتمدت بشكل كبير على الألغام والعبوات المرتجلة IEDs ضد قوات نظام الحكم العنصري وضد القوات الجنوب إفريقية، فكانت هناك حاجة ملحة لناقلات جنود تستطيع الصمود فى وجه هذه المخاطر غير التلقيدية.
هذا دفع المصممين فى جنوب إفريقيا إلي الإعتماد على هيكل شاحنة تجارية بدفورد منتشر مما يسهل عملية الإسناد الفني والصيانة ويسرع من عملية الإنتاج الكمي. وأيضا التجارب لم تتم بشكل كافي فتم إعتماد التصميم بسرعة نتيجة الحاجة الملحة له فى ميادين القتال.
ولذلك عندما زجت جنوب أفريقيا بالعربة فى الصراع فى أنجولا تبين أن التصميم يحتاج مزيد من التحسينات والتعديلات والتي نتج عنها فى النهاية العربة كاسبر. العربة كاسبر تعتبر أول عربة تحمل السمات التصميمية المتكاملة للعربات المقاومة للألغام MRAP.
صحيح أنها عندما ظهر فى الثمانينات كانت تصنف كعربة مشاة آلية Infantry mobility vehicle يعني مجرد ناقلة جند على شاسيه مدولب لكن كان واضحا أنها تختلف عن باقي عربات هذه الفئة، فبدنها يتميز بالضخامة نتيجة إعتماده على ألواح التدريع المزدوجة تحتوي على فراغات بينية مماثلة لمفهوم الدروع الفراغية (spaced armors) التي تساعد فى كبت الموجات الإنفجارية وعدم تمددها لداخل مقصورة الجنود
بينما ناقلات الجنود عموما تصمم على شكل ماسة ويميل المصمون لتقليل الحجم الخارجي لها حتي لاتكون هدفا سهلا لنيران العدو.
أما الجزء السفلي من الشاسيه فهو على شكل حرف v لحرف الموجة الإنفجارية الناتجة عن الألغام لجانب العربة بعيدا عن مقصورة الجنود، فلو تعرضت إلى لغم قوي فغالبا ستتلف العجلات وربما محور الحركة لكن ستظل تأثيرات الإنفجار بعيدة عن الجنود، كذلك تم تصميم مقاعد الجنود لتكون مقاومة للإنفجار فهي غير متصلة بأرضية مقصورة الجنود ومن الطريف أن الشركة قدمت بعض النماذج فيها مقصورة الجنود مبطنة بسجاد صوفي يعزل التأثيرات الحرارية لبعض العبوات عن أقدام الجنود.
النوافذ أيضا كانت مزدوجة وتصميم مجموعة الحركة (المحرك وآلية نقل الحركة ومحور العجلات) يجعل من السهل إستبدالهم ميدانيا عند تعرضهم للتلف أو التدمير والعربة تحمل دائما دولابين إضافيين لضمان إمكانية إستمرارها فى العمل حتي لو تعرضت إلى لغم أطاح بالدولابين الأماميين أو الخلفيين.
الشركة المنتجة تقول أن العربة تتحمل عبوة تزن 21 كجم من TNT تحت إحدي العجلات أو عبوة 14 كجم تحت الهيكل وهي أرقام كبيرة مقارنة بناقلات الجند المدولبة القياسية التي لايزيد تحملها فى العادة عن 6 إلى 8 كجم من TNT تحت العجلات.
دخلت الشركة المنتجة لها فى جنوب إفريقيا فى سلسلة من الإندماجات ثم تم بيعها لعدة شركات وفى النهاية هي الآن جزء من إمبراطورية BAEs البريطانية وهي واحدة من أكبر شركات السلاح فى العالم. منذ ظهور هذه العربة فى 1981 مرت بعدة تحديثات وظهر منها عدة نماذج وحققت نجاحا تسويقيا رائعا فتم بيعها ل 22 دولة.
الرواج الكاسح لهذه العربات بعد غزو العراق
عندما غزت أمريكا العراق فى 2003 لم تبذل الكثير من الجهد لتهزم الجيش العراقي النظامي فهو فى النهاية جيش ضعيف متقادم أفضل مالديهم بعض تقنيات الثمانينات أمام جيش دولة عظمي يملك أفضل تقنيات الحرب المتوافرة.
لكن إختلف الأمر عندما إستقر الأمريكان على الأرض وبدأت المواجهة مع المقاومة العراقية. فالأمريكان الذين كانوا هدفا بعيد المنال فى طائراتهم وسفنهم أصبحوا فى متناول المقاومة العراقية بكافة أطيافها والقواعد العسكرية العراقية ومخازن الأسلحة وفرت كميات ضخمة من المتفجرات للمقاومين فلم يترددوا فى تحويل الأمر لكابوس للأمريكيين.
إنتشرت الألغام وعبوات الطريق والعبوات المرتجلة فى كل طريق تستخدمه القوات الأمريكية وشركائها، ولم تعد هناك مركبة عسكرية فى حصانة من التدمير فحتي الدبابة القوية جدا أبرامز M1A2 SEP فجروها بعبوات وزنها يقترب من نصف طن. وطبعا كان من المستحيل الإعتماد على الدبابات وعربات المشاة القتالية برادلي فى الدوريات وحراسة قوافل الإمدادت فتكلفة تشغيلهما كبيرة جدا ولايمكن إستهلاك مجنزرة فى عمليات مرافقة وحراسة لمئات الكيلومترات يوميا.
أما عربات الهمفي العسكرية فقد ثبت أنها مجرد أهداف سهلة للعبوات بل كانت حركات المقاومة العراقية تتباهي بأنها تدمرها فقط بالقنابل اليدوية المضادة للدروع (سلاح قديم جدا يعود للحرب العالمية الثانية ) والرمانات الحرارية. حتي الدفع بألوية السترايكر الخفيفة ثبت أنه غير مجدي فالسترايكر ناقلة جند مدولبة مصممة لحروب تقليدية ضد جيوش نظامية وسرعتها العالية وحركيتها لم تجعلها افضل حظا من الهمفي.
فقررت قيادة الجيش الأمريكي والمارينز وبالتشاور مع قيادة الجيش البريطاني إتخاذ عدة إجراءات لعلاج المشكلة، كان أهمها الإستعانة بخبرة جنوب إفريقيا فتم شراء بعض العربات التي تصنعها جنوب إفريقيا طراز كاسبر وأدخال عربات مماثلة طراز كوجر وهي عربات من تصميم أحد مكاتب التصميم فى جنوب إفريقيا وتصنيع تحالف من عدة شركات أمريكية.
العربات تراوحت تكلفتها مابين 450 ألف دولار للنموذج 4*4 و650 ألف دولار للنموذج 6*6 وهي تكلفة لاتزيد كثيرا عن تكلفة النماذج المتطورة من الهمفي مع تميزها بحمولة أفراد أكبر 4+2 للنموذج الصغير 4*4 و10+2 للنموذج الكبير 6*6، مما يعني مردودا كبيرا جدا مقابل التكلفة.
أصدرت قيادة المارينز تقريرا يحلل نتائج هجمات بالعبوات الإرتجالية IEDs على دوريات تستعمل عربات كوجر وأشار إلى أنه خلال 300 هجوم كان معدل الوفيات صفر. تم تسويق هذا النجاح لتأمين المزيد من التمويل لبرنامج المراب وكانت هناك صورة شهيرة لعربة كوجر تعرض لعبوة ضخمة فتت عجلاتها الأمامية ومع ذلك نجي كل الطاقم ولم يتعرض سوي لإصابات خفيفة وكدمات.
وبناء على هذا التقرير تم إعتبار طلبيات العربات المقاومة للألغام أولوية قصوي فى المشتريات العسكرية فتم تخصيص مبلغ 1.1مليار دولار لإقتنائها. وبدأ برنامج عسكري ضخم لإقتناء العربات المقاومة للألغام فى الفترة من 2007 إلى 2012 تم شراء مايقرب من 27 ألف عربة بقيمة وصلت 50 مليار دولار ضمت المشتريات عربات MRAP وكاسحات ألغام مبنية على نفس تصميمات ال MRAP.
بريطانيا أيضا أنفقت الكثير على عمليات شراء ضخمة وبدأت الشركات البريطانية فى عمليات إستحواذ كبرى على الشركات المتخصصة فى هذا المجال فى جنوب إفريقيا حتي تستفيد من رواج هذا المنتج وتحصل على نصيب كبير الكعكة التسويقية. طبعا صبت كل عمليات الإستحواذ فى حجر شركة BAEs التي إندمجت فيها كل الشركات البريطانية.
بعد الحرب فى العراق وأفغانستان تبين أن عملية التحول المكثف لتشغيل هذه العربات لم تكن قرارا ناجحا بالقدر الذي كان يروج له. فرغم انها كانت ناجحة ضد أخطار المعارك غير التقليدية خصوصا فى الحروب الحضرية، إلا أنها لم تكن بذات الجودة ضد أخطار المعارك التقليدية فحمايتها الباليستية (ضد القذائف والصواريخ والرشاشات الثقيلة ) لم تكن بنفس الجودة، ولأن حجمها العام ضخم ملىء بالبروزات فهي هدف سهل عموما وتصميم سطحها السفلي على شكل حرف V جعلها أقل مرونة وحركية فى التضاريس الوعرة كما أن إستهلاكها للوقود عموما مرتفع .
أثارت هذه التقارير الرأي العام فى بريطانيا خصوصا بعد تسرب أخبار عن نية الجيش ترك تلك العربات فى أفغانستان كهدية للحكومة الأفغانية لأنها لم تعد معدات مناسبة لمسارح العمليات المتوقع مستقبلا.
طبعا إضطر الجيش البريطاني لتبييض وجهه وإستعان ببرنامج توب جير حيث عرض البرنامج عملية تنظيفها وصيانتها وإعادتها لبريطانيا .
الجيش الأمريكي قرر تعديل مواصفات الجيل الجديد من هذه العربات فطلب تحسينات على قدراتها فى مقاومة الأخطار التقليدية، وجرت منافسة بين عدة شركات فازت بها فى النهاية شركة أوشكوش بعربة ماكس برو.
روسيا كذلك إنخرطت فى برنامج طويل لتطوير عربات مماثلة تتميز بقدرات ال MRAP العالية فى مقاومة الألغام والعبوات مع حماية باليستية كافية ضد اخطار المعارك التقليدية وحركية كافية حتي لاتكون عبء فى أرض المعركة فظهرت العربة كاماز تايفون.
شركة نكستر الفرنسية (جيات سابقا) عرضت عدة نماذج للتصدير منها تيتوس بينما شركة رينو عرضت عربتها طراز شيربا.
جيوش المنطقة العربية
الجيش العراقي إستلم كمية كبيرة من تلك العربات من أمريكا وبريطانيا لكن التطور الكبير فى تصميم العبوات وزيادة حجمها وإستخدام نوعيات متطورة منها أدي لزيادة تأثيرها على تلك العربات. كما أن إنتشار الأسلحة المضادة للدروع بأنواعها الموجهة وغير الموجهة مع القوى المناوئة للحكومة العراقية جعل لها اليد العليا فى المواجهة.
السعودية أيضا بدأت برنامج محلي لصناعة عربات المنصور والكاسر وغيرها على شاسيه تويوتا إف جي كروز (موديلات السبعينات)، لكن فى النهاية إستقرت وتعاقدت على عربة أوشكوش ماكس برو.
مصر قامت بإقتناء كمية من عربات ريفا الجنوب إفريقية، وفي 2011 تعاقدت على عربات شيربا فرنسيا وعربات جوركا كندية وتم تسليمها فى 2012 ثم قامت لاحقا فى 2013 بشراء 480 عربة كوجر (في مصر تسمي بانثيرا) من شركة مقرها كندا (مملوكة لرجال اعمال إماراتيين ) وهي مبنية على شاسيه تويوتا أيضا (موديل 1979). ثم تم إنشاء خط إنتاج لها وتم توريد فى حدود 200 إلى 300 عربة لأحد الأطراف المسلحة فى ليبيا.
و هناك خط إنتاج آخر فى الإمارات لنفس العربة.
الأردن إقتنت عربات صناعة جنوب إفريقيا شركة باراماونت (أكبر شركة خاصة للمنتجات الدفاعية فى أفريقيا) وحصلت على رخصة لتجميع العربة مارودر فى مركز الملك عبدالله للتطوير كادبي. العقد يشمل تجميع 50 عربة مارودر ويتوقع تمديده حتي 400 عربة ويتوقع تسويقها ليس فقط لجيوش المنطقة والقوات الأمنية بل ورجال الأعمال والسياسيين المعرضين للأخطار فهناك نسخة غير مسلحة معروضة وتم تجربتها فى برنامج توب جير. و إقتنت الأردن العربة المدرعة مبومبي مع إحتمال التصنيع المشترك لها لاحقا وهي عربة مشاة قتالية متميزة القدرات مع قدرتها على التصدي لأخطار الحروب الحضرية كالتفجيرات والألغام فيمكن إعتبارها قمة الهرم التكنولوجي حاليا فى العربات مزدوجة القدرات.
أيضا هناك دول عربية أخري تتفاوض على العربة ماكس برو منها الإمارات. تركيا قامت بتصنيع عدة عربات من هذه الفئة منها العربة بي إم سي كيربي وأثبت نجاحا معقولا فى العمليات ضد المسلحين الاكراد. وحصلت تونس على 100 عربة من هذا الطراز.