ربما يعد هذا هو السؤال الأكبر منذ اليوم، وليس سؤال ماذا ستفعل الصين؟ كما سادات كثير من المناقشات. وهو أمر لا يرجع إلى عدم أهمية السؤال التالي، ولكن لأن ذهاب بيلوسي إلى الصين يعني أن الولايات المتحدة تعلم أن الصين لن تفعل شيئا محوريا يغير من طبيعة الأمور والصراع في تلك النقطة التي تعد الأهم للولايات المتحدة الأمريكية.

سادت رؤيتان، الأولى تذهب إلى أنها كانت ذاهبة إلى جولة في آسيا وأن من حقها التوقف في تايوان وإثبات أن الولايات المتحدة لا تأبه إلى تحذيرات الصين، خاصة بعد التصريحات العلنية المهددة من الرئيس الصين عقب مكالمته الطويلة مع بايدن. ويرجع البعض أن هذا سلوك بيلوسي الشخصي لأنه تلقت رغبات معلنة من وزارة الدفاع والبيت الأبيض بعدم إتمام تلك الزيارة المعلنة من قبلها. وأن الطائرات المصاحبة والتحركات التكتيكية لبعض القطع الحربية من الأسطول السابع ما هو إلا إجراء طبيعي لزيارة أي مسؤول رفيع بهذا الحجم للمنطقة.

الرؤية الأخرى تقول إن بيلوسي لم تذهب إلا بتنسيق مع البيت الأبيض وأن ما جرى هو توزيع أدوار بين السلطات في الولايات المتحدة وأن ثمة عدم ممانعة جادة داخليا في الأروقة الأمريكية لهكذا زيارة. وأن بيانات البيت الأبيض المصاحبة لهبوط طائرة بيلوسي هي غطاء دبلوماسي مرحب دون تصريح رسمي، وأن الحجة بأن سلطة بيلوسي موازية لسلطة الرئيس، بوصفها رئيسة مجلس النواب، لوجود توازن سلطات حقيقي هو صحيح نظريا لكن عمليا في هكذا قضية حساسة غير صحيح.

شخصيا أميل إلى الرأي الثاني، وأرى أن المسألة إما توزيع أدوار أو عند الحد الأدنى تغاضي عن إحداث أي ضغط حقيقي أو مفاوضات مع بيلوسي من أجل إثنائها عن الزيارة وأن التصريحات العلنية بالدعوة لعدم التوقف في تايون هو لذر الرماد في العيون وإضفاء أن الزيارة ليست رسمية باسم الحكومة الأمريكية، ولكن تحرك فردي من رئيسة السلطة التشريعية.

فالولايات المتحدة التي قررت أن تعود للساحة العالمية بعد خروج ترامب من البيت الأبيض سواء بالعودة لقيادة الناتو أو الانضمام مرة أخرى لمؤسسات العالمية التي انسحب منها ترامب، وجدت أن هذا هو الوقت الأفضل في إظهار قدر من الشراسة مع الصين، في إطار استراتيجيتها لإضعاف الصين واحتوائها التي بدأتها بصفقة الغواصات النووية مع استراليا ثم جولة بايدن الأسيوية.

فالوقت مناسب من حيث ضعف الصين وما تمر به من أزمات اقتصادية داخلية تتوالى أخبارها منذ بضعة أشهر، فضلا عن تصاعد قوة العملة الأمريكية أمام العملات الأخرى على الرغم من أن أزمة التضخم تطالها مثل الجميع، لكنه أفضل حالا من الاقتصاد الصيني، هذا مع اصطفاف الناتو تحت القيادة الأمريكية، في ظهور حقيقي لأن أمريكا مازالت الأقوى عسكريا. وحتى دبلوماسيا فأمريكا مازالت الأكثر عقدا لتحالفات وترابطات أكثر قوة.

لكن أيضا لزيارة بيلوسي برأيي تأثيرا داخليا يحتاجه الديمقراطيين الآن قبل أي وقت آخر، فعلى المستوى الداخلي فإن الديمقراطيين متراجعين بشكل كبير في جميع استطلاعات الرأي حول انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر. وحتى الآن لا يبدوا أن ثمة أي تغيرات تؤثر بشكل إيجابي في تراجع شعبية بايدن والديمقراطيين.

لذلك فإن الديمقراطيين يراهنون على جملة من السياسيات الخارجية فنجد زيارة بايدن للشرق الأوسط من أجل دفع السعودية لضخ مزيد من البترول، ونجد الاحتفاء الواسع بقتل الظواهري في أفغانستان كأجراء انتقامي وليس لفاعلية الظواهري أو تأثيره حاليا، وزيارة بيلوسي لتايوان التي هي صفعة للصين وإثبات أن الولايات المتحدة ما زالت الأقوى، وهي تحركات جميعها وجدت قدر من الاحتفاء داخليا لإظهارها قوة الولايات المتحدة أو قدرتها على التأثير.

ومن ثم فإنني أرى مصلحة مشتركة واضحة بين كل من نانسي بيلوسي كقائدة في الحزب الديمقراطي، والبيت الأبيض وبايدن كرئيس ديمقراطي متراجع الشعبية يخشى على الأغلبية الديمقراطية المساندة له في مجلس النواب وساعيا لإحداث أي نجاحات سهلة في ظل ظروف مواتية خارجيا وليست داخليا.

إلى ذلك يظل سؤال ماذا يمكن تفعل أو ترد الصين سؤالا هاما ومطروحا لكنه ليس بنفس أهمية فهم إصرار بيلوسي على الزيارة. لأن الصين الضعيفة والمتراجعة ليس لديها الكثير لترد، فضلا أن بالفعل لم تغير الزيارة شيء في الملف ولا نية لدى أمريكا للتصعيد بأكثر من تلك الصورة الرمزية التي حدثت منذ 25 عاما حينما زار في عام 1997 رئيس مجلس النواب الأمريكي لتايوان دون أن يغير هذا شيء في الخطوط الحمراء بين أي طرف.