كيف تكونت “الدولة الوطنية” فى جسد عالمنا العربى
في اتجاه استراتيجي آخر، تخوض قوات حزب الله “اللبناني” معارك شرسة في جبال القلمون “السورية” منذ أسابيع تزامنت معها اخترقات عسكرية لمتشددين إسلاميين لمدن الحدود الشرقية اللبنانية مع سوريا في مناطق عرسال والهرمل.
فيما شهدت العاصمة التركية أنقرة اجتماعات عسكرية وأمنية لبحث التدخل العسكري المباشر في سوريا لضمان عدم تغير الخريطة الديموغرافية في محافظات الحدود السورية التركية بعد الانتصارات التي حققها الأكراد في الأسابيع الماضية بالإضافة إلى رغبة التحالف التركي السعودي القوية في حسم مصير الأسد أو دفعه نحو الإنهيار قبيل انتهاء مدة الشهر ونصف المحددة لتشكيل حكومة ائتلافية أو الدعوة دستوريًا لانتخابات أخرى.
ومن العراق إلى سلطنة عمان، مرورًا بالكويت والمنطقة الشرقية السعودية، وصولاً إلى اليمن ومرورًا بمدن الحدود السعودية الجنوبية التي تتعرض لقصف شرس من قوات الرئيس المخلوع صالح المتحالف مع الحوثيين، وغربًا إلى الصومال التي تشهد معارك بالوكالة منذ سنوات،
ثم شمالاً حيث السودان الذي لم تندمل جراح انفصال جنوبه مع دعوات انفصال جديدة في شرقه وغربه، وشمالاً حيث سيناء التي أعلنتها داعش إمارة لها، ثم ليبيا التي تواجه معارك عسكرية شرسة منذ سنتين، وتونس التي ما تلبث أن تفيق من هجوم مسلح حتى يباغتها هجوم آخر، ووصولاً إلى المغرب الذي لم يستطع إلى الآن تسوية أزمته حول الصحراء المغربية مع جبهة البوليساريو وتفحل خصومته مع الجزائر.
وفي خضم موجات ثورية عارمة تجتاح الأفق العربي منذ أربعة أعوام وتحول دول عربية إلى مصاف الدول الضعيفة وبعضها الآخر في طريقه للإنضمام إلى نادي الدول الفاشلة أو المنهارة يكون التساؤل: ما هو مستقبل تلك الدول في ظل حالة اللاعقلانية التي تسودها الحالة العربية بلا استثناء؟ وما هي قدرتها وقابليتها للبقاء في ظل حالات القصف العشوائي والانتحار الجماعي على مذبح الطائفية/العنصرية التي استعرت نارها في كثير من مجتمعات المشرق العربي؟ وما هو مستقبل دول المغرب العربي وشمال أفريقيا في ظل تدني قدراتها على حفظ السيادة والمشروعية بسبب تدني السلع السياسية والخدمات العامة وانحسار التنمية وضعف السيطرة على المكونات الديموغرافية في داخلها؟
ثلاث معاهدات قسمت الخريطة
بذلت الكثير من الجهود في تحليل تطور الدولة الوطنية المعاصرة في العالم العربي، لكن وصول زخم الأحداث لهذا المستوى يتطلب ما هو أكثر من ذلك بتحليل طبيعة نشأة هذه الدول قبيل النظر في تطورها. وفي هذا الإطار لابد من النظر في بعض الحقائق البسيطة عن طبيعة الاتفاق الإطاري بين الدول العظمى (تفاهمات سايكس بيكو وما تلاها) الذي تسير المنطقة وفق بنوده حتى الآن:
في البداية، يجب التنويه أنه بغية الوصول إلى تحليل منطقي محايد يجب التخلي عن نظرة المركزية العربية Arabic Centrism في تفسير الظواهر الدولية والسياسية. فالعرب لم يعودوا محورًا للتاريخ ولا مركزًا للكون ولا مقصد سياسات قواه الكبرى، بل إننا قد لا نكون مبالغين إن قلنا أننا طوال القرن الماضي لم نكن سوى بند من بنود الأضرار المصاحبة Collateral Damage حيث سارت متون السياسة الدولية وفق هياكل قوة ونفوذ لم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل. وبقليل جهد يمكنك الوصول إلى هذه النتيجة من خلال التفاعلات السياسية الحالية التي يمكن أن يقال عنها أنها تشكل بيئة النظام الدولي الجديد في الباسيفيك وشرق أوروبا التي تبعد عنا سياسيًا أكثر بكثير من بعدها الجغرافي.
كما يمكن الغوص في التاريخ للتحقق من صلاحية هذه الفكرة من حرب الخليج الثانية ثم الأولى ونزولاً إلى كافة مواجهات الحرب الباردة في المنطقة العربية ثم مواجهات الحرب العالمية الثانية التي لم تكن المنطقة فيها جميعًا سوى فناء خلفي لصراعات على هامش الحرب.
هذا التصور مطلوب للانطلاق نحو تصور واقعي لتفاهمات سايكس بيكو التي أثرت ولا زالت ذات أثر فعال في تاريخنا وحاضرنا. فهذه التفاهمات التي تمت خلال الحرب العالمية الأولى لم تكن بندًا أساسيًا لدى الحلفاء الذين يوشكوا على تحقيق فوز كبير، بل كانت خطوة طبيعية لتقسيم تركة العرش العثماني المشرف على الهلاك.
كما أنها لم تعدو كونها خطاب نوايا من المنظور الواقعي والأولى بالاعتبار منها هو مؤتمر سان ريمو 1920 الذي عقد لفرض شروط الصلح على تركيا ونص فيه صراحة وبدون مواربة على نفس تفاهمات سايكس بيكو وكان التوقيع التركي على الصلح بمثابة “نقل للتركة” ليس أكثر. كما أن هذا المؤتمر المخزي لم يكن سوى حدث جانبي على هامش معاهدة فرساي 1919 التي تم خلالها احتقار الملك فيصل بن الشريف حسين الذي ذهب (بتسهيل) من مدير مكتب المخابرات العسكرية البريطانية في القاهرة، حيث دخل من باب خلفي لقصر فرساي ولم يقابله أي سياسي في فرساي: لقد كانوا في انشغال كبير بعقد تسويات كبرى ولم يكن لديهم وقت للانشغال بالهوامش.
حتى مجرد المراسلات السرية التي جرت بين الشريف حسين والمندوب السامي البريطاني في مصر هنري مكماهون حول منح الاستقلال للعرب مقابل اشتراكهم في الحرب العالمية الأولى ضد الأتراك وقيادتهم للثورة العربية الكبرى التي ظن فيها القوميين العرب خلاصهم لم يتم الأخذ بها مطلقًا وذبحت على أعتاب اتفاق سايكس بيكو وخرج الشريف حسين وأبنائه منها خالين الوفاض إلا من الأدوار التي رسمت لهم في باريس وسان ريمو. فقد تم إعلان عبد الله بن الحسين حاكمًا على إمارة شرق الأردن وفيصل بن الحسين ملكًا على العراق.
بالتوازي مع سايكس بيكو وسان ريمو، كانت هناك مشهدين موازين أثرا في المشهد الإقليمي حتى هذه اللحظة: الأول معاهدة لوزان الثانية 1923 الخاصة بتسمية الحدود التركية، والآخر: وعد بلفور بوطن قومي لليهود في فلسطين 1917.
أما معاهدة لوزان 1923، فقد بدأت معها المأساة الكردية التي اعتبرت لسنوات خنجر في خاصرة ثلاث مناطق كبرى: المشرق العربي وآسيا الصغرى وآسيا الوسطى. وهذا يعني أنه كانت هنالك رغبة كامنة لدى القوى الدولية في “تفخيخ” استقرار تلك المناطق وقت أرادت ذلك بحيث تصبح منطقة كردستان “زر التفجير” لهذه المنطقة الملغمة سياسيًا وديموغرافيًا. ولا يعتقد أي تحرك عسكري تركي في المستقبل خارج هذا الإطار.
أما وعد بلفور فقد أدى بشكل شبه حتمي لتأسيس دولة إسرائيل وإعلانها رسميًا في 1948 بعد أن مهد لها الإنتداب البريطاني الأوضاع داخل فلسطين المحتلة. ومع اعتبار محورية ومفصلية معاهدة لوزان وإعلان بلفور في ترسيم خرائط المجال العربي بأكمله، فإنه يمكن الحديث عن ارتباط وثيق للمسألة الكردية بوجود إسرائيل وهو ما بدا متضحًا في الخرائط الأمريكية للشرق الأوسط التي ظهرت مبكرًا خلال الحرب الباردة في كتابات بعض الإستراتيجيين الغربيين كبرنارد لويس في كتابه (الشرق الأوسط والغرب 1964) وتمت ترجمة بعضها فيما بعد على أرض الواقع لاسيما في العراق والسودان.
لكن الحالة الكردية على صراحتها لم تكن الوحيدة بالمنطقة، فقد تم تعميم أشكال مخففة منها لدى تقسيم دول المشرق العربي والخليج. حيث تم إقامة حدود سياسية في مواقع تمركز الأعراق والطوائف لتفريق شملها بين الدول وفرض وضع وحالة جديدة تقوم على أساس التضارب وليس تحقيق الوئام بين هياكل الدولة الناشئة والمجتمع.
ففي الوقت الذي يتم فيه تعريف الدولة على أنها كيان سياسي وجيوسياسي تستمد شرعيتها السياسية من منطلق كونها ذات سيادة، فإن الأمة هي الكيان الثقافي والإثني والتي لا تكتمل سيادة الدولة إلا بها. لكن هذه المعادلة التي يمكن ترجمتها بدون صعوبات في الدول غير متعددة القوميات تم غرس وتوطيد شطرها الأول (الدولة) بمنتهى القوة في المجتمعات العربية متعددة القوميات (كسوريا والعراق وليبيا) مما أضر بالدولة والمجتمع على حد سواء وأثر على هويته التاريخية إلى الأبد.
دولة أم سلطة .. ما الذى أسسه الاحتلال فى بلادنا ؟
تطرح أسئلة سياسات الهوية تلك سؤالاً هامًا حول الغرض من تأسيس إطار سايكس بيكو: هل كان المراد تأسيس دولة فعلاً أم تأسيس سلطة؟
للإجابة على هذا السؤال لا يمكن إصدار حكم عام وشامل على جميع دول المنطقة. فالغالب أن فرنسا أنشأت سلطات محلية فقط ولم ترنو إلى وضع أسس للدول التي وقعت تحت انتدابها لاسيما دول سوريا ولبنان والجزائر. وقد كانت تنظر إلى تلك السلطات على أنها خطوة لازمة من أجل “فرنسة frenchization” المجتمعات قبل تأسيس الدول.
أما بريطانيا فقد كان مقتربها مختلفًا حيث قيمت حالة كل بلد على حدة تقييمًا أنثروبولوجيًا (الأرشيف البريطاني مليء بتلك التقييمات) ومن ثم قررت البلدان التي ستشكل فيها دولة أو سلطة. فمثلا كان التعامل البريطاني مع مصر مختلفا لحد كبير عن تعاملها في العراق الذي كان مختلفا هو الآخر عن تشكيل مجتمعات الخليج العربي.
لكن المؤكد أن كل الدول التي قامت لم تراعى حتى أدق معايير هندسة الدول المنصوص عليها تاريخيًا في معاهدة ويستفاليا (1648) التي تعتبر أول تدوين تاريخي لأدبيات الدولة الحديثة. لم يكن مطلوبًا أكثر من “جلنزة Englishization” الدول على مقاس مصالح حكومة صاحب الجلالة. حتى التناول الويستفالي الذي تلاحقه انتقادات جمة تم الأخذ منه بقدر ما يفيد ترسيخ المضمون التسلطي للدول مع تناسى أو إغفال أن القمع السلطوي لا يعني فقط تكريس القوة الخشنة للدولة بقدر ما هو الإبقاء على موازنة القوى الخشنة مع الناعمة.
ففي الدول الشمولية تعتبر خدمات وتسهيلات الدول كالمرافق والخدمات والسيطرة على الأسعار والتنمية الاقتصادية شكل من أشكال القمع المقنع، وقد تزيد آثارها في ترسيخ النظام الشمولي أكثر من لجوئه لآليات الدولة الخشنة. ربما يكون من المقبول تاريخيًا إنشاء دول وبيروقراطيات “وظيفية” للقيام بمهام السيطرة السياسية والديموغرافية في أوقات ما ومن ثم القبول بها عضوًا في النظام العالمي، لكن الذي لا يغفره التاريخ تحديدًا هو إدارة سلطات هذه الكيانات على نحو غير عقلاني أو راشد. فالبيئة الدولية هي بيئة محفوفة بالمخاطر من كل جهة كما أن حالة الأمن والاستقرار الدولي منذ الحرب العالمية الأولى وهي فوق فوهة بركان وإن دفعت لفترة كلفة بعض التصرفات فإنها لا يمكنها تحمل سلطة خاطئة للأبد.
سياسات الهوية وهندسة الفوضى
لقد فاقمت هذه اللاعقلانية في استخدام السلطة من أزمات الأفق العربي على نحو تخطت فيه أزماته لتتجاوز أزمة الديموقراطية أو حتى معضلة الحكم الرشيد. حيث أن الاستخدام المفرط للسلطة أدى بشكل أو بآخر إلى تعميق هوة علاقة السلطة بالمجتمع. فمن السهل لدى تحليل عسكرة الثورة السورية القول بأن الثوار استبطنوا حمل السلاح منذ البداية منذ أن دخل الإسلاميون بحابلهم ونابلهم على خط الثورة، لكن الجدير حقًا بالتأمل النظر في مسيرة نظام الأسد في استخدام آلته الخشنة منذ السبعينات ومرورًا بأحداث تدمر وحماة في الثمانينات.
كذلك من السهل جدًا الحديث عن بذور التطرف الإسلامي التي تلبست بالمشروع الإصلاحي لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا لكنه ما يتوجب الوقوف عنده كذلك في هذا المطاف تكون ونشوء جماعات التطرف من رحم سياسات الأنظمة. إن عدم التوازن في استخدام أدوات الدولة ووضع الخشن موضع الناعم والعكس يؤدي بلا شك إلى حدوث خلل عميق قد تنطرح آثاره بعد عقود لكن ستكون بكل تأكيد مدمرة. كل هذا ناهيك عن أن تقويض دولة القانون التي يفترض أن ترعاها الدولة لصالح شبكات الفساد والمحسوبية واستخدامها بشكل طائفي أو عنصري أو مسيس قد أثمر عنه دمار هائل بمفهوم وفكرة المواطنة لدى الكثيرين.
في هذا الإطار يعتبر الحديث عن عقد اجتماعي بين السلطة والمجتمع أمر غير معتبر واقعيًا حيث السلطة والمجتمع في تناحر وصل اليوم في بعض المجتمعات للمواجهات المسلحة. كما أنه كذلك من نافلة الحديث ذكر ما يمت للمواطنة وتعميق معانيها بصلة حيث لم تعترف السلطة أصلا في كثير من الدول بالهويات الثقافية والإثنوغرافية المتمايزة بداخلها فضلا عن صيانة حقوقها. وهذا أدى على نحو بارز للعيان في إحباط كافة محاولات بناء هوية جامعة لكافة أطياف المجتمع الإنساني داخل تلك الدولة تجسد المصالح المشتركة وتكون متكئًا للإدارة العامة.
كما تم تمكين الأقليات العرقية والهوياتية في بعض الدول من سدة الحكم مما أثمر عن خلل في ميزان العلاقة بين الدولة والمجتمع ولجوء الدولة في بعض الحالات إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية وإبادة ثقافية cultural genocide (حسب تعريف الأمم المتحدة). الأنكى من ذلك أن قامت كثير من الأنظمة العربية بإضعاف والقضاء على أجنحتها الإصلاحية التي تدعو إلى عقلنة مسار السلطة وهي ضربة كان أشد على مسيرة ومسار الدول كرست المزيد من التنافرات بين المجتمع والدولة.
الثمار المرة لعشوائية السلطة
هذه البيئة شديد التنافر أنتجت متناقضات جمة كان من بينها أن الدول العلمانية الاشتراكية (التقدمية) تمحورت حول الجيوش، أما الدول الأخرى الإسلامية التقليدية (الرجعية) تمحورت حول القبيلة. وقد كان الرجعي هذا حليف للتقدميين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، أما النظم العربية التي ادعت لنفسها التقدمية كانت تسيرها بيروقراطية عسكرية أشد رجعية من بيروقراطية روسيا السوفييتية التي دعمتها. كذلك فإنه من قبيل التناقض الجم أن بعض الدول الاشتراكية ذات الصبغة العلمانية كانت عدوًا مخيفًا لإسرائيل في حين رأى البعض في الأنظمة القبلية ذات الصبغة الإسلامية أشد حلفاء إسرائيل بالمنطقة.
لكنه من بين الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الدول الغربية أنها مع بداية الحرب الباردة لم تستطع الحفاظ على بعض الدول وتحالفاتها الاستراتيجية معها (مصر على سبيل المثال) فخرجت ميممة الإتحاد السوفييتي على إثر مشكلات بسيطة كان من الممكن تفاديها. لكن دخول هذه الدول في المعسكر الإشتراكي كان له آثار تتعدى فكرة الإضرار بالحليف إلى مشكلات أخرى بنيوية في صلب الدولة العربية الحديثة. في مصر قام نموذج الدولة الحديثة فيها على أسس ليبرالية رأسمالية، لكنها لدى تحولها للنموذج الاشتراكي ومع موجة التأميم الواسعة المؤيدة شعبيًا تم بناء جهاز دولة جديد نسبيًا عن الجهاز الذي هندسه البريطانيون على أنقاض بيروقراطية محمد علي التي انتهت بالوجود البريطاني في مصر.
ومع دخول مصر في الحالة الرأسمالية مجددًا مع سياسة الانفتاح الاقتصادي 1975، بدا جهاز الدولة بأكمله وكأنه يقوم بوظيفة غير وظيفته نظرًا لعدم التدرج من زاوية ولعدم وجود خطة للتحول من زاوية أخرى. فالدستور المصري الصادر في 1971 بتعديلاته مثلا ينص على وجود الإدعاء الاشتراكي جنب إلى جنب مع إتاحة فرص تفضيلية للاستثمار الأجنبي. فهذه التحولات أنهكت بشكل قوي كثير من بيروقراطيات الدول العربية التي تبنت اقتصاد السوق الحر بعد أن كانت اشتراكية لفترة كمصر والسودان واليمن وليبيا وسوريا بعد مطلع الألفية. ومن المنطقي أن يؤثر هذا الإنهاك على مؤسسات القرار القومي في تلك الدول مما أنتج حالة من الهزال التام في عمليات صناعة واتخاذ القرار العربي بشكل كبير.
في كتابه (متى تسقط الدول؟)، يرى أستاذ إدارة الصراعات بجامعة هارفارد روبرت روتبيرج أنه من بين أهم أسباب فشل وانهيار الدول تدهور معدلات ومؤشرات الأداء الخاص بالسلع السياسية / العامة التي لا تتأتى إلا بواسطة جهاز دولة قوي يستطيع التخديم على الرؤية العامة للدولة وترجمتها إلى مشروعات وبرامج.
ماذا يمكن أن يتوقع من دول تم تفخيخ سيادتها وهندسة جيناتها الديموغرافية وتميز معظمها باللاعقلانية في توظيف السلطة وأنهكت أجهزتها الإدارية وضعفت مراكز قرارها وتلاشت منظوراتها القومية؟ لا أعتقد أنه يوجد رد أكثر بلاغة من الواقع الحالي.