فورين بوليسي: كيف قتلت قوات العمليات الخاصة الأمريكية عضوا بارزا بالقاعدة داخل سوريا؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
اخترقت المروحيات الأربع المجال الجوي، مروحيتان من طراز «بلاك هوك» ممتلئتين بعناصر «دلتا فورس» تحميهما مروحيتان من طراز «إيه إتش-6 ليتل بيرد»، متجهين جميعا إلى الحدود السورية قرب «القيم».
قاد الطائرات بعض أمهر طياري الجيش الأمريكي، وهم فوج «نايت ستوكرز»، ولكن ذلك كان في وضح النهار – الساعة 4:45 مساء يوم 26 أكتوبر 2008. حيث كانوا في طريقهم لقتل رجل.
كان الهدف أبو غادية، وهو الاسم الحركي لبدران تركي هيشان المزيدي، عراقي يقارب عمره الثلاثين عاما، ويدير أكبر شبكة للمقاتلين الأجانب في سوريا. خلال ذروة حرب العراق عام 2006 و2007، قدرت إدارة العمليات الخاصة المشتركة – التي تشرف على قوات «دلتا فورس»، و«سيل تيم 6» التابع للبحرية، ووحدات أخرى راقية وسرية – أن أبو غادية يُدخل ما بين 120 إلى 150 مقاتلا أجنبيا (بينهم 20 إلى 30 مفجرا إنتحاريا) شهريا إلى العراق.
بفضل جاسوس داخل معسكر أبو غادية والإشارات الاستخباراتية التي سهلتها المهام السرية المتكررة لعنصر تابع لقيادة العمليات الخاصة المشتركة في المنطقة، كان أبو غادية تحت المراقبة الدقيقة للقيادة لأشهر.
علمت قوة المهمة أنه أحيانا ما يزور العراق للحفاظ على حسن نواياه تجاه المقاتلين، ولكن إقامته المعتادة في المنطقة كانت في منزل آمن في السكرية، وهي قرية تقع قرب بلدة أبو كمال، على بعد ستة أميال عبر الحدود من مدينة القيم. والآن تتجه المروحيات إلى تلك القرية.
استمر التخطيط للمداهمة التي ستجرى في السكرية لمدة تسعة أشهر. ولكنها أصبحت الدليل الوحيد المعلن على الحملة السرية الناجحة للغاية التي شنتها، في داخل سوريا، عناصر قيادة العمليات الخاصة المشتركة منذ الأيام الأولى لحرب العراق.
يمتد تاريخ قيادة العمليات الخاصة المشتركة في الشام إلى العمل الذي تم خلال الثمانينيات بواسطة قوات «دلتا» ووحدة سرية تلقب بـ«جيش شمال فيرجينيا»، التي أجرت استخبارات بشرية واستخبارات إشارات.
وشملت التصنت على هواتف المسلحين ومحاولة اعتراض رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم.
منذ ذلك الحين، حافظت «دلتا» على علاقة وثيقة بقوات العمليات الخاصة الإسرائيلية، مع ارتداء عناصرها أحيانا لملابس رسمية إسرائيلية عند عملهم داخل الدولة اليهودية، بينما عمق «جيش شمال فيرجينا» (الذي عرف لاحقا باسم «تاسك فورس أورانج»، أو «أورانج») شبكته على نحو تدريجي في المنطقة.
فبعد أن عززت هجمات 11 سبتمبر الوعي تجاه تهديدات الإرهاب الإسلامي، أعطى وزير الدفاع في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد عام 2002 قيادة العمليات الخاصة المشتركة الضوء الأخضر لإجراء مهام داخل سوريا ولبنان.
فقد كان لدى الولايات المتحدة مخاوف عميقة حول عمليات «فيلق القدس» في المنطقة، وكذلك نفوذ حزب الله الهائل في لبنان. صنف عناصر وحدة المهام الخاصة حزب الله، وليس القاعدة، على أنه «الأرقى» عندما تعلق الأمر بالإرهاب الإسلامي. حيث قال أحدهم: «إنهم يجعلون القاعدة تبدو كمزحة».
نشطت قيادة العمليات الخاصة المشتركة أيضا في لبنان. حيث لم تكن بيروت أرض المعركة مثلما كانت في السبعينيات والثمانينيات، ولكن الخطر لا يزال مستترا في الظل. فقد تعلم عنصر بجيش شمال فيرجينا التابع للقيادة هذا الدرس بالطريقة الصعبة في أكتوبر عام 2002 بسبب مشيه قرب الكورنيش الشهير بالعاصمة اللبنانية.
بعد أن عاد من مهمة في دولة قريبة، مر عبر لبنان حتى يجري أنشطة للحفاظ على غطاءه غير الرسمي عندما حاول ثلاثة رجال إدخاله إلى سيارة بينما كان يتخذ طريقا مختصرا ليعود إلى فندقه.
ولكن العنصر، الذي تعود خلفيته إلى القوات الخاصة ولكنه كان أعزلا، صدهم. ونجح في إبعاد مسدس من عيار 22, من يد أحد المهاجمين وهرب، بعد أن تعرض لإطلاق النار في الحجاب الحاجز.
ومع عدم استعداده لكشف غطائه بالذهاب إلى السفارة الأمريكية، اتصل بها، ومررت مكالمته إلى الضابط الطبي الإقليمي (الذي عمل من خارج السفارة).
ومع اتباعه لإرشادات الطبيب، «قام حرفيا بخياطة جرحه في غرفة الفندق ثم استمر في طرقه غير المراقبة»، وفق مصدر بوحدة المهام الخاصة. ثم تابع العنصر العملية الشاقة اللازمة لتغطية تحركاته قبل مغادرة لبنان دون كشف غطائه (بدلا من الاتصال بالسفارة)، رغم معاناته من إصابة بطلق ناري.
ثم عبر عدة حدود دولية قبل أن يحظى برعاية طبية، تمثل تلك القصة لمحة عن الأساليب وقوة الاحتمال التي ناقشها المطلعون بهدوء بعد ذلك بسنوات.
أما بالنسبة لهوية مهاجمي العنصر وسبب الهجوم، قال أحد موظفي القيادة المطلعين على القصة أنهم كانوا على الأرجح من مجرمي الشارع الذين اعتبروا العنصر هدفا واضحا، وليسوا أعضاء حزب الله الذين شكوا في أن وراءه قصة ما.
ولكن متحدثا باسم الجيش قال للكاتب أن العنصر قد حصل على نجمة فضية «لبسالته في العمل ضد عدو للولايات المتحدة خلال الفترة بين 19 و21 أكتوبر 2002». إلا أن التنويه عن النجمة الفضية كان سريا.
لم تؤدِ نجاة العنصر بأعجوبة إلى منع القيادة من تنفيذ مهام تنطوي على نفس الدرجة من الخطوة في جوار لبنان، في سوريا. فقد واجهت القيادة عدة أسباب تدفعها لدخول سوريا بعد هجمات 11 سبتمبر.
أحد تلك الأسباب أنها عرفت أن سوريا بها أسلحة كيميائية وكانت تحاول أن تمتلك قدرات نووية، ربما بمساعدة إيران، التي كان فيلق القدس التابع لها يعزز نفوذه في سوريا.
إلا أنه سريعا ما مثل غزو عام 2003 واحتلال العراق إيذانا لمصدر جديد للقلق، فقد استخدمت التنظيمات السنية المتمردية سوريا كمحطة في طريق دخول المسلحين المتطوعين للعراق من ربوع العالم الإسلامي.
تمثل الجزء الأصعب في الدور المتنامي للقيادة بسوريا في وحدة «أورانج»، التي وضعها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد تحت الإشراف الكامل للقيادة عام 2004. تشكلت الوحدة من ثلاثة أسراب، تنقسم اختصاصاتها إلى العمليات البرية، إشارات الاستخبارات الجوية، ودعم المهام.
عملت الوحدة في كثير من الأحيان كذراع تكتيكي لوكالة الأمن القومي، التي مولت معظم ميزانية استخبارات الإشارات الخاصة بالوحدة.
وبالمقارنة بالأجزاء الأخرى من عناصر القيادة، كانت الوحدة «أورانج» مهووسة بالسرية. حيث قال ضابط عمليات خاصة متقاعد: «انتمى جميع أعضاء الوحدة إلى وحدة «القائمة الخاصة» بالجيش، ما يعني أنهم غير موجودين».
بحلول عام 2003، كان للوحدة «أورانج» فرق في السعودية، والقرن الأفريقي وأمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى مواقع أخرى. أضاف ضابط بوحدة المهام الخاصة: «خارج أفغانستان والعراق، انتشرت وحدة «أورانج» في جميع أنحاء العالم».
كما انتشروا في سوريا، على الأقل جزئيا. كان الأفراد الذين أرسلتهم «أورانج» غير مسلحين وحملوا أغطية تجارية إلى حد كبير، أي أنهم تقمصوا أدوار رجال أعمال وحظوا بما يطلق عليه ضابط متقاعد بوحدة المهام الخاصة «حضور قوي» في المنطقة.
خلال منتصف العقد، أرسلت «أورانج» اثني عشر فردا يعملون تحت غطاء تجاري، نفذ حوالي نصفهم العمليات السورية.
بدأت تلك المهام في الأشهر التي سبقت اجتياح العراق في مارس 2003. حيث هدفت إلى ضمان أن الولايات المتحدة لها «عيون وآذان في جميع أنحاء العراق» بحلول الفترة التي تحركت فيها القوات التقليدية شمالا عبر الحدود الكويتية العراقية، وفق موظف بالقيادة.
وبحلول أواخر صيف 2003، كانت عناصر القيادة تتسلل إلى سوريا للتركيز على مجموعتين من الأهداف، البحث عن أي دليل على أن نظام صدام حسين قد نقل أسلحة الدمار الشامل إلى سوريا على رأس غزو الحلفاء للعراق، والبحث عن شبكات المقاتلين الأجانب التي أسست بالفعل جذورا في سوريا لدعم التمرد العراقي.
كان يجب على رامسفيلد أن يصدق على المهام بنفسه، والتي كانت تنفذ تحت إشراف رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في دمشق. كلفت العناصر بتحديد مواقع المنازل الآمنة للمقاتلين الأجانب والحصول على دليل على أن تلك الشبكات كانت تنشط في سوريا، ولكنهم لم يبدأوا من الصفر.
حيث كانوا عادة ما يستدلون على منزل آمن ما عبر عنوان «آي بي» جهاز التوجيه الخاص بأحد المشتبه بهم، والذي تحصل عليه الاستخبارات الأمريكية مسبقا.
لأن الولايات المتحدة أردات أن تبقي على سرية تلك القدرة، بينما لا تزال تثبت للنظام السوري أنها علمت ما حدث في موقع محدد، تركزت مهمة العناصر في جميع المزيد من الأدلة الملموسة، عادة عبر تصوير المنازل، والفنادق، والمساجد، ومحطات الحافلات الآمنة التي يستخدمها المقاتلون الأجانب.
جمعت تلك المهام التكنولوجيا المتقدمة بالأساليب الكلاسيكية لتنفيذ المهام، حيث استخدمت العناصر هويات زائفة ومارست أساليب استخبارات مضادة تضمنت الدخول سريعا إلى الحمامات العامة لتغيير وسائل التنكر – ومنها، الشعر المستعار – للتخلص من أي آثار.
قال ضابط متقاعد بوحدة المهام الخاصة: «أدخل إلى حمام عام، وأغير وسائل تنكري سريعا ثم أخرج في هيئة رجل عمره 70 عاما لأنني أصلع الرأس». ونظريا، أي من يتعقب الرجل غير الأصلع الذي دخل إلى الحمام سيتجاهل الرجل الأصلع الذي خرج. وفي غضون ذلك، «تكون قد خرجت وركبت المواصلات العامة، وفي طريقك لإجراء خطوة عملياتية».
أحيانا ما كانت تلك الخطوة أكثر خطورة من تصوير الجهاديين في الشارع. أحيانا، كان العناصر يفتحون أقفال المنازل الآمنة للقاعدة، حيث يصورون مقاطع وصور لما بالداخل، وعلى نحو محتمل، ينسخون محتويات أي جهاز إلكتروني يجدونه.
علق مصدر بالعمليات الخاصة مطلع على المهام قائلا: «كان لديهم أشخاص على الأرض يتخصصون بشكل أساسي في اقتحام الشقق والحصول على المعلومات» وتابع: «لو تم الامساك بهم لقضي أمرهم».
ولكن القادة الأمريكيين شعروا أن المهام تستحق المخاطرة، إلى حد كبير لأن الولايات المتحدة استخدمت الاستخبارات التي جمعتها القيادة في سوريا كأداة للضغط على نظام بشار الأسد، حيث قدمتها في إطار مساعي للضغط على الأسد لشن حملة أمنية على شبكات المقاتلين الأجانب.
أحيانا كان يتم ذلك بشكل غير مباشر عبر وسطاء من الحكومة الأردنية وفي أحيان أخرى من قبل الحكومة الأمريكية نفسها، وشمل ذلك، في مرة واحدة على الأقل، وزيرة الخارجية كوندليزا رايس.
ولكن إثر الرغبة في عدم الكشف للسوريين عن أن القوات الأمريكية كانت تمارس أنشطة تجسس في بلدهم، قالت الحكومة الأمريكية لدمشق إن تلك المواد تمت مصادرتها في مداهمات للمنازل الآمنة للمقاتلين الأجانب في العراق. مثل تغيير وتعديل المواد لتتوافق مع القصة المصطنعة المقدمة «فنا دقيقا»، حسب وصف ضابط سابق بوحدة المهام الخاصة.
قطعت القيادة ووكالة الاستخبارات المركزية أشواطا طويلة في سبيل تقرير إن كانوا بالفعل سيغيرون الوثائق والصور، أم سيبقون عليها كما هي ويخبرون السوريين أن، «تلك المواد قد أخذت من هاتف شخص من نوع «نوكيا 3200» في بغداد – وهذا اسمه، وها هي تذكرة الحافلة، وقد أوضح كل ذلك للشخص الذي كان يساعده. أمامكم جميع الأدلة. فافعلوا شيئا حيالها. نحن نعلم أنهم يأتون عبر هذا الطريق».
أحيانا تطلب ذلك قوة تكنولوجية سحرية. على سبيل المثال، إن كانت القصة المختلقة لصورة التقطها عنصر في حلب أنها أخذت من هاتف «آي فون» الخاص بأحد المقاتلين الأجانب في بغداد، فيجب أن تحول الصورة إلى صيغة «ديجيتال» حتى تبدو كصورة ملتقطة بواسطة «آي فون». ظل نظام الأسد غافلا تماما عن أن الاستخبارات المقدمة لهم تم الحصول عليها عبر قوات أمريكية متخفية في سوريا.
جاءت بعض أفضل المعلومات من «أورانج»، التي كانت عادة ما ترسل عناصر لا تدل صفاتهم العرقية بشكل فوري على أنهم غربيون. تضمنت العناصر امرأة أو اثنتين، ولم يتم إرسال أي امرأة وحيدة، بل بصحبة عناصر رجال ليشكلوا أزواجا.
أشار الضابط السابق في وحدة المهام الخاصة إلى أن الجهاديين استخدموا النساء في أدوار محددة بالشرق الأوسط لأن أفراد الأمن الذكور كانوا أقل ترجيحا أن يفتشوا النساء اللاتي ترتدين ملابس تغطي كاملهن.
وأضاف: «يستطيع الاثنان المشاركة في تلك اللعبة». ولكن المهام التي يقوم بها شخصان كانت الاستثناء، وليست القاعدة. حيث كانت عمليات انتشار «أورانج» في سوريا «فردية في معظمها، وأغلبها بلا دعم»، حسبما استطرد.
مع تطور البرنامج، طورت «أورانج» أغطية عناصرها، ففي بعض الحالات كانت تنقلهم مع عائلاتهم من الولايات المتحدة إلى دول أقرب إلى سوريا، ما تطلب موافقة وزير الدفاع واتفاق عدة قادة مقاتلين ورؤساء محطات في مواقع مختلفة.
لم تعلم حكومات بعض تلك الدول، على الأقل، أبدا بأن هناك جواسيس أمريكيون يعيشون تحت أغطية تجارية في بلادها. (توجب على السفير الأمريكي ورئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية توقيع تلك الترتيبات). إلا أن العملاء الذين يستخدمون غطاء تجاريا لم يقيموا أبدا في سوريا نفسها.
كانت عناصر «أورانج» مجهولة بالنسبة للكثيرين حتى في سلسلة قيادتهم، وحظيت مهامهم باستقلالية صارمة داخل القيادة. حتى عند النقاش حول الاستخبارات التي جمعت في المهام في مؤتمرات الفيديو بالقيادة، «ما كانوا ليقولون أبدا من أين جاءت المعلومات»، حسبما أوضح أحد الضباط. وحتى في المباحثات رفيعة المستوى، كان الوصف الأكثر تفصيلا هو «أصول «أورانج» في سوريا»، وفق قوله.
كذلك تم إخفاء المهام داخل سوريا بعيدا عن أعين الجميع تقريبا في السفارة الأمريكية بدمشق. وأضاف الضابط المتقاعد: «علم رئيس المحطة والسفير بوجودهم، وربما رئيس العمليات في المحطة، وذلك كل ما في الأمر». حتى إن قبض السوريون على العناصر وألقوهم في السجن، كان يحظر عليهم الاعتراف بأنهم جواسيس أمريكيين. ويعود الأمر للحكومة الأمريكية إن كانت ستعلن مسؤوليتها عنهم أم لا.
عملت عناصر «أورانج» في الشام بمناطق يتعرض فيها الجواسيس الإسرائيليين «للكشف باستمرار»، حسبما أوضح الضابط المتقاعد، ما يفسر جزئيا لماذا كانت العمليات في سوريا «عرضية».
على سبيل المثال، إن قبضت أجهزة الأمن السورية على شبكة من المصادر الإسرائيلية لاستجوابهم، ستريد القيادة أن تعلم كيفية كشف السوريين للمصادر الإسرائيلية قبل إرسال عناصرها مجددا.
ربما نتج جزئيا عن ذلك الحذر أن لم يتم المساس بأي من عناصر أو مهام «أورانج» في سوريا، وهو سجل متميز، «في ضوء أن الاستخبارات السورية جيدة للغاية»، وفق رأي الضابط المتقاعد، «فدائما ما يبحثون عن جواسيس».
سمحت المهام للقيادة ببناء صورة مفصلة عن الشبكة التي نقلت الجهاديين من مطارات حلب ودمشق عبر الجانب السوري من وادي نهر الفرات حتى عبروا إلى العراق قرب القيم. وبعد سنوات عديدة، ظهر شخص كأكبر مسهل للزرقاوي في سوريا، إنه أبو غادية.
طوال تسعة أشهر على الأقل، ركزت القيادة المشتركة للعمليات الخاصة جمعها للاستخبارات على أكبر مهرب للمقاتلين الأجانب. عرف المخططون أنه رغم إقامته في الزبداني، على بعد حوالي 30 كيلومتر شمالي غرب دمشق، إلا أنه زار منزلا آمنا قرب أبو كمال، وأحيانا ما سافر إلى داخل العراق.
وقد أملوا أن يدخل العراق وهو تحت المراقبة، ولكنه لم يدخل أبدا. وكان البديل أن يهاجم إثر وجوده في منزل آمن. فقام عنصر تابع لـ«أورانج» بعدة زيارات منفردة إلى السكرية متنكرا، لمراقبة أبو غادية.
شملت مهامه وضع ونقل معدات أتاحت لوكالة الأمن القومي أن تحدد بدقة موقع الهاتف الخليوي لأبو غادية في مبنى محدد. كذلك استطاعت القيادة الوصول إلى جاسوس في الدائرة الداخلية لأبو غادية، والذي تم تجنيده في الأساس من قبل الاستخبارات السورية.
وجب على محللي الاستخبارات عند التخطيط لضربة داخل سوريا، رغم تنفيذ واحدة على بعد أميال قليلة عبر الحدود، أن يحددوا توقيت رد الفعل المرجح من قبل القوات الجوية السورية، وحرس الحدود، وشبكات الدفاع الجوي.
بينما لفتت الولايات المتحدة انتباه مسؤولين سوريين كبار في دمشق حول احتمالية إجراء مداهمة، إلا أن القوات السورية بطول الحدود لم تدرك ذلك. ولكن الدفاعات الجوية السورية كانت أكثر تركيزا تجاه إسرائيل وتركيا، وحليفتها غير القديمة العراق، بينما ذكرت الاستخبارات الأمريكية أن طياري القوات الجوية السورية يطيرون بضع مرات شهريا فقط. وقدر مخططو قوة العملية أن العناصر ستقضي 90 دقيقة على الأقل عند الهدف قبل أن تبدأ المشكلات في الوصول.
ولكن حتى تدشن القيادة المهمة، على الجاسوس داخل معسكر أبو غادية أن يذكر أن الهدف موجود في المنزل الآمن. كذلك يجب أن يكون هاتف أبو غادية مفتوحا ويرسل بيانات من الموقع. حدثت بدايات خاطئة كثيرة. ولكن الظروف الأنسب اجتمعت أخيرا يوم 26 أكتوبر 2008.
حظيت أطقم «نايت ستوكر» بحوالي 36 ساعة لتستعد للمهمة. وبعد عبور الحدود، لم تستمر الرحلة إلى الهدف أكثر من 15 دقيقة. تحدد موقع المنزل في قرية صغيرة، حيث تكون من طابق واحد، وله سطح مستوي. لم تطلق المروحيات النار مع اقترابها.
وهبطت مروحيات «بلاك هوك»، وأنزلت العناصر التي أسرعت إلى البناية، حيث قضت على مقاومة أبو غادية وحفنة من مقاتليه خلال 90 ثانية، ليلقى عشرات المسلحين مصرعهم دون أي إصابات أو قتلى في صفوف العناصر.
قضت العناصر حوالي ساعة في إجراء «مسح دقيق للموقع»، والذي وصل إلى جمع كل ما يمكن جمعه من المعلومات ذات القيمة الاستخباراتية، قبل طلب عودة مروحيات «بلاك هوك»، لتحمل جثة أبو غادية على متن المروحية، وتعود به إلى قاعدة الأسد الجوية في العراق. ومثلما توقع محللو الاستخبارات، لم تظهر قوات الأمن السورية بينما كانت العناصر على الأرض.