فورين أفيرز: كيف يستعد الجيش الأمريكي لإدراج النساء في جميع مهامه
بحلول الأول من يناير 2016، ستصبح جميع مناصب الجيش الأمريكي، ومنها الأدوار القتالية في الصفوف الأولى، متاحة للنساء – ذلك ما لم تتطلب الخدمات استثناءات محددة قبل الأول من أكتوبر. وأيا كان ما سيفعلنه، فإنه سيشكل مستقبل الجيش الأمريكي بشكل كبير.
استمر إبعاد النساء عن القتال في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بشكل رئيسي بسبب الأساطير والصور النمطية المرتبطة بقدرات الأنثى والذكر وثقافة «عصبة الإخوة» المرتبطة بالجيش.
تتمثل أكثر تلك الأساطير استمرارية في أن المرأة غير مناسبة جسديا لمتطلبات الحرب، وأن الجمهور لن يتسامح في الخسائر المرتبطة بالمرأة، وأن الجنديات ستقيدن تلاحم القوات أثناء القتال – وهو ما تم دحضه بدقة من قبل الباحثين والجنديات على حد سواء خلال السنوات الأخيرة. واليوم، يدعم معظم الأمريكيين إشراك النساء في القتال.
ولكن مع استعداد القوات لإدراج النساء في صفوفها، ظهرت أسطورة جديدة لتهيمن على الجدال الدائر بذلك الصدد، ألا وهي، أن النساء اللاتي خدمن من قبل في مواقع قتالية – ويشمل ذلك اللاتي شاركن في الفرق المكونة بالكامل من النساء على الخطوط الأمامية في أفغانستان والعراق – تم نشرهن بشكل رئيسي بهدف بناء علاقات مع المجتمعات المحلية ولإضافة «لمسة ناعمة» على عمليات مكافحة التمرد. النساء في الجيش الأمريكي، حسبما يزعم أصحاب ذلك الفكر، يعملن كـ«جنديات إناث» وليس كمقاتلات حقيقيات.
في النقاشات حول تلك الأسطورة، اجتذبت فرق الدعم الثقافي اهتماما خاصا، وهي وحدات صغيرة للإناث فقط ملحقة بالقوات الخاصة وفرق «رينجر» في أفغانستان وتضطلع بمهام المشاركة المدنية والاشتباك القتالي. رغم أن تلك الفرق كانت ملحقة بوحدات في بعض المهام القتالية الأكثر خطورة في أفغانستان، إلا أن مزاعم بعض الشخصيات العامة، بأن هؤلاء النسوة شاركن في الحرب لـ«تخفيف» وجود القوات الأمريكية، أدت إلى تصورات خاطئة بأن الجنديات بقين بعيدا عن الأعمال العدائية وأن إسهاماتهن الرئيسية في الحرب تتعلق بجنسهن، وليس قدراتهن.
يميل وصف الإعلام والجيش لفرق الدعم الثقافي إلى التركيز على تأثيرها المتصور المنطوي على خفض حدة التوترات في المناطق العدائية، ودورها في كسب «القلوب والعقول»، وقدرتها، وفق أحد المجازات الشائعة، على استخدام «الشاي كسلاح» لتحسين العلاقات مع المدنيين الأفغان. حتى إريك أولسون، القائد السابق بقيادة العمليات الخاصة الأمريكية وأحد مهندسي برنامج فرق الدعم الثقافي، زعم أن دور تلك الفرق «أن تكون العضوات نساء، لا أن تكن جنديات مقاتلات». «كان أول شيء فعلنه عندما هبطن عن أول مروحية»، حسبما أوضح أولسن في منتدى آسبن للأمن 2015، «أن خلعن خوذاتهن، وأسدلن شعورهن، وجمعن النساء والأطفال حولهن».
تمثل المزاعم آنفة الذكر سببا هاما لمقاومة صناع القرار للمزيد من الإدماج للجنديات. إلا أنه حسبما يظهر تصريح أولسون، يبدو ذلك الموقف ضعيفا على الصعيد العملي. فالزعم بأن النساء قد هبطن من المروحيات فقط لإسدال شعورهن أشبه بالقول بأن النساء شاركن في المداهمات الليلية حتى يساعدن في إيواء الأطفال الأفغان إلى أسرتهم.
إسهامات جادة
كانت فرق الدعم الثقافي التي قاتلت إلى جانب الرجال في أفغانستان جزءًا لا يتجزأ من الأداء القتالي لوحداتهن، وليست حلوى العين التي توقع القلوب والعقول. فعندما يتعلق الأمر بإشارك جنديات، لدى القوات الكثير لتتعلمه من خبرات تلك الفرق.
في ورشة عمل مدتها ثلاثة أيام في العاصمة واشنطن، نظمتها منظمة «المرأة في الأمن الدولي» غير الربحية في شهر يوليو، حكت عضوات سابقات في فرق الدعم الثقافي خبراتهن في العمل مع فرق الذكور. وأسقطت القصص التي سمعتها جميع الأساطير عن النساء والقتال وصدت المزاعم القائلة بأن هؤلاء النساء «جنديات إناث» يتخصصن بـ«المهام الأنثوية».
تمثلت أول رسالة واضحة خرجت بها الورشة في أن النساء قد خدمن بفاعلية في عمليات القتال العدائية – حيث شاركن في 160 مداهمة خلال نشرهن لمدة ثمانية أشهر، وفق عضوة سابقة بالفرق.
رغم أن مهمتهن المعلنة كانت الاشتباك والتفتيش للنساء والأطفال الأفغان، إلا أن الطبيعة غير المتوقعة لمهام مكافحة التمرد عنت أن الكثير من العضوات العشرين اللاتي حضرن المؤتمر قد شهدن قتالا مباشرا وواجهن نفس الظروف الصعبة كأقرانهن الذكور.
جميع عضوات الفرق اللاتي أجري عليهن استطلاعا للرأي من قبلي ومن قبل باحثي مؤسسة «المرأة في الأمن الدولي» بصفتهن جنديات مقاتلات، والأحداث التي شاركن فيها، ومنها تبادل إطلاق النار، ودوريات المراقبة الطويلة الراجلة، والمداهمات الليلية، أثبتت ذلك. عاشت فرق الدعم الثقافي في نفس البيئات الخطرة وعادة ما أنجزت نفس المهام الجسدية المطلوبة – بدء بحمل المعدات إلى تشغيلها. حيث حملن مدافع رشاشة عيار 50 كنظرائهن الرجال.
قالت عضوة سابقة بفرق الدعم الثقافي إنها عملت كحاملة مدفع أساسية لفريق القوات الخاصة التابعة له خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من نشرها.
تلقى معظم عضوات تلك الفرق التي عملت في أفغانستان شارات أعمال قتالية. وأصيب بعضهن وحصلن على أوسمة «القلب الأرجواني». وقتلت عضوتين أثناء تنفيذ مداهمات قتال مباشر. «أظن أنني شهدت نفس القدر، إن لم يكن أكثر، من القتال كالكثير من جنود المشاة»، حسبما علقت النقيب ميرديث ماثس، العضوة السابقة بفرق الدعم الثقافي، خلال المؤتمر.
إن شاركت النساء بشكل فعال في مهام القتال، فقد حسن القدرات الأوسع لفرق «رانجر» والقوات الخاصة التي عملن معها. بالفعل، ذكرت عضوات فرق الدعم الثقافي اللاتي حضرن ورشة العمل أنهن كن قادرات على الوصول بشكل أفضل إلى المدنيين المحليين بالمقارنة بالكثير من نظرائهن الذكور.
على سبيل المثال، قبل مشاركة الفرق في المداهمات كانت النساء والأطفال الأفغان يملن إلى الهلع والصراخ بصوت عالٍ جدا لدرجة مواجهة الجنود الأمريكيين لمشكلات في التواصل عبر أجهزتهم اللاسكلية. ولكن بعد مشاركة عضوات الفرق، وفق إحدى العضوات التي شاركت مع فرق «رانجر»، كانت النسوة والأطفال الأفغان هادئين كفاية لتقديم معلومات قيمة لعضوات الفرق، والتي شملت مواقع مخازن الأسلحة والمتمردين المختبئين. رغم أن النساء قد يجلبن قدرات محددة إلى فرق الجيش، إلا أن إسهاماتهن الأوسع بعيدة عن المهام الجنسانية.
عاشت عضوات فرق الدعم الثقافي مع فرقهم، «رانجر» أو القوات الخاصة، لأشهر في أوضاع متقشفة ومنعزلة. تسقط رواياتهم عن فتراتهم في ميادين القتال مزاعم أن الجنديات لديهن احتياجات خاصة متعلقة بالنظافة – وهو تصور قديم لا يزال موجودا في الجيش حاليا.
على سبيل المثال، حكت النقيب أليسون لانز، عن العيش «في الخلاء»، وغسل ملابسها في تيار المياه، والبقاء دون استحمام لمدة 50 يوما تقريبا. ووصفت الضابطة راكيل باتريك أكل الـ«كورن دوج» المجمد لمدة أيام مع انتظارها لمهمة إعادة الإمداد. وتحدثت النقيب فيكتوريا سالاس عن مشاركة المرحاض مع الأعضاء الذكور من فريقها قائلة بأن تردد زملائها في البداية مهد الطريق سريعا إلى التعود.
بالنسبة لهؤلاء النساء وللكثيرين الآخرين، يعتبر استمرار أسطورة أن الإناث يتطلبن وسائل راحة بشكل أكبر من الرجال محبطا وقديما وتمثيلا غير دقيق لكيفية عمل النساء بالفعل في الميدان.
أقرت معظم عضوات فرق الدعم الثقافي بالتصور الشائع بين الجيش والجمهور بأن النساء لا يستطعن التنافس جسديا مع الرجال على أرض المعركة. ورغم أنهن قد اعترفن ببعض الفروق بين أجساد الذكور والإناث، إلا أن الكثير منهن ذكرن استطاعتهن إنجاز نفس المهام الجسدية المنهكة مثل الرجال.
على سبيل المثال، هاجمت الملازم أول كريستينا تريملي بشكل مباشر الزعم المنتشر بأن النساء يفتقدن القوة اللازمة لجر الزملاء المصابين إلى المناطق الآمنة أثناء القتال. «رأيت إحدى زميلاتي في الفريق تحمل فتاة زنتها 100 كيلوجرام، بالإضافة إلى حقيبة ظهرها وحقيبة ظهر الفتاة وسلاحها»، حسبما علقت تريمبلي. «لم أر أي فتاة من فرق الدعم الثقافي لا تستطيع تجاوز اختبار الجيش للياقة البدنية وفق معايير الذكور».
بالفعل، تم استطلاع رأي جميع عضوات الفرق في المؤتمر وقلن إنهن يودن أن يرين معايير موحدة، وفق الوظيفة، تطبق على الرجال والنساء. حيث يعتقدن أن النساء اللواتي تردن الحصول على أكثر وظائف الجيش صعوبة سوف يرتقين إلى المستوى المناسب.
يمكن للفشل في الاعتراف بإسهامات النساء في القتال أن يقيد وظائفهم بعد نشرهم. حيث كان ذلك تحديدا حادثا مع عضوات فرق الدعم الثقافي، اللاتي على خلاف القوات الخاصة وفرق «رانجر» لا يعودن من عمليات النشر إلى وحدات مناسبة لخبراتهن القتالية. بل بدلا من ذلك تنضم عضوات الفرق من جديد إلى وحداتهن الأصلية، التي عادة ما تفتقد المعرفة بخبراتهن في القتال والمهارات التي طوروها خلال خدمتهن مع قوات العمليات الخاصة.
والأسوء من ذلك أن بعض النساء قلن إن محترفات العناية الصحية بالجيش قد انخفضت خبراتهن القتالية عند عودتهن من الانتشار. قالت رقيب تحدثنا معها إن متخصصة الصحة العقلية التي شجعتها استشارتها على تعديل ردودها على الاستبيان الطبي حتى لا تؤدي إلى «رفع الرايات الحمراء» وحتى تتجنب طلب الاستشارات. ووفق المتخصصة، ما كان يجب أن تختبر تلك المرأة القتال حتى لا تعاني من توتر أو هلع ما بعد القتال.
إلا أنه كحال الكثيريات من عضوات فرق الدعم الثقافي، عملت تلك الرقيب مع فرق «رانجر» في مداهمات مسلحة وخطيرة في أفغانستان.
الجاهزية للقتال
يجب أن تبدأ القوات الإعداد للتكامل الجنساني من خلال خبرات النساء اللاتي شاركن بالفعل في القتال. إلا أنه بدلا من إقرار قصص النساء اللاتي خدمن في فرق مثل فرق الدعم الثقافي، يستمر قادة الجيش الأمريكي في تخليد أسطورة أن هؤلاء النساء كن ببساطة «جنديات إناث» يؤدين مهام أنثوية. يؤدي ذلك الموقف إلى تقييد الإسهامات التي قدمتها النساء في الحروب الأمريكية الأخيرة، ومنها التضحيات الجسدية أثناء القتال. كما تعزز الفكرة الخاطئة عن أن الرجال يمثلون المقاتلين «الحقيقيين» في الجيش، وإقصاء النساء.
خلال أشهر قليلة فقط، قد تقدم بعض الأجهزة وقيادة العمليات الخاصة طلبات للاستثناء من التكامل الجنساني. ستؤدي تلك الاستثناءات إلى إقصاء النساء من بعض الأدوار التي أثبتت فرق الدعم الثقافي أن الإناث تستطعن تأديتها. إلا أنه لا الجيش ولا القيادة المركزية للجيش الأمريكي قد أظهرا اهتماما بمعرفة التحديات التي واجهتها الجنديات في فرق القتال المكونة بالكامل من ذكور، أو ردود أفعالهن أمام تلك التحديات، أو الآثار النفسية الناتجة عن تجاربهن.
بعبارة أخرى، تمر نقاشات السياسات دون دراسة كاملة لخبرات فرق الدعم الثقافي. وذلك مؤسف. يجب أن يقوم تكامل النساء في الجيش على فهم تام لقدرات النساء وإسهاماتهن – وليس على الأساطير.
*ميجان إتش ماكينزي محاضرة كبيرة متخصصة في الحكم والعلاقات الدولية بجامعة سيدني، ومؤلفة كتاب «بعيدا عن عصبة الإخوة: الجيش الأمريكي وأسطورة عجز النساء عن القتال».
المصدر | نشر في 12 أغسطس 2015