فورين أفيرز: العسكرية الإندونيسية بين الماضي والحاضر
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
الرئيس الإندوينسي جوكو ويدودو (الملقب بـ«جوكوي») هو أول رئيسٍ للبلاد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الحر المباشر ليس له علاقات كبيرة بالنظام القديم لسوهاترو، والذي حكم البلاد لما يزيد عن ثلاثة عقود حتى سقوطه عام 1998.
لكن جوكوي حظى بعامٍ أولٍ صعب: فقد عجز عن إخراج اقتصاد البلاد من حالة الركود وتم شلّه سياسيا من قِبل الأوليجاركيين المتخندقين داخل ائتلافه الحزبي. ليس من المفاجئ أنه أحبط ناخبيه، لكن الدعوات الأكثر صخبا ضد جوكوي تتركز على تحالفاته الجديدة مع العسكرية الإندونيسية وكيف يبدو أن المؤسسة العسكرية قد تجاوزت سلطاتها في عهده.
يلفت هؤلاء المنتقدون النظر إلى، على سبيل المثال، العدد المتنامي من الضباط المتقاعدين في الدائرة الضيقة لجوكوي ومجلس الوزراء. كما ينتقدون أيضا دور الجيش المتضخم في أنشطة بناء الدولة، والتي تتضمن تربيةً وطنيةً ومشاريعَ موجهة للمدنيين، وتوسع هيكل القيادة الإقليمية للجيش ودوره في مكافحة الإرهاب.
بل إن مقالا حديثا في فورين أفيرز ادعى أن هناك خطرا بإعادة إندونيسيا إلى نظام جديد New Order system على غرار ذلك الخاص بسوهارتو، والذي هيمن فيه الجيش على السياسة والحكم.
ورغم أن هناك سببا للحذر بقدرٍ ما، فإن السياق التاريخي والتوجهات الأكبر التي تشكل العلاقات المدنية العسكرية تكشف عن أن بصمة الجيش ظلت كما هي إلى حدٍ كبير تحت حكم جوكوي كما فعلت في كل الإدارات التي أعقبت سوهارتو.
التحرر من النظام الجديد
رسميا ومؤسسيا، ليس للجيش دورٌ سياسي: تخلصت الإدارات المتعاقبة بعد سوهارتو تدريجيا من عقيدة الاستخدام المزدوج الخاصة بسوهارتو، والتي أعطت للجيش مقاعد برلمانية ووزارية، من بين الكثير من المناصب الحكومية الأخرى.
الآن، ليس للجيش تمثيلٌ برلماني ولا يمكن تعيين الضباط الذين ما زالوا في الخدمة في منصبٍ سياسي. ليس هناك أي أدلة على أن جوكوي أو الجيش يسعون بدأب إلى التراجع عن ذلك الإصلاح أو الإصلاحات الأخرى المشابهة له.
علاوة على ذلك، فرغم أن القيادة العسكرية الحالية قد تمرّست في البداية تحت حكم سوهارتو، فإن الأجيال الأصغر سنا من الضباط، خاصةً هؤلاء الذين تخرجوا من الأكاديمية في التسعينات، كانت منزعجة من التسييس الشديد وإخضاع الجيش كأداة للحفاظ على النظام.
والكثير منهم، بدلا من السعي نحو إعادة إحياء النظام الجديد، أكثر اهتماما بتحديث الجيش والحصول على دورٍ مهني جدير بالاحترام، خاصةً بينما يغير صعود الصين البيئة الجيواستراتيجية المحيطة بإندونيسيا
في تلك الأثناء، يميل بعض المراقبين إلى رؤية الدور المتنامي للضباط المتقاعدين كدليلٍ على أن الجيش يلعب دورا سياسيا خلف الكواليس. هذا افتراض إشكالي، لأنه بينما بدأ الباحثون فقط في تقييم دور الضباط المتقاعدين في الانتخابات المحلية والسياسات الوطنية، فإنهم لم يجدوا أي دلائل حتى الآن على أن هؤلاء الضباط السابقين لهم أي نفوذ مباشر على المؤسسة العسكرية الحالية.
علاوة على ذلك، فرغم أن الجنرالات المتقاعدين في الدائرة الضيقة لجوكوي يسعون إلى حماية مصالحهم، فإن بعضهم يتداخل مع المؤسسة العسكرية (محاولة إيقاف التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان التي قامت بها المؤسسة في الماضي هو أحد الأمثلة)، فإنه ليس هناك دليل على أن الجيش هو الذي وضعهم مباشرةً في أدوارهم السياسية.
كما أنهم لا يحاربون حتى يعود الجيش إلى السياسة. فبعد كل شيء هؤلاء المتقاعدين – الذين لم يعودوا مرتبطين بسلسلة القيادة – قد انتقلوا بنجاح إلى الحياة السياسية عبر أنشطةٍ تجارية وسياسية عديدة. العودة إلى نظامٍ جديد يحكمه الجيش يعني التخلي عن مراكزهم السياسية والخضوع لسلسلة القيادة العسكرية والمصالح المؤسسية، بدلا من مصالحهم الخاصة.
انقساماتٌ داخلية
التوسع الأخير للقيادة الإقليمية للمؤسسة العسكرية ليس فقط للحفاظ على النفوذ السياسي ودور المؤسسة العسكرية في حفظ الأمن الداخلي وإنما أيضا لضمان أن خلافات أواخر التسعينات وأوائل القرن الجديد الحادة داخل المؤسسة، والتي يجادل البعض بأنها قادت إلى سقوط سوهارتو وإقالة الرئيس عبد الرحمن وحيد، لن تحدث مرة أخرى.
من بين الأسباب الهيكلية الرئيسية للتقاتل الداخلي كانت السياسات الفوضوية لتعيين وترقية القوات. لأن ترقية الضباط متوسطي إلى كبار الرتبة كانت تستغرق وقتا طويلا للغاية، فإنهم كانوا يحتفظون بمناصب كانت لتذهب إلى الضباط الأصغر.
علاوة على ذلك، بينما استمرت الأكاديمية في تخريج المزيد من الطلاب في السبعينات والثمانينات – حوالي 300 سنويا – سرعان ما أصبح لدى الجيش جنرالات وكولونيلات يفوقون حاجته.
تغلب الجيش على تلك المشكلة في البداية عبر تعيين الآلاف منهم في مناصب مدنية وسياسية وتسريع مدة الخدمة الدورية الخاصة بهم. لكن أفول النظام الجديد قلّص الوظائف غير العسكرية المتاحة حتى بينما ظلّ عدد الضباط كما هو ثم ارتفع – من 46,168 فرد عام 2004 إلى 52,940 عام 2009.
وبالتالي فإن الحفاظ على القيادة الإقليمية يساعد في الحفاظ على مناصب الرتب المتوسطة إلى الكبرى متاحة. إنها إحدى طرق تهدئة الصراعات الداخلية في الجيش – وبالتالي، تحقيق استقرار العلاقات المدنية العسكرية على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، فبينما اشتعل العنف المحلي والصراعات العرقية وحركات الانفصال المحلية في أواخر التسعينات وأوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، ومع زيادة التوترات المدنية العسكرية عقب تغيير النظام، لم يرغب أحد من النخبة السياسية في الدفع نحو تعديلٍ شامل للقيادة الإقليمية.
كحلٍ وسط، فصَلَت الحكومة الشرطة عن الجيش في العام 1999، لكن ذلك قاد إلى تنافس قوى بين المؤسستين.
هذا هو أيضا السياق الذي سعى فيه الجيش للحصول على دورٍ أكبر في مكافحة الإرهاب. ازدهرت القوات البحرية والجوية في ظل خطط التحديث العسكري التي قامت بها الإدارات السابقة، بل وأكثر في ظل جوكوي، الذي تعهد بتحويل البلاد إلى «قوةٍ بحريةٍ عالمية».
لكن الجيش يستمر في البحث عن علة وجوده خاصةً بعد أن أنهت عملية سلام آتشيه عام 2005 أكبر حرب انفصالية في البلاد.
مكافحة الإرهاب هي منفذ طبيعي. لذا فقد استخدم الجيش مكافحة الإرهاب لتبرير تنشيطه لبعض مهمات القيادة الإقليمية ومشاريع بناء الدولة لمواجهة نفوذ الشرطة.
تلك المشاريع – والتي تتراوح ما بين بناء الطرق والكباري إلى المساعدة في حملات التطعيم – هي أيضا ليست جديدة. منذ أربعينات القرن الماضي، بَنَتْ العسكرية الإندونسية الثقة مع المدنيين من خلال مهماتٍ مماثلة. ومع وجود بعض الإدارات المحلية غير معدة للحكم، فإن العسكرية كانت المؤسسة المتماسكة الوحيدة القادرة على توفير سلعٍ عامة بعينها في بعض المناطق النامية.
بالطبع لا تستطيع العسكرية الهرب من حقيقة أنه تحت حكم سوهارتو، أصبحت المهمات المدنية أداةً في يد النظام للسيطرة وقمع السكان جنبا إلى جنب مع حشد الأصوات.
اليوم، قد تفتح مثل تلك المهمات الباب لإساءة استغلالها مرةً أخرى. رغم ذلك فإنه لا يوجد هناك علاماتٌ حاسمة تشير إلى أن العسكرية سعت إلى بسط نفوذها بتلك الطريقة.
الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو يستعرض أفرادا من القوات الخاصة الإندونيسية في جاكرتا، 16 أبريل 2015.
سجل جوكوي
لم يعد جوكوي أيضا متحالفا مع المؤسسة العسكرية أكثر مما كانت الإدارات السابقة. في الواقع فإن سلفه سوسيلو بامبانج يودهويونو (الملقب بـ«إس بي واي») قد أحكم قبضته تدريجيا على المؤسسة العسكرية عبر زملائه السابقين في الأكاديمية، وأفراد عائلته، والموالين داخل المؤسسة.
لكن الأكثر أهمية هو أن «إس بي واي» سعى إلى حل التوترات مع المؤسسة العسكرية عبر إعطائها شعورا جديدا بهدفٍ احترافي: أن تصبح قوة محاربة حديثة. حيث بدأ ما يطلق عليه برنامج القوة الأساسية الأدنى، والذي غمر المؤسسة العسكرية بمليارات الدولارات من الأسلحة لمدة عقدين، وشهد وصول ميزانية الدفاع إلى ما يقارب الثلاثة أضعاف جنبا إلى جنب مع زيادة مرتبات الأفراد.
كما قام بترقية ضباط القوات البحرية والجوية إلى مناصب عسكرية رئيسية وأعطى أيضا امتيازاتٍ خاصة لضباط الجيش الذين جاؤوا من وحدات قتالية محترفة، مثل هؤلاء القادمين من قيادة الاحتياطي الإستراتيجي للجيش.
أيضا جعل «إس بي واي» التعليم العسكري أكثر احترافية عبر إقامة جامعة الدفاع الإندونيسية، محولا الأكاديمية إلى نظام كلية كامل يستغرق أربع سنوات، ومرسلا ضباطا أكثر للدراسة والتدرب بالخارج. ارتفعت التعاملات الدولية للمؤسسة العسكرية – من التدريبات المشتركة إلى دبلوماسية الدفاع – بصورةٍ كبيرة في عهد «إس بي واي».
بالمقارنة مع «إس بي واي»، فإن جوكوي يتخذ نهجا شديد النأي بالنفس نحو العلاقات المدنية العسكرية. فهو مترددٌ في تولي مسؤولية إدارة قيادة المؤسسة العسكرية شخصيا وبقوة، ووضع سياساتٍ معينة، ومحاسبة القيادة العليا.
ينبع هذا جزئيا من أجندته الداخلية الأضيق – التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالأساس – والتي بنى من خلالها مجموعةً صغيرة من المستشارين، من ضمنهم جنرالات متقاعدون ذوو نفوذ مثل لوهوت باندجايتان و إيه. إم. هندروبريونو.
يعتمد جوكوي بشدة على هؤلاء المستشارين للتواصل مع المؤسسة العسكرية ووضع خطوط إرشادية عريضة. ففي النهاية جوكوي هو دخيلٌ سياسي يواجه معارضة يقودها قائد القوات الخاصة السابق برابوو سبيانتو.
في المجمل، عندما نحلل السياقات المؤسسية والمدنية-العسكرية الأوسع، فإنه يبدو من غير المرجح أن إندونيسيا سوف تشهد إعادة إحياء النظام الجديد سياسيا، سواء حاليا أو في المستقبل القريب. بدلا من ذلك، فإنها سوف تشهد استمرار تطور المؤسسة العسكرية بينما تكيف نفسها مع عالمٍ سياسيٍ جديد.