فورن بوليسي: حيا أو ميتا .. الملا عمر ليس أكثر من تراث
قال مكتب الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني يوم الأربعاء الماضي أن الملا عمر قد مات “حسب معلوماتٍ موثوقة”، بينما أكدت مخابرات البلاد، إدارة الأمن القومي، أنه تُوفي في أبريل 2013 في مستشفى بمدينة كراتشي الباكستانية. مازال على طالبان، والتي كانت تصدر بصورةٍ روتينية خطاباتٍ يُفترض أنها كُتِبَت من قِبَل القيادي المتشدد الغامض، أن تصدر أي تعليقٍ علني على موته المحتمل.
في تلك الأثناء، رفض مسؤولون أمريكيون تأكيد التقارير، لكن البيت الأبيض قال إن تلك الروايات “ذات مصداقية“.
رصدت الولايات المتحدة مكافأةً قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلوماتٍ تقود إليه عقب هجمات 11 سبتمبر. في وصفه لأسباب ملاحقته، قال برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكي أن الملا عمر قد آوى أسامة بن لادن مؤسس القاعدة و”يمثل تهديدا مستمرا لأمريكا وحلفائها”.
لكن حيا أو ميتا، فإن أسلوب الملا عمر في القيادة، وآراءه حول الغرب، هي خارج إطار مواقف الدولة الإسلامية والجماعات المرتبطة بها حول العالم تماما. حسب معاييرهم، فإن الملا عمر يُعتبر معتدلا نسبيا.
كان زعيم طالبان مستعدا لدخول مفاوضات مع الحكومات الغربية والاعتراف بالحدود الدولية، لكن جيلا جديدا من المتشددين لا يهتم بمحادثات السلام أو الحدود. يسعى قادة تنظيم الدولة الإسلامية إلى نشر علامتهم التجارية من الإرهاب عبر البلدان والقارات، وتفوق أساليبهم الوحشية وفظائعهم حتى سجل طالبان من القسوة والعنف.
يأتي تقرير موت الملا عمر قبل يومين فقط من جولةٍ ثانية من المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية ومتمردي طالبان. إذا كان الملا عمر خارج الصورة بالفعل، فإنه يبقى من غير الواضح كيف يمكن أن يؤثر غيابه على المناقشات. لكن بعض المحللين صوروا زعيم طالبان كمتشددٍ يعارض المساومات بصورةٍ غريزية، و عبر مكتب الرئيس الأفغاني عن تفاؤله بأن ذلك سوف يوفر زخما جديدا.
كان مدى النفوذ الذي مارسه الملا عمر على طالبان في الأعوام التي أعقبت الإطاحة بها من كابول “دائما سؤالا صعب الإجابة”، قال ديريك هارفي، الكولونيل المتقاعد بالجيش الأمريكي، والذي كان مدير مركز الدراسات الداخلي بالقيادة الوسطى للجيش الأمريكي، مركز باكستان وأفغانستان للتميز، ما بين عامي 2009 و2013.
“إنه ذلك الرمز الأسطوري الذي بدا أنه يقيد التواصل ويوفر صيحة الوحدة”، صرح هارفي لفورين بوليسي. مضيفا “بدونه، أو فكرة وجوده، فإن طالبان سوف تتفكك”.
قد يعني تمزق طالبان عنصرا جديدا من عدم اليقين للولايات المتحدة وحلفائها، والذين يبحثون يائسين عن طريقةٍ لإنهاء، أو تقليل، العنف الأفغاني المتوطن، بينما يغادر الجنود الأمريكيون البلاد.
أصبح الملا عمر، البشتوني من أصولٍ متواضعة والذي فقد عينه اليمنى بسبب شظية عندما كان يحارب الاحتلال السوفيتي، الرئيس الأفغاني عندما حكمت طالبان البلاد من عام 1996 إلى عام 2001.
سافر نوابه إلى واشنطن عام 1997 للضغط على الولايات المتحدة للاعتراف بنظام طالبان. فشلت جهودهم، لكن في لحظةٍ ما كان هناك حديثا عن مشروع خط أنابيب نفط محتمل تشترك فيه شركة أنوكال للطاقة المنحلة الآن والتي كان يقع مقرها في كاليفورنيا.
في أبريل 1998، زار السفير الأمريكي بيل ريتشاردسون كابول، ضاغطا من أجل نهايةٍ للحرب الأهلية المستمرة في البلاد عبر المفاوضات وأيضا مقدما طلبا للنظام بتسليم إرهابي مطلوب يُدعى أسامة بن لادن.
عقب هجمات 11 سبتمبر، قادت الولايات المتحدة غزوا لأفغانستان بعد أن رفض نظام الملا عمر تسليم بن لادن.
فر الملا عمر إلى باكستان، حيث ساعد طالبان على إعادة التجمع وخوض حرب عصابات ضد الحكومة المدعومة من الغرب في كابول. يُعتقد على نطاقٍ واسع أن ادارة الاستخبارات الباكستانية قد وفرت له دعما كجزءٍ من استراتيجية لمواجهة أي نفوذٍ محتمل للهند في أفغانستان.
خلق وجود الملا عمر الشبحي بعيدا عن الأعين هالةً من التخمينات التي لا تنتهي حول سلطته على التمرد وعلاقته بإسلام أباد. هناك فقط صورتين معروفتين لمؤسس طالبان، وعلى عكس المتشددين الآخرين أو قادة القاعدة، لم يصدر الملا عمر ابدا رسائل فيديو، لكن كانت هناك رسائل صوتية أحيانا.
أصدرت طالبان رسالة مكتوبة يُزعم أنها من الملا عمر منذ عامين وكانت ذات نغمة تصالحية على غير العادة، دعم فيها زعيم التمرد التعليم “الحديث” والسماح للمنظمات الإنسانية الدولية. لكن تلك الرسالة ظهرت في أغسطس 2013، بعد أربع شهور من الوقت الذي تدعي الحكومة الأفغانية وفاة زعيم طالبان فيه في باكستان.
ظهر آخر تسجيل صوتي يُفترض أنه من الملا عمر في عام 2006، لكن كانت هناك شكوك حول صحته. وظهرت آخر رسالة نصية منسوبة له من قِبَل طالبان هذا الشهر، بدا فيها أنه يدعم محادثات السلام. لكن تلك الرسالة تأتي بعد أكثر من عامين على وفاته، حسب رواية الحكومة الأفغانية.
استجاب عبد الغني من جانبه إلى الرسالة بترحيبٍ علني في نهاية شهر رمضان الكريم، معبرا عن تقديره لدعم الملا عمر للمفاوضات: “نرحب بالرسالة التي أصدرها الملا محمد عمر والتي قال فيها إن المفاوضات هي الحل”.