صلاح ورمضان vs ميدو وزيدان
الأرقام ليست لعينة فحسب، لكنها أحيانًا مرعبة، تأكل السنوات وتسحق حواجز الاختلاف بين الأجيال الكروية في سبيل توظيفها لحسم مقارنات اللاعبين، هي المعيار الذي يعلو بنظر البعض على أي شيء، وهي العائق الذي يراه آخرون لمقارنة أفضل ولصورة أوضح، والخلاصة أن ثمة وجود لمقارنات يقتضي وجودًا للغة الأرقام!
لكرة القدم المصرية تاريخ مع الاحتراف، يمتد منذ «حسين حجازي» و«صالح سليم» ونشهد خلال تلك السنوات انتعاشًا بمسيرته يواجه ظروف معاكسة وينتصر عليها بأغلب الأحوال، زامل ذلك التاريخ الممتد اهتمام ومتابعة من عامة المهتمين بالكرة المصرية ،هذا الاهتمام ما لبث أن تحول لسيل من المقارنات عن أحقية أحدهم بالفوز بلقب «أفضل محترف بتاريخ مصر»، فيما يبدو أن التاريخ ينتهي لحظة حسم المقارنة!
المقارنة التي ظن البعض أنها حسمت لصالح «أحمد حسام» (ميدو) حين جاوزت قيمته التسويقية 10 ملايين يورو قبل 10أعوام، تعيد جدولة ذاتها بدخول أسماء مثل «محمد صلاح» و«محمد النني» حاليًا، وربما تسبح بأفق أوسع مع «رمضان صبحي» وجيل 97.
يسعى المقال لمقارنة منطقية تستند إلى مساحات الصواب والخطأ أكثر من الحكم القطعي على تجارب الجيل الحالي وسلفه من المحترفين المصريين، المقال يهتم بسرد تجارب الاحتراف الأوربية بالتحديد.
انطلاقات الظل والنور
«مجدي عبد الغني»، «هاني رمزي»، «أحمد حسن»؛ ثلاثي رسم خطًا للمحترف المصري حينها يرتكز على التألق المحلي، فالإجادة مع المنتخب بالمنافسات الدولية ومن ثم العبور للاحتراف ومواصلة تقديم أداء قوي.
ثلاثة مباريات بكأس العالم منحت عبد الغني ورمزي فرص احتراف جيدة للغاية، وهدفُ نهائي بوركينا فاسو طار بأحمد حسن نحو رحلة طويلة بين تركيا وبلجيكا.
لكن جيل اللاعبين مواليد الثمنينات لم يلتقط الخيط، الغريب أن أسهمهم في الاحتراف ازدادت بالطفرة التاريخية التي حققها «حسن شحاتة» بنجاحه في الحفاظ على نسيج مترابط لهذا الجيل منذ مغامرة 2003 مع منتخب الشباب وحتى الفوز بأخر كأس إفريقيا عام2010! إنجاز قاري عظيم أظهر للعالم صلابته خلال كأس القارات لم يستغله إلا قليلون، تؤكد لك ذلك قائمة المنتخب بأعوام 2008 و2009 التي لا تشهد سوى على احتراف «أحمد المحمدي» و«عمرو زكي» كما انتقال زيدان لمحطته الأبرز بورسيا دورتموند.
البقية فضلت البقاء؛ «حسني عبد ربه» لم يفكر للحظة في الخلاص من ستراسبورج الفرنسي، «محمد شوقي» عانى من تقديم عروض ضعيفة مع ميدلزبروه، أما «إبراهيم سعيد» فأطلق الرصاص على مسيرته التي أحيتها من جديد أمم إفريقيا 2006 فقرر العودة لمصر، وأخيرًا «عصام الحضري» اتخذ القرار الأسوأ في تاريخه.
ميدو و«حسام غالي» كانا قد سبقا جيلهما للاحتراف، عاد ذلك لتسويق إمكانياتهما مبكرًا فكان خروج الأول لبلجيكا ثم موسم خرافي مع أياكس، أما الثاني فنال إشادة كبرى بعد أداءه ببطولة العالم للشباب 2001 منحه قميص فاينورد.
جيل التسعينيات لم يحظَ بهذه الفرصة من المشاركات الدولية المتنوعة، بل إنه واجه أساسًا شبح توقف النشاط الكروي بمصر على فترات مما عرّض مستقبلهم للخطر.
الاستثناءان الوحيدان من ذلك الفخ كانا: تقديم أداء لا بأس به تحت قيادة «هاني رمزي» بأولمبياد لندن 2012 كما الفوز المستحق ببطولة إفريقيا تحت 20عامًا، حينها أقدم ما يزيد عن 7 لاعبين على الانضمام لأندية أوربية ولحق بهم بعد ذلك «محمود تريزجيه» كما «عمر جابر»، مثّل ذلك مؤشرًا للحيز الذي تملئه تجربة الاحتراف بترتيب أولويات القطاع الأهم من ذلك الجيل!
آخرون لم تسعفهم المشاركة الدولية فلجؤوا لحلول أخرى، ما قام به «علي غزّال» هو المثال الأبرز، حين اتخذ خطوة طموحة بمحاولة تسويق إمكانياته إليكترونيًا، فتواصل مع عدد من وكلاء اللاعبين بالبرتغال الذين طلبوا منه إرسال فيديوهات وانتظار رد أحد الأندية الذي جاء سريعًا بطلب التعاقد مع نادي وادي دجلة، ليصبح غزّال الآن قائد «ناسونال ماديرا» البرتغالي!
في السنوات الأخيرة فضّل بعض لاعبو أندية منتصف الجدول الخروج مبكرًا لأوربا عن الانضمام للأهلي أو الزمالك، ويسعى قطاع آخر من لاعبي القطبين لإقناع إداراتهم بالسماح لهم بالمغادرة.
الملحوظ أن جانبًا من تلك الانتقالات لم ينل اهتمامًا كافيًا، لم يحاوطها سوى ظل جمهور الفرق التي يلعبون لها أو رواد المنتديات الافتراضية.
إثبات الجدارة
محطة الانطلاق نحو الاحتراف تعني الإيمان بموهبة اللاعب وقدرته على الإضافة، لكن يبقي تأكيد جدارته هو الأهم، هنا الأمر مرتبط بما يضيفه من عدد مشاركات وأهداف أو سد ثغرات الفريق وبنظرة أبعد قدرته على إدارة مسيرته بنجاح.
إحدى مشكلات جيل الثمانينيات كانت البدايات المبهرة التي تنطفأ بشكل غير متوقع، الرضا السريع عن ما تم إنجازه دون النظر الثلاثي الهجومي ميدو ،زيدان، عمرو زكي يعبرون عنه بوضوح!
فمسيرة ميدو بدأت بالتراجع بعد تسجيله 19 هدفًا لصالح السبيرز، وبعكس أغلب الأراء التي توقعت أن المهاجم صاحب الـ 23 عامًا، حينها سيضيف لمسيرته المزيد فقد دخل في سلسلة تعاقدات استنزفت مشواره.
أما زيدان كان قد نال شرف مشاركة «يورجن كلوب» مشروعه مع دورتموند لكن دوره تراجع، الأسوأ أنه لم يستغل انتقاله لـماينز تحت قيادة المدرب «توماس توخيل» والذي حقق أفضل مركز بتاريخ الفريق بالدوري، زيزو اختار التخلي عن ذلك كله.
لكن تجربة عمرو زكي تحظى بالجانب الأكثر مأساوية، «البلدوزر» المصري الذي بدأ مع ويجان بداية نارية مسجلًا 11 هدفًا سرعان أن فقد بريقه ودخل في متاهة لم ينجو منها أبدًا.
مجموعة أخرى عانت دائمًا من فشل بالتأقلم وفرض إمكانياتهم على التشكيل الأساسي، الأمر يزداد سوءًا حينما يستسلم أحدهم بدلًا من البحث عن خطوة إيجابية بطلب الإعارة مثلًا.
«شيكابالا» يأتي على قمة هذه المجموعة، جناح سبورتنج لشبونة اختفى من النادي بعد 5 مشاركات بالدوري ورفض مشاركة الفريق الرديف وسط استياء شديد، أما حسام غالي الذي تألق مع فاينورد والسبيرز كتب لنفسه نهاية قاسية بأزمته مع «مارتن يول».
بنفس المجموعة يقع أسماء أخرى كـ «أحمد فتحي»،«محمد ناجي» (جدو)، «محمد شوقي»، «حسني عبدربه»، كل تلك الأسماء لم يرقَ أداءها لطموح المتابعين.
لكن غالبية جيل المحترفين من مواليد التسعينيات استطاعت حتى الآن تفادي العقبات التي واجهت من سبقوهم، يضاف على ذلك اشتراك أغلبهم بسمتين رئيسيتين: الأولى هي مركزية التدريب الجاد والعمل الدؤوب والتطور الفني التدريجي بتجربتهم مما يساهم في تثبيت أقدامهم، ربما هو الجيل الأقل ظهورًا بلقاءات تلفزيونية أو إثارة لأي مشاكل مع الأندية التي لعبوا لها.
هذه السمة دفعت صلاح لتسجيل 47 هدفًا بمسيرته مبتعدًا قليلًا عن ميدو، وصول مشاركات النني وعلي غزال لـ 162 وـ111 مباراة بالترتيب، وهي التي منحت رمضان صبحي أعلى سعرًا لمحترف مصري يخرج من الدوري المحلي بعد اهتمام أندية كميلان، أودنيزي وأرسنال بالتعاقد مع ابن الـ 19!
أما السمة الثانية هي سعيهم الدائم للمشاركة وعدم الاكتفاء باللعب لأحد القطبين أو الجلوس كدكة بنادي أوربي، هي الثقة بإمكانياتهم وترحيبهم بالتحدي، وهو ما قام به بالضبط تريزجيه بعد أن طلب الإعارة من أندرلخت لضمان مشاركة أساسية.
أما «عمرو وردة» و«أحمد حسن» (كوكا) فإنهما فضلا السفر على دكّة الأهلي لتصل مشاركات الأول مع نادي بانيتوليكوس اليوناني لـ30 مباراة بينما ترتفع أسهم كوكا بعد أن أصبح هدف أكثر من نادي بالبرتغال.
وصحيح أن بعض لاعبي جيل التسعينيات عانوا من التأقلم على الأجواء الأوربية ولم ينجحوا في حجز مكان أساسي ثابت بفريقه، لكن الملفت أن أغلب هؤلاء عادوا للتألق المحلي بالأهلي أو الزمالك وربما يمتلكون فرصة أخرى للاحتراف، فمثلًا: «أحمد حجازي»، «رامي ربيعة» عادوا كأساسيين بالأهلي، أما «محمود عبد المنعم» (كهربا) و«محمد إبراهيم» فإن كليهما ظهرا بشكل طيب مع الزمالك، «مروان محسن» هو الأخر تألق مع الإسماعيلي وينتظر منه جمهور الأهلي الكثير، «صالح جمعة» و«أحمد حمودي» هما أقل من ظهر بأداء مرضي فور عودته لكن أمامهم ما يكفي من السنوات لاستعادة مستواهم محليًا وربما خوض تجارب جديدة.
بين كوبر وشحاتة: هل نشهد تحولًا بشأن المحترفين؟
لا شك أن منتخب حسن شحاتة حقق ما لم يحققه جيل بفوزه بثلاث كؤوس أمم إفريقيا متتالية كما منافسته الشرسة على بطاقة التأهل لكاس العالم، ربما لو سمحت الفرصة بالتأهل لاختلف وضع المحترفين ومن يفكرون بخوض تلك التجربة حينها، ما أود الإشارة إليه هو مدى اعتماد شحاتة على المحترفين مقارنة بأقرانهم المحليين، والحقيقة أن المقارنة لا تصح بالأساس لأن المعلم بني تشكيلته على اللاعب المحلي مع دخول عنصر أو اثنين من المحترفين.
اختيارات شحاتة لم تكن لمعارضته لفكرة الاحتراف، بل ببساطة لقوة مشاركات المحلي وتألقه، لأن الحضري ووائل جمعة وهاني سعيد وأحمد فتحي وأبوتريكة وعماد متعب كانوا حاضرين بقوة في الصورة على حساب المحترفين باستثناء أحمد حسن وزيدان!
كوبر على الجانب الآخر تعج تشكيلته بلاعبين لأندية أوربية، وبالأخص في الثلث الهجومي للملعب الذي يقع تحت قبضة صلاح ورمضان وتريزجيه مع كوكا وبتواجد مستمر لمحمد النني في منتصف الملعب وعمر جابر كظهير أيمن مع دخول سام مرسي حديثًا على الخط!كوبر ومن قبله برادلي هو الآخر لا يهمه بشكل مباشر زيادة مستقبل المحترف المصري بقدر ما يهمه حضور الأكفأ في الملعب.
قد يرجح البعض دفع المدربين الأجانب بالمحترفين يعود لضعف المنافسة المحلية، لكن الحقيقة هذه النقطة تصب في مصلحة إمكانيات جيل المحترفين الحالي لأنهم ببساطة استطاعوا الوصول لأرسنال وروما وأندرلخت من خلال تلك المنافسة.
إلى أين؟
عام 2006 كنا مشغولين بمتابعة أخبار ميدو وأحمد حسن، ولم يلتفت أحد إلى محمد صلاح وهو يشق طريقه بهدوء وتركيز، وبينما تتوسم الغالبية الخير بالجيل الحالي فإن المؤكد أن جيلًا آخر سيسلك طريقه نحو الاحتراف بعد سنوات.
الجيل الحالي استطاع تفادي أزمات من سبقوه وتثبيت قدمه وإدارة مصيره، ينقصه تحقيق إنجاز جماعي، هل يمتد سقف طموحات هذا الجيل لما بعد حلم التأهل لكأس العالم؟ عمومًا، لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بذلك الوقت ولا أعتقد أن المطلوب منهم التفكير في إجابته، بل المطلوب هو مواصلة تقديم العروض الأوربية القوية ودفع آخرين لخوض التجربة والاستفادة من تراكم الخبرات.
أخيرًا، كانت خطوة متابعة كوبر للاعب «سام مرسي» والتي انتهت باستدعائه إيجابية، خلف الأسماء المشهورة طابور يتمني منحه فرصة المشاركة الدولية كـ «عمر تالي» و«رحيم الغندور» و«أمير إليكسندر» و«جاسم سكر».